|6| صراع مع التوأم المزيف

1.2K 104 2
                                    


تحرك ليل خطوة إلى الخلف بتوجس وهو لايزال يرفع المسدس أمام وجه أدهم الذى أخذ خطوة صغيرة إلى الأمام ، فصاح به ليل مصراً على تهديده بالسلاح :
_اقف مكانك ، إياك تقرب منّى !
تبسم أدهم ابتسامته الباردة المعتادة قائلا وهو ينظر له بجانب عينيه :
_اول مرة تخاف ياكابيتانو ! ، انا سعيد بالانجاز العظيم اللى انا عملته ده ، اصلى كنت بسمع انك بايع ومبتخافش من حاجة
غلبت العصبية على وجه ليل وتمتم فى سره بسباب ما ، ثم فاجئه بضربة قوية على وجهه بالسلاح جعلته يرتد إلى الوراء ،ومن ثم خرج من الشقة مسرعًا وأغلق الباب خلفه ؛تاركًا أدهم يضحك وهو يحك لحيته البنية ويتمتم :
_غبى ، معرفش يكسبنى.
*
*
*
جلست أمام مرآتها والتقطت فرشاة الشعر خاصتها ،وبدأت بتمشيط شعرها الأسود ،حتى قاطعها صوتًا لرنين هاتف ليس هاتفها ..
تركت الفرشاة ونهضت لتسير إلى الكومود وتتفقد أحد الأدراج ، فأخرجت هاتف ليل ونظرت بشاشته فوجدت رقمًا غير مسجل بإسم ..
ترددت قليلا ونظرت حولها بتفكير ، ثم قررت الرد حتى تستطيع الوصول إلى أحد يعرفه ويوصل الهاتف إليه ، فأجابت :
_الو
سمعت صوته يقول جملته سريعًا دون فاصل :
_لو سمحتى انا نسيت الموبايل عندكوا ف المستشفى ، انا صاحب الموبايل ده ومحتاجه ، ياريت تفضلى فى المستشفى لحد ما آجى واخده
_ابلع ريقك شوية ياكابتن ، انا حورية والموبايل معايا
انقلبت نبرته عليها قائلا بضجر :
_وخدتيه ليه انتى ان شاء الله؟!
_انت اللى سبته ومشيت
_طب انا عايزه
_طيب هبقى اقابلك بكرة و ...
قاطعها فجأة وقال :
_دلوقتى حالا بكرة ايه؟ ، انا مش هعرف أتواصل معاكى تانى ده تليفون واحد قابلته ف الشارع ،خلّصينا
_وانا تعبانة النهاردة ولسة جاية م المستشفى هنزل لك تانى ازاى؟
أجاب ليل بنفاذ صبر ممزوجًا بهدوء :
_خلّصى ياحورية أنا فيا اللى مكفينى والله.
_بجد مش قادرة انزل ،انا يادوب هسرح شعرى وانام شوية
_طب قوليلى عنوانك فين وانا هجيلك
_تيجى فين ،إنت فاكر نفسك قريبنا؟!
أغمض عينيه وهو يتأفف بغضب مكتوم ثم تمتم قائلا :
_انا بجد مش طايق اليوم اللى شوفتك فيه
لم تسمع همهماته المنخفضة ،ولكنها شعرت باختناقه الواضح من صوته ،فقالت بهدوء :
_طب بص خلاص انا هقابلك على اول الشارع بتاعنا وتعالى خده ....
*
*
*
دلفت إلى المطبخ وهى توجّه كلماتها لوالدتها الواقفة تحضر الطعام :
_بتعملى ايه ياقمر؟
ردت الأم بابتسامة صغيرة :
_فاصوليا خضرا و رز
_ليه مش بيضة؟
_الخضرا حلوة بردو
_بس البيضة احلى
_هبقى اعملهالك المرة الجاية
استندت بمرفقها على الثلاجة وهى تقول :
_طب بصي لى كدا وركزى معايا ، مش عايزة تروحى لخالتو ف الفيوم؟
التفتت لها والدتها ونظرت لها بانتباه :
_ياريت ياحور والله ،بقالى كتير اوى مشوفتهاش
_خلاص انا هوديكى
_ايه هوديكى دى؟ انتى مش هتيجى معايا؟
_لا لا سيبك منى ، انا عايزاكى تقعدى عندها فترة طويلة عشان تشبعى منها بالمرة
_وهسيبك لوحدك يابنتى!
_متقلقيش عليا خالص انا هبقى تمام ، المهم عايزة تروحى امتى؟
_معرفش شوفى انتى
_بكرة الصبح
_ايه السرعة دى؟
_هتستنى ليه ، جهزى بقى هدومك النهاردة وانا هكلم سواق يجى يوصلك
ثم تابعت بموضوع آخر قائلة بجدية :
_ماما انا نازلة قريب وهاجى على طول ، مهما كان مين ع الباب إياكى تفتحى ، بصى لو حد خبط بصى م العين من غير ماتتكلمى ، لقيتى حد متعرفهوش إياكى تتكلمى ولا تعرّفيه ان فى حد ف البيت فاهمانى؟
ردت الأم بتعجب :
_ليه هو فى ايه لكل ده؟!
_اسمعى كلامى بس عشان خاطرى ،ها؟
اقتربت منها وتركت قبلة صغيرة فوق وجنتها وهى تقول :
_يلا سلام ...
*
*
*
_هو ده اللى عشر دقايق وهكون عندك؟
استنكرته حورية بقولها وهى تقف معه على جانب الطريق ،ترتدى بنطالًا أبيض اللون من القماش يعتليه قميصًا ورديًا ، وتربط شعرها الأسود بالكامل للخلف برابطة شعر صغيرة ،بينما لايزال ليل مرتديًا بنطاله الجينز الأزرق وقميصه الأسود منذ هروبه من منزله حتى الآن ، وأجابها بعدم اهتمام :
_مكانتش دقيقة اتأخرتها يعنى
أخرجت الهاتف من جيب بنطالها وأعطته إياه قائلة :
_طب اتفضل الموبايل اهو
أخذه منها وقال متهكمًا :
_متشكر ، و متأسفين لو ازعجنا راحتك ولا حاجة
_دى تريقة؟
_طبعا تريقة انتى تعبتى ف ايه اصلا ، انا اللى جاى ومكلف
_بص انا مش هرد عليك ، انا تعبت من المناقرة معاك بصراحة
_انا ماشى ياستى وهريحك منى خالص
أوقفته قبل أن يتحرك وقالت :
_استنى بس ،انت هتروح فين؟
_وانتى مالك؟
_يابنى ادم أنا بحاول اساعدك ،متقفلنيش منك!
_قولتلك انا مش محتاج مساعدة
_لا محتاج ، وخفّ كبرياءك الفاضى ده شوية
_روحى نامى وسيبينى ف حالى.
_انا مش بهزر ،انا اعرف حد كويس ممكن تقعد معاه ومش هيمانع خالص
نظر لها بعدم اقتناع وكان على وشك الاعتراض ،فأوقفته قائلة :
_صدقنى مفهاش حاجة ،وهو طيب وهيرحّب بيك جدا
_لا متشكر انا مبقعدش عند حد معرفوش
_اسمع كلامى والله هترتاح ، وان مرتاحتش ياعم ابقى امشى براحتك ، ده بيته هادى جدا وواسع ، وعنده جنينة
_معقول !؟ ، لا طالما جنينة يبقى لازم أروح دلوقتى دى فرصة ذهبية
تغير صوته من نبرة السخرية إلى التساؤل وهو يتابع :
_وبعدين مين هو ده اصلا ؟
_هتعرف بس وقّف لنا تاكسى عشان مش قادرة امشى ..
*
*
*
أمام بيت كبير مكون من طابقين يأخذ اللون الأبيض ،وتحيطه حديقة صغيرة مليئة بالعشب الأخضر الصغير ..
كان المنزل برغم بساطته إلا انه كان ذو تصميم راقى وهادئ نال إعجاب ليل قليلا عندما دخل خلف حورية من البوابة الكبيرة ،التى ما إن رآها الحارس حتى سمح لها بالدخول مُرحبّا بها ..
سارا لمسافة صغيرة حتى وصلا إلى باب المنزل وطرقت حورية فوقه وانتظرت الرد ، سمعت صوت ليل يهمس بجانب أذنها قائلا :
_انا مش عارف بسمع كلامك وماشى وراكى بأمارة ايه لعلمك.
_عشان انت عارف انى جدعة ومش هخدعك مثلا
لوى شفتيه بسخرية ولم يعقب ،ثم انفتح الباب ليظهر من خلفه شاباً قمحى البشرة أسود الشعر والعينين ،ذو لحية خفيفة ويتميز بجسد طويل و رياضى بعض الشئ ، ابتسم ابتسامة واسعة قائلا :
_حور إزيك؟
_تمام ، انت عامل ايه؟
_انا زى الفل
نظرت إلى ليل وقالت :
_ده هادى ابن خالى ياليل
ثم نظرت لهادى وقالت :
_اعرّفك ب ليل صديق ليا
أفسح لهما مجالًا للدخول وهو يقول :
_تعالوا اتفضلوا ...
.
.
_من غير مانخش ف تفاصيل بقى عشان انا مفرهدة وعايزة امشى ، ليل حصلتله مشكلة كدا ومش هيقدر يقعد ف بيته الفترة دى ف قولت مفيش غير هادى اللى يقف معانا طبعا
هتفت بها حورية بعدما جلست على الكرسى بجانب طرف الأريكة الذى جلس فوقه ليل ،وجلس هادى على طرفها الآخر
ونظر لليل بترحيب واضح :
_اه ينوّر اكيد ، انا اصلا عايش لوحدى والبيت فيه أُوض كتير يعنى
أجابه ليل بابتسامة صغيرة وحسب دون ان يتكلم ،بينما تابعت حورية :
_معلش أنا فاجئتك كدا بس هو احنا اتفاحئنا بالموضوع ده اصلا
_معنديش مشكلة عادى ..
ابتسم لليل وقال :
_اعتبره بيتك ميهمكش
شكره ليل بهدوء ،بينما نهض هادى قائلا :
_انا كنت عامل جلاش حلو ، هدوّقكوا منه
لتهتف حورية وهى تراقب دخوله إلى المطبخ :
_بالمكسرات ولا لا؟
_اكيد ،انا عارف ذوقك
.
استدارت إلى ليل وقالت :
_على فكرة هو بيعرف يطبخ ويعمل حاجات كتير ،هيعجبك أكله جدا
هز رأسه بخفة ،وبدأ بالاستطلاع على نظام المنزل وتصميمه الفاخر ، فقد كانت ساحة المنزل واسعة ،بآخرها سلماً للطابق الثانى .. وتحتوى أفضل الأثاث وأكثرهم بساطة يتنوع ألوانه بين درجات اللون البنى ليتماشى مع الجدران ذات اللون البيچ ..
التفت مجددًا إلى حورية عندما قالت :
_مش ناوى تاخد ال 60 جنيه وتعلمنى الحركات بتاعتك دى بقى؟
أردف بملل واضح :
_حياتى مش واقفة ع ال60 جنيه بتاعتك والله
_اخليهملك 70 ؟
_لا انا عندى فكرة احسن ، انتى تروحى لعمو بتاع السوبر ماركت وتديله ال60 جنيه اللى تاعبينك دول وهو هيديكى بيهم ايس كريم وحاجة حلوة تاكليها قدام التليفزيون
_انا مبهزرش انا عايزة اتعلم بجد ، عايزة اعرف أدافع عن نفسى ،وانت حركاتك عجبتنى وعايزة اتعلّمها
قال ليجاريها وينهى الحوار :
_حاضر ان شاء الله
ظهر الحماس فوق وجهها بوضوح وقالت :
_بجد؟ هتعلمنى امتى وفين والساعة كام؟
سمعا صوت هادى وهو يخرج من المطبخ يمسك بطبق البقلاوة بين يديه ويقول :
_تتعلمى ايه بالظبط؟
_ليل هيعلّمنى حركات ادافع بيها عن نفسى
ليهبط ليل من عزيمتها بقوله :
_على فكرة ده لسة مش دلوقتى خالص ، لما اروق واخلص من مشاكلى دى الاول هبقى افكر ف الموضوع
نظرت له بضيق وقالت :
_يعنى انت تعشمنى وتغدر بيا ف لحظة كدا ؟
_هعلمك فين اصلا!؟
_معرفش بقى انا مصممة وهدّيك اللى انت عايزه
أضاف هادى للحديث حلًا بسيطًا وقال :
_لو الموضوع يهمك كدا انا بيتى واسع ومتاح يعنى ..
عاد إليها حماسها فجأة وضحكت ضحكة واسعة :
_بجد ياهادى ينفع؟
ابتسم هادى مجيبًا :
_وليه لا؟ براحتكوا
نظرت إلى ليل وقالت :
_اهو انت مش هتتعب ولا تتحرك كمان ، انا اللى هاجى لحد عندك عشان ميبقاش ليك حجة
نهضت سريعًا قبل ان تسمع منه اعتراضًا وقالت :
_انا ماشية بقى وهاجيلك بعد كام يوم كدا ونبدأ اول درس ، اشطا؟ ، يلا اشوفك بعدين سلام
أسرعت إلى باب المنزل وخرجت وأغلقت الباب خلفها فى ثوان معدودة ، بينما رجع ليل إلى الخلف يستند بظهره على الأريكة وهو يهمس بداخله ويضع يده على وجهه باستياء :
_ لبست فيها انا عارف ...
*
*
*
عند حلول الليل بعد الحادية عشر مساءا ..
.
اطمأنت حورية على والدتها النائمة ثم دلفت إلى غرفتها وجلست على سريرها المريح ، التقطت هاتفها وبدأت بتفحص بعض مواقع التواصل الإجتماعى ..
.
تحاول إشغال نفسها عن قلقها المحيط بها طوال اليوم ،وهاهو يستمر معها حتى الآن
، كم تتمنى مرور تلك الليلة بأسرع وقت حتى تسافر والدتها وتطمأن عليها قبل حدوث مكروهٍ ما لا تودّ حدوثه إطلاقًا..
تركت الهاتف واستلقت على السرير لتحاول النوم وتريح رأسها من التفكير قليلًا ، ولكن لم تكد تذهب فى سباتها حتى سمعت صوتاً بباب الشقة ..!
فتحت عينيها ونهضت من سريرها على الفور عندما سمعت نفس الصوت مرة أخرى ..
زاد القلق فوقها أكثر ولكنها لم تعط له فرصة بتوقفيها مكانها ،فتحركت سريعًا خارج الغرفة واقتربت من الباب ، نظرت من عين الباب السحرية فوجدت مجموعة من أربع رجال يقفون وأحدهم يحاول فتح قفل الباب واقتحام الشقة ..!
تسارعت أنفاسها فجأة ووضعت يدها على فمها ،فما كانت تخشاه طوال اليوم يحدث الآن ..
تأكدت من أن مزلاج الباب مغلق ،ثم ركضت إلى الداخل حتى وصلت إلى المطبخ والتقطت أكبر سكين موجود ،ثم خرجت إلى غرفة والدتها وتأكدت أنها لازالت نائمة ثم أوصدت عليها الباب بالمفتاح ..
.
بدأت السير ببطء إلى الخارج ودقات قلبها تتسارع ، تتمسك بالسكين بين أصابع يدها بقوة وتراقب باب الشقة من بعيد ..
مع كل دقة من دقات قلبها الخائف كانت تدعو ان يفشلوا ويذهبوا ..ولكن لم يحدث ذلك ، بل نجحوا واتحدوا بقوتهم لكسر الباب فارتفع صوت اصطدام أجسادهم بالباب ،بينما انتفض جسدها بفزع وتحررت بعض الدموع من عينيها ،فقط خوفًا على والدتها التى لم تعلم أنها استيقظت على صوت محاولات كسر الباب ..
.
مسحت تلك الدموع بأكمام منامتها ذات اللون الأصفر ،وحاولت التمسك بقوتها قدر المستطاع ، حتى رفعت السكين بوجوههم عندما وقفوا أمامها بعدما استطاعوا كسر المزلاج بقوتهم والدخول إلى الشقة ..
وجهّت السكين لهم بترقب _غير مبالية بوالدتها التى تحاول الخروج من الغرفة_ ، وقالت بتهديد :
_انتوا لو مطلعتوش برا حالا أنا هلم الجيران عليكوا دلوقتى!
نظروا إليها جميعا باستهزاء ،ولم يهتموا بكلماتها ..
بلعت غصتها بخوف حاولت إخفاءه ورجعت خطوة صغيرة للخلف بحذر .. وما ان أخذوا خطوة ناحيتها حتى أسرعت بتحريك السكين فى جميع الاتجاهات حتى يتراجعوا ،ولكن أمسك أحدهم بيدها وأوقع السكين منها ثم أمسك بيدها الآخرى وقيدهما خلف ظهرها بقبضتيه ،فى حين ظلت حورية تتحرك بقوة للأمام والخلف لتفلت من يده ولكنها لم تستطع ، ثم ساروا خارج الشقة ،بينما تحاول والدتها الخروج من الغرفة وتنادى بإسمها قلقاً ..
.
استمرت حورية فى المقاومة أثناء نزولها معهم على الدرج ،وعندما وصلوا لمدخل البناية ،حاولت حورية رفع قدميها على الحائط محاولة لتشتيت يد مقيّدها وتركها ،ولكن لم يحدث ماتريد ،بل اقترب منها واحدٌ منهم والتقط خصلات شعرها بين يديه بعنف فتأوهت عاليًا وهى تسمعه يقول :
_انا مش ناقص شغل الجنان ده ، انتى كدا كدا جاية معانا ف ياتخلّيها برضاكى ياهتغابى عليكى
أجابت حورية بغضب :
_معرفش عنه حاجة ،انا معرفش عنه حاجة وماليش دعوة بيه ، انتوا بتفهموا منين؟
.
قبل ان يجيبها بكلمة واحدة سبقته ضربة قوية على رأسه أوقعته مغشيًا ،بينما تتابع بعدها ضرب اولئك الرجال الثلاثة واحدًا تلو الآخر من شخص غريب يرتدى بدلة سوداء من الجلد وقناعًا اسود اللون فوق رأسه ليخفى وجهه ..
.
راقبته حورية وهو يضرب واحدًا بمرفقه فى وجهه بكل قوته ،وبنفس الوقت يرفع قدمه ليضرب الآخر فى بطنه ،ثم يمسك برقبته ليلفها بعنف فيقع على الأرض جثة هامدة ، حتى تبقى فقط الممسك بحورية ،والذى رفع سلاحًا على رأسها مهددًا ذلك الشخص الغريب :
_اثبتى مطرحك !
تعجبت حورية أثناء خوفها من مخاطبته له بالتأنيث ،ولكن عندما أمعنت النظر للحظات بجسدها أدركت بالفعل أنه جسد لفتاة قوية لا تخشى المخاطرة وحسب ..
أخرجت من خصرها سلاحًا كاتمًا للصوت ،ورفعته باتجاه رأس الشخص الذى يهدد حورية ،فهتف قائلًا :
_ارمى سلاحك انا مبهزرش
لم تهتز يدها إنشًا واحدًا ،فى حين حاولت حورية الإشارة لها بأن تخفضه خوفًا على نفسها ، ولكن لم تهتم الفتاة وأطلقت النار فأصابت هدفها فى منتصف رأسه مباشرة ، ثم أسرعت بتصويب سلاحها على شخصاً من الاثنين الأحياء المصابين عندما كان يحاول النهوض ،وسرعان ما رفع يديه سريعًا ليوقفها وهو يقول :
_استنى استنى ، احنا هنمشى واهى عندك محصلهاش حاجة هنمشى وخلاص
نظرت له بصمت لعدة لحظات ثم هزت له رأسها ناحية الخارج ،فنهض معه الآخر وخرجا تاركين جثتىّ رفيقيهما ..
.
ركبا سيارتهما سريعًا ،وقبل ان يتحرك السائق ،أصابته الفتاة برصاصة فى رأسه قتلته على الفور ،ثم أطلقت أخرى بنفس الوقت أصابت من كان يجلس بجانبه ;تحت أنظار حورية ذات العينين المنفرجة بذهول وارتباك ..
.
أخفضت الفتاة سلاحها بعدما انتهت من قتلهم جميعًا ثم همّت بنزع قناعها الأسود لينسدل شعرها البنى الممزوج باللون الأصفر الصناعى ، وظهر وجهها فكانت ... روز !
.
استدارت لها روز ،فعقدت حورية من حاجبيها محاولة تذكر أين رأتها من قبل .. ، ثم قالت :
_انا عارفاكى!
اقتربت منها روز خطوتين وهتفت :
_شوفتينى عند ليل اه ، وخلى بالك أنا مجتلكيش عشان سواد عيونك ، انا بس ضدهم ومش عايزاهم ينجحوا ف اللى هما عايزينه
تساءلت حورية قائلة :
_وانتى عرفتى منين انهم جايين لى؟
تبسمت روز بسخرية :
_بشتغل معاهم.
_وليه قتلتيهم؟
_كنتى عايزة تروحى معاهم يعنى؟
_طبعا لا ،بس كنتى عطّلتيهم او ضربتيهم بس او حتى اكسرى رجليهم ، ليه القتل؟!
اقتربت منها روز وردّت بعصبية خفيفة :
_عشان انا اللى هتأذى لو فضلوا عايشين ..
دول لما يرجعوا لكريستوف ويحكوله انا هبقى اول واحدة يشك فيها ويحاسبها ومش بعيد يقتلنى
_اومال لابسة ماسك ليه ومكلفة نفسك طالما ناوية تقتليهم؟
_عشان لو منجحتش ف ده وهربت ،يبقى فى فرصة ميعرفونيش.
صاحت حورية غاضبة :
_دى عصابة ايه اللى وقعت فيها دى؟! ، انا كان مالى ب ده كله انا !
لم تعرها روز اهتمامًا وتركتها وتقدمت لخارج البناية ،فلحقت بها حورية سريعا وهى تقول :
_استنى هنا ، انتى هتمشى وتسيبيلى الجثتين دول ولا ايه !
.
فتحت روز أبواب السيارة الخاصة بهذه المجموعة ، وجذبت من كان يجلس خلف المقود خارج السيارة لتنقله فى الخلف ،فنظرت لحورية وهى تقول :
_ما تساعدينى عشان اخدهم واخلص ...
.
.
.
بعد مرور دقائق قليلة ،انتهيا الفتاتين من جمع الجثث الأربعة فى السيارة ،وسألتها حورية بفضول قائلة :
_انتى هتوديهم فين؟
_هتصرف
أخذت نفسًا عميقًا وأخرجته بهدوء ثم أردفت :
_خدى مامتك وسيبى المكان ده شوية ، هما خلاص مقتنعين باللى ف دماغهم ومهما عملتى هيفضلوا مكدبينك وفاكرينك على علاقة بليل.
رفعت يدها وربتت فوق ذراعها مرتين بخفة ،ثم قالت بنبرة غير مبالية بعض الشئ :
_معلش دخلناكى ف حوارات كتير متخصكيش ، بس صدقينى ليل لو كان فكر فى احتمال 1% انه هيجيبلك مشاكل مكانش قرر يركب عربيتك ، بس هو مفكرش ان الموضوع هيكبر اوى كدا.
هزت حورية رأسها وهى تتنهد بهمّ ،ثم ختمت الحوار بقولها :
_طيب انا هطلع دلوقتى ، وشكرا إنك مسبتيهمش ياخدونى
اكتفت روز بالرد بابتسامة صغيرة ثم ركبت السيارة وغادرت ،بينما صعدت حورية إلى شقتها ..
.
أغلقت باب شقتها وركضت بسرعة إلى غرفة والدتها ،ثم حرّكت المفتاح فى القفل لتفتح الباب فاقتربت منها الأم بمجرد أن رأتها وهى تقول بذعر :
_ايه اللى بيحصل يا حورية! ، مين اللى حابسنى هنا وايه الدوشة اللى كانت برا دى!؟
_اهدى اهدى مفيش حاجة
_مفيش حاجة ايه ، مين اللى قفل عليا بالمفتاح؟
_انا ياماما كنت خايفة عليكى بس
_خايفة عليا من مين؟
_كان فى حرامية بيحاولوا يخشوا البيت
اتسعت عينى والدتها فأسرعت حورية تنقذ الموقف :
_متخافيش مدخلوش ، هما حاولوا يخشوا ومعرفوش
صاحت والدتها بذعر :
_وافرض كانوا دخلوا وعملوا فيكى حاجة !
_ياحبيبتى انا زى الفل قدامك اهو وبقول لك هما مدخلوش اصلا ، اهدى بقى
تابعت الأم اسئلتها بشك :
_هو فى ايه يا حورية ؟ ، الصبح تقوليلى وتوصينى مفتحش الباب لحد خالص ولا اعرّف حد انى ف البيت ،ودلوقتى ناس حاولت تدخل البيت ، فى ايه بالظبط؟
_صدقينى مفيش حاجة
_لا انا قلبى مش مرتاح ، انتى مخبية عليا حاجة؟
_اخبى عليكى ايه ياماما ، انا بس خايفة عليكى السرقة وقلة الأدب كترت اوى دلوقتى
ثم تابعت قائلة :
_يلا ياماما كملى نومك ،السواق جاى بكرة بدرى
_وانا هيجيلى نوم بعد ده كله؟
_معلش حاولى ، قولى أذكار مع نفسك وادعيلى دعوتين كدا وارتاحى .....
*
*
*
(صراع مع التوأم المزيف بقلم/ شهد مدحت)
.
.
.
فى مكان ما فى الصحراء يبعد كل البعد عن البشر ، ظهر ضوء لمصباح دراجة نارية تسير وسط ظلام الليل الحالك ،حتى توقفت ونزل من فوقها "رائف" .. ،فوقعت أنظاره فورًا على السيارة المضيئة التى تقف روز أمامها فى انتظاره ..
غلبته العصبية واقترب منها ،وهبّ بوجهها يقول :
_ايه اللى نيلتيه ده ياروز؟ ، وصلت إنك تقتليهم كمان! ، كان مالك انتى ومالهم رايحة تشاكلى فيهم ليه وتلبسى نفسك ف حيطة ؟ ، افرضى كان حد شافك كنتى هتعملى ايه دلوقتى؟
.
_كانوا هياخدوا البت يا رائف ، مكانش قدامى حل تانى
أجابها ساخرًا :
_ومن امتى ياختى الحنية بتاعتك دى؟
_انا ماليش دعوة بيها ماتولع! ، انا ليل اللى يهمنى ، البت دى عارفة مكانه ولو خدوها وضغطوا عليها هيعرفوا هو فين.
تساءل متعجبًا :
_عارفة ازاى يعنى؟ اذا كنا احنا مش عارفين!
ردت ساخرة :
_شوفت آخرتها؟
_وانتى اشعرفك انها عارفة؟
_براقبها بقالى مدة ، وبعدين انا مش جيباك عشان ندردش سوا ، خلينا ندفنهم ونخلص قبل ماحد يشوفنا
_مين اللى هيشوفنا ف المنفى ده ياحسرة ، فى حد يجى مكان مرعب زى ده بالليل؟
_طب ماتبطل كلام وانجز عشان تروّح يابطة؟
تمتم رائف بسخط :
_ياشيخة ربنا ياخدك ...
*
*
*
بعد مرور يومين تقريبًا ..
.
فى حديقة منزل (هادى) وسط ضوء النهار .. كانت حورية تقف أمام ليل ترتدى بنطالًا وقميصًا من القطن المريح وتستعد بحماس لتلقّى الدرس الأول عن كيفية الدفاع عن نفسها ،بينما كان هو لايزال يرتدى بنطاله الجينز وقميصه الأسود ، فسألته قائلة :
_انت مطلبتش هدوم من هادى ليه بدل مانت قاعد بنفس البنطلون والتيشرت دول من ساعة ماكنا ف المستشفى؟
أخفض رأسه لينظر لملابسه ثم قال بعدم فهم :
_وحشين يعنى ولا ايه؟
_لا انا قصدى ان محدش بيرتاح بالجينز يعنى
_هو ادّانى فعلا أكيد مش هقعد كل ده بنفس اللبس ،بس غسلت هدومى ولبستها تانى ورجّعتله لبسه
_ليه؟
_مبحبش آخد حاجة من حد
_إيه الغرور ده؟ ما الناس لبعضها عادى
_فكك خلينا ف اللى انا إحنا فيه .. انا عايز اعرف الاول ايه أقصى حاجة تعرفى تعمليها؟
_مبعرفش اعمل حاجة ،اومال أنا جايّالك ليه؟
_قصدى لو حد قرب منك بتدافعى عن نفسك ازاى؟
أجابت حورية :
_برفع ايدى الاتنين واقعد الطّش كتير وزى ماتيجى تيجى
_عبط يعنى!
.
ثم اكتمل الحديث بصوت حورية :
_اشمعنا؟
_لا بصى عشان نعمّر مع بعض فى شوية قواعد هتمشى عليها ، اولهم انا هسأل وانتى تجاوبى على قد السؤال ، مش عايز اسئلة كتير ، مش عايز رغى وصداع ولا طولة لسان ، عايز واحدة خرسة قدامى ، مفهوم!؟
ردت حورية بامتعاض :
_ماشى
_ثانيا اى حركة هتتعلميها هدّهالك انا ، بمعنى انك هتضربى وانا هردّلك الضرب ويمكن اكتر شوية كمان ، فلو هتعيطى وتندبى زى العيال نلغيها من دلوقتى.
_لا متقلقش انا مش فرفورة
_لما نشوف ..
ثم تابع قائلا :
_دلوقتى انا عايز اعرف آخرك ، فعايزك تتخيلى معايا كدا انى واحد بلطجى وهضربك ،ورينى هتعملى ايه؟
_أتخيل إيه مانت بلطجى فعلًا
لم يجبها بشئ و لم يظهر عليه رد فعل ، وأخذ خطوة ليغادر فأسرعت توقفه بإمساكه من ذراعه قبل ان يخطو الخطوة الثانية ،وقالت ضاحكة :
_خلاص خلاص بهزر ،مش هتكلم تانى وعد
_ياريت ،اتمنى
_طب يلا انا جاهزة اهو ..
قال يحثها على لكمه :
_يلا اضربى
أخذت وضع الاستعداد وهى تنبهّه :
_بس هتوجعك على فكرة
_ورّينى ..
استعدا الاثنان ورفعا يديهما أمام وجهيهما ،وبدأ ليل بالعد :
_يلا، 1 ، 2 ، 3
تقدمت إليه حورية سريعًا لتلكمه ولكنه تفادها ،ثم قام هو بدوره ولكمها بوجهها فلم تستطع صدّها ووقعت على الأرض من أثرها متألمة
اقترب منها ليل وهو يضحك :
_إيه يا اسطورة؟ ، فين الوجع ده؟
ظلت جالسة على الأرض وهى تضع يدها على وجهها وردّت ساخرة :
_ف وشى اهو
بادلها التهكم قائلًا :
_مش كان المفروض تبقى ف وشى انا؟
_وانت ادتنى فرصة اعمل حاجة؟ ، ده انت ماصدقت وخبطتنى ف وشى على طول
أجابها ليل ساخرا :
_وانتى لما حد يجى يضربك هتقوليله اضرب انت مرة وانا مرة ولا ايه؟
لم تجبه وتأوهت بصوت منخفض ،فقال ليل مدللًا إياها بسخرية كأنها طفل صغير :
_احنا لسة معملناش حاجة ياصغير ، لسة هتشوف من ده كتير
رفعت رأسها ونظرت له ،بينما تابع :
_قولتلك الموضوع مش هزار
مد يده لها قائلا :
_ها؟ ، هتكملى ولا غيرتى رأيك؟
ظهر الإصرار على وجهها بوضوح وأمسكت بيده ونهضت لتستعد لجولة أخرى ...
*
*
*
عند حلول المساء والظلام بعد الثانية عشر منتصف الليل ..
.
كان لايزال هادى مستيقظًا يحيطه الهدوء القاتل من جميع الجهات لدرجة انه يستطيع سماع صوت دقات عقرب الثواني بالساعة المعلقة على الحائط ..
يقف بغرفته امام خزانة الملابس ويرتب فيها ملابسه ، ولكن توقف فجأة عندما سمع صوتًا ما ، صوت غلق باب منزله !
.
بدأ يهبط فوق درجات السلم ببطء شديد وهو يتفقد أنحاء المنزل المظلم حوله ،حتى ساعدته الإضاءة الخافتة فى رؤية شخصٍ ما مجهول الملامح ويمسك بيده مسدسًا ..
اتسعت عينى هادى عن آخرهما وحاول كتم أنفاسه خوفًا ان تُسمع ، ثم شرع ينظر حوله على عجلة وهو يفكر بأى حل ،ولكن لم يكد يصل لشئ حتى رآه ذلك الشخص وقاطع تفكيره برصاصة أطلقها تجاهه ...
يتبع..

صراع مع التوأم المزيف (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن