السير في الأرض

25 14 0
                                    

الحياة عبارة عن كتاب مفتوح ، ومصدر للتعلم ، والكتب ليست المصدر  الوحيد للمعرفة ، وهي مرحلة أولية من مراحل التعلم ولا غنى عنها ، لكنها ليست المصدر الوحيد للمعرفة.. فالسير في الأرض وأتباع العلوم النافعة مرحلة أعلى ويشترط فيها أن تكون مبصرٍ في الأرض.

ستجد المعرفة في نفسك قبل كل شيء.. وفي عمق ما تشعر به ستجدها في باطنك الممتلئ بالخير والشر... الممتلئ بالأفكار النافعة والضارة... الممتلئ بالحب وبالكراهية.

قال تعالى (( وفي أنفاسكم أفلا تبصرون)) الذاريات 21

بعد ذلك ستجدها حولك في اللعب مع الأطفال... وفي  السماع لحديثهم البريء... ومحاولة تفهم مشاعرهم والتفكير على طريقتهم ، فهم لا يهتمون ولا يفكرون  إلا بما يحبوا ونجدهم مشغولين بهوياتهم بعكس الكبار الذين ينشغلون بالآخرين... والطفل تثيره الدهشة والتساؤل لكل شيء في الحياة.. والمعرفة للإنسان تزداد بمقدار قدرته على الدهشة وكأنه يكشف الأشياء لأول مرة.

ستجدها أيضاً في الحيوانات... وفي طريقة حياتها المعقدة... في صعوبة حصولها على الأمان.. وفي صراعها الدائم من أجل البقاء.

ستجدها في الطيور بأنواعها الجميلة المختلفة .. في طريقة تزاوجها وفي نظام حياتها الدقيق.

ستجد الرحمة من أم تسهر وتكدح من أجل أولادها... وفيها تتعرف وتدرك جزء بسيط من رحمة ﷲ سبحانه وتعالى وتشعر بوجوده.

ستجدها في البحار... وعالمه وأسراره... في عمقه وسطحه وهيجانه في مده وجزره... في هدوئه وغدره... وتلاطم أمواجه.

فالنفس البشرية شبيه بالبحار في عمقها.

فباطن البحر يشتعل بالنيران وفيه صراع دائم بين الأسماك المختلفة.. بينما سطح البحر يبدوا عليه السكون والهدوء وفي عمقه التوتر والقلق والصراع ، وكذلك هي النفس البشرية.

ستجدها وأنت تستمع إلى رجل كادح وهو يتحدث إليك بكلمات صادقة لا تعرف الزيف أو الخداع . . كلمات نابعة من مكابدة ومعاناة ومن واقع معيشي يتحدث.

أو من رجل آخر يبدوا كالمجنون بمظهره وقد يكون عبقري  وعدم احتواء عبقريته لمن هم حوله قد دفعه إلى الجنون فالمثل القاتل "خذوا الحكمة من أفواه المجانين" هو مثل صحيح.... فظروفهم الاجتماعية هي من جعلت الآخرين يصفوهم بالجنون وينظرون إليهم بتلك النظرة...ولو كانوا من أصحاب النفوذ ورؤرس الأموال لاعتبرهم المجتمع عباقرة.

كل ما في الكون مسخر من أجل إلانسان ليتعلم.

والإنسان هو الكائن الوحيد الحر في الكون الذي يمتلك الإرادة والمشيئة معاً... بينما بقية المخلوقات لا تمتلك الإرادة أو المشيئة وهي تتحرك في أطار مرسوم  لها والإنسان هو الحر لذلك يتمرد ويسخط.

أن السير في الأرض والتأمل في الحياة وفهم أسرارها هي أعظم الطرق للحصول على المعرفة.

هناك من يمتلك المكاتب ويقرأ عشرات الكتب وعند حديثك إليه تجده يتشدق ببعض المصطلحات الإنجليزية والمصطلحات الفلفسية ليتباهى بها أمام الناس فقط وعندما يتحدث في الحياة ونظرته لها تجده سطحي جداً لا يعلم عن الحياة شيئاً ، بإستثناء تلك المصطلحات التي يحفظها.

وقد تجد رجل في آخر الصحراء أو في أعلى قمم الجبال  أو في أسفل السهول والوديان... أكثر معرفة منه في الحياة وفي طبيعتها.

أذهب وتحدث إليه واستمع لتجاربه وسير في الأرض كما أمرك ﷲ سبحانه وتعالى وتعلم.

في الفكر والحياة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن