11

4.5K 69 15
                                    

=64=
.
فزت دلال من نومها من صرخت ليالي وهي تبكي وتتمسك بجُمان، مسك رعد بريك قوي وهو توتر وانفجع من صراخ ليالي،و إلتف عليهم بشبه صراخ : وش فيها؟!، هزت ليالي رأسها بالنفي :ما ادري ما ادري..
نزلت جُمان بسرعة وهي تفتح باب ليالي: روحي مكاني بسرعة وأمسكي دلال،.. بسرعة! ،وفعلا سوت مثل ما قالت لها ركبت جمان وهي تثبت رأس كادي على رجلها :رعد!! حرك المستشفى! وش تنتظر! ، حرك السيارة وهو يسمح على جبينه..
ومدت يدها وهي أخذت عطره تبخه في طرحتها وتحاول تصحيها بس ما كانت تستجيب، قاست نبضها وتنفسها وكان طبيعي ، ظلت تضرب على خدها بخفيف..
وصلو المُستشفى وحملها رعد وهو يركض للطوارئ وتبعته جُمان وخلت ليالي في سيارته مع دلال...

جلست في الإنتظار وهي تطلع جوالها من شنطتها وطاحت من الشنطة ورقة رفعها لها وهو يسألها :وش هذي؟،
سحبتها من يده وهي ترجعها مكانها :ولا شيء، وسرحت بذاكرتها، لما لقتها تحت مخدتها في بيت جدها وعرفت إنها منه لأنها ما تذكر إن في أحد دخل غرفتها من ذاك الوقت غيره، كانت عبارة وحيدة
"أزهري من جديد، أثبتي لهم أن الذبول خُرافة الضعفاء"
لكنها هزت أركان قلبها وتعمقت داخلها بصورة فظيعة، وأحتفظت فيها، كانت بطريقة ما تفهمها تواسيها هالجُملة وتخليها كل ما ضعفت ترجع تتماسك!، وما تكذب لما تقول إنها تعلقت بهالجُملة جداً طول الشهرين اللي مرت، لحد ما قدرت ترتب داخلها، هي جلست مع نفسها كثير وبدأت تتقبل هالواقع!، تتقبل كونه زوجها وتتقبل إنها تحت ذمته، وكلام جدتها اللي ظل يتردد في عقلها كثير هي سواء رفضت أو قبلت الأمر صار واقع، رفضها للأمر بيتعبها هي وبس وبيحول حياتها لجحيم ومقاومة وهي ما بقى فيها حيل تصارع وتحارب أشياء فعلاً مُقدرة ومكتوب، ‏هي أمضت طول حياتها مجدّفة بعكس تيار النهر، بجهد وحشي، وهي الآن متعبة، و تبغى تلتف نصف دورة وتترك التيَّار يحملها برفق إلى البحر ، صحيح إن في شرخ عميق داخلها ما قدرت ولا تعتقد إنها بتقدر تسده، لكنها في نفس الوقت قررت تواصل وتستقبل الأحداث الجاية كلها بمنطقية لأنها تذكرت ‏إن كل عمرها كان مليئ بالسلام والنضج رغم التخبطات والعثرات ، كانت جديرة بكل المواقف التي دخلت حياتها ، وما نامت يوم واحد وهي مهزومة رغم المرات الكثيرة اللي نامت فيها وهي حزينة ، هي عاهدت نفسها تكون قوية وسعيدة ، فكانت ، ولازالت وبتكون كل عمرها كذا و هي ما تخلف وعودها لنفسها أبدا،..

رجعت من سرحانها على صوت خروج الدكتور وإتجهت نحوه هي ورعد!
ونطقت :وش فيها يا دكتور؟ كيف وضعها؟
نطق وهو يناظرهم : وين ولي أمرها؟
=65=
.
ردت عليه :أنا أختها دكتور!، هز رعد رأسه :نحن أهلها وش فيها؟
خلع الدكتور نظارته وهو يتكلم :البنت عندها إنهيار عصبي، واضح إنها حالتها النفسية سيئة جداً وإنها متأثرة بأشياء كثيرة! لازم تجلس اليوم تحت الملاحظة، والفترة الجاية تكون مستقرة نفسياً و تبعد عن أي شي يوترها ويشد أعصابها وما إلى ذلك، وأنصح وأتمنى إنكم تعرضونها على أخصائي نفسي.. من الخطر إننا نهمل الجانب النفسي!،
هز رأسه :مشكور دكتور ما قصرت! ، رد التحية وهو يبتعد عنهم،
عضت شفايفها :بروح عندها! ،هز رأسه بزين وهو عاقد حواجبه وتدور في رأسه كثير من الإستفهامات والأسئلة، و إن إيش اللي ممكن يكون وصلها لهالمرحلة!..
مسحت على شعرها وهي تدافعت دموعها لعينها وقبل جبينها وهي تلمح شحوب ملامحها وسكونها والمُغذي الموصول في يدها، وهمست لها كأنها تسمعها :‏احياناً يكون خطاك بس انك قلت للي تحبّه انك تحبه؟! ، وزمت شفايفها وهي تكمل : ما كل غالي يستاهل الغلا بس قلوبنا غشيمة يا كادي! ،وظلت تقرأ عليها أيات من القرآن، إنتقلت عندها هالعادة من جدتها نوره وجدها سعود وكذلك أخوها تركي كلهم لما كانت تتعب في صغرها أو تكون خايفة ومرعوبة من شي يقرون لها وتحس إن هالشيء ما يخرج إلا من الحُب الشديد، لما تستشعر إن أحد يقرأ عليك من كتاب الله ويحصنك بأياته وتسمع نبرة ترتيله وصوته اللي تعبر عن القلق والخوف وإن كل مطلبه يكون طمأنينتك والسكينة اللي تنزل عليك، يهلكها هالإستشعار للموضوع ولذلك هي إكتسبت هالعادة وتحبها جداً،
كانت بتخرج لرعد تخبره إنها تبي تظل معها وتفاجئت بدخول عمها محمد اللي واضح فيه القلق :وش فيها كادي؟، قامت وهي تسلم عليه وتهديه :أجلس عمي.، إجلس!
جلس في كرسي قريب من سريرها وهو يمسح على وجهه،
ناظرت فيه وهي تنطق بهدوء :عمي وينكم عن كادي؟!،
ناظر فيها بذهول، وهزت رأسها وهي تكمل بحرقة : تشوف المرحلة اللي وصلت لها كادي؟ منكم ترا!، إنت تشوف إنك إذا اكلت ولبست وشربت وعطيت فلوس يعني كذا ما قصرت وإنتهى دورك؟ ترا للقلب حوائج..الأمان، الطمأنينة، الراحة، الصفاوة، الحنان، هي بنتك وإذا تحبها فعلا تفتش في قلبها تشوف وش اللي ناقصها؟وش اللي مزعلها؟ تداري خاطرها، ‏هي في حاجة ماسة لكم ، وأنتم ما تلاحظون هالشيء، وهذا اللي يحز في نفسها أكثر من أي شيء !، وأسلوبك وتربيتك كلها غلط عمي! ،من صغرنا اتذكر كيف تكون قاسي معهم، كل مرة تقول فيها لبنتك ، أنك تعنفها؛ لأنك تحبها ‏تعلمها أنها تخلط الغضب بالعطف، ‏ويصير هالشيء فكرة كويسة عندها لحد ما تكبر وتثق في رجال، ‏يؤذونها -بس- لأنهم مثلك في عينها ولأنها تحسب هالشيء صح
=66=
.
وتحشرج صوتها :الأهل يا يكونون الضمادة الأحن أو الجرح الأعظم، والكسر اللي يجي منهم عمره ما ينجبر ولا يطيب! لا تكسرها ياعمي وبكرة تتحسف!، إحتويها،حطها تحت ظلك، البنت عزوتها أبوها! إذا أبوها ما حبها ولا حسسها إنها حلوة وجميلة وإنه يحبها، مستحيل توثق ولا تصدق بأي أحد يقول لها ويقدم لها هالشيء! لأنه أبوها ما أعطاها له!، تخيل إنك تكون حي بس ميت في حياتها! هالجرح يكبر ولو إيش تحط عليه بنية الملح ما يبرأ!، تعرف عمي؟ الأطفال اللي يكبرون بدون أب وأم حوالينهم، يعيشون كأنهم يعتذرون دائماً، يعتذرون من الكل ومن كل شيء، يحسون إنهم مجبرين يعطون دائما، ويتمادون كثير لدرجة إنهم يحرقون نفسهم عشان شوية إهتمام وحُب!
وكادي تحترق، حرام ياعمي حرام!،
وخرجت من حست إنها لو بقت أكثر بتجرحه و دموعها بتغلبها، خرجت وتركته تحت صدمته، تركت قدامه بشاعة أفعاله، لأن أحياناً تضرب الحقائق وجه الإنسان في أوقات وبطريقة ما يتوقعها! فتح أرزاز ثوبه وهو يحس إن حتى النفس صار ثقيل ومو قادر يأخذه، ماله قُدرة حتى يرفع عينه يناظره وتعلقت أنظاره بالمُغذي اللي على يدها!
__
مشيت لعند أخوها تتوجه معه لسيارته، ومن شافت إن ليالي رجعت مكانها ودلال نامت، وطمنتها على كادي و ما نطقت بكلمة بعدها لأنها بتبكي فعلاً، بتبكي لأنها تتألم على حال كادي وعلى صغر سنها ، تقارن بين أبوها وعمها في كل شيء ! إذا هي توجعت كذا!كيف كادي ؟، وصلو ليالي، ووصلت لبيتهم وهي تتعدا رعد اللي حمل دلال وهو يدخلها عند أمه،
خلعت كعبهاوهي ترتمي على السرير وتضم نفسها له! مافي شي يعذبها في العالم زي ما تسوي عواطفها، و إنها ممكن تتجاهل كل الناس وكل حياتها وتتفجّر رحمة على وردة ذابلة!،
رن جوالها وأخذتها وهي ترد بدون ما تشوف الإسم ، لأنها حسبت إنها ليالي والعبرة تخنقها :ليالي تكفين! بكرة أكلمك خلاص خليني!
لكن إرتجفت يدها من وصلها صوته اللي تغيرت نبرته للسؤال: من مبكيك إنتِ؟، توقف نفسها ورجف رمشها ، هي ما سمعت صوته بعد آخر مره حاكاها في تعبها وثاني يوم كان متصل لتركي يعلمه يؤديها المستشفى ويجبرها، ومن عاتبها تركي بشدة وظل لأيام زعلان إنها خبت تعبها عنه، لكنها رجعت لواقعها من سأل بقلة صبر: وش فيك يا بنت!! ،
حاولت توزن نبرتها لكنها عجزت من الحزن الفظيع اللي تحسه ومن توترها بسببه،
هو ليش إتصل ما يدري، يتطمن؟ إذا كان إتصل عشان يتطمن فهو الآن ما بقت له ذرة طمأنينة من سمع نبرتها الباكية،
قالت بسخرية تخفي بكاها :يهمك دمعي لو يطيح؟،
رد بهدوء وهو يعرف إسلوبها ومحاولاتها لمنع دموعها
:دمعك لو يطيح تطيح دونه رقاب..
=67=

في وصفها أبيّات القصائِد طامحة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن