17

4.2K 67 3
                                    

=118=
.
دعت من كُل قلبها دعت وأجهشت بالبُكاء، بكت ضُعفها وقلة حيلتها بكت حنينها اللي ما خف وكل ما مر الوقت يزيد، الناس يتعبها المسير فتستريح، لكن هي أتعبها التوقف في مكانها لسنين طويلة وإنها ظلت حبيسة ذكريات، مدت يدينها للصور  اللي ما يفارقونها وتصحى وتنام عليهم، كل مره تدرك أن مافي شيء أكثر زيف من الصور، يظن المرء أنه يمسك بلحظة سعيدة إلى الأبد؛ في حين أنه ما يخلق سوى الحنين داخله وينوجع فيه، في نفسها حِداد لا يُرى، حداد من سنوات، هي طول عمرها كانت مصابة بالصَمت، و هذا داء المتعبين، الخائفين، الفارين مِن الحياة، المشكلة ما كانت هنا ، المشكلة أن الحَياة رغم ذلك ما تركتها في حالها وأوجعتها بأبشع الطرق وخُذلت بأسوء طريقة وآخر ضربة منها كانت فقدها المؤلم فقدها اللي للآن ما تقبلته ولا قوّت عليه! حتى لو  حاولت تسامح زمانها وتخبي حُزنها إنعكس على صحتها، من يعوض خسارتها المريرة؟ ونارها اللي رمدت جوفها؟، في داخلها شي ما تقدر تسميته،  يشبه ما في جندي مهزوم، يرجع وحيد إلى بيت ما عاد له فيه أحد، و إنخرطت في دوامة بُكاء عميق إعتادتها لين رحم النوم أجفانها..

=قطر=
.
غطت وجهها بيدها من عاد لها وعيها هي كانت تُظن إن مافي يوم أسوء من اليوم اللي فقدت فيه جدها وعكازها بهالحياة لحد اليوم اللي إرتمت فيه حقيقة حياتها بأبشع صورة قدامها، ‏كان هذا قدرها أنها  تظل مُنصته لقصص ما لها دور فيها،و للرَّيح ،لحفيف يعبرُ بدون ما يَمسَّ قلبها، تكون ضحية حِساب وتدفع ثم جُرم ما كان لها فيه لا يد ولا زلة!، هذا اليومُ الحزين، بيظل عالق فيها للأبد، طول عمرها كانت تكره القهر، قهر الإنسان بالفقر والخوف والجوع ، وأهم من كل هذا قهره بالجهل، بأن يعيش الإنسان ويموت بدون ما يعرف أن في الدنيا علم فاته، وجمال ما  يشعر به، وأماكن ما زارها، وطرق ما مشى فيها وحياة كاملة ما عاشها، واليوم هي قُهرت بأبشع طريقة قُهرت بجهلها بحقيقة وجودها وحقيقة حياتها وهذا أسوء أنواع الجهل، جهلها بهويتها وكيانها ومين تكون!، هي صغيرة سن لكن في روحها وجع مُسن!،
و وعت من سرحانها بيده اللي إستقرت على جبينها وصوته الحنون وهو يرتل عليها آيات، تركتها تجهش بالبُكاء، تذكرت جدها اللي كان يسوي لها هالشيء من كانت تمرض أو يصيبها التعب،  سمى عليها :بسم الله عليك يا خالي بسم الله عليك، فتحت عيونها وهي تتعدل في جلستها وتمسح دموعها بعنف شديد :أبي أطلع!،
هز رأسه بالنفي وهو يمسك يدها بكفوفه :ما بتروحين مكان! إنتِ في وصايتي من اليوم وانا عهد علي أحطك بعيوني لين أوصلك أحضان أمك!،
ضحكة بسخرية:أمي؟؟..
=119=
.
:ليه أنا عندي أم؟ مين امي؟ وين أمي؟ وينها؟؟؟!!! ما عندي ام انا ولا عندي اب ولا عندي احد! ماعندي إلا مساعد ومساعد راح! ما بقى احد!، ليتني ظليت على عماي ليتني لليوم ادعي لهم في صلاتي أحسبهم تحت الأرض! طلعت امي فوق الأرض والأرض هي اللي فوقي!  وصرخت وهي تضرب بيدها على صدرها الأرض كلها فوق صدري! وإنهارت تبكي من جديد تشعر بضياع مُستحيل مثل الغريق اللي يحتضر يبحث عن طوق نجاة وهو في وسط المحيط، مثل طفل مشرد يبحث عن شي يتمسك فيه وينجو في وسط عاصفة ابتلعت كل شي وإقتلعت كُل الأشجار، سحبها لحضنه يشد عليها رغم محاولتها إنها تنفك منه لحد ما إستسلمت وهي تبكي بإنهيار فظيع! : بس يأبوي،بس الله يرضى عليك مو زين لك مو زين لصحتك، بالهون يا بابا!، دخل حمد اللي يشوف إنهيارها يحترق قلبه عليها إذا هو نفسه ما كان يعرف والصدمة ألجمته شلون هي؟ واللي يحرق روحه إن طيارته بكرة ولا يمديه يأجل أكثر لكنه يعرف محمد ويحمد ربه الف مره إنه طلع في طريقهم الحين لأنه ما يأمن أخوانه الباقين ولا بمقدار ذرة ولا يعرف وش ممكن يسوون فيها! وجلس عند ركبها وهو ينطق :ترف يا روحي إنت، لا تسوين في عمرك كذا!،
مسحت دموعها بعنف وهي ما زالت في حضن محمد :ابي اطلع!، هز حمد رأسه بالنفي :تروحين مع خالك! انا طيارتي بكرة وما بخليك تجلسين لحالك لو إيش، وانت ادرى بأعمامك!،
إبتسمت بسخرية :مو محتاجة احد يدافع عني، ولا خايفة من أحد انا!،
نطق حمد بهدوء يعرف إن كُل هالغضب والحدة من الوجع والصدمة ولذلك يعرف هو بأي الطرق بيدخل لها :مساعد؟ تحبين مساعد؟ ترفضين كلامه؟ هو قال إن خالك يكون الوصي عليك وقال تبقين عنده لين تروحين لأمك! لو كان حيّ وقال لك بنفسه تقولين له لا؟،
عضت شفايفها تمنع دموعها ما ترجع لها مره ثانية، ليه يلوي ذراعها فيه؟! ليه يضغط على موضع نزفها اللي ما برى ولا عمره بيطيب؟ يعرف إنه نقطة ضعفها وهلاكها!، شهقت بقوة تغطي وجهها بإيدها  وخرج محمد يمسح دمعه وحيدة نزلت منه وهو كان بيتوجه للريسبشن يخلص أوراق خروجها لكنه شاف جواد يمد له الملف بهدوء :قضيتهم!،
مسح على وجهه يأخذه منه :علمت أمك وأختك انا وشرحت لهم الوضع بس بدون تفاصيل!،لا تقو.. قاطعه جواد بذات هدوءه :ما بقول شيء! ،
هز رأسه يرجع لها وكانت هادئة نسبية يوضح إن حمد حاكاها وأقنعها، إلتفت له :ابي اروح بيت جدي،
نطق بنفي :تروحين معي، إذا طبتي وارتحتي تروحين بيته وتاخذين كل اغراضك من هناك، وما أعطاها مجال للنفي من تقدم يدخلها تحت ذراعه ويقبل رأسها :يلا يأبوي إنتِ! جواد ينتظرنا برا نروح وما يصير إلا اللي في خاطرك!
تعلقت أنظارها...
=120=
.
تعلقت أنظارها في عمها اللي غمض عيونه بالإيجاب، و ودعها وهو يحتضنها ويقبل رأسها :يمك انا يا ابوي اي وقت حاكيني اجيك على جناح طير، تمام؟هزت رأسها له وهي تمشي بقرب محمد بإستسلام شديد، ما عاد عندها طاقة ولا قدرة لردة الفعل، لكنه امسك بيدها يشد عليها يبعث لها قليل الطمأنينة ركبت سيارته بعد ما فتح لها خالها الباب، وأقفله بهدوء يركب بجانب إبنه اللي رفع أنظاره لأبوه و دخل جواله في جيبه وهو يحرك بدون ما يكون منه أدنى نظر لها، توقف بعد مسافة عند أحد المحلات وعقد حواجبه محمد وهو يسأله عن توقفه، ليرد عليه وهو يطلع تلفونه ويفتح محادثة أخته :جود مرسلة أشياء تبيها بجيبها لها، إبتسم محمد بخفوت يعرف لأنه يعرف كيف يحب أخته وهي محور حياته الأهم وما يأخر لها طلب، ويعرف بنته كيف تأخذ المواضيع بكل عفوية وإندفاع والأكيد إنها ما بقت شيء ما قالت لأخوها يجيبه عشان تستقبلها فيه، وإبتسم بأسى يمسح على وجهه يتمنى لو كانت الأمور بالسهولة ذي، وفتح تلفونه يراجع رسائل المحامي لأنه للآن ما حصل له يعرف كل التفاصيل ووما اكمل باقي الوصية،يتفق معه متى يلاقيه مره ثانية ويحسمون كل الأمور، أما هي ما كان منها اي إهتمام للي حولها كانت ساندة رأسها على شباك السيارة تشتت أنظارها بلا وجهة وصابها تبلد لحظي...

في وصفها أبيّات القصائِد طامحة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن