|17| صراع مع التوأم المزيف

1K 115 8
                                    


تجلس حورية فوق سريرها وسط غرفتها ذات الإضاءة الضعيفة ،ترتدى منامة زرقاء اللون وتُسند ظهرها عند مقدمة السرير وتضم قدميها لصدرها لتُسند عليها ذراعيها ، خصلات شعرها غير متفقة على المكوث باتجاه واحد وتتركها غير مهندمة ، تنظر أمامها بشرود وتتساقط دموعها بصمت تام برغم حفاظها على جمود ملامحها قدر استطاعتها لتقنع نفسها أنه لا يستحق حزنها ،ولكن عبراتها تنكر ذلك و تتسارع على وجهها دون تحكم منها كأنها تعاندها ..
مر يومين على قراءة تلك الرسالة اللعينة ،ولكن مرّا عليها كأنها أسابيع .. تحاول خلالها ان تكف عن البكاء والتفكير ،ولكن بلا جدوى ؛فرأسها تقم بخيانتها طوال الوقت وتذكرها بكل ما مرت به معه ليتزايد حزنها أكثر وتفكر أكثر وأكثر ..
ماذا حدث؟ ، ماذا فعلت؟ ، لمَ المفاجئات الصادمة هذه؟ ، لماذا لا يوجد أسباب ؟
أغمضت عينيها بقوة ووضعت يدها على رأسها محاولةً طرد التفكير منها ولو بضع دقائق..

ارتفع صوت رنين هاتفها فرفعت رأسها ونظرت إليه بعينيها المرهقتين لتقرأ اسم المتصل ، مسحت دموعها برفق وأخذت نفسًا عميقًا وزفرته على مهل لتنظم من أنفاسها حتى لا يظهر البكاء فى صوتها .. ثم التقطت الهاتف وردّت :
_ايوة ياهادى
_ايوة ياحورية انتى فين؟
_ف البيت
_ف البيت بتعملى ايه؟
_عادى قاعدة
_بقالك يومين مبتجيش عندى ، مش عوايدك
_عادى مش لازم آجى كل يوم يعنى
_والشغل اللى اول مايخلص بتطلعى تجرى ع البيت ولا بتكلمى حد ، مش عوايدك دى بردو
_هادى انت بتركز ف حاجات عبيطة اوى على فكرة
صمت هادى قليلًا ثم قال :
_انتى فيكى حاجة؟
_حاجة ايه بالظبط؟
_معرفش صوتك متغير
_لا مفيش حاجة انا زى الفل
_طب أجيلك؟
_لا متتعبش نفسك ، انا هنام دلوقتى أصلا
_متأكدة مفيش حاجة؟
_قولتلك لا متقلقش
_ماشى ياحورية براحتك ، تصبحى على خير
_وانت من أهله
أغلقت الهاتف وألقته جانبها وهى تتنهد بتعب ، ومن ثم عادت لشرودها مرة أخرى ،حتى قررت النهوض عندما شعرت بالتفكير يلازمها من جديد ،وتركت السرير متجهة إلى خزانتها لتستعد للنزول ......
*
*
توقفت بالسيارة على جانب الطريق يحيطها هدوء الليل وتتسابق السيارات من جانبها واحدة تلو الأخرى ..
تطلعت بشاشة هاتفها وطلبت رقمًا ما ثم قرّبته من أذنها لتقول :
_انا على أول الشارع زى ماوصفتلى .. العربية لونها احمر .. مستنياك.
*
*
*
_مات !!
أطلقها كريستوف باندهاش للطرف المقابل له على الهاتف ،ليأتيه صوت أدهم الغير مبالِ يقول :
_معرفش بس مفهوش نَفس
صاح به غاضبًا :
_وانت معرفتش تمنع رائف بدرى شوية؟
_كانت مفاجأة أعمل إيه يعنى؟
_ولسة بترغى دلوقتى ليه؟ ، اتنيل اتصرف واعمل حاجة .. ، لو مات انا هسلخ جلدك حى يا أدهم وهطلّع عليك عفاريتى كلها وانت حر !
*
*
*
فتح باب السيارة الأيمن وركب بجانبها وهو يقول مباشرةً :
_اؤمرى مع انّى متوقع السؤال ..
نظرت له حورية بعدما أغلقت مصابيح السيارة ،وقالت بجمود غير متناسب مع تأثرها بالأمر لتبدِ القوة وعدم الاكتراث :
_انا مش جاية أسألك على ليل يا فاتح ولا عايزة أعرف عنه حاجة ولا جاية أقول لك تخلّيه يكلمنى عشان مبيردش عليا من ساعة مابعتلى الرسالة السخيفة دى ..
ظل صامتًا مترقبًا بقية كلماتها ،فلم تجعله ينتظر كثيرًا وقالت بثبات يتناقض تمامًا مع الفوضى التى تعصف برأسها الآن :
_بس انا من حقى أعرف السبب ، وجاية أعرف منك انت ومتقولّيش معرفش ، انا طول مانا مش عارفة هقعد افكّر والباب ده مش هيتقفل ..
وأردفت :
_حتى لو السبب طلع إنه بس زهق ولقى نفسه مبيحبنيش تمام هقبله وهمشى ..
شعر برجفة نبرتها الحزينة عند قولها آخر جملة رغم محاولتها فى عدم إظهارها ، وقال واثقًا :
_ليل بيحبك ياحورية
_اه مانا واخدة بالى
تغاضى عن سخريتها وتابع :
_هو عمل كدا أصلا عشان بيحبك ، انتى مش مقدّرة حجم الموضوع .. انتى فعلا هتتأذى لو فضلتى قريبة منه ، هو معملش كدا إلا من خوفه عليكى
أشاحت بنظرها بعيدًا والتمعت العبرات بعينيها ،بينما واصل هو حديثه :
_انا مش المفروض اقول لك كدا على فكرة لإنه عايزك تكرهيه وتبعدى عنه ، بس ف نفس الوقت صعبانين عليا انتوا الاتنين ومش عاجبنى الحال ده .. بس بردو هو عنده حق ، المشاكل اللى هو فيها كبيرة فعلا ومش سهلة
التفتت له وقالت بأسى :
_ولما اكرهه بجد هيبقى مبسوط؟!
_أكيد لا ، بس مش هيبقى مبسوط بردو لو جرالك حاجة بسببه
_فاتح انا دخلت ف الحوارات دى خلاص وبقيت مسستمة نفسى انى هتعامل معاها ف اى وقت ، كونه يبعد عنى دلوقتى مش معناه إنهم هيسيبونى ، ده قرار مستعجل وغبى !
لوى شفتيه بشئ من اللامبالاة وقال :
_مبقاش عارف يفكر أساسا من ساعة ماروز ماتت ..
ثم استطرد قائلًا :
_ادّيله وقت .. هو محتاج شوية لحد ما يرجع زى الأول وبعدها هتلاقيه جايلك بنفسه
_والله؟ ، ومين قال انى هفتح له الباب ساعتها؟ ، فاكرنى تحت أمره ولا ايه؟
ردّ بشبه انفعال بسيط :
_يا حورية انتى مش عايزة تفهمى ليه؟ ، روز ماتت قدامه وبين ايديه .. مكانش عنده اى استعداد يشوف الموقف ده تانى مع اللى بيحبهم !
صمتت ونظرت أمامها وحاجبيها منعقدان بضيق واضح ، فالتزم هو الآخر بالسكوت وتطلّع حوله بلا هدف .. فساد الصمت لبضع لحظات ثم صدح صوت فاتح مجددًا دون النظر إليها :
_اول مرة أشوف ليل بيهتم لحد اكتر من نفسه ..
أدرات رأسها ناحيته ،فتابع :
_اول مرة يخاف على حد لدرجة إنه يجى على نفسه ويقبل يعيش مش مبسوط عشانه
ابتسم وعينيه يظهر بها التعجب :
_اول مرة ليل يحب حد اوى كدا !
أخذت دمعة صغيرة طريقها على وجنتها الناعمة ولم تبعد عينيها عنه .. ، فنظر لها مبتسمًا بعدم تصديق من تغيير صديقه :
_انتى وجودك فرَق كتير ياحورية.
لمعت دمعتها الثانية على وجهها بفعل الضوء ،وظهرت ابتسامة صغيرة على شفتيها وهى تقول بصوت خافت مهزوز :
_ بيحبنى بجد؟
_اكتر ممّا تتوقعى !
أسندت ظهرها للخلف ووجهّت بصرها أمامها ، أدارت السيارة وأشعلت المصابيح واستعدت للتحرك ،فأسرع فاتح يهتف :
_إيه إيه !؟
مسحت دمعتيها بأطراف أصابعها وأجابت :
_هنروح له
ضيق عينيه بعدم اقتناع :
_متأكدة من القرار ده؟
_معرفش ومش هفكر ، انا اللى عايزاه هعمله وخلاص..
*
*
*
ترجّل فاتح من السيارة وتبعته حورية ثم أغلقت السيارة وسارت خلفه باتجاه المنزل ..
ما ان وقف أمام الباب حتى ظهر عليه التعجب عندما رأى باب المنزل مردودًا وليس مغلقًا ، تبادل النظرات مع حورية التى قالت باستفهام :
_هو ساعات بيسيب الباب مفتوح عادى كدا؟
هز رأسه بالنفى ثم دفع الباب ودخل ينادى باسمه عاليًا وهو يأخذ الدرج للأعلى ،تتبعه مباشرةً حورية..

صراع مع التوأم المزيف (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن