🌺الفصل الثامن عشر🌺

600 31 1
                                    

الفصل الثامن عشر:


(بعد بضعة أيام)
فتح مراد شباك النافذة لتدخل أشعة الشمس فتضيء تلك الغرفة التي أوشكت على التوسل طلباً لبعض الأكسجين علّه يبدد بعض من ذلك الاختناق الذي يصيب القلب قبل الرئة فور دخولها
تذمر عمار قائلاً بغلاظة بعد أن وعي على وجود صديقه معه في الغرفة:
_ماذا تفعل هنا في هذه الساعة؟!!!...كيف دخلت من الأساس؟!!!
جلس مراد على طرف الفراش ليري وجه صديقه عن قرب فيقول ساخراً بينما يضع أصابعه اسفل ذقن عمار النامية:
_ماذا أفعل أنا أم ماذا تفعل انت؟!!!...ما هذا المنظر؟!!!...تبدو كالمتسولين بعينيك المخيفة وذقنك!!!
أبعد عمار أصابع صديقه ليقول بسخافة:
_كيف دخلت الي هنا؟!!!
تأمل مراد وجه عمار من جديد ليقول بعدها محاولا فهم ما يحدث:
_دخلت من الباب...فتح لي الرجل الذي يعمل بالأسفل وانسي اسمه دائما ً
عقب عمار برتابة:
_اسمه العم فتحي
_اجل فتحي...لكن المهم هو لماذا جئت؟!!
نظر له عمار منتظراً أن يكمل فقال:
_لقد شنت علّي مساعدتك الجديدة حملة اتصالات حتي تصل لك وقالت إن الأمر ضروري وعاجل في الشركة ويجب العثور عليك حتي تحل المشكلة
ظل عمار صامتاً للحظات ليقول فيما بعد بوجه لا ينم عن شيء:
_فلتحترق الشركة بمن فيها...لن اذهب
تكلم مراد من جديد وقد اكتسي وجهه بالجدية:
_عمار...انا دائما ً احترمت المسافة التي وضعتها بينك وبين الآخرين ولم اتعدي على خصوصياتك قط رغم فضولي حول بعض تصرفاتك ولكني لم اجبرك يوماً علي حديث لا ترغب به لكن الان انا اريد ان افهم ماذا يحدث لك يجعلك تهمل عملك بل وتكون بكل هذا الانكسار!!!
تنهد عمار بضغط ليقول بعدها بصوت رتيب:
_لا يوجد شيء مراد...انا فقط مرهق بعض الشيء
_امرأه؟!!!
تساءل مراد لينظر له عمار باستهانة ثم يقول:
_كالعادة...همك الأول والأخير
وقف مراد قائلاً بعصبية:
_اذاً ماذا بك؟!!...ما الذي حدث معك وجعلك بتلك الحالة المزرية؟!!!...بحق الله نحن كنا ندعوك بماكينة عمل والان حتى عملك اهملته بكل غباء بينما لم يعد هناك من لا يعرف بأن هناك من يستهدفك بشكل خاص ويستهدف صفقاتك
وقف عمار فترنح قليلاً ليتحرك مراد بسرعة ويسنده فيما يقول:
_متي اخر مره تناولت فيها الطعام؟!!!
أبعده عمار قائلاً بإنهاك:
_لا اذكر...لست جائع من الأساس
امسك به مراد من جديد هاتفاً بجنون:
_هل تحاول قتل نفسك ايها الاحمق؟!!!...ماذا تفعل؟!!... ماذا حدث حتي تدمر نفسك بهذا الشكل؟!!!
أبعده عمار من جديد بينما يهتف هو الآخر بتعب:
_ماذا تريد مراد؟!!!...لقد اديت مهمتك واخبرتني بما تريد ، هلا تذهب الان من فضلك؟!!
نظر له مراد قائلاً بسخرية قاسية:
_هل من المفترض أن اغضب الآن و اذهب؟!!!... لا عمار لن اتركك بهيئتك المثيرة للشفقة هذه وستنهض الان معي وستتناول الطعام ولو رغماً عنك ثم ستصلح هيئتك الغريبة هذه وتخرج معي الي شركتك
ابتسم عمار ساخراً ثم قال :
_و من الذي سيرغمني على أمر لا أريده؟!!!
تكلم مراد قائلاً بثقة:
_انا...وإلا قسماً بالله سأحضر امتعتي وسأظل هنا فوق رأسك إلي أن تركض خارج المنزل هارباً مما سأفعله بك
ابتسم عمار هذه المرة بصدق ليقول:
_اصبحت تتكلم كالفتيات من كثرة جلوسك معهن
رفع مراد كفيه في الهواء قائلاً بهدوء مستفز:
_انا قلت ما لدى...انت ادري باختياراتك
ازاحه عمار من طريقه ثم دخل الي الحمام بينما يقول:
_ اي شيء اهون علّي من اقامتك عندي في المنزل لترمح فيه انت وفتياتك
هتف مراد بعد أن دخل عمار:
_سأطلب من الرجل الذي في الاسفل تحضير الطعام لنا وانت لا تتأخر
كان عمار لا يستمع إلى صديقه كلياً وهو واقفاً يحدق في وجهه أمام المرآة !!!
ما الذي اوصلت نفسك إليه يا ابن علام؟!!!
أنظر!!...انظر كيف اصبحت كمشرد أجرب تنصل منه كل من تعرف عليه خوفاً منه؟!!
كم شخصاً اذيت!!...كم قلباً دهست!!...كم روحاً احرقت!!
تجبرت بقوتك وبأنك ليس لك ما تخسره والحقيقة بأنك كنت تملك وتُخسر نفسك بكل غباء!!!
حتي الفتاه الوحيدة التي احببتها قد تنفر منك اذا اكتشفت اكاذيبك التي لا تنتهي معها
فتح عمار صنبور المياه ليغسل وجهه بماء بارد علّه يطفئ بعضاً من لهيبه بينما يقول بلسان حاله
" حان وقت وضع حقيقتي كامله أمامك مريم...فقط اتمني أن تتفهمي!!!"
بعد دقائق طويلة نزل عمار إلي الأسفل بعد أن قام بحلاقة ذقنه وعاد إلى هيئته الطبيعية ليبتسم مراد قائلاً بمزاح بينما يضع بعض الطعام في فمه:
_رغم اني دائماً أكره تأثير طلتك علي الفتيات حين نكون معاً الا أني سأقولها هذه المرة وامري الي الله....تبدو وسيماً للغاية ايها الدنيء
ابتسم عمار ساخراً ليضيف مراد بعدها:
_لكن عينيك مازالت مخيفة
امسك عمار بالقهوة ليسحبها مراد قائلاً بميوعة:
_حبيبي...يجب أن تأكل شيئاً أولاً
رفع عمار حاجبه ليقول باستفزاز:
_توقف عن الحديث مثل الإناث مراد....الأمر أصبح مريباً
ضحك مراد ثم قال:
_كثرة جلوسي معهن تؤدي للمصائب لكن انتظر لم أكمل دوري بعد!!
قطب عمار ليكمل مراد وقد عادت ميوعة صوته من جديد:
_القهوة مضره علي الامعاء الخالية...يجب أن تأكل شيئاً أولاً...هيا حبيبي...من أجلي... أرجوك
ضحك عمار بهدوء فيما يقول مشيرا إلى باب المنزل:
_سأخرجك من منزلي قريبا ً ايها ال........
ضحك مراد من جديد وقد وصله المعنى ليقول بعدها:
_هيا أنهي طعامك حتي تذهب الي شركتك قبل ان تأتى مساعدتك الي هنا وتقيم عليك الحد
وضع عمار قطعتين من الجبن في فمه ثم نهض قائلاً:
_انا انتهيت....هيا بنا
_لكن عمار انت لم....
قاطعه عمار قائلاً بضجر:
_هيا مراد...انا لا اكل كثيرا ً في الصباح عادةً .
رفع مراد كتفيه باستسلام ثم نهض هو الآخر ليغادر كلاً منهما الي عمله.
..................................
_رؤي هيا اجلسي قليلاً من فضلك...وقوفك هكذا لن ينفعها بشيء
قالها كريم محاولاً للمرة التي لا يعلم عددها أن يزحزح رؤي من أمام غرفة الرعاية لكنها كانت تبدو كمن انفصلت عن العالم كلياً منذ أن علمت بالخبر!!!
وهو لا يعلم كيف يعيدها الي دنياه من جديد!!!...يقف ويشاهدها وهي تبدو كمن يجاهد للوقوف علي قدميه دون جدوى ، كمحارب فقد كل اسباب استمراره في النضال.
كانت مهزومة...
مهزومة وضعيفة لأبعد حد...لم يراها هكذا من قبل ولا يعرف كيف يجعلها تتواصل معه خاصةً وأنها نفت وجوده من حولها بالكامل...ترفض ملامسته لها ، حديثه، حتي أنه يشعر انها تضيق من مجرد وجوده دون أن يعرف بالسبب.
تحرك كريم ناحيتها من جديد لينظر معها نحو تلك الغافية باستسلام تام بعد أن دخلت في غيبوبة بعد الجراحة و رغم أن الطبيب اخبرهم بأن الأمر متوقع و الكثير من المرضى تعرضوا إليه بعد جراحة بهذا الحجم إلا أن رؤى رافضة الي الان تصديق اي شخص يخبرها بأن نوال مازالت معها ولم تتركها وكأنها استسلمت لفكرة رحيلها!!
_ستعود رؤى... صدقيني ستعود
تلمست رؤى الحاجز الزجاجي لتهمس بضياع:
_لماذا يمنعوني من الدخول إليها؟!!...انا اريد الجلوس بجوارها...لن افعل شيء آخر...فقط سأجلس
اغمض كريم عينيه بألم ثم قال مراعياً حالتها:
_فور أن يسمح الطبيب ستدخلين وتجلسين معها كما تريدين فقط تعالي و اجلسي قليلاً حتي لا ينهار جسدك من الانهاك.
لم تنظر إليه من جديد فتجاهل نفورها الغريب منه وامسك بوجهها بين كفيه ثم قال مشددا ً علي كل حرف:
_رؤى...استمعي لي...نوال ستكون بأفضل حال...ستتعافى بإذن الله وتخرج من هنا لكن انتى بحاجة لقليل من الراحة حتي تستطيعين الصمود
هتفت رؤى برفض تام:
_انا لن اتركها للحظه واحده
أجبرها على النظر في عينيه لتدمع هي اخيراً بعد أن كانت مقلتيها جامدتين بلا روح لتقول بعدها بيأس مزقه أكثر من نشيجها:
_لن احتمل ان آخذ هذا القرار من جديد
نظر إليها دون فهم ثم عانقها بعدها وتراجع بها إلي الخلف إلي أن جلسا دون أن تفارق حضنه بينما استطردت هي وبكائها لا ينتهي:
_حين فعلتها مع أبي كدت أموت وانا افصله عن الأجهزة...شعرت للحظه اني... قتلته
شدد كريم من ذراعيه حولها بينما يقول بخشونة:
_توقفي عن توقع السوء... ألم يخبرك الطبيب انها غيبوبة مؤقته اثر عامل السن وستعود إليكِ من جديد؟!!!...نوال لن تتركك رؤى و انتى أيضاً لن تتركيها.
في تلك اللحظة خرج الطبيب ليرى هيئة رؤى المزرية فقال بهدوء وهو يتوقع ابتسامه ستظلل محياها بعد لحظات:
_المريضة حركت أصابعها منذ قليل وهذه احدي بشائر الخير...الحمد لله هي في طريق الإفاقة
نهضت رؤى لتسأل بترقب متشبثة بأي طرف امل:
_ستعود!!!...أليس كذلك؟!!!
ابتسم إليها الطبيب بهدوء ثم قال:
_كله بأمر الله ابنتي
وعلي عكس ما توقع ازداد نحيب رؤي لتدفن نفسها من جديد بين ضلوع كريم بينما تهمس بنبرة اوشت له بمدي ألمها:
_هل سمعت؟!!!...ستعود اليّ من جديد....لقد كدت أموت من غيرها كريم
هزها كريم بقوه دون أن يبعدها عنه وقد داست بكل غباء فوق جرحه ليقول بعدها بعصبية:
_توقفِ عن هذا الكلام.... انتى لن تموتي وإن شاء الله نوال لن تفعل...و اياك ان تكرري هذا الكلام من جديد...انتى ستبقين معي الي الابد...لن اتركك ترحلين الي اي مكان بدوني
عاد بها كريم من جديد الي وضع الجلوس ثم استمر في هدهدتها كطفلة صغيره إلي أن شعر بثقل رأسها فوق صدره فتراجع الي الخلف قليلاً محتضنا ً إياها بكل قوته بينما يهمس لها :
_لا تتحدثي عن الرحيل لؤلؤتي فأنا أيضاً لن احتمل الأمر من جديد وخاصة ً بعد.... بعد أن احببتك .
.....................................
يقف من بعيد ويراقبها كما لم يفعل من قبل!!
وحتي الان هو لا يفعلها عشقاً كما يحدث في الافلام بل هو يقف بعيدا عنها ولا يجرؤ علي الاقتراب خطوه واحده ببساطه لأنه يخجل منها!!!
بعد كل ما حدث بينهم...بعد كل الحب الذي قدمته له بينما كانت تطمع بمقابل واحد...الستر!!
سحر امرأته البسيطة التي كانت أقرب لأم في تعاملها معه بينما كان هو يبحث عن من تجعله اباً و فور أن شعر بأن سحر لن تستطيع الإنجاب فر منها هارباً ليتركها بعدها وكأن العشرة و المودة بينهما لم تكن يوماً!!!
يعلم أنه تصرف بنذاله حين طلقها لكنه أيضاً لديه عذره...فمن الذي يستطيع الإنفاق علي منزلين وطفلين في وقت واحد وهي كان الطريق أمامها طويلاً حتى تتعالج من علتها وتستطيع الإنجاب ماذا كان سيفعل؟!!!...هل يضيع عمره خلف الأطباء والتحاليل والعمليات الجراحية؟!!!
لقد تصرف بعملية...هي لا تستطيع الإنجاب لكنه يستطيع لهذا ذهب ووجد من حققت له حلمه وأعطته بدلاً من الولد اثنين لكن قلبه مازال يهفو لحبه القديم فزوجته الثانية لم تكن أبداً مثلها بل كانت مثله هو... عملية لأقصي حد تفكر فقط في الاصلح لها ولهذا وافقت على الزواج منه بعد أن تخطت عامها الثالث والثلاثون والان بعد وفاتها صار عليه أن يفكر بالأصلح للجميع.
_تفضل سيد عبد الرحمن هذه اخر تصاميمنا ستعجب اختك بالتأكيد
نظر عبد الرحمن الي الحقيبة الصغيرة التي عرضتها عليه تلك البشوشة لتعود عيناه وتتطلع الي الواقفة أمامه من جديد...وجهها مريح للأعصاب ، ملامح بسيطة للغاية لكنها جذابة بدفئها و لمعة الحزن التي لا تفارق عينيها فتجعلها كلوحة غامضة تثير فضوله لأبعد حد.
_سأعرض عليك تصاميم أخري حتي تختار الافضل
همس وهو يحدق فيها بفضول:
_اختاري انتى
نظرت له سحر بصمت فأوضح مبتسماً بحرج:
_انا لا أفهم كثيرا بهذه الأمور لكن انتى فتاه وتستطيعين معرفة ما قد يعجب فتاه أخري
ابتسمت سحر ثم أشارت إلى حقيبة كبيرة الحجم بعض الشيء لكن تصميمها خطف قلبها منذ أن اخرجتها للنور حتي إنها كانت ستأخذها لكنها تراجعت دون سبب واضح:
_هذه عملية وفي نفس الوقت تحمل تصميم مميز
اخذها عبدالرحمن ليقول بعدها مبتسماً بدفيء:
_تبدو رائعة... واضح انكِ فعلا تحملين سحراً بين يديكِ كما يقولون
بادلته سحر الابتسامة بخجل أنثوي جعله يكتم تعليق حميمي كان يوشك علي قوله لها
اخذ بعدها الحقيبة ليشكرها ثم غادر مبتسماً لها لتتبعه هي ثم تحدق فيه بفضول مشابه رغم معرفتها بكل شيء حوله تقريباً حيث يسكن بالقرب منها كما يمتلك محل بيع الهواتف المحمولة في نفس المنطقة ، رجل هادئ يشهد له الجميع بطيب الخلق كما أنها تعرفت على اختيه اللاتي يعتبرهن بناته بعد وفاة والداهما حتي انه لم يتزوج ليتمكن من تعليم إخوته و تربيتهن !!!
التفت عبد الرحمن إليها وقد شعر بمراقبتها له ليبتسم لها بوقار يليق به دون أن يلاحظ أياً منهما ذلك الذي يتلظى بنيران الغيرة وهو يراقب امرأته التي وقفت علي باب المحل لتنظر الي طيف ذلك الرجل الذي كان يبتسم معها منذ قليل.
.............................................
دخل عمار شركته لتستقبله مساعدته من بداية الطريق الي مكتبه فيما كانت تنظر له بعدم رضا واضح بينما تقول:
_سيد عمار الوضع هنا من سيء لأسوء...وانت اختفيت تماماً
أجابها عمار بضجر واضح:
_ها قد جئت نهي...ماذا هناك؟!!...الا استطيع التنعم بعطله بعيدا عنكم قليلاً؟!!!
تكلمت نهي بحنق من لا مبالاته:
_في وضع الشركة الحالي لا اعتقد ان أخذ عطله قرار مثالي
توقف عمار مكانه لينظر إليها قائلاً بخفوت اقلقها:
_انا صاحب هذا المكان ومن حقي أن أفعل ما اشاء وقتما اشاء
_لكن سيدى....
رفع عمار كفه بوجهها قائلاً باستفزاز:
_انتهينا
لاحظ عمار بعد ذلك تلفُتها يميناً ويساراً فسأل بضيق:
_ماذا هناك؟!!!...لما تتلفتين بهذا الشكل؟!!!
أشارت نهي الي أحد المقاعد فيما تقول:
_لقد جاءت انسه بالأمس وسألت عنك واليوم أيضاً تساءلت عن موعد حضورك اكثر من مره فطلبت منها ان تنتظر هنا حينما علمت بحضورك سيدى...لكن لا اعلم اين ذهبت!!!!
نظر عمار لها باستخفاف ليتحرك الي مكتبه فيما يقول:
_لا وقت لدي ولا ارغب في مقابلة.....
توقف الكلام في حلقة حينما فتح باب المكتب ليجد مريم تجلس أمامه علي المكتب وتتطلع إليه بنظره شطرت قلبه الي نصفين
_ما هذا يا انسه؟!!!....كيف تدخلين المكتب هكذا دون......
اوقف سيل اعتراضها صوت عمار الصادح:
_الي الخارج نهي و ممنوع دخول أي شخص
خرجت نهي متبرمه مما يحدث ليدخل بعدها عمار دون أن ينطق بكلمة واحدة بينما كانت تتابعه هي بعينيها التي احمرت جفونها بشدة كدليل واضح علي ما جعلها تعانيه!!
جلس علي المقعد المقابل لها فيما يقول بصوت مهتز:
_مريم...انا....
تكلمت هي حين لم يكمل فقالت بصوت مبحوح بعض الشيء:
_عمار علام.... أليس كذلك؟!!!
حاول عمار الاقتراب منها فانتفضت واقفه فيما تقول بشراسه:
_اياك...اياك ان تحاول حتي لمسي من جديد
وقف عمار هو الآخر لا يعرف ماذا عليه أن يفعل؟!!!
هو مذنب من البداية للنهاية لكنه لا يستطيع أن يخسرها أبدا...خسارتها تعني دماره!!
_لماذا فعلت ذلك بي؟!!!
قالتها بنبرة مختنقة ودموعها تهرب من مقلتيها فتزيد من عذابه بينما تهتف من جديد قائله بجرح واضح:
_لماذا انا؟!!!... ماذا فعلت لك؟!!!... لماذا؟!!!!
حاول الاقتراب منها من جديد فأبعدته بحدة لتكمل بغضب:
_كنت تريدها هي!!!!...فعلت كل هذا لتحصل علي ثأرك من اخي بعد أن تزوجته هو
ادرك عمار ما اهتدي اليه تفكيرها فضرب بكل تعقله عرض الحائط واقترب منها قائلاً بقوه:
_لا... اقسم بالله لم يكن الأمر علي هذا النحو أبداً...انا احببتك ومن اول لحظه رأيتك فيها دون أن اعرف اي شيء عن هويتك
أبعدت مريم يده التي تبحث عن يدها بينما تصرخ بكل قوه غير عابئة بوصول صوتها لمن هم بالخارج:
_كاذب...انت لست سوي كاذب استغل جهلي بما يدور حولي لتجعلني دميه بين يديه... وماذا كانت بقية خطتك؟!!...هل كنت ستقنعني بزواج سري حتي تنتقم من عائلتي ام كنت ستلجأ لاختطافي مثلا وتهديدهم بي؟!!!
امسك عمار بكتفيها رغماً عن رفضها ليحاول من جديد اقناعها:
_اقسم لكِ اني لم اكن اعرف هويتك وقت رأيتك
هتفت مريم في وجهه بحرقه قتلته قبل أن تقتلها:
_انا اكرهك...انت شيطان عمار...لا يهمك أن تدهس الجميع حتي تصل لمبتغاك
اغمض عمار عينيه بألم مدركاً بأن حالتها لا تسمح له بأي حديث فهتفت هي من جديد بينما تضرب صدره بقبضتها:
_لكني سأدمر خيالاتك واخبرك بأنها عاشقه لأخي وبجنون و اخي أيضا ً لن يفرط بها أبداً ولن يتركها.
آلمه قلبه عليها ليلعن نفسه ألف مرة علي ما فعل معها ، لقد هدم كل أحلامها بكل حقارة
اجتث طيبتها ونقائها بدناءة فأصبحت كما يراها الان...جريحه ، كسيره يحكى وجهها الف قصة عذاب.
لوث بياضها الذي كان يعشقه حد الجنون...ليته لم يقترب منها أبدا!!
ليته قاوم هالتها الساحرة ولم ينجذب فيحرق نفسه ويحرقها!!!
ليته يستطيع اصلاح ما أفسده بكل غباء تحت شعار الحب!!!
مسحت مريم دموعها بكفيها فبدت لعينيه كطفلة فقدت اغلي ما تملك لتدمع عيناه في المقابل بينما يقول بتحشرج:
_اجل كنت شيطان...كنت شيطان مع الجميع الا انتى...بل علي العكس تماما...انا كنت التجئ الي ضيائك بكل يأس لينير ظلمة روحي و يطيب بعضاً من وجعي
نظرت له مريم باستهزاء ثم حاولت التحرك مغادرة ليمسك بها ثم يضيف بكل صدق ناظراً الي عينيها المتورمتين:
_عشت عمراً من الخطأ وصوابي الوحيد هو انتى...صوابي الوحيد اني احببتك...قد أقبل بأي شيء منك إلا أن تشكِ يوماً بصدق مشاعري ناحيتك...عدا عن اخفاء هويتي انا لم اكذب بشيء ، انا أخفيت من اكون حين علمت من انتى لأنني خفت من أن اخسر فرصتي معك قبل أن اكتسبها...قولي جنون ، غباء أو حتي عجز لكن اقسم لكِ أن قلبي لم ينبض لغيرك يوماً...لم احب سواكِ
قاومت مريم يديه ليقربها منه أكثر حتي أسند جبهته على جبهتها فيما يضيف بألم:
_انا خسرت كل شيء...كل شيء...لكني لن اسمح بخسارتي لكِ...سأقف في وجه الجميع و أعلن حبي لك ِ...لن اخذلك من جديد حبيبتي و سأفعل المستحيل حتي احصل على غفرانك
حاولت مريم أبعاده لتفاجئ بشفتيه التي التصقت بجانب فمها بينما كان هو مغمضاً عينيه فيما يكرر أمام شفتيها بهوس:
_لا تتركيني حبيبتي...ارجوكِ...انتى اعطيتني وعدك بأن لا تتخلي عني
حاولت مريم من جديد ابعاد وجهها عنه ليصمت هو كل محاولاتها بقبلته التي اختلطت بدموعهما بينما كان هو كالمغيب وهو يتذوق رحيقها للمرة الأولى والأخيرة ربما!!!!
كان يقبلها بعجز وقد نضبت حروفه وفشلت كلماته في شرح مشاعره تجاهها ، لن تصدقه مهما قال هو يعلم هذا لكنه يحتاجها حد الموت....اميرته الصغيرة التي أعطت حياته الكئيبة لوناً بينما أضاف هو سواد روحه فقط الي حياتها الوردية.
وعت مريم علي ما يحدث لها فأبعدته بكل قوتها ولم يقاوم هو لتنزل صفعتها على وجنته بكل قوه فيما تقول ببكاء:
_انا أعطيت وعدي لشخص آخر... شخص كل ما تحمله انت منه فقط ملامحه لا اكثر
ركضت نحو باب المكتب ليحاول للمرة الأخيرة فيغلق الباب بكفيه محاصراً إياها من خلف فيما تخرج نبرته متوسله إياها البقاء
فما نفع الكبرياء ان غابت الروح؟!!...ما أهمية الشموخ أن تمزق القلب؟!!
فليحترق كبرياءه وغروره في قعر جهنم ولتبقي هي فقط حوله!!!
_اعطيني فرصة واحدة... واحده فقط وسأخبرك بكل شيء
لم تلتفت إليه حتي بينما تهز رأسها رفضاً ثم قالت بصوت متهدج:
_فرصه أخري لتكذب من جديد...اعطيك بيدي فرصة جديدة لتعتصر قلبي دون رحمه!!!...هل تعلم كيف شعرت حين اكتشفت بأنني مجرد وسيلة حتي تصل إليها؟!!!...هل لديك فكرة كيف كانت حالتي حين علمت بحقيقتك في حضور الجميع؟!!!... انت بلا قلب عمار ولن اغفر لك أبداً ما فعلت معي.
قالت جملتها الأخيرة ثم استغلت تسمره خلفها وفتحت الباب ثم ركضت هاربه منه تاركه إياه يتجرع مرارة وحدته في اقسي صورها
هربت وتركته هائماً من جديد في ظلمته و قد اصبحت العن الف مرة عما كانت قبلها!!
هل اختفت بكل تلك البساطة من حياته كأنها لم تكن يوماً ؟!!
اغمض عمار عينيه معتصرا ً جفونه بكل قوه بينما يهمس لنفسه :
_سأعيدك....سأعيدك ولن اخسرك وإن كانت روحي هي المقابل
........................................
فتحت رؤى عينيها بتشوش علي يد كريم التي تهز كتفيها بخفه حتي تستيقظ فنهضت عنه قائله بقلق:
_هل هناك جديد؟!!!
ربت كريم على وجنتها مبتسماً بينما يقول:
_لقد عادت نوال الي وعيها منذ قليل لؤلؤتي
دمعت عيناها بفرحه عارمه فيما تهمس بعدم تصديق:
_حقا؟!!!
اومأ لها مبتسماً بسعادة لفرحتها لتهتف هي من جديد بينما تمسح عينيها الدامعتين:
_انا اريد رؤيتها
_حينما ينهي الطبيب فحصه ستدخلين إليها
هزت رؤى رأسها وهي تشعر بأنها تعيش في حلم جميل ليقترب منها كريم بينما يقول من جديد:
_اخبرتك بأنها ستعود لؤلؤه... الرحيل ليس قدراً لكل من يحوطك .
نظرت له رؤى لتضيع في عينيه الصافيتين ثم قالت بهمس:
_لقد تعبت معي كثيرا الايام الماضية...عد انت الي المنزل و انا سأبقي معها
أعطتها عيناه الإجابة حينما تطلع فيها كما لم يفعل من قبل ليقول بعدها:
_لن استطيع النوم دون أن تكونِ بقربي... لقد اعتدت على التشبث بكِ لؤلؤتي
ضحكت بخفه ليلمس هو وجنتها قائلاً بمشاكسه:
_هذه الضحكة تعني انني محق وانكِ أيضاً لن تستطيعي النوم بدوني
اخجلها حديثه لتتطلع حولهم تبحث عن متلصص لتهمس بعدها بحنق أنثوي تخفي به خجلها:
_توقف عن هذا الحديث...الا تخجل؟!!!
ضحك فرحاً بعودة روحها التي يعشقها ثم قال:
_انتى زوجتي و من حقي أن اتواقح معكِ كما اشاء
لم تستطع رؤى كبت ابتسامتها لتقول بعدها بصدق و امتنان بينما تجرأت لأول مرة و تلمست وجنته:
_حقا كريم.... شكراً لك على كل ما فعلته معي...منذ اول لحظه كنت بحاجة لوجودك فيها وانت معي...تحاوطني برعايتك وحنانك...
ابتسمت قليلاً بشرود ثم استطردت دون أن تبعد أصابعها عن لحيته النامية:
_ غريب الاطوار قليلا ً كما أخبرني الجميع...لكنك مميز ، دافئ بطريقتك الخاصة ، تغضبني في الصباح و تتشبث بيدي مساءا ً و كأنك تخبرني دون حديث بأنك معي حتي في احلامي .
وضع كريم كفه فوق يدها التي تلمسه ثم مال بوجهه ليقبل باطنها ليقاطعهم صوت الطبيب الذي خرج من الرعاية وهو يكمل تعليماته للممرضة المشرفة على حالة نوال فتحركت رؤى بسرعة ليبتسم هو قائلاً بمهنية:
_الحمد لله علاماتها الحيوية و إدراكها في أفضل حال...ستظل في الرعاية حتي الصباح لتظل تحت المراقبة ثم سنقوم بعدها بنقلها لغرفتها الخاصة فور تحسن وضعها
تكلمت رؤي بلهفه واضحه:
_انا اريد رؤيتها
علت الشفقة ملامح الطبيب ليقول بعدها بصوت ابوي:
_من المفترض أن الزيارة ممنوعه لكني سأسمح لكِ بخمس دقائق فقط معها ولا ترهقيها بالحديث
اومأت رؤى بطاعة ثم تحركت بعدها بسرعه نحو الرعاية لتلمحها نوال فتبتسم بوهن حين اقتربت منها ثم همست ممازحة بتعب واضح:
_لقد اشتكي الطبيب من ابنتي التي لا تتوقف عن البكاء في الخارج
ضحكت رؤى للحظه ثم بكت من جديد لتحرك نوال يدها تحاول الإمساك بيد طفلتها الخائفة التي عادت للظهور من جديد ثم قالت بإنهاك:
_ انا بخير حبيبتي... توقفي عن البكاء و عودي الى المنزل
هتفت رؤى برفض:
_مستحيل أن اتركك للحظه...الا يكفي انكِ تعرضت ِ لكل هذا دون أن تخبريني
ربتت نوال علي كفها بخفه لتهمس بعدها من جديد:
_اذا كنت غاليه عليكِ حقاً اذهبي الان وتعالي من جديد في الصباح ووقتها سنتحدث بكل شيء بإذن الله
كادت رؤى ترفض من جديد حين همست نوال من جديد لكريم الذي كان يقف خلف رؤى:
_خذها بني لترتاح قليلاً
اومأ لها كريم ثم ربت على كفها قائلاً بتقدير:
_الحمد لله علي سلامتك
ابتسمت له نوال بهدوء ليمسك هو برؤى قائلاً برفق:
_هيا رؤى وسنعود إليها في الصباح
_لكن.......
تدخلت نوال:
_ارجوكِ ابنتي....استمعي الي و اذهبي مع زوجك
ثم نظرت لكريم هامسه بإنهاك وهي تغمض عينيها:
_اعتني بها بني
اومأ لها مطمئناً لتقاطعهم الممرضة تطلب منهم الخروج حتي لا ينهكوا المريضة اكثر من ذلك لتخرج رؤى بصحبته بينما كامل عقلها مع امها التي وعت عليها منذ أن علمت بمعني الأمومة امها التي كانت أقرب إليها من نفسها ، تتقاسم معها كل لحظه وتخفف عنها وجع اليتم و الوحدة.
بعد وقت قصير دخلت رؤى غرفتها لتجلس علي طرف الفراش بينما يبدو عليها الإرهاق جلياً ليقول كريم مربتاً على رأسها وكأنها طفلته الصغيرة:
_ادخلي و أحصلي علي حمام دافئ يرخي عضلاتك المتشنجة من التعب
اومأت مستحسنة الفكرة لتفك حجابها دون أن تلاحظ عينيه التي تلتهم كل تفصيله بها بلا حياء لتأخذ بعدها ملابسها وتختفي خلف باب الحمام .
بدل كريم أيضا ً ملابسه وقد نال منه الإرهاق هو الآخر حيث ظل عدة أيام لا يتحرك من المستشفى ملاصقاً لرؤى بعد أن شاهد انهيارها أمامه ليخرج بعدها من الغرفة تاركاً لها حريتها قليلاً.
دقائق وخرجت رؤى لتجد كريم يدخل بعد لحظات ممسكاً بصينيه كبيرة تحتوي على بعض الطعام الخفيف و كوبين من الشاي الأخضر فقالت له بإرهاق:
_ كنت انتظرتني وانا كنت سأحضر لك الطعام فور انتهائي
وضع كريم الطعام فوق الطاولة الصغيرة في الشرفة ثم امسك بكف رؤى قائلاً:
_انتى مرهقة للغاية لؤلؤه وبحاجة الي من يهتم بكِ
في تلك اللحظة رن هاتف كريم ثم صمت فجأة ليمسك به كريم قائلاً:
_لقد انتهى شحن هاتفي
ثم نهض ليشحن بطاريته بينما جلست رؤى على المقعد المقابل ليعود بعدها و يقف أمامها مبتسماً:
_اريد أن أجلس هنا
نظرت له رؤى باستغراب ثم نهضت لتجلس الناحية الأخرى ليجلس هو ثم امسك بها ليجلسها علي حجره....
تجمد جسدها ليهمس لها من جديد بينما يلف يده حول خصرها:
_اهدأي لؤلؤه سأدللك قليلاً فقط
حاولت رؤى النهوض ليتمسك بها أكثر ثم مد يده الأخرى ليلتقط بعض الطعام ويضعه امام شفتيها قائلاً بهمس:
_الليلة سأطعمك و اغفيك بين يدي حتى تتلاشي كوابيسك نهائيا ً
فتحت رؤى فمها بطاعة غريبه عنها ليطعمها كريم حتي اكتفت لتحاول النهوض من جديد فيمنعها هامسا ً في تجويف عنقها:
_الي اين تهربين؟!!!
تسارعت نبضاتها دون أن تنطق بحرف بينما ابتسم هو من جديد فيما يحاوط عنقها مستمتعاً بنبضاتها المجنونة من أجله...
كلها له...خجلها ، شغبها الناعم مثلها ، ابتسامتها ، روحها المقاتلة ، بشرتها الصافية كقطعة شوكولا دافئة تتحداه للذوبان فيها
لم يعي كريم في شروده أنه بدأ بالفعل في تذوق رحيق زهرته الناعمة الا حين سمع صوت سقوط احدى الكؤوس ارضاً لتعود رؤي لواقعها من جديد فحاولت الابتعاد عنه فيأبي هو تحريرها ثم فاجأها اكثر حين حملها وتحرك بها للداخل ليضعها فوق الفراش بينما تحاول هي مقاومة طوفان حبه الذي علي وشك ابتلاعهما معاً فهمست تستجديه باسمه ليصمتها قائلاً بشغف:
_احبك لؤلؤتي
ثم يلتهم شفتيها بجوع بعد طول ظمأ ليطن هاتفه من جديد فتهمس هي بتعثر:
_الهاتف....
فيهمس مشتعلاً:
_اتركيه و احبيني
خرج صوتها مترددا فيما تهمس بارتعاش:
_ كريم انا........
أبعد شفتيه بمعجزة عنها لينظر الي عينيها المترددين فيما يقول بصوت مثقل بالشغف:
_انتى ماذا لؤلؤه؟!!!
ظلت رؤى تحدق في عينيه لفتره طويله تبحث عن وعد بالبقاء ليفهم هو أخيراً مخاوفها فيهمس فيما يقبل طرف أنفها:
_لن اتركك للحظه لؤلؤتي
سألته بنبرتها المتعثرة وقد بدأت ترخي حصونها:
_وعد؟!!!!!
فيقترب و يلثم ملامح وجهها اكثر واكثر هامساً بوعده بين كل قبله و أخرى وهاتفه لا يصمت لتهمس هي دون إرادة منها وقد شغفها حبه:
_احبك كريم....احبك ....جداااااااا
هدرت أنفاسه وكأنها أعطته الضوء الأخضر ليسحبها معه لعالم آخر لا وجود فيه الا لحبهما الذى تفتحت براعمه أخيرا ً.

نهاية الفصل الثامن عشر

قراءة ممتعة وسعيدة 🧡🧡





  

بقعة ضوء للكاتبة "هاجر حليم"  مكتملة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن