روز

21 5 0
                                    

في تمام الساعة السابعة والنصف مساءً كان يقفُ أمام بنايةِ شقتها من جديد مبكرًا وهوَ على أحرّ من الجمر بانتظاره للثامنة ليقتحمَ مكانها

كان متألّقًا بزيّه ومرتّبًا بمظهره، وكعادته كان يرتدي زيًا بنفس فكرةِ بدلاته الرسمية ولكن بلونٍ مختلفٍ هذه المرة، فاللون الأسود هو ما يميّز هذه الليلة عن غيرها تماما كسواد سمائها

لم يدُم الأمرُ طويلًا حتى تلقّى مكالمةً أخرى من آرثر بعد أن تجاهلَ ثلاثةً قبلها ليردّ بتأفّف مضطرًا للأمر بعد أن تلقى خذلانًا منه سابقًا
"أرجو بأن يكون الأمر مهمًا لغاية مكالماتك المتتالية سيد ميجي"
ولم يمنعه الموقف من القاء دعابته آخر حديثه

"وأخيرًا رفعت سماعة هاتفك كريس!"
صرخ مستنجدًا وهو يلهثُ خوفًا

"هل جدّ جديدٌ آرثر؟"
سأله سؤالًا بعجب لافظًا هذه المرة باسمه بعد أن استنكر حديثه معه بسبب انقطاع علاقة العمل التي كانت بينهم ابتداءً من اليوم

"أنت في فخٍّ كريس، عد أدراجك لمنزلكَ حالًا"
قال هامسًا من جديد خشيةً من أن يسمعهُ أحدهم بسبب كونه لا يزالُ عالقًا في قسم التحقيق بعدَ أن تأكّد بعيناه بأنّ لا أحد يقفُ معه في ذلك الممر

ابتسمَ الآخر ساخرًا ليردف قائلًا بتهكّمه المعتاد وهو على وشك قطع خطّ هاتفه
"تلكَ ليست الطريقة المثالية لأن توقفني آرثر، ثمّ إنّك تعلمُ جيدًا بأنّني لن أبرح المكانَ حتّى أحصل على ما أريد"

"روز مختفية كريس، و الأهم من ذلك بأن جهة التحقيق في طريقها لشقّتها حيثُ أنت! تلقيّت الخبر للتو فحسب وكان عليّ اخبارك"
عاودَ الحديث مواصلًا الهمس وهو يصرّ بأسنانه مخفيًا غضبه العارم وقلة صبره

هنا صمت الاثنين صمتًا دام لعدّةِ ثواني بينما كريس يفكّر بعمق دون أن يخفي رغبته القاتلة في الصعود للشقة الخامسة عشر ولكنّ حديثًا قاطعه بعدَ أن هدأ آرثر
"كريس اسمعني جيدًا، مما يبدو لي ولغيري بأن روز قد فارقت الحياة، لذا فاعلم بأنّ وجودك حول تلك الشقة لا يتمحور حول خسارتك لوظيفتك وإنما لكونك ذو علاقةٍ بمقتلها"

زفر بعمقٍ ثم عقد حاجبيه بضيق وهو يمسكُ بقبضةِ يده والغضب يعتليه
"وكيفَ علمتَ بأنّني أقفُ في المكان الموعود أمام شقّتها؟"

تنهّد للحظة ثم أجاب سريعًا دون تفكير
"لأنّني تلقيّت نفس رسالتك، ولكنني لم أتسرّع كما فعلت"
ولأول مرة اعتقد كريس بأن آرثر يبلغه ذكاءً وصبرًا إلا أنه جحد ذلك سريعًا لكبريائه كمحقق محترف

و لم يكن على كريس سوى الشعور بالندم لتعجّله من جديد ومن ثمّ حاول السيطرة على مشاعر الغضب التي اجتاحته وقتها ليسمع الطرفَ الآخر متحدّثًا مرة أخرى بكلماتٍ متأنية
"والآن توقّف عن عنادكَ و انفر من المكانِ فحسب! إن شوهدت هناك فلن تكون نهاية الأمر خيرًا لك هذه المرة، صدقني كريس"

أغلقَ هاتفه دونَ لفظ كلمة الوداع بعد أن رمقَ ذلك الفتى الذي يجلسُ أمامه في سيارته وهو يراقبه بصمت ليتبين له بأنه كان متواجدًا منذُ بداية مكالمته

كان يرتدي قبعةً سوداء وكمامةً بنفس اللون مغطيًا وجهه بتخفي، وما إن لاحظ اكتشاف كريس له حتى شغّل جهاز الوقود سريعًا ليهرب منه بارتباك واضح دون حاجة لاظهار ملامحه

لم يُحاول كريس اللحاق به بسبب يأسه من الأمر ولكونه يقف بعيدًا عن سيارته ولكنّه حاول التقاطَ أكبر عددٍ من الأدلّة بنظراته فحسب ليتبادرَ إلى ذهنه شخصٌ ما بسبب طوله الأقرب للقصر رغم جلوسه، وبشرته البيضاء الناصعة رغم تغطيته لأغلب وجهه، وكذلك تلك العلامة المؤكدة التي تكونُ جرحًا بالغًا في نصفِ حاجبه الأيمن

همسَ بخفة بينه وبين نفسه بعد أن اختفت المركبة من أمامه مصرّحًا باسم من بدأ له غبيا بعقله بينما ارتسمت ابتسامةٌ طفيفة على شفتيه
"لن يدوم اختفاؤك طويلًا أيها المغفل"

راقبَ نافذة الشقة من الأسفل ليرى أضواءها المغلقة ثم أطلقَ تنهيدةً عميقة بعدَ أدرك بأن آرثر محقّ بأمر رحيله ليدفن رغبة اقتحامها بنفسه لضيق الوقت

غادر سريعًا فرارًا من مسرح الجريمة و عائدًا لشقّته المظلمة تحديدًا بينما تبدو عليه ملامح الاحباط الشديد وقدماه تزحفانِ على الأرض مشيًا بتثاقل لعدم نيله لما يريد

إن كان موتُ تلك الفتاة الشقراء صحيحًا فقد خسرَ دليلًا رابحًا يقوده للحقيقة، و ذلكَ ما شهدت عيناه وما سمِع حينَ شغّل تلفاز صالته الصغيرة بجهاز التحكم لتتوسّع حدقتاه استغرابًا

لم تمضي سوى خمسة وأربعين دقيقة بثوانيها كما حسبها على موت الضحية روز ولكنّ الأخبار العاجلة تضجّ في كلّ مكان تحت عنوان عارضة الأزياء المنتحرة

التهبت أعصابه غضبًا وهو في نزاعٍ متضاربٍ مع نفسه بينما تدور التساؤلات في عقله وهوَ يرفع الصوتَ أكثر ضاغطًا على الزر بينما يقف بلا حراك ليعلو صياح المذيع المصرّح للخبر الذي زعم كريس بزيفه

تأفّف وازداد تقطيبه لوجهه ثمّ بدأ عبوسه بالتحولِ إلى غضبٍ عارمٍ ليصرخَ صوتٌ في عقله ومن ثمّ اتصل سريعًا بمن أغلق الخط في وجهه بمدّة ليست ببعيدة

"أرى بأنّ الخبر وصلك سريعًا كريس"
ردّ آرثر بنبرة العالم المتنبئ ليصرخ الآخر في وجهه وكأنه الفاعل
"منتحرة؟؟"

"هدئ من روعك كريس، ذلك الخبر الذي سمعته لم يُطلق عن عبث بل كانَ مصرّحًا من قبل السلطات التحقيقية"
قال زميله المدعي العام رغم عدم تصديقه للأمر ولكنّ هذا ما ابتغى تظاهره

"أتسمعُ أذانُك ما يخرج من فمِك آرثر؟"
سأله مديره السابق أو الحالي بتهكّم محاولًا السيطرة على أعصابه

تمالكَ آرثر نفسه ثمّ استجمع قواه ليُسمع كريس بما لا يرغبُ بمعرفته
"أعيد وأكرّر كريس، استسلم للأمر فحسب، أخبرك بذلك بدافع القلق عليك لا منك، إن أصبحت عبئًا في طريقِ ويليام جونسون فسيتخلص منك كما فعلَ مع روز و بكلّ بساطة"

و لم يتلقّى آرثر سوى مكالمةٍ منتهية من قبل كريس كما فعل سابقًا خشيةً بأن يكملَ حديثه ليمسحَ عرق جبينه بعدَ أن تلفت أعصابه منه

ذلك العرق الذي صبّ دون شعورٍ منه عندما كان غارقًا بقلقه على كريس..

ضحايا هيلتونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن