صراع مع التوأم المزيف (مكتملة)

|15| صراع مع التوأم المزيف

فى إحدى الليالى الساكنة ،حيث القمر والنجوم والأجواء الهادئة المحيطة بمنزله ..
جلس ليل فوق الكرسى الموضوع بالشرفة ،ورفع قدمه على الكرسى الآخر المقابل له ، يمسك هاتفه الذى يعتلى منه صوت ام كلثوم وهى تغنى الاغنية التى شاركتها معه حورية ،وباليد الأخرى يمسك بكوب من الشاى ..
أراح ظهره على الكرسى واسترخى تماما ،بينما يستمع للأغنية بتركيز وكأنها أغنيته المفضلة ومن ثم يرتشف القليل من الكوب باستمتاع وراحة ..
*
*
*
_لا مانا لازم افهم .. مينفعش تقوليلى اروح ارفضه من غير أسباب كدا
هتف بها هادى عندما جلس على أريكة منزله بجانب حورية التى ردت قائلة :
_مش مرتاحة ياهادى ،حلو كدا؟
_بس ده مكانش كلامك يوم ما قابلتيه
_وغيرت رأيى عادى
_انتى مش مقنعة خالص ياحور
زفرت بملل ولم ترد ،فقال :
_هاتى السبب الحقيقى ومتلفّيش ، انتى عارفة انى دايما بقف ف صفك وهفهمك
صمتت لمدة من الزمن ، تنظر بأنحاء المنزل ولا تلتفت له وتستمر بالسكوت .. تنهدت مطولًا وكأنها تحمل عبء الحديث فساعدها هادى نوعًا ما قائلا :
_انتى بتفكرى ف حد معين؟
تطلعت إليه بتردد ولم تجيب ،فحثها على التحدث قائلًا :
_قولى ياحور متخافيش ..
أخذت نفسًا عميقًا وزفرته باستسلام وأجابت :
_ليل ..

لم يتفاجأ هادى إطلاقا ، بل تبسم بهدوء تام وقال :
_عارف.
نظرت له بتعجب ،فتابع قائلا :
_كان باين عليكى اوى ، بس انا مرضتش أتكلم واستنيتك انتى تيجى تقوليلى
سكتت لثانية فقط ثم قالت :
_طب وايه رأيك؟
_حور انتى عارفة انى عايزك تكونى مرتاحة ومبسوطة ، وباختصار شديد الاتنين مش هتلاقيهم مع ليل
قبل ان تستفسر منه تابع هو :
_ليل صاحبنا وبنحبه وبنساعده مفيش اى مشكلة ، لكن فرق كبير اوى بين انه يبقى صاحب وانه يبقى زوج ..!
ثم تابع بسؤال يقول :
_انتى شايفة ان ليل ينفع يكون صاحب مسؤولية بيت وأسرة ؟
_وليه لا؟ هو صغير؟
_لا بتاع حوارات ، عايش ف مشاكل مبتخلصش وكل يومين بيهرب ويقعد ف مكان مختلف ، ده واحد حياته لوحدها مش مستقرة ،ازاى هيعمل بيت مستقر ؟!
_وهو هيعيش فى المشاكل دى طول عمره؟ ، ما أكيد هيخلص منها ف يوم
_بعد مايكون اتحبس ولا اتقتل؟
انقبضت ملامح حورية بخوف وعدم تقبل تلك الكلمات ،فقال هادى :
_حورية هو انتى مش متوقعة أبدا ان ليل ممكن يتسجن والحكومة تعرف بلاويه؟

عبس وجهها ونظرت بعيدًا عنه ،فأردف :
_ انا بكلمك فى الواقع اللى احنا عايشينه ، مش كل حاجة سهلة ولونها وردى زى مانتى شايفاها كدا ، انتى فاكرة ان ليل مشاكله دى هتنتهى بعد كام يوم وهيبقى إنسان جديد ويشتغل شغلانة محترمة ويتجوزك وتعيشوا ف تبات ونبات ، لا طبعا مفيش حاجة بالبساطة دى !
ظلت صامتة ولا تنظر إليه وحاجبيها ينعقدان بعدم رضا عن هذا الكلام .. ،فاقترب هادى منها قليلا وأحاط كتفها بذراعه وقال :
_انا مبيهمنيش حد غيرك ياحور والله ، انا عايزك تعيشى عيشة سعيدة وهادية ، ولو فكرتى بعقلك شوية هتلاقى ان حياتك مع ليل هتتعبك وتستنزف طاقتك
ربت فوق كتفها مرتين وتابع :
_انتى لو عيزانى ارفض العريس ده عشان هو نفسه مش عاجبك فأنا معنديش مشكلة ، انما لو هترفضيه عشان ليل ،فانتى محتاجة تراجعى حساباتك و تفكرى تانى ....
*
*
*
فى مساء أحد الأيام ..
.
وقفت روز أمام باب شقته وطرقت الباب مرتين ،وبعد عدة ثوانى فُتح الباب وظهر من خلفه رائف ،نظر لها بمنتهى الملل وقال :
_خير !
دفعته بيدها ودلفت للداخل وهى تقول بصرامة :
_انا مش هقعد صابرة عليك كدا كتير ..
أغلق رائف الباب والتفت لها عندما تابعت :
_اكتر من مرة سمعتك وانت بتتكلم مع ادهم على ليل ، و من غير حتى ما ابص ف وشك بعرف اشوف الغل اللى طالع من صوتك كويس ، هو عمل لك ايه عايزة افهم ؟!
هتف بحدة قائلا :
_انتى جاية ليه دلوقتى؟ ، هاتى المفيد
_بص يا رائف ، انا عارفة من بدرى انك محروق اوى من ليل ومش عارفة ليه وشالله عنى ماعرفت ، انا جاية احذرك انك تقرب له عشان انا اول واحدة هقف قصادك ومعنديش اى مشكلة اقتلك ف ساعتها !
رفع حاجبيه بمنتهى السخرية قائلا :
_ياااه ،ده واضح انى بواجه تهديد قوى جدا ،وانا دلوقتى مش قادر اقف على رجلى م الخوف بصراحة ..
عاد لحدته ونظر بعينيها مباشرة وقال يستحقرها :
_انتى ولا شئ يا روز ، انا مش شايفك اصلا ولا كلامك ده هيفرق معايا ببلحة..
ابتسم وعينيه تلمع بالشر :
_ولو وقفتى قدامى انا اللى هقتلك واقتله وراكى وصدقينى مش هندم !
لم تتردد روز فى ضربه ولكمته بوجهه بقوة ...
.
.
.
بنفس الوقت بداخل منزل حورية ..
وقفت أمام مرآتها تتأكد من شكل شعرها الأسود كما صففته ،فقد لملمته إلى الأعلى بشكل مرتب وتركت عدة خصلات على الجانبين ،ثم التقطت إصبعًا لأحمر شفاه ذو لون هادئ وطلت به شفتيها ؛استعدادًا لقدوم ليل كما اتفق معها وأخذها من المنزل لقضاء بعض الوقت فى الخارج ..
لم تتكلف كثيرا فى ملابسها ،واختارت بنطالًا قماشيًا واسعًا من اللون البيج تعتليه بلوزة سوداء ذات اكمام مزخرفة قليلا من الاكتاف ،وتلتف حول رقبتها سلسلة ذهبية رقيقة ..
أمسكت بهاتفها ونظرت بالساعة لتجدها الثامنة والنصف ،فتمتمت ساخرة من قوله :
_الساعة 8 هكون تحت البيت ،لو اتأخرت هتأخر دقيقتين بس ..
تركت الهاتف واتجهت الى خزانتها متابعة :
_ويقول لى ف الاخر انتى اللى بتتأخرى ف اللبس.
فتحت خزانتها والتقطت حقيبة صغيرة ثم أغلقت الخزانة وهمّت بوضع هاتفها ونقودها بداخل الحقيبة ،إلى ان سمعت صوت جرس الباب ، ابتسمت واعتلاها الحماس وتركت الحقيبة فوق السرير وخرجت راكضة من الغرفة ..
.
وصلت إلى باب الشقة ونظرت من ثقب العين السحرية فابتسمت ابتسامة واسعة ما ان رأته وفتحت الباب وهى تقول :
_اتأخرت اوى
_متنكريش انك لسة مخلصة دلوقتى
ضحكت بخفة و ألقت نظرة سريعة على ملابسه بالكامل ، بنطاله الرمادى وقميصه الأبيض المفتوح منه اول زرين مع ثنية الأكمام عدة مرات لتظهر ساعته الفضية اللامعة ،ثم أعادت نظرها إليه وقالت :
_شكلك حلو
ابتسم لها قائلا :
_وانتى كمان ..
_مقولتليش هنروح فين
_مش عارف لسة ، نقرر ف السكة بقى
_طب ثوانى هجيب شنطتى من جوا و ...
قطعت حديثها عندما سمعت خطوات شخص يصعد الدرج يتبعه مباشرة ظهور النسخة الثانية لليل الواقف أمامها ..!
يرتدى قميصًا من اللون السماوى وبنطالًا من اللون الكحلى القاتم ذو خامة الجينز ، ووجهه كالعادة لا يظهر عليه سوى اللامبالاة والبرود ..