الفصل السابع والعشرون

254 7 0
                                    

سلامٌ على من في رُوحه الرَوح والسكينة
والعقبى لك يا صاحب الأسى!

كل لفتة .. كل نظرة بعينها
قلبي ينبض بإحساس جديد
إحساس غريب ..
مش عارف ليه شدتني ليها

تسللت لأذنيها تلك الكلمات مع لحن صاخب للأغنية التي لم تحتج سوى للحظات للتعرف عليها..
رمشت بأهدابها مقاومة النعاس وهي تنهض عن الفراش بتعجب بعد غفوتها القصيرة عقب عودتها من العمل .. لم تكن الأغنية ذات صوتٍ عالٍ لكنها مسموعة ..  فتحركت إلهام خارجة من غرفتها بذلك الجناح المجهز لها ولزوجها بالمنزل، بعد أن آثر الأخير عدم ترك والده وحيدًا في منزله بعد زواجه..
لن تنكر أنها توجست من الأمر في بدايته .. لا سيما حين قابلت السيد شكري بملامحه القاسية دون مجهود، وأسلوبه شديد الهدوء بما يبعث الريبة في النفس .. لكن بعد تعدد المقابلات، وبعد مجيئها للعيش في هذا المنزل، أيقنت أن هدوءه ليس إلا تعبيرًا عن رأس رائقة بشدة .. فهو بعيدًا عن العمل والأمور شديدة الجدية لا يهتم بأي شيء يمر عليه في حياته، ولا يسمح لشيء بتعكير صفوه .. ذلك ما تنافى مع بعض ما تبادلته من حكايا السيدات مع والدة خطاب أخبرتها فيها بمدى عصبيته وسرعة غضبه!
يبدو أن للزمن عوامل .. تنجح أحيانًا في تبديلنا للأفضل .. وأحايين أخرى تجبرنا على الوضع في قوالب مقيتة لا تشبهنا ولا تمت لنا بصلة، حتى يبيت أمرٌ طفيفٌ كالنظر في المرآة مهمة شاقة.

لا تعرف كيف تحكم على ما آلت إليه حالها، وكيف سار تحولها من قالبٍ إلى آخر، وثمة شعور لذيذ يتسرب إليها مخبرًا إياها ألا تهتم، وتسعد ..
تسعد دون الحاجة لتواصيف ومرادفات للأمر برمته، وروحها الخفيفة لم تتوانَ في التنفيذ وحلقت برقة بين أضلعها..

اه قلبي بيرقص جوايا سعيد
عالم تاني جديد شايفه من بعيد
ورا الأشجار فوق السحاب
شايف دنيا تانية بتفتح بابها

ارتسمت بسمة خفيفة فوق شفتيها وهي تقف عند باب الغرفة، فيما كان يجلس خطاب على الأريكة المقابلة للتلفاز بالخارج مشاهدًا للفيلم الكرتوني الذي _وكما بدا لها_ لم يكن معروضًا بإحدى المحطات الفضائية ..
زمت شفتيها ململمة ابتسامة ملحة حين انتبه لوجودها فأسرع بإطفاء الشاشة متنحنحًا ببعض الحرج أن ضُبط متلبسًا بمشاهدة الأفلام الكرتونية!
تقدمت منه إلهام بهدوء في منامتها الرمادية مكشوفة البطن والذراعين .. ورمته بنظرة جانبية وهي تجلس مجاورة إياه على الأريكة، ثم مدت يدها ببطءٍ متسلٍ لتمسك بجهاز التحكم عن البعد وتعيد تشغيل الشاشة ..
أعادت نظرها له معلقة باستنكار لتناكفه :
_ديزني؟
مط شفتيه بامتعاض قائلًا :
_البشر يقولون صباح الخير أولًا.
ردت إلهام بإلحاح مستفز :
_صباح الخير، هل تشاهد فيلمًا لديزني!
رفع كتفيه ببساطة شديدة مجيبًا :
_طرزان!
ارتفع حاجبها باستنكار لرده .. رغم أنه مقنع بعض الشيء .. فلم يكن يشاهد سندريلا مثلًا!
ردت بعد لحظات وهي تقرأ بينما تقلب في محتويات الذاكرة بجهاز التخزين الصغير الذي يوصله بشاشة التلفاز :
_جميل طرزان، أنا أيضًا أحبه.. وأحب هيرقل.. وسيمبا ..
ثم التفتت إليه مع قراءتها لاسم فيلم محدد وهي تكمل كاتمة ضحكتها :
_ونيمو.
زفر مشيحًا بوجهه بغيظ مصطنع، فيما استكملت تقليبها في محتويات الذاكرة بتركيز، فسأل بملل :
_ماذا تتفقدين؟

هان الودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن