|16| صراع مع التوأم المزيف

1.1K 99 12
                                    


بنهار اليوم التالى ،حيث اقتربت الشمس على المغيب ..
بساحة منزل ليل ;يجلس فاتح فوق الأريكة وبجانبه رائف ،وأمامهما حورية على الكرسى المواجه لهما ،ويقف كلب ليل على الأرض بجانبها مباشرة يأكل طعامه ،بينما تميل هى للأسفل لتداعب شعره الكثيف قليلا ، ومن ثم اعتدلت وألقت نظرة على صديقى ليل الصامتين ،لترى رائف يكتم حزنه بداخله وينظر بالأرض ،ثم تطلعت إلى فاتح وعينيه تدمعان بصمت ،وكلما شعر بتحرر عبراته من عينيه يمسحها فورًا بيده وينظر بعيدًا ..

ظهر الحزن على وجهها ،ثم حركت رأسها إلى الشرفة المفتوحة ونظرت لليل الذى يجلس على الأرض وينظر للشارع من فتحات السور ..
يرفع ساقًا ويفرد الأخرى ، عينيه لا تبتعد عن النقطة الفارغة التى يشرد بها منذ مدة طويلة ، صوتها يتردد كثيرا بأذنه عندما قالت له يوما ما :

"انا عمرى ماوثقت ف حد زى ماوثقت فيك ، حتى صحابنا مكنتش بثق فيهم عشان مفيش حد فيهم كان شبهك .. عشان انا عارفة ان محدش غيرك هيسندنى لما اقع ، ولا فى حد هيفتكرنى لما اموت غيرك"

أغمض عينيه ليترك إحدى الدموع المحبوسة بين جفنيه تنسدل على وجهه ثم وضع كفيه على وجهه وفرك عينيه قليلًا ،حتى سمع صوت جرس الباب فلم يهتم ولم يتحرك من مكانه ..
تنهدت حورية بأسى ثم نهضت وفتحت الباب لتجده هادى فقالت بصوت منخفض :
_كل ده بتجيب شوية سندوتشات جبنة؟! ، ده السوبر ماركت تحت البيت
_اوعى بس مش وقتك
تركها ودلف للداخل ،و جلس بجانب فاتح وهو يُخرج إحدى الشطائر المغلفة ويقول :
_جماعة انا مقدر اللى انتوا فيه كويس بس مينفعش تقعدوا لحد دلوقتى من غير أكل ، خد يافاتح اسند نفسك بأى حاجة
تركه على قدمه ولم ينتظر ردًا منه ، ثم أخرج واحدًا آخر وأعطاه لرائف ، بينما اقتربت حورية من رائف وقالت :
_هى روز مالهاش أهل نبلغهم؟
هز رأسه بالنفى قائلا :
_مالهاش غيرنا ..
شعرت بالحزن وربتت فوق كتفه بهدوء :
_هى كانت محظوظة بيكو ، الله يرحمها ..
نهض هادى واقترب منها ليعطها واحدًا ،فقالت :
_ادّى لليل الأول
_فى تانى ياستى ،خدى انتى مكلتيش
تفاجئا الإثنان بالكلب "نعناع" يقفز ليختطف الشطيرة من يده ويركض إلى ليل سريعًا ..فهمهم هادى قائلا :
_هو بياكل الجبنة ولا ايه ؟
.
أدارت حورية رأسها ناحيته لتراه يضع الشطيرة أمام ليل ثم ينبح عدة مرات ،فنظر له ليل وربت فوق ظهره بشكر دون ان يتكلم ..
عاد ينبح مرة أخرى وبدأ يضرب رأسه برأس صديقه بخفة ،فأوقفه ليل قائلا :
_حاضر هاكله خلاص ، روح انت كمل أكلك ..
لم يصغ له الكلب ووقف بجانبه ،ثم أخذ يمسح رأسه ذو الشعر الناعم بعنق صاحبه بشكل لطيف ،وكأنه يود احتضانه ليهوّن عليه حزنه .. فابتسم ليل ابتسامة صغيرة لم تخرج من القلب كثيرا ،وضمه لصدره وهو يمسح كفه على ظهره ورقبته ..
.
همست حورية لهادى قائلة :
_هادى انت لو مجبتليش كلب هدية هقطع علاقتى بيك ..
نهض فاتح من مجلسه واقترب من ليل حتى نزل على ركبتيه أمامه وقال :
_ليل .. انت من ساعة ما دفنناها وانت ساكت ومقولتليش مين اللى عمل كدا
_معرفش يافاتح
دخل صوت رائف بالحوار عندما وقف بالقرب منهما وقال :
_يعنى ايه متعرفش؟ انت اللى كنت معاها
رفع ليل عينيه له وحدق به بصرامة وجمود لبضع لحظات ثم أجابه :
_مشوفتش وشه ..
لم يبعد نظره عنه وظل يتطلع له بنظراته الحادة ،ثم هز رأسه بعزم :
_بس هعرفه متقلقش ! ، هعرفه ومش هسيبه ..
*
*
*
عند حلول المساء ..
.
خرج أدهم من غرفته وهو يمسك بقبضته تفاحة حمراء مأكول منها عدة قضمات ، اقترب من باب الشقة عندما طرق فوقه شخص ما وفتحه ليجد ليل أمامه فرفع ذراعيه فى الهواء باشتياق ساخر :
_يابروو ، مكنتش متوقع انى أشوفك النهاردة خالص
اقترب منه واحتضنه قائلا :
_قلبى عندك يالول، كنت بفكر أعزّيك النهاردة بس بصراحة ماليش ف الاحزان
زفر ليل بحنق ودفعه من صدره ليبعده عنه وهو يقول :
_دمك خفيف اوى
ضحك أدهم وأكل قضمة من تفاحته ثم أمسك برسغه وأخذه للداخل :
_تعالى بس تعالى ، انت مالك عصبى ليه ، دول حتى كانوا بيقولوا عليك بارد
نزع ليل ذراعه من يده وقال :
_خف الجو بتاعك ده، انا مش فايقلك
_الحق عليا بضايفك !
رفع ليل حاجبًا دون الآخر بحدة بالغة وعقد ذراعيه ببعضهما ، بينما ضيّق أدهم عينيه بعدم فهم مصطنع وأكل من تفاحته بصمت ، مضغها قليلا ثم قال :
_ايه البصة الغريبة دى؟ انت فاكرنى انا اللى قتلتها !؟ ، لا لا اوعى تظن فيا الظن السئ ده
بلع مابفمه ثم تابع :
_اى نعم كنت عارف انها بتضحك عليا وانها كانت جاية عشان تتجسس عليا وتساعدك مش عشان تقف ضدك ، بس هى لا خدت منى جرجير ولا خس ..
بمعنى انى مقولتلهاش حاجة خالص يعنى عشان كنت فاكسها من اول يوم ،وبالتالى ده يوصلنا لإيه؟ ، انها مكانتش ماسكة حاجة عليا عشان اقتلها
ثم أضاف :
_وبعدين انت اللى كنت مقصود أصلا مش هى ،بس هو اللى احوّل
_هى اللى وقفت قدامى ف اخر لحظة !
_طلعت جدعة ما شاء الله ،مكانش يبان عليها
اختصر ليل الحديث وطرح سؤاله مباشرة :
_مين اللى قتل روز يا أدهم !؟
_ومين قال لك انى عارف؟
_انت دايما عارف كل حاجة !
ابتسم أدهم ابتسامته المستفزة المعهودة وصمت قليلا ، عاد يأكل من تفاحته ومضغها قليلا ثم قال :
_والله يسعدنى ويشرفنى ثقتك فيا ياعزيزى ، وأبشرك انها طلعت ف محلها انا فعلا عارف ، بس هل ياترى هتصدقنى ولا هنصدع بعض ع الفاضى؟
_جرّبنى ..
تطلع أدهم له قليلا وهو لايزال يمضغ قضمته حتى بلعها ، ثم هتف بكلمة واحدة :
_رائف !

صراع مع التوأم المزيف (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن