|14| لعنة الحجر الأبيض

669 77 8
                                    


حلّ نور الشمس على المدينة ، فأتى بالتفاؤل والحماس للبعض .. وأتى مع الأحزان والآلام للبعض الآخر ..

جلسة يكسوها الصمت من كل جوانبها بشقة ليل ،الذى أخذ أبعد نقطة عنهم يجلس بها على كرسى وحده ،ويحدق فى اللاشئ بملامح يغطيها جمود غريب ليس أكثر ..

تعتلى حورية أحد كراسى الأثاث ، تُسند مرفقها على مسنده لتتوكل رأسها على قبضتها ،و عينيها لم تجف من آثار الدموع ،فكلما شعرت بأنها آخر دمعة ستزرفها تخونها أخرى وتنسال على وجنتها ..

بينما كان يشغل فاتح وهادى الأريكة ، كلًا منهما يأخذ طرفًا تاركين بينهما مسافة ،ويحدقان بالفراغ بحزن باد على وجهيهما بوضوح وأعينهما تتلألأ بالدموع المحبوسة..

بالإضافة لجاد الذى رافقهم متخذًا مقعدًا بالجانب ، يرمى نظرة على كل واحد منهم بين الحين والآخر ثم يتنهد بحزن .. لم يكن على معرفة به بالقدر الكافى ومع ذلك لن ينكر تأثره الشديد بخسارته ،وكأنه كان صديقًا مقربًا ..

وبالأخير ، كان كلبهم يجلس أرضًا بجانب مقعد حورية يشاركهم حدادهم بكل صمت واحترام ..
.
.
تحررت دمعة صغير من عين فاتح وقد بدت عليه ابتسامة مليئة بالسخرية وهو يردد بصوت مهزوز :

_كنت متوقع إنه هو اللى هيساعد ف دفنى مش العكس ..!

سمعه الجميع ولكن لم ينظر ناحيته أحد سوى جاد ، وبدوره لم يلق ولو نظرة خاطفة على أحد بل ظلت أعينه مرتكزة على الفراغ وكأنه يجلس وحده ،ويُفضفض لنفسه وحسب :

_كنت فاكر إننا كلنا هنموت وهيفضل هو مكمل حياته من بعدنا ..

اختلط الذهول مع حزنه و ردد بعدم استيعاب وقد اضطرب صوته كثيرًا :
_ ازاى يبقى أول واحد فينا ..!

تجددت الدموع بعينيه وأخذت طريقها على خدّيه ، عادت السخرية تعتلى ملامحه من جديد وهو يقول :
_الزمن بيعيد نفسه ..

ثم تابع بأسى :
_القعدة اللى قعدناها بعد مادفننا روز ، بتتكرر تانى دلوقتى بعد أدهم ..

شابته ابتسامة جانبية باهتة وأردف بمرارة :
_وساعتها كان معانا رائف ، اللى انا مشوفتش جثته ولا اعرف قبره فين لحد دلوقتى ..

كان على علم تام بغدر صديقه بهم ،ولكن مع ذلك لم يستطع محو صداقته المكتنزة بقلبه .. فمهما حدث كان صديقه لسنين ، بل وأقرب صديق ..

قطع هادى تلك المسافة الكامنة بينهما ،وجلس بجانبه مباشرة ليقوم بالتربيت على كتفه بتعاطف ..
ومن الواضح أنه لم يؤثر بفاتح مطلقًا ، بل شعر بانحلال رباطة جأشه ، وكثرت الدموع على وجهه بشكل مروع حتى أصبح غير قادر على التحكم بها ، وصدر صوته الباكى بشكل أقرب إلى الانهيار ،قبل أن يغطى وجهه بكفّه :

_يارب الدور الجاى يبقى عليّا ،انا مش هستحمل تانى والله ما هقدر !

أغمضت حورية عينيها تاركة كل دموعها المدفونة بها تتسلل من بين جفنيها ، فى حين نهض ليل من مقعده وتوجّه إلى صديقه حتى جلس على مسند الأريكة المجاور له مباشرة ، وضمّه إلى صدره بهدوء وشرع يربت عليه محاولًا التخفيف عنه ، فى حين تطلع لهم جاد بتأثر واضح وأشاح بنظره بأسى وأسف ......

صراع مع التوأم المزيف (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن