الفصل الأول

1.6K 26 3
                                    

الجزء المحذوف من كلماتنا، الأحلام التي لا نخبر عنها أحدًا، النظرة التي نحتفظ بها حتى نستدير، هي نحن في الحقيقة.
_وليام شكسبير

" الفصل الأول "
قد تمر السنين كالأدهر على البعض .. وكالدقائق على بعضٍ آخر!

بعد عام ..
جلست بهدوء على المقعد المقابل لمكتبها الذي وُضعت فوقه لافتة خشبية صغيرة حُفر فوقها اسمها بإتقان "جود أكرم غزال" ..
في عادة روتينية لها منذ أمسكت بإدارة الشركة بعد وفاة والدها، طلبت من مديرة مكتبها أن تأمر بإعداد مشروبها الصباحي المفضل.
وبحلة رسمية تليق بها رغم شعورها بأنها لا تلائم روحها الحبيسة أبدًا .. وبملامح وجه حادة كشفرات قاطعة دومًا ما كانت تميزها مع ذهبية بشرتها .. استدارت جود بكرسيها ذو العجلات الصغيرة بصبيانية رغم مزاجها الـ.. غير رائق ربما؟
لا بل هو رائق بالفعل ..شبه رائق!
فاليوم هو يوم ميلادها الثاني والعشرون ..وستقضيه هذه المرة بدون أناس كانوا في يوم ما ..أقرب إليها من روحها!

أطرقت برأسها تذكر قبلة والدها على جبينها كل عام في صباح يوم مولدها .. والتي استيقظت اليوم تتحسس موضعها في الأعوام الماضية، تتمنى لو بقى أثرها للأبد كوشم كلما نظرت في المرآة رأت فيه أبيها.

تملك بعض السعادة لكونها اجتازت في سنة واحدة من عمرها ما تفخر به ويشجعها في المضي قدما في طريقها، فقد فعلت ما لم تفعله في جميع سنواتها التي سبقتها ..لكنها ما زالت سعادة منقوصة!

لاحظت ذلك الطرد الصغير فوق مكتبها فعقدت حاجبيها باستغراب، وقد بدأت ضربات قلبها تتسارع بتعرف مسبق عن هوية المرسل ..
أمسكت به لترى ظرفًا يعلوه، غير مكتوب عليه اسم الراسل.
التقطت الظرف تقربه من أنفها تتشممه .. لعل بقايا عطر من أرسله ما زالت عالقة به!
ورغم غرابة التفكير، إلا أن العطر الطفيف، والذي ميزته حواسها على الفور، أكد لها ظنونها.
فتحته باضطراب غلبها لتفرد الورقة المطوية بداخله وتقرأ ما نُقش بخط منمق عليها ..
"كل عام وأنتِ بخير."
وعلى بُعد بعض السنتيمترات ..
"ستظلين دومًا ببالي .. مهما فرقتنا الظروف."

أعادت الورقة إلى الظرف ببطء محاولة ضبط أعصابها التي انفرطت .. ثم أمسكت بالطرد لتفتحه بحماس وفضول جاهدت لعدم إظهارهما حتى لنفسها ..
فتحته لتجد أمامها تمثالًا صغيرًا ..
تمثالٌ من الفخار الملون شُكِّل على هيئة فتاة صغيرة الحجم ذات شعر بني كالقهوة، تجلس على أرجوحة عريضة .. وبعينيها نظرة حزينة!

كان بجانب التمثال رسالة صغيرة كُتب بداخلها جملة واحدة..
"فلتأخذي بعضًا من اسمك وجودي عليَّ بقبول هديتي."
أغمضت عينيها بقوة على عبرات حنين تجمعت رغمًا عنها وهي تذكر تلك الجملة ..
لمَ بدت الذكرى رغم قربها كالتي أتت من هوة سحيقة؟
هوة حاولت ردمها مرارًا لكن كللت كل محاولاتها بالفشل !
فتحت عينيها وهي ترمش بسرعة ململمة شتات نفسها حين دخلت مساعدتها داليا بعد عدة طرقات على الباب لتضع كوب اللاتيه أمامها وتخرج بهدوء بعد اشارة من رأسها ..
أمسكت بسماعة الهاتف بتردد ..ثم سحبت نفسا عميقا وهي ترفع السماعة طالبة رقم معين ..

هان الودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن