الفصل الخامس

401 14 0
                                    

ونظرةٌ .. عبرت حدودًا هاوية، فأذابت جليدًا وعاد الغرق.

صباح ومسا
شي ما بينتسى
تركت الحب واخدت الأسى

قلبها النابض بشوقٍ يكاد يقفز من الشرفة التي تقف أمامها الآن، والصوت المنبعث من المذياع الصباحي يزيد من حالتها.. تعجز عن تهدئة قلبها أو حتى سبِّه على مخالفة ما أملَته عليه مرارًا ليلتزم به كلما رأته أمامها ..
رفعت جود كوب اللاتيه لترتشف منه بضعة رشفات أثناء وقوفها أمام نافذة غرفتها ..
تبًا!
إنها حتى لم تره حتى الآن، وكل تلك الربكة والزوبعة بداخلها لأنها ستراه اليوم!
همست لقلبها موبخة بغيظ، محاولة تسفيه الأمر لنفسها :
_توقف عن هذه القفزات الجنونية التي تفعلها فقط لأننا سنقابله بعد ساعتين من الآن..
وأكملت بعد لحظة :
_وعشرة دقائق..
_ وستة وأربعون ثانية.
هدأت نبرتها في نهاية الجملة متنهدة باستسلام .. لقد اشتاقت له بالفعل ولا تعرف كيف ستقابله في هذا الاجتماع بالذات .. رغم أنها تلتقيه في كل اجتماع شهري للشركة إلا أنه يكون اجتماعًا روتينيًا يتناقشون فيه مع مديري الأقسام في أمور الشركة الإعتيادية .. لكن هذا الاجتماع طارئ ومن المفترض أن تكون حازمة أثناء مخاطبتها لجميع الحاضرين .. حتى أنها حين حاولت الاستعداد وترتيب ما ستقوله وجدت أنها ربما تفقد أعصابها وتتحدث بحدة شديدة إذا تأكدت أن هناك تقصيرًا منهم بالفعل والخطأ ليس من العملاء .. إلى أن تذكرت أنه سيكون موجودًا!

شو بدي دور
لشو عم دور على غيره
في ناس كتير
لكن بيصير ما في غيره

ستضيع كلماتها في الهواء ويُحشر ما تبقى منها في حلقها إذا أرادت النطق بكلمة واحدة حازمة في حضرته .. إنه يطغى على المكان كليًا حتى تشعر بالجو تشبع برائحته في الأرجاء ودون وعي لا ترى سواه .. تتشبث بقناع الهدوء والرزانة _الذي لا يليق بها_ في كل اجتماع يضمهما معًا فماذا ستفعل هذه المرة؟
كيف ستتحدث بصرامة وتتناقش بمنتهى الجدية وهي تتلفت بين الجملة والأخرى لترى وقعها عليه ورد فعله على ما قالته دون أن ينتبه أحد؟ هذا إن استطاعت التحدث من الأساس!

خبطت رأسها براحة يدها بقهرٍ هامسة بغيظ مرير تملَّك منها :
_لمَ وجودكَ يجعل الأمور أكثر تعقيدًا هكذا!

حبيبي منيح لشو التجريح
تعب مني
أنا اللي كنت ما بفهم بنت
حمل عني

دلفت والدتها لتجدها توبخ نفسها كطفلة مذنبة أمام شرفتها في مشهد ليس غريبًا عنها .. فتحركت بكرسيها إلى أن اقتربت من ابنتها قائلة باهتمام :
_فيمَ تفكرين؟
التفتت لها قائلة ببؤس طفولي :
_أريد أن اعتذر عن الحضور اليوم بأي حجة طارئة، فليأجلوا هذا الاجتماع، لماذا انسحبت من لساني وعقدت معهم موعدًا من البداية؟ أنا مني لله.
ضحكت زينب وهي تلكز ابنتها بخفة قائلة بصرامة محببة :
_اذهبي وارتدي ملابسك الآن يا جود .. لستِ بالروضة حتى تتحججين للغياب، تحملي المسؤولية قليلًا.
اتسعت عينا جود مستنكرة باندفاع :
_قليلًا؟؟؟ أنا أحمل هذه المسؤولية فوق رأسي منذ شهور حتى كادت رقبتي أن تنكسر!
أشارت والدتها بصمتٍ حازم إلى الخزانة، فتهدلتا كتفا جود وهي تتحرك إليها لتخرج ملابسها الرسمية، بينما ردت زينب بجدية :
_هذه الشهور ليست سوى بداية يا عزيزتي .. لا تكوني ضيقة الأفق.
ثم استدارت مغادرة الغرفة، تاركة ابنتها تلعن نفسها وتوبخها لعقدها هذا الاجتماع دون التفكير في التفاصيل أو العواقب من البداية .. فتمتمت لنفسها بتذمر :
_أخذتك الجلالة والضمير في العمل يا ابنة غزال .. ماذا كان سيحدث لو تريثتي قليلًا!

هان الودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن