الفصل الوَاحِد وَالثَّلَاثُون - الأَخِير

140 7 4
                                    

"سدن."

ارتعشت يدي مِن القلق المحتل بقلبي قلق وهلع مُنذُ وصول خبر إستيقاظ أُمي.

وها أنا أقف أمام باب غرفتها معي عمي و «عيسى» ممسك بيدي.

وقلبي مرتعب، أكاد أجزم أنه مؤلم أكثر ممَّا كان وهيَ بداخل العملية الجراحية.

ألم الفقد بشع جدًّا حقيقة ومؤلم في آن واحد. أن تعتاد على وجود شخص في مُحيط عالمك ثُمَّ فجأة تشعر ولو بمجرد ذرة تهديد نحو فقده، يجعلك تعتقد أن كلّ ما يصير حولك مزاح.

أما إذا كان الفقد وشيك جدًّا، لن تصدق بالبداية، ومَن منّا سوف يصدق أنه سوف يخسر أعز الأشخاص على قلبه.

سوف يتمحور عقلك حول فكرتين لا غير، نصف ينادي بإلمام الأمر قدر المُتسطاع، والأخر لن يصدق هذا أبدًا، وهذا يُعتبر الجزء الأقوى.

أُمي التي دومًا تقف في ظهري، تدعمني، عشتُ معها كلّ لحظة في عُمري.

أول ضمة إستقبلتني، أول مَن اعتنى بيّ لهذه اللحظة، أول مَن خاف على حزني، وعليّ شخصيًا، فاعل هذا كله يرحل؟

كلّ ربتة حانية، كلّ ضحكة مازحة في أي وقت، كلّ نظرة حنونة تذهب ما بقلبي مِن أرق، صاحبة كلّ هذا إحتمال إن تتركني وتذهب!

هذه هيَ أصعب اللحظات التي مرت بحياتي ولا شيء آخر يساويها.

بالأمس لمْ يدرك عقلي خطورة الأمر وجديته، وبقيت على أمل حتى توديعها للعملية بوجود خطب ما.

صدمتني لمْ تكفيني إلا ليومٍ قبل العملية قد تذهب فيه أُمي بِلا رجعة.

قسوة الشعور جعلتني مثل التائهة، لستُ على مرسى ولا على بر.

بعد إلقاء الطبيب لجملته القاسية:"رُبما يحدث مضاعفات ولا نستطيع أن ننقذها."

كيف له أن يقول هذا!

لقد توقفت عن العد مرارًا بعد كلّ صدمة تلقيتها، إلّا هذه، سوف تكون بموتي.

وضعت يدي على فمي اخفي شهقة غادرة إنفلتت منّي.

وأنا أروح وأجيء بهذه الطرقة المُخيفة.

انفتح الباب فهرولت صوب الطبيب معهم بلهفةٍ طمأنتها ابتسامة عريضة مشرقة:"الحمد للَّه، لا يوجد أي مضاعفات أو آثار سلبية مِن العملية."

فغر فمي ساقط للأسفل بغير إصغاء تام لجملته:"ماذا؟ ماذا يعني هذا؟!"

قلتُ بعقلٍ جامد ومشاعر متيبسة بأملٍ غير مُصدق مجيء شعاعه.

توقفت عليّ حياتي وأنا أنتظر سماع البقيّة:"هذا يعني أن والدتك سوف تصبح بخيرٍ إن شاء اللَّه وتستطيع العودة لحياتها بعد أسابيع."

سمعتُ الغمغمات مِن حولي وهم يتمتمون:"الحمد للَّه، الحمد للَّه."

-"اعذراني، خلفي مرضى كثر الليلة."

بقايا نابضة.✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن