الفصل الحادي والعشرون

261 9 0
                                    

ولحظةٌ هدمت أوثانَ الحلم والوله
وسؤالٌ صافعٌ كوفاةِ عاصٍ أجله
أظننت بحق الله أنك الأنبه؟
يا لك من أبله!

كان لصخب الموسيقى تأثيرًا محمودًا عليها .. فلم يصل لأذنيها تعليق سام، أو كلمة متهكمة .. تكاد تجزم بأنهما يترددان فوق الألسنة من حولها .. فحتى إن سلمت راضخة لحقيقة كونها ليست موصومة بشيء، النفوس لا تصفى .. والنظرات تدين .. والبشر أبدًا لا يسامحون في خطأ تصيَّدوه، حتى وإن لم يمسسهم بضر!
_هلا توقفتِ عن النظر في الأرجاء؟
جملته أخرجتها من شرودها القسري، فالتفتت له نادية تسأل ببعض القلق :
_هل ترى فريد أو إلهام في المحيط؟ أنا حتى لا أرى أبي!
عقد حمزة حاجبيه ملاحظًا الأمر، إلا أنه رد بتذكر :
_رأيت فريد مع خطاب منذ قليل..
أومأت قائلة :
_وإلهام كانت تدور بالقاعة لكني فقدت أثرها فجأة!
أمسك بكفها وهو يرد باطمئنان :
_لا تقلقي، ها هي والدتك تقف بالجوار، ربما ذهب البقية لإنجاز شيء ما خارج القاعة.
تنهدت مستجلبة بعضًا من هدوءٍ مرجو، لا سيما مع ارتجاف كفها الطفيف بين يديه.. تشاهد شقيقها يراقص عروسه على نغماتٍ هادئة في تقاربٍ يثير في نفسها شعورين .. أولهما خائف .. متذبذب يحبو متلمسًا سبيلًا للاستقرار .. وآخرهما حالم .. يتمنى بقلبٍ وجل شغوف ..
يتسلل من بينهما شعور خائن بالذنب تجاه مَن يجاورها معانقًا كفها .. فالتفتت له قائلة بابتسامة دافئة لمعت لها عسليتيها :
_وجودك بجانبي يربت على قلبي يا حمزة .. أنا صدقًا أشكرك.
تصاعدت نظرة الحنان في مقلتيه .. فأسرت عينيها مع رده :
_لا أعرف مَن منا عليه شكر الآخر .. فالوجود بجانبك هو الأفضل على الإطلاق!
اتسعت ابتسامة جذلة على شفتيها مأخوذة بكلماته .. خاصةً مع اقتباسه لجملتها التي ألقت بها أمامه بحماسٍ خجِل ذات يوم ..
معقودة اللسان مسلوبة التفكير .. والطرب في قلبها يصم أذنيها.

~~~
_يبدو أنه تعرض للكثير من مهيجات السعال .. جلسة التنفس الصناعي هذه ستحسن من حالته .. سأحقنه بهذا المحلول وعليه بالمواظبة على ما سأكتبه له من الأدوية، لكن بالتأكيد أهم خطوة هي أن يقلع عن التدخين.
أتمت الطبيبة حديثها وهي تتحرك تجاه فريد الجالس بغرفة الطوارئ باعياء .. حيث أسرع خطاب مع والده وشقيقته بنقله إلى أقرب مستشفى بعد أن كاد أن يفقد أنفاسه تمامًا ..
أطرق فريد مشيحًا بوجهه عن نظرات والده الجامدة .. لا صدمة .. لا لوم أو تأنيب .. وربما هذا هو ما زاد من شعور الخزي الذي اكتنفه على حين غرة ..
حاولت إلهام فض الجو المشحون بينهما، فاقتربت قليلا من أخيها قائلة بهدوء :
_ستعود إلى المنزل بالطبع، حالتك تستلزم الراحة.
أومأ برأسه نافيًا، فأكملت ببعض من الصرامة الأمومية :
_لا يمكنك العودة إلى الحفل بهذه الحال، أنت مريض يا فريد!
هم بإزالة قناع التنفس ليرد، لكن صوت الطبيبة من جانبه أوقفه حين قالت بعملية :
_لا تزل القناع من فضلك.
أبعد يده بسخط مكتفيًا بنظرات رافضة موجهة إلى شقيقته .. بينما نداء صلاح المغلق إلى إلهام، قطع سبيل ردها على فريد، فالتفتت إلى أبيها تتبعه إلى الخارج بتوتر خفي..

هان الودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن