23

4.2K 59 5
                                    


=172=
.
.

إرتفعت نبضاتها بعُنف شديد من حركته ومن شكله! أفزَعها كم التعب اللي يظهر في ملامحه، وأرعبها مِقدار الدمار اللي يوضّح أثر الأيام اللي طافت عليه ونطقت بتردد :أجيب لك بنادول سيّاف؟وبدأت تنهال عليه بسيّل من الأسئلة وإذا يحتاج تجيب له شيء ، تتركه يعض شفته وهو مغمض عيونه ما له طاقة كلام ولا وده تفلت أعصابه عندها لأن حتى ولو كان قلبه وحياته كِلها على حدّ سكين ما يحطها هيّ تحت رحمة مزاجه وأعصابه ونطق بنفاذ صبّر: لا تجيبين شيء!،
زمت شفايفها بربكة وللحظات شعرت بخوف شديّد، ما تعرف أيش تسوي، أو كيف من المُفترض تتصرف، وجهه أحمر مثل إحمرار الجمر، اللي ما تدري هو في خارجه بس! ولا كان داخله وإنعكس عليه، تعقيد دُنياه يشبه تعقيدة حاجبه المُتألم ولا يفوقها؟،
ماتعرف شيء، ما تعرف غير إنه مُتعب ومُثقل، وهي لو عرفت عنه شيء فهي تعرفه حزين وصامت وغامض، تعرف إنه يمسح عنه التعب بدون ما يطلب من أحد شيء، تعرفه صامد وكِل الأشياء من حوله تتأرجح، وللحظة طغى شعورها يتركها تخلل أصابعها في شعره وتمسح عليه بدون ما يكون منها النُطق، كُل رغبتها الحين هي المُراعاة ولا غيرها، تنبُع داخلها رغبة حقيقيه في إنها تداريه وتخفف عنه وقع الشيء اللي ما تعرف لا نوعه ولا شكله لكن يعذبها إنه يُهلك بهالصورة، تعرف إن التماسك يسّحق عُمر الإنسان وأعصابه أحياناً أكثر من اللي يسويه الإنهيار، يمكن يكون كُل اللي يحتاجه الشخص هو أنه ينهار شوي، كانت تمسح على شعره بحنيّة مُفرطة، بعاطفة سبعين أُم حتى إنها يوم شافت عدم قُدرته ورغبته في نطق الحرف إكتفت بالصمت وإنها تترك أصابِعها المُنيرة تشقّ حقُول شعره الحالِكة شديدة الظُلمة، ومررت يدها على كتفه تمسح عليه وكأنها تحاول تنفض عنه أعبائه وأثقاله،فيّ النهاية هذي هيّ بداخلها كمية هائلة من عاطفة الأمومة،تمارسها على الكُل، أخوانها ،صديقاتها، أحِبتها، الأطفال سواء تعرفهم أو لا، حتى قطط وكلاب الشارع وكِل الحيوانات، ودائماً تحمد الله الحّنان اللي أعطاها من صفاته الحنان ونزع من تكوينها القسوة،وجعل قلبها على الجميع قلب أم، وما تشوف هالشيء ضعُف أبدا لأنها تعرف بالمثل قُوتها،
هو هدأت أنفاسه بمُجرد ما لامست يدينها رأسه تعقد هُدنة صُلح مع خلايا رأسه الثائرة بالهدوء، يدينها اللي في كُل مره تلمس جُزء منه كانت تصلح ما أفسده دهر كامِل فيه، ‏يدينها مخطوطتانِ عربيّتان نادرتان، وكتابين ما لهم نُسخة ثانية، وكأن بإختفاهم هو بيرجع أُمي من جديد، لأنهم أشبه بمرفأ رحمة في بحر أيامه وشديد أمواجه، في الوقت اللي يكون رافض فيه كُل شيء هي تكون قبُوله الوحيد!
=173=
.
.
في الوقت اللي ينعزل فيه يقبَل برفقتها، وفي الوقت اللي يختار الصمت يُرحب بحديثها، ويقبل بقُربها في اللحظات اللي ما يطيق فيها أحد ولا حتى نفسه، وفي كُل مره يحاول الهروب ‏أحيانًا عشان ينقذها منه ‏وأحيانًا عشان ينقِذ نفسه فقط، ما زالت تفاصيل كفها تسكن راحة يده في كُل المرات اللي مسكتها فيها كيف ينزع المرء أثر الحُب والدفء من الحواس؟!،
في عِز ما كُل شي حوله يشعره بالغُربة وبإنه على سفر دائم كانت ملامح وجهها تشعره إنه في ديّاره، ويمكن هذا الشعور اللي طول عمره كان يفتقر له، الشعور بالدِيّار! بالسْكن ،لأن أسوء شعور لازمه هو هالغُربه واللي كان يوجع روحه أكثر إن هالشعُور لازم كُل شي يخصه طول سنين عمره، لازمه في دراسته، وفي علاقاته، وفي شغله وفي طريقه! وما كان في يده حل يواسي فيه نفسه لأن المُتغرب عن دياره وجلا يمكن يعود لكن تكمن الطامة في الإنسان اللي تغربّ في محله،وهي تجيه بفيض، تسكب عليه بحر من حنانها في الوقت اللي كُل شيء حوله يهبه القلق!
وزعت أنظارها على ملامحه من إنتظمت أنفاسه، وعضت شفتها وهي تشوف آثار ساحات المعاركِ تحت عينه، تتحسس بإبهامها الإنتفاخ تحت جفونه، رجعت ربطت شعرها من حست إنه كل شوي يتحرك وتمر خُصلها على وجهه، تنهدت وهي تسند رأسها للخلف و وقعت عينها على يده كثيرة العُروق البارزة واللي مسكتها تتحسسها قبل أسبوع....
_
نزلت الأكل لقطواتها وهي تأخذ وشاحها وكِتابها وكُوب الشاي اللي في يدها تتوجه نحو الحديقة لأن الجو حلو وشعُورها بعد حلو، تحس إنها مبسوطة بدون سبب، وقررت إنها تغيّر مكان قِرائتها اليوم، تفاجئت بوجوده لكنها ما ردّت خطواتها بل تقدمت تجلس بقربه، إبتسمت بهدوء وهي تشوف أوراقه حواليه ولابتوبه وكُوب الشاي بالنعناع اللي بقربه تنطق :تقلدني؟ ماش شاي بدل القهوة؟ ما عندك إنتماء!،
رفع أنظاره لها يلمح روقانها وحيويتها الزائدة واللي توضع عليها جداً ونطق بهدوء :ما لي في القهوة أساساً بس احتاجها،
ميلت شفايفها :يعني تقول انا من حزب الشاي بس للضرورة أحكام؟،
هز رأسه بإيه وأستقر نظره على كوبها لثواني وأبتسمت تنطق :نفسك، من أنصار القهوة بس للضرورة أحكام!،
هز رأسه بزين، وأغلقت كِتابها تحطه بقُربها وهي تنقل أنظارها بين أوراق شغله ولابتوبه وبينه هو نفسه :ايش صايّر؟،
ميل شفايفه بدون ما يرفع أنظاره يرد بهدوء: شيء مقدور عليه وشيء فوق الإستطاعة!،
صمتت للحظات تتأمل سكونه ونطقت بهدوء : ‏فيك ضجة حجيج وفيك سجة خلا!،
رفع أنظاره لها وأكملت :مو مجبور تظهر انك بخير وإن كل شيء بخير وداخلك ما يقول كذا،

في وصفها أبيّات القصائِد طامحة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن