الفصل الثالث

447 14 2
                                    

قد لا يرتبط الحدث المؤلم بالمكان .. لكن ارتباطه بالأشخاص وثيقًا ..
وحين يرتبط بالاثنين معًا .. يكون الابتعاد هو الحل الأسلم.

انقلبت الوجوه عقب إلقاءه لجملته ذات الطابع الأناني الخالص .. فهو يترقب .. وخطاب مصدوم ..
أما هاشم فيبدو كمن يحاول استيعاب الأمر برمته.
_ماذا ..؟
رد فريد مشفقًا على أخيه الذي بدا وكأنه يلقي كل شيء على عاتقه قبل الرحيل :
_لكن رجاءً لا تخبرا أحدًا وخاصةً أمي، فقد .. وعدتها أن أعود قريبًا.
وخفت صوته في نهاية الجملة بتثاقل ..
قال شقيقه وهو لا يعرف هل يعاتبه أم أنه لم يستوعب حتى الآن :
_وستخلف وعدك لأمك؟
_لا .. صدقًا سأحاول ألا أفعل.
عاد هاشم بظهره إلى الوراء هاتفًا بانزعاج :
_حتى الآن أعجز عن إيجاد سببًا لما تفعل!
مسح فريد على وجهه ليقول بمراوغة محاولًا إنهاء الحوار :
_هذا الأفضل لي صدقني يا أخي، لم أعد صغيرًا كي لا أعرف أين مصلحتي.
انفعل خطاب من ذي الرأس اليابس الذي أمامه فصاح بغيظ :
_أنت حتى لا تجيد الفرنسية يا فريد!
قلب عينيه ليرد ببرود ينافي تأثره منذ لحظات :
_لستُ طليقًا لكني أعرف كيف أتحدثها.
ازداد استفزاز خطاب فشرع يخلع سترته بهمجية صائحًا في صديقه :
_إطلقني على هذا الولد.
أمسك هاشم به يكبله ليعود جالسًا وهو يرمق فريد بغل ..
_صلِّ على النبي يا خطاب، لا تُضيع نفسك على هذا الجلف عديم الإحساس.

بتذمر صبياني أشار فريد على خطاب دون أن ينظر إليه هاتفًا في أخيه :
_لمَ أحضرته معك؟
رد خطاب على الفور :
_كي أدق عنقك.
هم فريد بالرد متحنقًا حين صاح فيه هاشم :
_كفى يا فريد، أنتَ مستفز لدرجة تجعل الناسك يرغب في سبك بأفظع الألفاظ!
أشاح فريد برأسه ببرود، فأغمض خطاب عينيه بتماسك حتى لا يهشم رأسه الآن .. ثم انفرجت شفتيه فجأة بابتسامة سمجة وكأنه يستجلب بها الهدوء ..
_والآن .. ما الذي تبقى بشأن هذا السفر؟
أجاب فريد ببساطة شديدة :
_لَم يتبقَّ شيئًا، كل الأمور على ما يرام.
زفر هاشم وقد ارتسم العبوس على وجهه قائلًا :
_خططتَ لكل شيء قبل أن تفكر حتى في إخبارنا!

صمت دون رد .. لا يعرف بمَ يجيب!
أسباب لسفره؟
وأية أسباب وهو لا يعرف لأي شيء يفعله مؤخرًا سببًا؟
إن كان تائهًا في حياته، ضائعًا في أفكاره، مشرد النفس .. فليكمل مسيرته عديمة الملامح تلك في مكان آخر.
~~~
العراك الصباحي المعتاد كان في أوجه أثناء ذهابهما إلى النادي، حيث حاول أدهم مصالحتها بعد أن تسبب في بكائها قبل الخروج، وبدلًا من أن يراضيها تشاجر معها ثانيةً ..
تبًا لذكائه الاجتماعي.

لكن عند عودتهما كان الأمر هادئًا تمامًا .. الصمت يعم السيارة وشرود منة حقًا غير مريح ..
_هل تخططين لشيءٍ ما؟
اتسعت عيناها ببراءة شديدة وهي تجيب بعتاب :
_هل تراني كارثة متنقلة إلى هذه الدرجة؟
ارتفع حاجبه باستنكار وهو يرد دون تفكير ..
_هل حقًا تتوقعين إجابة غير "نعم" على هذا السؤال؟
ارتسم العبوس على وجهها وهي تشيح به إلى النافذة المجاورة لها .. لترتسم ابتسامة خبيثة على وجهها لم يرها ..
_منة هل أنتِ بخير؟
كبحت ضحكة متسلية وهي ترد بهدوء عجيب :
_انا بخير يا أدهم ما بك؟
انعقد حاجبيه بعض الشيء متمتمًا بارتياب ..
_لا شيء .

هان الودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن