وعد

29 5 0
                                    

كان واقفًا أمام بابِ شقّةٍ صغيرة قد رنّ صوت جرسها لعدة مرات من قبل قرعه له بشكل متتالي

فتحت البابَ تلك الفتاة الشقراء ذات شعرها المبلّل المتدلي على كتفيها بعد أن كتّفت يديها ورفعت حاجبيها استغرابًا بانزعاج
"آرثر ليس هنا"
قالت بأسلوبٍ أشبه بالنهر لمن تضايقت منه

ولعلّه ضايقها أكثر بمجرّد أن سئم الانتظار طويلًا
"أعلمُ بأنّه بالداخل صوفيا، أخبريه بأنّني أنتظره أسفلًا وإلا لدخلتُ بنفسي قسرًا"
هدّدها كريس لتستغرب جرأته و علاقته الغريبة مع خطيبها

ثمّ تسمّرت للحظة بعد مغادرته مستعجلًا لتنطقَ بهمسٍ بينها وبين نفسها
"وكيفَ يعرفُ اسمي ذلك الأحمق بحق؟"

لم يكُن لكريس سوى انتظار من تجنّب رؤيته بينما يستندُ على سيارته واقفًا بذهنه المشتّت وتفكيره العميق بأحداثٍ متتالية

لوّح الآخر بيده من بعيد مرحّبًا بصديقه بابتسامةٍ واسعة كما لم يختبئ منه للتو فحسب، ولكنّ كريس لم يردّها له بالمقابل، بل كانت يداه ترتجفان كما تفعلان عادةً جراء عصبيّته، و لذلك أدخل يديه في وسط جيبيه كردة فعل و كأي مرة

"هل تستطيع الابتسام براحة بعدَ ما حدث؟"
سأل منقضًّا بهجومية لتتلاشى تلك الابتسامة من وجه آرثر مستعينًا بتكشيرة حلت مكانها

اقترب أكثر متدنيًّا من كريس ثم تحدّث بصوتٍ هادئ ليبدو بأكثر عقلانية من الذي يقف أمامه بزعمه
"وهل أملكُ حلًا لما يحدث؟"

"في البارحة فقدنا ضحية كانت حياتها مهدّدة جراء اهمالٍ منا، ألا زلت تعتقد بأنّك لا تملكُ حلًا؟"
حاول الضغط عليه عن طريق القاء اللوم لمن لا يملك حيلة محاولًا ضمّه إلى صفّه

اعتلى وجهه الغضب الذي كان واضحًا على محياه ولو حاول إخفاء مشاعره
"هل تعي بأنّك تهاجمُ من أنقذك في الأمس؟"

ضحكَ كريس بسخرية متهكّمة بعد أن سمع كلمة الإنقاذ منه وهو يجحد ما قدّمه آرثر من مساعدة، بل لم يكن جحدًا أكثر من كونه اعتبر ما فعله واجبًا عليه

"لن أحقّق بالقضية ما دامت خارج نطاق عملي كريس، لا تحاول بالأمر، انتهى النقاش إلى هنا"
حاول المغادرة سريعًا ليمسك بكتفه كريس بعنف و محاولًا السيطرة على أعصابه

صمت للحظة بعد أن أخذ نفسًا عميقًا ثمّ لفظ وأخيرًا
"تلك القضية لم تعُد تتعلّق باختفاءِ أحدهم فحسب، و بل هي أكبر من كونها قضية قتل"

عاود تحليل الأمور بعقله بعد أن ارتابه القلق سابقًا ليفسّر له
"قتلٌ متسلسل يتعلّق بكل دليلٍ يقودُ إلى مكان هيلتون"

نزع آرثر يده عنه بعنفٍ متبادل بعد أن قطّب حاجبيه
"هراء!"

صمت لمهلة محاولًا التزامه بأخلاقه كعادته ثم عاود النقاش مع من لا يمتّ للمنطقية بصلة بالنسبة له وهو يصرخُ محاولًا الطبطبة على ضميره بعد أن كره تأنيبه له
"مالذي يُثبت لك ذلك؟ موتُ ضحية واحدة لا يعني بأن هناك ضحية مهدّدة أخرى"

صمت للحظة ليقترب من صديقه أكثر هامسًا و محاولًا استفزازه ليتركه وشأنه
"صدّق أو لا تصدّق، روز ماتت منتحرة وشكوكك لن تغيّر ذلك حتّى وإن كنت محقّقًا"

انفعل تلقائيًا عند جحده للموضوع بعد أن اعتقد تأييده له
"ولكنّ ذلك لا يعني بأنه ليس احتمالًا يا حضرة المحقق آرثر، أنت تعلم جيدًا بأن موت روز لم يكُن صدفةً قطعًا، وكون التحقيق يقتصر بأخلاقيات مهنتك فأنت مذنبٌ بحق عدم الدفاع عنها"

اطلق ضحكةً خاليةً من الفكاهة نحوه ثمّ ردّ عليه بصرامة
"أنت المذنب هنا كريس، أنت من أصريّت على البحث عن دليل عن طريق من لا حيلة له، بل أنتَ من وضع حياتها على محك الخطر عندما حاولت سلب الحقيقة منها بضغطك!"

ابتسم كريس تلقائيًا نتيجة حماقة صديقه
"إذًا فأنت تعترف بأنها لم تمت منتحرة كما زعمت"

فرّك وجهه بعنف مع ازدياد أنفاسه ليعارض من جديد وهو يضغطُ على كتف كريس بسبّابته ليشدّ انتباهه أكثر
"اعتقادي لن يغير الأمر لذا فتوقّف عن التلاعب معي بكلماتك واتركني وشأني كريس"

غادرَ بينما يسيرُ بخطواتٍ متسارعة حتّى أوقفته صرخة كريس عندما نطقَ بسؤالٍ مريب
"إن حصلَ وأن ماتت ضحيّةٌ أخرى فهل سيؤنبك ضميرك من جديد؟"

التفت سريعًا ليقابله وجهًا لوجه ثمّ أجابه بصمود
"حينها سأحقّق بالأمر تحت إمرتك مهما كلفني الموضوع"
أطلق بوعدِه علنًا وبثقة تامة

"إذًا لمَ تنتظر جثّةً أخرى ليتسنّى لك التحرك في القضية؟"
سأله بسؤال آخر

ابتسم آرثر ليخيّب أمله من جديد
"لأنّني على يقين بأن لا جريمة ستحدث ما دمنا لا نسعى بتلك القضية، لذا فقط ابتعد عنها كريس والزم سلامتك وسلامة غيرك"
قال بدافع النصيحة و لكنّ كريس لم يعتبرها كذلك، بل على العكس تمامًا فقد اعتقد بأنّه يصرّ على اخراسه عن الحقيقة رغمًا عنه

صمتَ بهدوء ثمّ صرّ على أسنانه ليلفظَ بنبرةٍ متوعّدة مشيرًا بسبابته
"سآخذُ وعدك بعين الإعتبار، لا تنسى ما قلته آرثر لأنّني لن أتركك حينها"

و لأول مرة تمنى موت أحدهم سرًّا في نفسه ولكنّه كتم تلك الرغبة التي قد يعتقدها البعض خبيثة

كان كريس بحاجةً ماسّة له ولعلّ آرثر أحسّ بذلك، فليس من طبعه الترجي كما أنه كره إذلال نفسه لتلك الدرجة له كما يفعل الآن

ربما تلك الوحدة هي من دفعته إلى التقدم والمبادرة رغمًا عن غروره، و كلّ ما أقرّ بحاجته في تلك الفترة هو مجرّد مساعدة

تبادرت في ذهنه أكثر من فكرة وهو يراقب الراحل من أمامه عائدًا لشقّته ليستخلص باستنتاجٍ واحد، و هو حاجته الماسة إلى تكوين فريقٍ تحقيق جماعي..

وذلك ما دفعه ليتّصل مباشرةً برفيقه القديم ليستبدله به

ضحايا هيلتونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن