الحروب أكبر معلم للبشرية

26 12 0
                                    

ولأننا رفضنا السير في الأرض وأتباع العلوم النافعة كما أمرنا ﷲ سبحانه وتعالى ، جاءت إلينا الحروب كبديل عنها لتعلمنا وتفرض علينا التعلم.

لكن هذه المرة تعلمنا بتكلفة وبمقابل باهض وهو... الألم....والمعاناة....والدمار.... وهي السُبل الوحيدة لعلاج امراضنا بعد أن استعصى علاجها بالطرق السلمية ، وما يحدث لنا اليوم اشبه بالعمليات الجراحية التي  يقوم بها الطبيب من أجل شفاء المريض وهي تبدو لنا في الظاهر شر عندما نجد الطبيب يمزق معدة المريض ليستخرج منها الورم ، لكنها في الحقيقة خير رغم ألم الذي يعانيه المريض.... وهي محاولة لإنقاذ جسم مريض بالعمليات الجراحية.

كذلك هي الحروب ، محاولة إنقاذ وطن مريض بأمراض الأنانية والكراهية ، وأمراض الخداع والغش والظلم وغيرها.

وتبقى الحروب عملية جراحية كبرى وقد يصاحبها الشفاء وفق إرادة ﷲ سبحانه وتعالى.

والحروب هي المعلم الأكبر للبشرية وقد تعلمنا منها كثير.

تعلمنا بأن لا نحكم بظاهر الأشياء وبأن نفكر بما وراء الكواليس من طبخات سياسية لا نعلم بها ، وأن لا نصدر أحكام مسبقة سطحية.

تعلمنا كيف نستخدم خطوط الرجعة عندما نكون عالقين في سياستنا وفي علاقاتنا وفي حبنا وكرهنا وتخاصمنا..

تعلمت منها عندما اقتنع بصواب فكرة أن أحفظ خط الرجعة دائماً واضع احتمال أنها قد تكون على خطأ.

وتعلمنا أيضاً بأن ما يُمكنا استخدامه في الحرب يُمكنا أيضاً استخدامه في الحياة اليومية خطط وفنون ومهارات.

تعلمنا دروس في الجغرافيا واحفظنا جبال وتضاريس ومناطق وأسماء بلداننا والكثير منا لم يكن يسمع بها من قبل زنجبار ، وكرش ، وميدي ، وصرواح ، جبال هيلان ، وتباب المصارية ، وفرضة نهم واسفل الفرضة ، وجبال النهدين وعطان ، ولواء العمالقة ، ومعسكر ثومة ، والسواد وصحن الجبن ، وقلعة القاهرة ، وغيرها الكثير ، دروس في الحياة ، ودروس في الجغرافيا ، أعظم من دروس المدارس نفسها والتي كنًا نحفظ أسماءها في أوقات الامتحانات فقط من أجل اسقاط واجب ومن ثم ننساها بقية العمر.

تعلمنا دروس في التاريخ وعدنا لنتذكر ثورة اكتوبر وسبتمبر وتعرفنا على اهدافنا... ولماذا قامت؟

وضد من كانت.؟

وماذا تحقق منها ومالم يتحقق؟.

وتعلمنا بأن التاريخ لا يعيد نفسه وإنما إلانسان هو الذي يكرر نفس الأخطاء.

تعرفنا على الأمبير الكهربائي وشدة التيار والفرق بين "الوات" والأمبير" والذي لطالما درسناه في المدارس في حصص الفيزياء ولم نكن نحفظ إلا اسماء الآلات ومصممي المخترعات واليوم تعرفنا  عليهم بشكل عملي.

تعلمنا كيفية استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء ، وأن الحاجة هي فعلاً أم الاختراع... أسطوانات الغاز عملت بدل البترول ، وسيارات البترول تحولت غاز ، وتولد الإبداع وكانت الحاجة والضرورة أم الاختراع.

تعلمنا الكثير نعم وخسرنا الكثير نعم وهذه هي تكلفة الحروب.

إنها تفقدنا الأرواح ، تفقدنا الشعور بالأمان ، وهي نتيجة وسبب لرفضنا التعلم من البداية.

لكن في مقابل ما خسرنا هناك مكاسب ما زلنا ننتظرها وفكر وتاريخ يسجل ومرحلة جديدة تبدأ بعد الانتهاء من الحرب.

مرحلة يبدأ فيها السّلم ، ومن الحرب يخرج السّلم ، ومن الصعاب ومن التجارب يتعلم إلانسان.

سيخرج السّلم في اليمن ويعمم شمالها وجنوبها.

سيعمم السّلم عندما نعود وتعود نفوسنا للتعايش وترفض كل مشعل حرب... سيعود عندما نتعلم كيف نحل مشاكلنا وازماتنا بالحوار ، وبأن هناك طرق حديثة في الصراعات يمُكنا استخدامها ، وإن الصراع بالقوة وبالسيف قد انتهى زمانة وولى من غير رجعة ، وأصبح الصراع اليوم بالتنافس وليس بالتقاتل ، أصبح صراع اليوم بالتقدم وليس بالتأخر ، بإحياء النفس وليس بإزهاقها ، بالبناء وليس الهدم... بالعلم لا بالجهل... وهذا هو الصراع القائم اليوم وهو حق مشروع لكل إنسان أن يصارع ويتقدم كيف ما يشاء.

لأن الصراع ضروة إنسانية ولا يستطيع إلانسان أن يلغيه وهي سنة من سنن الكون وفطرة البشر هي حُب التملك وحُب السيطرة.

فما علينا إلا أن نحاول الاستفادة من هذه الفطرة ونوجها توجيهاً سليماً ونضعها في مسارها الصحيح بحيث يصبح الصراع شيء إيجابي وليس سلبي كما هو اليوم.

ونحن لا نريد إصلاح ما دمرته الحرب من مباني وطرقات وبناء تحتية قبل إصلاح الفكر أولاً ، ومحاولة إصلاح العقلية التي دمرته ؛ لأننا سنختلف مجدداً وندمر ما تم إصلاحه إذا لم يتم إصلاح الفكر قبل كل شيء وسنعود لندمر مدننا مجدداً إذا توقفت الحرب دون إصلاح للعقل والفكر ، سيعود المرض من جديد وبدون علاج ، وينتشر السم في الجسد ، ونتنازع ونفشل فشل لا صلاح فيه إذا لم نتعلم.

والعودة قائمة وممكنة وليست صعبة المنال.

والحرب سوف تنتهي كما انتهت حروب عالمية كبرى من قبلها.

اليوم أو غداً أو بعده سوف تنتهي... ﷲ سنن في الكون ثابتة لا تتبادل ولا تتغير ، وعلينا أن نثق بذلك ونبدأ بتغيير ما بأنفسنا ، حتى يأتي التغيير الحقيقي.

في الفكر والحياة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن