الفصل الخامس عشر:
(بعد عدة أيام)
كانت سحر تقف منهمكة في ترتيب القطع الجديدة التي قامت بصناعتها واحضرتها اليوم الي المحل و رغم كل ارهاقها كانت هناك ابتسامه تزين ثغرها وهي تري كرم الله عليها منذ تم افتتاح المكان...
لقد بدأن بالحقائب ثم بدأت معجزه تقترح عليها بعض الاشياء التكميلية كمفارش الطاولات الصغيرة ، حافظات الهاتف المحمول والكثير من الأشياء التي لا تستهلك منها جهداً كبيراً بينما تعود عليهن بأرباح جيدة للغاية .
_مرحبا شريكتي العزيزة
التفتت سحر لتجد معجزه تقف خلفها مبتسمه بينما تمسك في يدها طفله تبدو في العاشرة من عمرها وتشبهها للغاية !!!!
بادلتها سحر الابتسامة بصدق لترحب بها بحبور:
_ اهلا وسهلا معجزه...يا الف مرحب بك
ثم نظرت الى فيروز التي تراقب المكان بترقب وانبهار وكأنها في نزهه لعالم آخر:
_هل هذه ابنتك؟!!!
ضحكت فيروز لتجيب بدلاً من معجزه:
_لا انا شبيهتها ....نصفها الآخر
شدتها معجزه بجوارها فيما توضح لسحر مبتسمة:
_هذه فيروز ابنة أختي.... وأحيانا تكون ابنتي
فتقول سحر باستغراب واضح:
_لكنها تشبهك للغاية
رفعت فيروز كتفيها بغرور مصطنع ثم قالت لمعجزه:
_هذا اكبر دليل بأنكِ جميله للغاية معجزة
ضحكت سحر ثم قبلت تلك الشقية لتجلس بعدها معجزه وتبدأ تستفسر منها عن وضع المكان وسير العمل ثم أعطت سحر في النهاية بعض الرسومات لتقول مبتسمة:
_بما أن العمل يسير على أكمل وجه ابدأِ بتجهيز التصميمات الجديدة باستخدام أرباحنا حتي الآن وإن احتجتِ لشيء اتصلِ بي .
ابتسمت لها سحر فيما تقول بامتنان:
_رزقك الله بكل خير معجزه
ثم نظرت لبطنها التي بدأت في البروز و أكملت:
_ربنا يكمل فرحتك على خير
ابتسمت لها معجزه ثم ودعتها هي وفيروز ولم تمر سوي لحظات لتجد سهام تدخل المحل بوجه مصدوم فسألتها سحر بترقب:
_ماذا هناك؟!!!....ما الذي حدث؟!!!
فقالت سهام بخفوت:
_لقد سمعت منذ قليل أن زوجة عزت وامها توفيتا اثر حادث سيارة...لقد انقلبت بهن سيارة الأجرة علي الطريق ولم ينجو منهن احداً
شهقت سحر بفزع فيما تردد:
_لا حول ولا قوه الا بالله....لا حول ولا قوه الا بالله... و الاولاد؟!!!...هل كانوا....؟!!!
لم تكمل سحر تساؤلاتها ليأتيها صوت سهام النافي:
_لا كانتا بمفردهن....لقد تركت الاولاد عند أختها قبل الذهاب
ظلت سحر تنظر بحزن واضح الي أختها فيما تقول بإشفاق:
_يا للأسف عليهم...لقد تيتموا قبل أن يعرفوا معني الأم
اومأت سهام بحزن مماثل لتقول بعدها فيما تتحرك مغادرة:
_سأذهب لأمر علي هناء قليلاً...لم اجلس معها منذ زمن...كما أنني أشعر بالاختناق
اومأت سحر أيضا ً بشرود تام بينما قلبها يؤلمها علي طفلين خسرا امهما قبل أن يعيا ووجودها
تمتمت فيما تعود لعملها بذهن مشوش:
_ إنا لله وإنا اليه راجعون................................................... ....
كان عمار جالساً في مكتبه يطالع كل كبيرة وصغيرة في صفقاته القادمة حتي يضمن أن لا يتسرب اي خبر جديد ورغم أن الساعة قد تعدت الثامنة مساءا ً ورغم أيضاً ارهاقه الشديد رفض الاستماع الى مساعدته التي تركته و رحلت هي أيضاً بعد أن اجهدها تعبها اليوم بسبب المشاكل التي تمر بها المؤسسة.
ظل عمار يدقق في بعض اسماء الموظفين الذين لهم صلة مباشرة بأمور تلك الصفقة هؤلاء فقط الذين يمتلكون المعلومات الكافية ليستغلها اي رجل اعمال منافس
" طارق...عرفة... خديجه...و العم لطفي"
استبعد اولا لطفي الرجل الستيني الوقور لأنه كان من اعز اصدقاء أبيه كما أنه يعتز به بطريقة شخصية ويستحيل أن يخونه ثم وفي لحظه تسمرت عيون عمار علي ذلك الاسم... " خديجه" !!!!
بدأت المشاهد تعيد نفسها أمامه....تلك الفتاه كانت على علاقة وثيقة بسوزان ، سوزان التي بعد أن رحلت بفتره بسيطة نزلت عليه تلك الكارثة!!
هل هي صدفه؟!!!!
قست عيون عمار ليجيب على أفكاره بوحشية:
_بالطبع لا!!!
ثم أمسك هاتفه النقال محاولا الوصول إلى تلك القذرة التي تحاول الانتقام منه دون أي نجاح يذكر بعد أن أغلقت هي هاتفها .
وضع عمار الهاتف بعنف علي المكتب ليهمس بشيطانية:
_سأجعل الموت رحمه لن تناليها سوزان....انتى من جلبتي الوبال فوق رأسك
أضاء بعدها هاتفه ليجد رساله من مريم و رغم خجل الكلمات إلا أنها استطاعت خلق ابتسامه بسيطة فوق شفتيه ، عاد ليقرأ الرسالة من جديد بتمهل
" شكراً لك على تلك الليلة الرائعة التي امضيتها معك...أراك علي خير"
اغمض عمار عينيه فيما يهمس لنفسه من جديد بعد أن افاق من غيبوبته الوردية:
_ انت تتهاوى معها ايها الاحمق و الألعن انك تعلم هذا بل ومستمتع به أيضاً
تنهد بعدها بتعب وهو يسند ظهره المتألم ثم أضاف:
_ ماذا علّي أن أفعل معك فراشتي؟!!!....بيني وبينك ألفاً وألف سد و رغم كل هذا ما زلت اراكِ نهاري الذي يسطع بعد ليلٍ معتم !!!
اخرج صورتها من أحد الإدراج فيما يلمس ملامح وجهها الصغيرة التي تهلكه ليستطرد أخيرا ً:
_رغم كل ما مررت به في عمري...رغم انني اصبحت في نظر الجميع كالشيطان ...رغم قوتي التي اتباهى بها حين يأتي الأمر إليكِ ارتجف ذعراً من أن اري نظرة كره أو خذلان في عينيكِ يوماً
وكأنها تسمع حديثه معها أضاء هاتفه من جديد ليجدها تتصل به فيجيب دون تردد قائلاً بخفوت:
_اشتقت إليكِ جميلتي
اجفلت مريم قليلاً لتقول بعدها:
_اعتذر إن كنت عطلتك عن عملك
يضحك بخفوت مستمتعاً بإحساسه بها ليقول من جديد:
_انتى لديكِ الحق لتعطليني كما تشائين مريم...ليت كل العطلة بهذا الشكل
وصله صوتها المتردد بحنق:
_توقف عن ترديد هذا الكلام...انا اتصلت...اتصلت...لأخبرك...لأشكرك على... تلك الليلة
ضحك عمار قائلاً :
_بالعكس انا من اشكرك بأنكِ اكملتِ عالمي الناقص صغيرتي
صمت قليلاً ثم استطرد بعدها بنبرة مشوبة ببعض الحزن:
_مهما حدث ستظل تلك الليلة كالحلم بالنسبة لي
صمتت مريم قليلا ثم قالت برقه:
_هل انت بخير؟!!!... صوتك يبدو حزين
تنهد عمار ليعطيها نصف الحقيقة:
_ لدي الكثير من المشاكل في العمل
فقالت بعدها بثقة أثقلت قلبه:
_لا تقلق...انت ستحل كل شيء...انا اثق بذلك
وكأنه يهوى الوجع إذ سألها بترقب:
_هل تثقين بي لتلك الدرجة فراشتي؟!!
فتجيبه بلا لحظة تردد :
_اجل
أغمض عمار عينيه متألما ليأتيه صوتها الرقيق فيما تحاول هي ابهاجه بطريقتها الخاصة بعد أن شعرت بضيقة:
_ماذا تتمنى الان؟!!
ابتسم بشرود دون أن يشعر ثم أجاب بصوت خرج من عمق قلبه:
_اتمنى أن تظلي على حبك لي مهما حدث ومهما قلت....اتمنى فقط أن لا تفقدي الامل فيّ يوما ما وتتركيني
صمتت قليلاً لتقول بعدها بدفيء واحتواء:
_وما الذي قد يدفعني لتركك؟!!!
وكأن الصمت لغة أخري يتهامسان بها بينما كان عمار في وادٍ اخر ليقول في النهاية بصوت متألم:
_ان تخافي منى يوما....أن تفقدي املك في اصلاح عطبي فتتركيني....وانا....اخاف....لقد سأمت وحدتي ....سأمت منطقتي الرمادية الأمنه واريد أن أتمرغ في بياضك المتطرف و نقاء روحك.
تسارعت نبضاتها العاشقة لحديثه فهو يستفز طابعها الامومي بطريقة كبيرة وتود لو أنها تستطيع أن تخرجه من ذلك الحزن الذي يكتنفه!!
ليكمل هو ما بدأه ويهدم اخر مخاوفها من جهته حين قال بصدق وصلها بوضوح:
_مريم....انا ....انا حقاً احبك
.........................................
دخل كريم جناحه ليجد رؤي تجلس بإنهاك و تسند رأسها علي المقعد بينما تظهر علامات التعب جلية على وجهها فأقترب منها قائلاً باهتمام:
_رؤي هل انتى بخير؟!!!
سألها وهو يمد يده لجبهتها ليستطرد بعدها موبخاً:
_أرأيتِ؟!!!...لقد اصابتك الحمي ، كل هذا بسبب رأسك اليابس ...كم مره اخبرتك بأن لا تظلِ واقفه في الشرفة ليلاً ؟!!! ...ثلاثة أسابيع ونحن على هذا الحال.
نظرت له رؤى بضعف ثم حاولت التكلم ليصمتها صوته المعنف بينما يضيف بجرأة:
_ انا اعلم جيدا عزيزتي انكِ تفعلين ذلك كل ليله وتسهرين في الشرفة حتي تتأكدين من نومي أولاً ...و سأقتل خيالاتك الغبية واخبرك بأني كنت مستيقظاً كل ليلة ولكني كنت اتظاهر فقط حتي ترحمين نفسك من لسعات البرد الليلية.
سعلت رؤي ثم قالت بصوت منهك:
_ توقف عن الهتاف كريم....انا بخير
فيرد مستهزئاً:
_حقا؟!!!!.... واضح
قالت رؤى من جديد بتعب وهي تحاول التحرك نحو الفراش:
_احضر لي فقط خافض للحرارة وانا سأصبح بخير
امسك بها كريم حينما هاجمها الدوار ليرفعها كلياً فيما يتجاهل شهقتها المتفاجئة ليضعها في الفراش قائلاً بأمر:
_اياكِ أن تتحركِ من مكانك
همست ساخرة:
_ انا لا استطيع علي كل حال
تركها كريم ثم أحضر بعض الثلج من البراد و وضعهم بمنشفة كبيره ليضعهم فوق جبهتها فيما يقول:
_غبائك قد زاد عن الحد ...ما الذي تسعين إليه؟!!!...هل تريدين قتل نفسك؟!!
_لا تبالغ...
قالتها وهى تحارب حتي لا تغلق عينيها فيقول بحنق:
_انا الذي ابالغ؟!!!....ام انتى مع اني اخبرتك ألف مره بأني لن أقترب منك...لكني لست احمق مثلك لأترك لكِ الفراش تنعمين فيه بمفردك وأعاني انا فوق المقعد.
ضحكت رؤي لتسعل من جديد فيقول ساخراً:
_عروس تمرض في شهر العسل!!!!.... مهزلة!!!
امسك بعدها كريم الهاتف الداخلي ليسأل عاملة الاستقبال عن وجود خافض للحرارة لأنه لا يستطيع ترك رؤى في هذه اللحظة لتخبره بأنهم سيحلون الأمر في الحال وبالفعل دق الباب بعد دقائق ليجد كريم أحد العاملين فأخذ منه الدواء شاكراً ثم عاد ليجد رؤي قد غلبها التعب واستسلمت لسلطان النوم بينما يرتجف جسدها اثر الحمي التي هاجمته فيقول مستسلماً:
_لا يليق بكِ المرض لؤلؤه
حاول ايقاظها ثم ناولها الدواء لتبدي هي استسلام تام وهي لا تدرك ما يحدث حولها من الأساس
فيهمس لها كريم بمشاغبة وهو يعيد رأسها للوسادة :
_ستصبحين بخير لا تقلقي لؤلؤتي العنيدة
ظل بعدها جالساً بجوارها مغطياً جبهتها بالمنشفة الباردة بينما يستمع لهذرها المحموم الذي بالطبع يشمل امها فقط ليربت على وجنتها هامساً في اذنها:
_انا بجوارك لؤلؤه...لا تخافي... لستِ بمفردك ولن تكوني ابداً
بعد عدة ساعات استفاقت رؤى لتجد رأس كريم مائلاً علي كتفها بينما يده تمسك بمنشفة مبتلة فيما كان هو نائما ً بعمق بجوارها !!!
حاولت التحرك ليجفل ممسكا بها بقوه هاتفاً :
_روز!!!!
نظرت له رؤى بصدمه فيما كان ينظر لها هو بتشتت ليبتعد بعدها معتذراً ثم قال :
_هل أصبحت ِ افضل؟!!!
اومأت رؤى بهدوء ثم نهضت ببطيء ليقترب هو منها قائلاً بحزم:
_لن تسهري في الشرفة من جديد...على كل حال سنعود إلى المدينة بعد يومين لأننا سندخل في عمل مهم ويجب أن أكون حاضراً
اومأت رؤى بتفهم ليهمس بعدها ممازحاً:
_ إن كنت ِ تودين اكمال الرحلة سأطلب من أبي تأجيل الأمر قليلاً
_لا...لا داعي لذلك....لقد اشتقت الى نوال كثيراً
ابتسم كريم ليقول وكأنه يحادث طفله:
_حسنا....ما رأيك أن نتنصل كل فترة من العمل و نقوم برحلة مماثلة...لقد اعجبني الأمر كثيرا ً
كانت تعلم أنه يمازحها حتي يشتت انتباهها عن مناداته لها بروز فتماشت معه لتضحك قائله بمشاغبة:
_ لا تحمسني لأنني مجنونه بالسفر ولن تستطيع السيطرة على ابداً
ابتسم كريم ليعبث بشعرها وكأنهما يعرفان بعضهما منذ زمن ليتكلم بعدها قائلاً بحنان مفاجئ يحمل تحت طياته وعد خجول:
_تحمسي كما تشائين انا حقاً اعجبني الأمر و افكر في إعادة هذه الرحلة بعد انتهاء عملي
ضحكت رؤي بخفه ثم تحركت نحو دورة المياه حتي تغتسل لتعود إلى حيويتها فيما تحاول السيطرة على دقات قلبها الهادرة بعنف .
أنت تقرأ
بقعة ضوء للكاتبة "هاجر حليم" مكتملة
Romanceرواية بقعة ضوء للكاتبة هاجر حليم ولها روايات أخرى إن شاء الله سأقوم بنقلها..لقد أخذت إذن الكاتبة بنقل رواياتها هنا على الواتباد ..قراءة ممتعة للجميع ❤❤