21

3.8K 69 8
                                    

=154=
.
هزت رأسها بالنفي تبكي وهي تصرخ وتشد على شعرها، إرتجفت ليّالي وإنتفضت من صراخ لمى تحتضنها بكل قوتها وهي ترتجف حتى ضُلوعها ترتجف وبكت بإنهيار معها :لمى!! لمى الله يخليك،
إقتحم سامي وأمهم الباب وهم يركضون ونطق بخوف :وشفيكم!! وش صاير!! وإقترب منهم لكن صرخت لمى اللي كانت تحتضنها ليالي بكُل قوتها وتضمها عليها وهي تنتفض :بعدو عندي!! بعدو عني!! ما ابيكم ما أبي أحد خلوني لحالي!! ما أبي أحد!! ،
إرتجفت وفاء مو قادرة تثبت خُطوتها ولا تنطق الحرف وهي تشوف بنتها مُنهارة بهالشكل قدامها، هي لاحظت من وقت طويل إختلاف حالها، وكُل ما تحاول تسألها وتعرف منها ما كانت تتكلم وما يكون منها غير الصمت والرفض واليوم هيّ تنهار بهالشكل اللي أوقف أنفاسها وحتى رجولها تيبست في مكانها!،
توتر سامي وتلفت كُل أعصابه ما يعرف كيف يتصرف ولا إيش يسوي! جلس على ركبه بقربهم وهو يمد يده لها لكنها كانت تصرخ بعدم وعي فظيع، تصرخ بجُنون : بعدو عندي!! بعدو عني !! لا أحد يقرب مني لا أحد يقرب!
دفنت ليالي وجهها في كتفها تبكي بحسرة فظيعة :لمى الله يخليك لا تسوين كذا الله يخليك!! ، مسح على جبينه وهو يتناول جواله يدور رقم أخوه، لأنه ما يعرف! ما يعرف ايش يسوي، وأبوه مُسافر ونطق بنبرة يوضح عليها الخُوف والتوتر :سيّاف!، عقد حواجبه من  نبرة أخوه :وشفيك؟؟،
:سيّاف لمى اختي! ،
نطق بشبه حِدة :وش فيها لمى اخلص!! ،كانت خارجة من المطبخ وسمعت إسم لمى وتقدمت منه بكُل قلق من نبرته وملامحه اللي إنقلبت،:لمى تعبانه وما اعرف ايش اسوي سيّاف تبكي ومنهارة و...
قاطعه وهو يقوم من مكانه :جاي انا جاي وأغلق وهو يسرع في خُطواته يبدل ملابسه وينزل بخُطوات شبه مُسرعة ولكن اوقفه صوتها وهي تنزل خلفه وفي إيدها عبايتها :بروح معك!،
ما معه وقت يتناقش معها وفعلا لبست عبايتها بكُل سرعتها وهي تمشي معه وتركب بقربه، ضغطت على عيونها بخوف برعب هي ما تدري وش صاير لكن تعرف إن الموضوع يخص لمى وكِل خوفها إنها تنتكس إن يكون صار لها شيء كبير يرجعها الف خطوة للوراء وحتى دموعها تجمعت في عينها لكنها تحاول تتماسك، تحاول تهدي نفسها وتبعد كُل الأفكار السيئة هذي عنها، ونطقت بنبرة مُزوزة وهي تشوف سُرعته المُستحيلة وهم في شوارع عامة :سيّاف خفف سرعتك!، لكن ما كان منه الرد وهو يقلب ألف فِكرة وفكرة في باله، وأقلقته جداً نبرة أخوه اللي توضح إنه مجرد تعب عادي! ،
وما يعرف كيّف هم الحين أمام بيتهم ونزل يركض وهو يتوجه للداخل ويصعد للسلالم بركض كانت تركض خلفه لكنها ما تقدر تجاريه لا في سرعته ولا في وسع خطواته...
=155=
.
وإنصدم وهو يشوف أخواته الأثنين على الأرض، كانت ليّالي تحتضن لمى اللي تصرخ ويرتجف كُل جسدها وحتى هو تيبست خُطوته لثواني، كانت تصرخ وتهذي بكلمات غير مفهومة كانت أقرب للجنون فِعلا، وقبل ما يتوجه نحوها سبقته جُمان تركض ركض وهي تجلس عندها بعد ما إبتعد سامي يخرج من لمح دخولها، مسكت وجهها بإيديها تركز عيونها عليها :لمى! لمى! طالعيني يا ماما طالعيني! ركزت أنظارها عليها لكن ما كان منها التعبير ولا النطق إنبح صوتها من الصُراخ ونظراتها كانت فارغة، فارغة بشكل أرعب جُمان وخلا ضلوعها كُلها تنتفض من سألت ببرود جارح :ليه أنا عايشة للحين؟،
هزت رأسها بالنفي تلمها كُلها لها تسمى عليها :لا لمى، لا يأمي، لا تقولين كِذا ،
أجهشت ليّالي بالبُكاء وهي تبتعد عنها وتغطي وجهها بيدها بنحيب مُرتفع من سُوال أختها المؤلم والرعب اللي بدا يسري فيها يخليها تتنافض أجبره يقود رجله يسحبها من عندها ويشد عليها :بس خلاص خلاص، دفنت وجهها في صدره برُعب : سيّاف لمى!! شوف لمى ايش تقول سيّاف!! ،هز رأسها بالنفي :ما يجيها شيء لمى ما يجيها شيء! وأخذها يطلعها برا الغُرفة ونفس الشيء أُمه اللي كان الصمت هو صُراخها العظيم ودموعها اللي تنهمر بفيض، أخرجهم من عندها لأنهم بيزدون وضعها سوء!،
وجهت سؤالها لها وهي تنطق :أنا مجنونة جُمان؟ الله ما يحبني؟،
ضغطت على يدينها هي تبيها تخرج اللي في جوفها تبيها تتكلم :ليش تقولين كذا؟ إنتِ تحسين كذا؟،
عضت شفايفها :ما احس بشيء انا ما احس بشيء! كل شيء عندي سواء ما احس بفرح ولا خوف ولا حزن ولا ضيق!،
كل المشاعر عندي نفس الشيء! كلها سواء ما احس انا!، مافي مكان معين يعورني لأن روحي تعورني وما أعرف ليش!، أحس إني فارغة من جوا ! إني فاضية من كِل شيء!، كل شيء سخيف كل شيء ماله معنى! صرت ما اخاف ومافي شيء يشرحني مافي شيء يعبر عني حتى البكاء ما يعبر! كُل الألوان باهتة، بس أبي أكون لحالي، مالي رغبة في شيء!،
ما اعرف ليش اصحى ولا أعرف ليش أنام ، اصلا كل ما اغمض عيوني اقول يارب ما اصحى بكرة!،
ما تفهمون انتو ما تفهمون كلكم تشوفيني كذا بس عمركم ما تقدرون تقولون لي هذا جرحك! هذا موضع ألمك هذا السبب! ما تقدرون!! انا اخاف اخاف!! ،
هزت رأسها بإيه تستحثها للمواصلة: تخافين من ايش؟،
ردت تتنهد بصوت مُرتجف :اخاف لأن كل شيء متساوي جمان كل شيء! كل الأشياء الحلوة وكل الأشياء الحزينة والفرح والزعل والموت والنجاح والفشل وكل شيء صار واحد ما أحس فيهم!! كأني ميته!! انا ميته جُمان؟؟،
هزت رأسها بالنفي توجه أنظارها لعينها وتنطق بهدوء من أدركت إنها بدأت تعيها..
=156=
.
:إنتِ مو ميتة لمى! هذا الإكتئاب! ،لما نزعل ونحزن ونقول نحن مُكتئبيين هذي سُخرية مننا وإستسهال، اللي يستلذون بالتعاسة ويدّعون الإكتئاب عشان هُم حزينين يخلونا نشوفه هيّن! ، بس هو مو هين لمى وكذا يصير، الإكتئاب مرض حقيقي زيه، زي اي مرض ماله دخل إن الله ما يحبك وإن إيمانك ضعيف أو عقيدتك ماهي كويسة! يصير لأي أحد وفي اي وقت الكبار والصغار والأطفال والغني والفقير حتى الحيوانات يجيها! ويأثر علينا، يأثر على كيمياء مخنا وعلى نفسيتنا ويفقدنا مُقومات الحياة كلها!، ولا تقولين انا مُكتئبة لمى لا تربطين الإكتئاب فيك ولا تنسبينه لك! قولي انا عندي إكتئاب، مرض زي اي مرض..يروح! ونتعالج منه! وإنتِ مو مجنونة! إذا إنجرحتي جرح ورحتي المستشفى يخيطونه لك ويعالجونك  إنتِ مجنونة؟ لا! ومحد بيقول لك كذا! لأنهم شايفين جرحك ينزف ودمك يسيل!،
الدكتور النفسي نفس الشيء ترا! هو يخيط جروح محد يشوفها ويعالج أمراض تصيب داخلنا ورُوحنا! كِل ما أسرعتي في علاجه كل ما طبتي أسرع ورجعتي لحياتك أسرع! وهذا اللي بيصير لأن الحياة تشبهك! وكِل شيء حلو يشبهك! ،وأكملت تحاكيها ،تحاكيها بمنطق لأنها بحاجة المنطق مو بحاجة عواطف كاذبة! أو مُحاولاتك تخفيف يائسة! هي تحتاج تعرف الحقيقة وبعدها تتلقى الدعم...
_
.
أغلقت الباب بهدوء وهي تخرج بعد ما نامت بصعوبة شديدة تشوف ليالي وأمها في الصالة وأنظارهم مُتعلقة بباب غُرفتها وتوجهت لها ليالي الباكية :جُمان جُمان! إحتضنها تمسح على ظهرها : بتكون بخير بتكون بخير!، إبتعدت عنها تِهز رأسها بالنفي وتحرك يدها قدامها :جُمان إنتِ ما شفتيها ما شفتيها كانت كأنها بتنجن صدق! فجأة صار كذا تفهمين؟،
هزت رأسها بإيه :ينجن الناس من الألم يا ليالي ينجنون بس نحن ما نشوف ألمهم، نشوف جنونهم! ،ومشت تجلسها بقربها وجلست بقُرب خالتها تمسك يدها وهي ما باقي دمع ما هلته وما بقت دعوة ما دعتها،و مهما حاولت تصف شعورها وهي تشوف أصغر عيالها وبنت قلبها بهالشكل ما تقدر، توصفها رجفة كفوفها ودمعتها اللي ما جفت ونطقت بهدوء : هي بتكون بخير يا خالتي إذا كنا كلنا جمبها! تحتاج تشعر بوجودنا بمُراعاتنا وقبل كِل شيء تحتاج ترجع تتعالج! هي بدأت تنتكس، لمى ما عاد ينفع تظل لحالها!،

في وصفها أبيّات القصائِد طامحة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن