الفصل الثامن والعشرون

264 7 0
                                    

لينشب بقلبِك حريق
والكَون بك يضيق
فتتوه بفراغٍ سحيق
علَّك تضيع .. وعلَّك تفيق!

_أريد أن أفهم .. كل شيء.
قالها خطاب وهو يجلس أمام والدته بمنزلها بعد أن أوصل زوجته من العمل إلى المنزل متمتمًا لها بكلمات مقتضبة بأنه سيذهب إلى أمه لبعض الوقت بعد أن هاتفته طالبة مقابلته..
فعقدت نيرمين حاجبيها سائلة :
_عمَّ تتحدث بالضبط؟
اعتدل في جلسته متأهبًا وهو يجيب بحدة حاول التحكم بها :
_تعلمين عما أتحدث يا أمي، فأرجوكِ أخبريني بكل شيء .. دومًا كنت أسأل .. لمَ كان يعاملكِ بهذا الشكل؟ لمَ رحلتِ بهذه الطريقة؟ ماذا حدث؟ لا أذكر سوى بضعة رتوش، وصوتك الباكي حين كنتُ أسألكِ نفس السؤال فتخبرينني "والدك شديد الغيرة." أي غيرة تلك؟ لمَ قد يفعل شخص هذا بزوجته لأنه يغار؟ أليست الغيرة حبًا؟ هل الضرب حب؟ هل الإهانة حب؟
ازدردت ريقها مقتربة منه بعد أن لاحظت حنقه الغير مبرر، وعروقه النافرة .. فقالت مقابلة كافة أسئلته بسؤالٍ واحد :
_وهل جربتها يا خطاب؟
تشنج في جلسته للحظات ..
نعم جربها .. عرف كم لهيبًا يشب في القلب .. عرف كم نارها تكوي وتحرق وتقتات على صاحبها .. وليته ما عرف!
رد بصوتٍ قاتم يخفي عذابًا داخليًا :
_أنا أكره ذلك.. إن كان ما يحدث معي هو إجابة على سؤالٍ لطالما رددته فأنا آسف لنفسي على ما فعلته بها .. لم أكن أريد الفهم بالتجربة ..
أشفقت أمه على حاله، فسألت بحذر :
_ماذا حدث؟
تقبض خطاب مسترجعًا الأحداث منذ عاد من جلسة الرؤية الشرعية مقررًا البحث في بعض الصور والمقاطع المصورة الخاصة بخطبة صديقه الأولى بعدما لفتت والدته نظره للأمر، فوجدها برفقة خطيبها السابق في معظم الصور .. وربط شكلًا بينه وبين من رآه معها ذلك اليوم في المطعم، ليوقن بأن كلاهما شخصًا واحدًا، فأرجع الأمر لأنه كان اللقاء الأخير بينهما لإنهاء تلك العلاقة، وسيطر على شعوره اللا إرادي بالضيق آنذاك .. إلى أن اكتشف بصدفةٍ مقيتة كونه زميلها بالعمل .. فبات يتردد كثيرًا على مقر عملها لإيصالها روحة وغدوة لأسباب واهية .. حتى رآه اليوم واقفًا يحادثها!
طفح كيله، وكاد يرتكب حماقات لولا تحليه بصعوبة ببعض التعقل .. وحتى تلك اللحظة يفشل في ضبط أعصابه .. وتتأجج أوردته كلما عاود التفكير .. فرد ساردًا الأمر برتم سريع على أمه التي كسى الاهتمام وجهها، ثم قال :
_والآن حان دوري لأنال إجابة لسؤالي .. ماذا حدث؟ سئمتُ المراوغة.
تنهدت نيرمين باستسلام .. ثم أجابت بما علمت أنه يحتاج إلى سماعه :
_هناك حاجز بسُمك الشعرة بين الغيرة والشك .. ووالدك تخطى ذلك الحاجز بمراحل ومراحل ..
كنت في الواحدة والعشرين حين رآني والدك ضمن المشرفات في إحدى دور الأيتام عندما جاء في زيارة رسمية تخص عمله .. وتردد بعدها بزياراتٍ شخصية على المكان، حتى أخبرني صراحةً في رغبته بالزواج بي .. ولم يهتم حتى حين عرف بأنني تربيت في دارٍ كتلك .. حتى أنه وعدني أن يعوضني عن عائلةٍ لم أحظَ بها!
التوت شفتيها بابتسامة جانبية ساخرة .. ثم أكملت :
_وبعد الزواج بفترة منعني عن العمل .. لأنه يغار، ولأن لا حاجة لي بالعمل من الأساس .. وكان يرفض تمامًا أن أجيب على أي رجلٍ من زملاء عملي حتى وإن كان اتصالًا مهمًا، حتى رضخت وتركت العمل بالفعل ... لكن الأمر تطور .. فأصبحت خطوتي خارج باب المنزل محسوبة، وهاتفي شبه متحكَر منه .. ناهيك عن أن كل مرة كنت أعارض فيها أمرًا من تلك الأوامر كان ينتهي الأمر بي ملقاة في ردهة المنزل بعد ضربٍ مبرح .. ولم يكن صمتي إلا لأنني لا أجد من ألوذ به ..

هان الودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن