الفصل السابع

372 12 0
                                    

أتحسب ما في القلب مدفونًا به؟
هيهات عشقٌ حي ليس قتيلًا.

كصفعة إفاقة سقطت جملة المساعدة على مسامع نادية .. فأطرقت برأسها بوجه مشتعل من فرط الحرج ..
كيف سمحت لنفسها بالضحك هكذا أمامه؟
بل ماذا دهاها حتى تنطلق في الضحك بهذا الشكل وهي التي لا تبتسم إلا لمامًا!

أومأ برأسه لها عاقدًا حاجبيه بقلق، فسمحت بالدخول للسيدة "ابتسام" كما قالت منذ قليل، لتدلف فور خروج المساعدة سيدة تبدو على مشارف الثلاثين تظهر معاني اسمها على وجهها بوضوح وبشاشة .. بيدها اليمنى تمسك طفلًا على ما يبدو في الرابعة، وتحمل على كتفها الأيسر طفلة رضيعة، بينما يسير بجانبها طفل في السادسة على الأكثر.
اندهشت نادية من قدرة هذه السيدة على الخروج مع ثلاثة أطفال بهذه الأعمار بمفردها!
لقد شعرت بالضغط العصبي بمجرد أن رأتها تدخل بهذا المنظر الذي يشع بالمسؤولية دون كلام .. لا سيما حين التفتت عند دخولها لتتأكد أن طفلها الأكبر _والذي لا تستطيع الإمساك به_ يسير خلفها مباشرة!
وقف حمزة مستقبلًا إياها بجبين معقود قلقًا، انفك قليلًا حين رأى ابتسامتها الواسعة تزين ثغرها، وأطفالها الثلاثة بحال جيدة ..
تقدمت منه برضيعتها النائمة لتحتضنه وهي تقول :
_أنا عائدة إلى منزلي اليوم، فجئت لأسلم عليك في طريقي .. تعرف أنني لا أحب الوداع في الهاتف.
ابتعد عنها يهم بالحديث عندما اندفع نحوه الصبيان بصياح ..
_حمزة، سنفتقدك!
نظرت لهما والدتهما بتوبيخ مصححة ما تفوها به بحزم :
_قلنا أن اسمه خالو حمزة، هذا لا يصح.

تابعت نادية ما يدور بفم متدلي ببلاهة، لا تستوعب أي شيء لكنها تتابع باهتمام لسبب في نفسها لا تدريه ..
وقد بدأت في الإدراك تدريجيًا حين سمعت جملته المتعجبة :
_ولمَ فجأة هكذا؟
لتجيبه تلك الـ "ابتسام" ببعض الخجل الممزوج بالحماس :
_أرادها أحمد أن تكون مفاجأة، سأذهب لاستقباله مع الأولاد الآن بالمطار.
التفتت بعدها عفويًا إلى الجالسة أمام مكتبها تحدق بهم بغباء، ثم عادت بعينيها مجددًا إلى أخيها باستغراب لم تُجد مداراته هامسة :
_لم أكن أعرف أن مكتبك مشترك!
بادلها الهمس بمثيله بارتباك طفيف لمفاجأته بهذا الموقف :
_ليس هكذا، إنه أمر استثنائي مؤقت.
ثم تنحنح ليرفع صوته قائلًا بلباقة معرفًا إياهما ببعضهما البعض :
_السيدة نادية .. زميلة في القسم لكنها ما زالت في طور التدريب.
ثم التفت إلى نادية قائلًا بهدوء كي لا تتسرع في رد فعلها سواءً كان قولًا أو فعلًا :
_نادية، هذه ابتسام .. شقيقتي.
وبالفعل كان له ما أراد .. فقد استقامت نادية بتمهل متقدمة من شقيقته لتصافحها برقي شديد قائلة برقة تصحبها ابتسامة مشرقة :
_سررت بلقائك، أنرتِ المكتب سيدة ابتسام.
طالعها بذهول لذلك التحول في شخصيتها، فيما صافحتها ابتسام مبادلة إياها الابتسام قائلة :
_وأنا أيضًا، المكتب منير بالفعل لوجود قمر مثلك به.
ابتسمت نادية بخجل لإطرائها .. بينما اتخذ حمزة دور البلاهة في هذه اللحظة غير مصدقًا ما يحدث أمامه .. حتى أن اكثر من سؤال طرأ في رأسه فجأة "مَن هذه؟ .. أين نادية!"
هل تلك الشخصية المرتبكة التي تعاني من الذبذبة النفسية تظهر أمامه هو فقط؟

هان الودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن