🌺الفصل الأول🌺

1.6K 41 0
                                    


الفصل الاول:

دخلت رؤى لغرفتها بعصبيه بينما لم يتوقف لسانها عن إطلاق اللعنات على ذاك الحقير الذي لا يترك اى فرصه دون أن يعترض طريقها ويتحرش بها... واليوم لم يكن استثناء...بل إنه تمادى عندما عرف من الطبيب بتأخر حالة والدها الصحيه...بالطبع...فرصته وقد آتته على طبق من ذهب.
ابتسمت رؤى بسخريه بينما تقول فى نفسها أنه حتى لو كان والدها مازال بصحته لم يكن سيمثل اى عقبه أمام ذلك القذر...فهل اشرقت الشمس من مغربها حتى يقف ابيها بصفها أمام ابن أخيه المفضل؟!!
ادمعت عيناها بقلة حيلة على ما وصل إليه حالها....لكنها تعلم انها ايضا تسببت لنفسها بهذا بطريقةٍ ما...لو لم تفقد عقلها بعد موت امها لتتحول لتلك الشخصيه الحقيره لم يكن سيطمع بها إلى هذه الدرجة.
فى البدايه كانت تشعر ان خطته تتضمن اموال ابيها لا اكثر...لكن من الواضح انها أثارته بكل غباء فأصبح يطمع لما هو ابعد بكثير...لكن عليها اللعنه إن سمحت له بمس شعره منها...لقد قالتها له مرارا حتى أصبحت تلك الجمله شعارها الدائم " إن اردتنى...ستأخذنى جثه" ...وهذه هى فعلا الحاله الوحيده التى سيستطيع فيها لمسها.
تحركت رؤى بأتجاه منضدة الزينة وبدأت بأزالة دبابيس حجابها بينما تفكر فيه من جديد... كالعاده ذلك الشاب يجد طريقه لأحتلال أفكارها....فمنذ ذلك اليوم الذى سحبها فيه من يد أخيه ليراقصها ثم أهداها تلك النظره بعينيه المرعبتين وهى أصبحت اسيره له بطريقةٍ ما...لقد وضعها على بداية الطريق دون أن يعلم فنظرته كانت كألف كلمة احتقار...لقد اراها ما كانت تتغافل عنه دوماً!!
لطالما أرادت أن تكون مختلفه عن امها فأتخذت المجون والاستهتار منهجاً لحياتها وهى تظن بكل حماقه انها لم تعد كأمها بل أصبحت اقوى من الف امرأه من هذه العينه....إلى أن ظهر هو من اللاشئ ليريها فى لحظات ما تمثله حقا الى غيرها.... مجرد فتاه ساقطه لا تساوي شيئا ً .... و من يومها وهى لا تستطيع أبعاده عن أفكارها.
وحتى ذلك اليوم فى الزفاف حين التفت لها كذئب ضارى ارعبها شعورها بأنه رآها لكنها لم تستطع الفكاك من تلك الهاله المحيطه به...هاله قويه من الغموض والذكاء الحاد ارسلت الرجفه فى أوصالها.
حتى هيئته وهو يراقص أخته كانت لها هيبتها الخاصه...فبالرغم من ضجره الشديد الذى كان واضحا ً للعيان إلا أنه لم يكن يراقص أخته الا ليعطى تحذير مبطن لكل رجال الحفل بأن هذه الفتاه تحت حمايته وبأنه سيفتك بأى شخص يحاول العبث معها.
شردت رؤى بأفكارها من جديد....رغماً عنها تحمل لأخته مشاعر الحسد الشديد...كلما تذكرت وقفته حولها معظم الوقت كان احساسها باليتم يزلزل كيانها اكثر واكثر.

لماذا كتب عليها الوحده دائما؟!!....
لماذا ليس لها سند وظهر تتكئ عليه ويحميها من تلك الضباع التى تعد الايام لتنهش لحمها؟!!...
ترى لو لم تتخلى امها عنها بهذا الشكل هل كانت ستقدر على مواجهتهم؟!!!
دمعه وحيده وجدت طريقها لوجنتها فمسحتها بعنف وهى تعود بذاكرتها لذلك اليوم المشؤوم من جديد
_رؤى....توقفى عن الركض وهيا لتتناولى غذائك
ردت بضحكاتها الطفوليه التى لا تنتهى ابداً:
_لا اريييييييد....انا سآكل مع امى
مازالت مربيتها تركض خلفها محاولةً الامساك بها دون نتيجه:
_امك طلبت منى الاهتمام بمواعيد طعامك اكثر من مره....والان هيا....يا فتاه ماذا تفعلين بحق الله؟؟!..الم انبهك اكثر من مره على ركضك فوق الدرج؟!!...اصعدى ببطئ رؤى
لكنها كانت تركض بحماس طفله لا علم لها بما ستراه فأكملت ركضها المجنون وصوت المربيه يلاحقها بالتمهل قليلا دون اى صدى لديها.
وصلت لغرفة امها وفتحت الباب بقوه مهرولةً خطوتين اخيرتين ليتوقف كل شيء حولها وهى تحدق دون حتي أن ترمش فيما تراه أمامها وكأن حتى عقلها الصغير عرف أن حياتها ستتغير من تلك اللحظه
أعادت نفسها بالقوه لحاضرتها فهى متأكدة انها لو تركت نفسها لتلك الهوه ستدمرها من جديد وهى لا ينقصها دمار.
تحركت بأتجاه الحمام وتوضأت ثم بدأت بتأدية صلاتها وفى كل ركعه كانت تدعو مرارا أن يحفظها الله ويحميها من عائلة عمها وان يغفر لها ذلاتها القديمه.
ما ان أنهت صلاتها حتى سمعت طرق على باب غرفتها تبعه دخول مربيتها التى ابتسمت لها بحنان لا يخلو من لمحة اشفاق بينما قالت وهى تراها مازالت جالسه فوق سجادة الصلاة:
_تقبل الله ابنتى
_منا ومنكم نوال
جلست نوال على الفراش بينما جمعت رؤى سجادتها وخلعت ردائها ثم جاورتها لتبدأ نوال اسطوانتها اليوميه:
_انتى تصلين فرض الله ولا يفوتك ابداً....ماذا اذن عن بقية الفروض؟!!
قطبت رؤى بأنزعاج...فهذا الحديث اليومى بات خانق لها جداً
اكملت مربيتها دون أن تعير انزعاجها الواضح اى اهميه:
_ربك وصى على بر الوالدين بعد عبادته مباشرةً فلماذا لا تستمعين الى وتذهبى لرؤية والدك ولو من باب الشفقه على حال الرجل
ابتسمت رؤى بسخريه قاسيه فيما تقول:
_اخر شئ يحتاجه عز الدين علام هو الشفقة نوال
هتفت نوال بغضب:
_هذا والدك يا فتاه ويقبع مريضا فى غرفته منذ اسابيع دون أن تلقى عليه ولو نظره واحده...اللعنه من اين اتيتِ بكل تلك القسوه؟!!
انطلقت ضحكتها الساخره تحكى مرار سنين فيما تقول من بين ضحكاتها:
_أحقاً تسألين؟!!!...لقد اتيت بها منه....ورثتها عنه بكل طيب خاطر
قالت نوال بحزم وقوة:
_رؤى...اخر وصايا امك رحمها الله كانت أن احميكِ وان احرص على ان لا تتكرر مأساتها معك من جديد وقبل كل هذا أن لا اسمح لكِ أن تكونِ نسخه اخرى عن ابيكِ ...والان هيا وبدون اى مناقشه اذهبِ والقى نظره على ابيكِ المريض وكونِ ابنه صالحه.
نظرت لها رؤى تلك النظره المتوارثة فى هذه العائله وكأنها تعقد معها صفقة ما ، لتقول فعلا بعد لحظات:
_هل تعدينى إن ذهبت له الان أن تتركينى الايام القادمه على راحتى ودون اى ازعاج بهذا الموضوع من جديد
اومأت نوال بحماس وهى ترى نجاحها اخيراً بعد كل تلك المحاولات الفاشله
وقفت رؤى ثم تحركت بأتجاه غرفة السيد العظيم بتثاقل شديد....اللعنه كم إن هذا واجب ثقيل للغايه...هى لم ترى ابيها منذ اسابيع بعد عودته من المستشفى بعد تلك الوعكه الاخيره ليكمل علاجه في المنزل .
وقفت امام غرفته وتنهدت بقنوط ثم شجعت نفسها وطرقت على الباب طرقتين ثم دخلت لتواجهها نفس ذات العينان المتلاعبتين لكن وجهه كان يحمل اثار المرض و الاجهاد الشديد وبلا ذرة شفقه ودون أن تعيره ولو نظره واحده سألت رؤى تلك الممرضه التى تراعى حالة والدها الصحيه عن آخر أخباره لتخبرها بأن حالته استقرت قليلا عما قبل.
اومأت رؤى دون اهتمام ثم تحركت لتغادر تلك الغرفه ذات التأثير الخانق على نفسها ليوقفها صوت ابيها الواهن منادياً بأسمها... التفت له ببرود صامت فأشار إلى الممرضه بالخروج ثم قال بوهن:
_حان وقت الحديث على ما اعتقد
.................................................. .....................
_لماذا تأخرت بهذا الشكل بنى؟؟!
خلع كريم سترته ثم أجاب أبيه بتعب واختصار:
_لقد كان طريق المطار مزدحماً للغايه
دقق حسين فى وجه ابنه ليجد الإرهاق قد صنع علامه فارقه فوق صفحة وجهه... الى متى سيظل هذا الولد فى معاناته؟!!...لعن الله تلك الفتاه الحقيره الف مره.
اخفى حسين أفكاره ببراعه ثم سأل بحنان:
_ماذا بك كريم؟!!
ظلت ملامح كريم مغلقة التعابير ثم قال بينما يتحرك بأتجاه غرفته:
_لا شئ أبى...لاتقلق...انا فقط لم احظى بالقدر الكافي من النوم...سأنام قليلا الان ثم نتحدث فيما بعد
لم يعقب حسين على كلام ابنه بشئ وهو يراقبه بغم يدخل الى غرفته...بل إلى زنزانته الخاصه....زنزانة أفكاره وكوابيسه الخاصه.
الاحمق يظنه لا يعلم بشئ مما يدور بالداخل...لكنه سمع اكثر من مره همهماته وصرخاته التى يحاول كتمانها قبل أن تصدر عنه!!!
ليته كان بيده أن ينقذ ابنه من ذلك القاع الذي علق فيه...لكن يبقى بقائه هكذا أهون عليه الف مره مما كان سيحدث اليه اذا كان استمر مع تلك الفاجره.
استغفر حسين ثم صعد لغرفته هو الآخر فمراسم الاحتفال بزواج مهاب وساندى اجهدتهم جميعاً وهو لن يذهب الى الشركه اليوم ايضا ...ابتسم حسين قائلاً فى نفسه بعجب
"من كان ليفكر بلحظه أن ساندى ومهاب سيتزوجان بعضهما ذات يوم....لقد كان كلاً منهما يشهر أسلحته فى وجه الاخر ودون تفكير....كيف انتهى بهما الأمر عاشقين لا يعلم هو!!....لقد نزل الأمر كالصاعقه فوق رؤوس الجميع ولكن كما يقولون للعشق مذاهب...فقط فليتم الله عليهم نعمته ولا يقتل أحدهم الاخر قبل وصول الطائرة."
.........................................
فى الغرفه
رمى كريم سترته بأهمال فوق المقعد ثم رمى جسده فوق الفراش متنهدا بتعب شديد...رباااااه فقط يريد أن يحظى ولو لساعه واحده بنوم يخلو من تلك الكوابيس اللعينه...لكن كيف؟!!...تلك الكوابيس تطبق فوق صدره منذ أكثر من أربعة أعوام....منذ فقدها أو بالأحرى...قتلها!!
خبط كريم على الفراش بقبضه وهو يلعن نفسه للمره المليون...كيف تمكن زهوه الرجولى منه لهذه الدرجه؟!!...نظره من مراهقه صغيره لا تفقه شيئاً رفعت معدل غبائه لأعلى مستوياته وجعلته ينادى حبيبته بأسمها...أنه حتى لم يحاول تحميل ساندى مسؤلية ما حدث ابداً لأنه يعلم أن الخطأ منذ البدايه كان خطأه هو....هو من قرر الاستمتاع بالامر فى حين أنه لم يكن لساندى ابدا غير الحب الاخوى فلطالما رآها طفله جميله يبتاع لها الحلوى حتى تتوقف عن ازعاجه لكنها فسرت اهتمامه بطريقه خاطئه وجعلته بطل أحلامها المراهقه وهو لاحظ الأمر أكثر من مره لكنه لم يوقفها عند حدها ابداً بل تشرب نظرتها المنبهره له بنهم فالشئ الوحيد الذي كان يفتقده مع روزى هو تلك النظره المهتمه...فروزى كانت دائما هى محط الاهتمام بسبب جمالها الأخاذ حتى إن جمالها هذا هو اول ما جذبه اليها بعد أن كان مقررا بسخريه أنه لن يرتبط بأى شقراء...فعلى الرغم من أن أمه كانت شقراء واورثت تلك الشقره لمريم ومهاب إلا أنه كان ينجذب دائما لصاحبات الشعر الاسود...فالنسبه له الشقروات باهتات يفتقدن الروح المفعمه بالحيويه حتى اتت روزى ودمرت دفاعياته بلقاء واحد...لقاء واحد تعرف فيه على شخصيتها الجذابه كوجهها
شخصيتها مع وجهها جعلوا منها مغناطيس متنقل....مزيج مبهر للنظر... جذاب لأقصى درجه مما كان يضايقه فكما كانت تتمتع بالشخصيه الجامحة والجمال الأخاذ كانت تتمتع بغرور انثوى فتاك...ولما لا تغتر بنفسها وهى ترى قوة تأثيرها وتأثير حضورها على من حولها؟!!
لذا كانت نادرا ما تبحث عنه...نادرا ما تهتم...وهذا ما كان يثير جنونه بها أكثر...حبيبته ملكة الدراما الفريده من نوعها....حتى اتت ساندى وقدمت له دون أن تعرف ما يحتاجه وكانت النتيجه......
هب كريم من مكانه غاضبا يلعن نفسه ويلعن اللحظه التى تغلب فيها غباءه عليه....ماذا يفعل بحق الله؟؟!..لقد زاد الأمر عن حده...لقد أصبح يبحث عن لحظة سلام واحده.... يريد أن ينام كبقية الخلق...ما المستحيل الذي يطلبه؟!!...كم يتمنى أن يصاب بضربة فوق رأسه تفقده تلك الذاكرة السوداء
بعدما فقد أمله فى الحصول على غفوه صغيره تبقيه قيد التركيز امسك كريم سترته من جديد مقررا الذهاب الى الشركه...فالشئ الوحيد الذي يلهيه عن أفكاره السوداء هو عمله رغم أنه بحاجة إلى عشر فناجين من القهوه على الأقل .
.............................................
تجلس صامته فوق مقعدها وكأن روحها فارقتها...عينيها شاخصتان امامها دون أن تبصر شئ... جسدها يتصبب منه العرق البارد...وجع يتغذى على كل نفس تتنفسه فيزداد وينمو لحظه بعد لحظه.
طنين هاتفها لا ينتهي لكنها لا تجد الطاقة حتى على الكلام...لم تدمع ولم تصرخ حتى فلو كانت ستصرخ كانت صرخت يوم زواجه من الأخرى...حقاً ما الذي يؤذيها بالضبط؟!!...ألم يكن هذا غرضه من البدايه؟!!..ألم يكن هذا حلمه الذى ضحى بها هى لأجله؟!!...اذن ما الذي يؤذيها ويفتك بقلبها هكذا؟!!
اليوم تحقق حلمه اخيرا...لقد اتصلت حماة زوجها منذ قليل لتزف اليها الخبر...امرأته الأخرى وضعت...جلبت له ما عجزت هى عنه...اعطته الذريه التى لطالما تمناها... والحقيقه المرأة كانت فى منتهى السعادة وهى تخبرها بأن ابنتها رُزقت بذكرين توأم.

بقعة ضوء للكاتبة "هاجر حليم"  مكتملة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن