واهمٌ أنتَ يا رفيق
وفي قلبك يسكن الإباء
تخشى وجعًا لا تطيق
ولوعتكَ تبلغ عنان السماء!
ترويض النفس عسِر .. لا سيما في حضور كافة مهيجات الأعصاب .. وحين تندس القلوب في الحسبة .. يضحى في قبالته ترويض الوحوش أشد لينًا!
_كلمةٌ واحدة لا تُرد ولا تُناقش.. لن تخطي خارج حدود غرفتك بهذا الثوب.
تسرب إليها الغضب رويدًا حتى صاحت بغيظ :
_توقف عن هذا التسلط فأنا لن أبدل ثوبي، دعني أخرج!
لم يتحرك عن مكانه وهو ينبهها محذرًا :
_لن نتشاجر الآن فصديقتك بالخارج .. إما أن تبدلي هذا الثوب أو لا خروج.
لهثت بانفعال وهي على شفة البكاء غير ملاحظة لخروج حالته عن السيطرة .. فهدرت دون اهتمام :
_لن تمنعني من الخروج فأنت لست ولي أمري، ابتعد عني..
دفعت ذراعه محاولة الابتعاد بسخط، قبل أن تشعر بكفه يقبض على ذراعها المكشوف جاذبًا إياها بغضب أعمى إلى غرفتها .. وقد أغلق الباب خلفه بتهور!
قبض كفيه مشددًا بروز عروقه النافرة ..
كان يتمايز غضبًا بشكلٍ لم تره عليه من قبل .. لقد بات مخيفًا في لحظة.
جحظت عينا منة بجزع حين استقر بجسده أمام الباب يصد طريقها عنه تمامًا بينما يهتف بعينين ناريتين :
_تريدين الشجار والصراخ؟ ليس لديَّ الأسهل، لكن شئتِ أم أبيتِ لن تخطي عتبة هذا الباب.
انتفضت فزعًا مبهوتة.. لكنها تماسكت كابحة عبراتها لتهتف في المقابل بصوت خرج رغمًا عنها مرتجفًا وهي تلقي بكل ما بينهما من أخوة مزعومة عرض الحائط :
_كيف تجرؤ على اقتحام غرفتي؟ اخرج من هنا فورًا.
أنهت كلماتها مشيرة بسبابتها إلى الباب خلف ظهره بتشنج.. إلا أنه لم يتحرك قيد أنملة.. فكررت وقد فقدت السيطرة على ارتعاش فكها :
_اخرج يا أدهم.
ثم استطردت بانفعال إثر إحباطها وصدمتها من الموقف برمته :
_سأخبر أبي بما تفعل .. لن يمررها لك أبدًا.
عاد لغضبه بعد أن خمد قليلًا أمام عبراتها .. فرد بنبرة قاسية لا تحتمل التأويل :
_كفي عن ترهات الأطفال هذه.. لن تخرجي هكذا حتى وإن جاء أبيكِ ووقف أمامي سامحًا لكِ بالذهاب.
أهذا ما كانت تنتظره؟ أهذا هو الإطراء الذي ترقبته .. أم أنه كان أملًا كسابقيه؟ أتراها قد هوت مطاردة السراب.. أم استهواها الشجن!
تهدلا كتفاها تبادله في صمت نظرات معاتبة من أسفل دموعها ما انفك أن كسرها مشيحًا بوجهه عنها ..
مسحت دمعتين غادرتين عن وجنتيها تزدرد غصة في حلقها .. ثم شحذت بعضًا من قواها ثانيةً تكرر بصوتٍ كساه الخمود :
_اخرج من غرفتي ..
عاد بنظراته إليها مستفهمًا عما تعنيه، لكنها أكملت وهي توليه ظهرها باستسلام مضطر لوجود صديقتها بالخارج :
_اخرج... سأبدل ملابسي.
سمعت صوت الباب من خلفها يُفتح ثم يُغلق من جديد .. فشمخت بأنفها بتماسك مُستدعى، ومن ثم نقرت بكعب حذاءها تحفر خطواتها المشحونة تجاه خزانتها ..
مرت ثلاث دقائق حاولت السيطرة فيهن قدر المستطاع وهي تبدل ملابسها بعجالة محرجة من انتظار صديقتها لكل هذا الوقت ..
خرجت من غرفتها لتجده متجهًا نحوها كمن كان يهم بطرق الباب مستعجلًا إياها ..
اعترض طريقها وشرع بالحديث بعد أن مرر عينيه مسرعًا على كنزتها القصيرة بعض الشيء وبنطالها الأبيض الفضفاض .. فقطعت كلماته قبل خروجها قائلة بتحفز :
_هذه المرة لن أبدل شيئًا مهما فعلت، وإياك أن أسمع منك كلمة واحدة عن ملابسي.
هم بالكلام مجددًا فعادت لتقاطع رافعة كفها أمام وجهه بانفعال صبياني :
_لا تعليق.
رفع حاجبيه باستنكار صامت للحظة، ثم تكلم ببرود :
_شقيقتك على الهاتف.
اتسعت عيناها راكضة إلى الأسفل، بينما تغمغم بضيق من أسفل ضروسها :
_ولمَ لم تقل من البداية!
فيما لحق بها نازلًا الدرج بهدوء .. يهمس بداخله بلا حيلة
"يا صبر أيوب.."
مرت بصديقتها بالأسفل فتوقفت تحييها معتذرة عن التأخير، قبل أن ترفع سماعة الهاتف قائلة بتلهف :
_كيف حالك يا نبراس؟ اشتقت إليكِ.
جاءها صوت شقيقتها مبتسمًا ترد بحنو :
_وأنا اشتقت إليكِ جدًا.. كيف حالك حبيبتي؟
افتر ثغر منة عن ابتسامة دافئة .. فردت بعد صمت قصير :
_أنا بخير حمدًا لله ...بالمناسبة، كل عام وأنتِ بخير .. اشتريت لكِ هديتك وأنتظر أن أسلمها لكِ بنفسي.
ندت ضحكة خفيفة عن نبراس هاتفة بحماس اختلقته سريعًا :
_حقًا؟ وماذا أحضرتِ؟
أومأت منة برأسها نفيًا وكأنها تراها، ثم أجابت بإصرار :
_نعم، ولن أخبرك إلى أن ترينها بنفسك.
صمتت الأخرى قليلًا .. قبل أن تقول بتردد واضح :
_كيف حالها؟
فهمت منة مقصدها.. فأدمعت عيناها تأثرًا بينما تجيب بصدق :
_حالها يحتاج إليكِ يا نبراس.. تفتقد نفسها معك ولا يغنيها عنكِ أحد.
صمت ثقيل خلف جملتها .. حتى ردت نبراس متهربة سريعًا كعادتها :
_أخبرني أدهم أنكِ كنتِ تستعدين للخروج.. اذهبي كي لا تتأخرين وأنا سأعاود الاتصال.. هذا وعد.
ختمت جملتها بوعدٍ نادرًا ما تقطعه خشية عدم الإيفاء.. لكن شقيقتها تصدقها.. دائمًا ما تصدقها كمن تتشبث بحبالٍ ذائبة قد تدلها إلى شعاع أملٍ طفيف..
فلم تجادلها وهي تبادلها السلام مغلقة الهاتف بهدوء محبط .. قبل أن تلتفت إلى صديقتها التي تتابع المكالمة منذ بدايتها، وبالتأكيد وصل إلى مسامعها على الأقل رتوشًا من النزاع السابق بالأعلى .. فمسدت منة رقبتها قائلة بمزاح حرج :
_آسفة لوقوعك مع عائلة معقدة كهذه!
~~~
سلك الحديث مجرى هادئًا .. متعقلًا .. طبيعيًا!
أو ربما هذا ما كان يبدو عليه .. فقد كانت تلك الصفات تُحسب ضمن المستحيلات في جلسةٍ تضم هاذين الفردين .. فوجود رجل كخطاب بصحبة فتاة كإلهام لا يعتبر بمثابة عود ثقاب بجانب كمٍ وفير من البنزين.. بل كصاروخ جو أرض يواجه هدفه المباشر في أتم الاستعداد للتدمير ..
حيث لم تلبث المناوشات كثيرًا إلا وقد خمدت وطغى الهدوء على الأجواء .. لا سيما عقب أن رفع خطاب كفيه أمامه كإشارةٍ للاستسلام مقابلًا سلاحها وهو يرد متحكمًا في ضحكة مذهولة :
_صلي على النبي يا إلهام، أنتِ مَن سألتِ!
ردت إلهام بعينين متسليتين كمن تمرح بمسدسِ خرز :
_وأنتَ مَن استغل الفرصة.
رفع حاجبًا ليقول ببساطة أودعها قدرًا هائلًا من البراءة الزائفة :
_ومن يضيع الفرص سوى الحمقى؟
ضاقت عيناها بتهديد صريح قائلة بينما تخفض سلاحها جانبًا ببطء :
_احذرني.
مرت بعينيه لمحة استنكار، قبل أن يرد محركًا كتفيه ببساطة :
_لا أراكِ خطرًا.
لم تفهم نبرته .. فسألت بتشكك واضح :
_هل هذا نوع من الاستهانة؟
صمت للحظات .. ثم رد بثقة أدهشتها :
_أو نوع من الاطمئنان.
_لا تعرفني بشكلٍ كافٍ لتطمئن لي!
قالت تحاجيه كمن ترفض التفكير في كلمات قد تضعفها .. إلا أنه ردها بابتسامة خافتة :
_الاطمئنان شعور .. لا يحتاج المعرفة.
جديته تباغتها .. وكلماته المبطنة تستميلها .. ولا تعرف لمَ تجاهد كي لا تستسلم!
فتنهدت قائلة كمن تلقي بورقتها الأخيرة بينما تميل قليلًا في جلستها نحوه :
_لمَ أنا تحديدًا يا خطاب؟ لمَ اخترتني؟
رفع حاجبًا وهو يميل بجذعه بعض الشيء مقلدًا إياها فقرأت نيته في التلاعب، لا سيما حين أجاب :
_لمَ قد يتقدم شاب لخطبة فتاة ما يا ترى؟
جارته ببساطة تعتادها، وإن شابها بعض المكر :
_لأنه معجب بها.. أو يحبها مثلًا ؟
أومأ برأسه قائلًا بنظرات مراوغة :
_ها قد أجبتِ سؤالك بنفسك.
عبست بوجهها لترد باستنكار :
_أية إجابة؟ لقد ضربتُ مثلين.. وأنتَ لم تحدد أي منهما ينطبق عليك.
رد راغبًا في إثارة حنقها :
_لا فرق.
رآها تحوقل بنفاذ صبر فكبح ضحكة ملحة مستمتعًا باستفزازها بلا هدف.. إلى أن عادت إليه قائلة باستنكار أشد :
_لا ترى فرقًا بين الإعجاب والحب!
حرك كتفيه مجددًا ببساطة باتت تغيظها :
_كلاهما شعور لا إرادي يطرق أبوابنا فجأة.
كان ذلك دورها لترفع حاجبها باستهجان واضح وهي تعقب بتهكم :
_وهل فتحت الباب؟
مال إليها أكثر مجيبًا من بين نظراتٍ يأسر بها عينيها :
_المفتاح معكِ يا سيادة الشرطية.
توردت وجنتاها، فأشاحت بنظراتها قائلة تواري خجلها :
_من منا الذي يراوغ الآن؟
كرر بجدية هذه المرة محاولًا الإمساك بنظراتها :
_لا فرق.. هل تقبلين الزواج بي؟
رفعت عينيها إليه على استحياء.. في حين لم يشعر باقترابه التدريجي منها إلا حين قاطعته نحنحة خشنة من الخارج تبعها صوت هاشم هاتفًا بتنبيه :
_نحن ما زلنا هنا لمعلوماتك!
كادت تند سبة وقحة عن خطاب الذي غفل فعليًا لدقائق عن وجود صديقه وزوجته بالخارج.. فلم يجد ردًا لهذه المقاطعة الغير مرغوبة سوى أن عبس بوجهه مشيرًا بيده بلا مبالاة بينما انطبقا صفي أسنانه مصدرًا بامتعاض صوت القنوات المشفرة ..
فالتفت هاشم إلى جود شاكيًا بصدمة زائفة :
_يقول لي ششش!!
ارتفعا حاجبا جود بصدمة مبالغ بها وهي ترد :
_قال لك ششش؟
أومأ برأسه فربتت على كتفه لترد بتعاطف أمومي مجارية إياه :
_مخطئ يا حبيبي، لا تحزن.
في الداخل عاد خطاب بتركيزه إلى إلهام متجاهلًا إياهما.. فكرر سؤاله مشددًا على كلماته :
_هل تقبلين الزواج بي؟
اعتمد إجابة عينيها .. فيما نطقت بدلال باغتها :
_أقنعني بك أكثر.
ارتد إلى الخلف قائلًا ببوادر إحباط كساها بعض المزاح :
_ذلك الحديث الجاد الذي دار بيننا منذ قليل لم يؤثر بكِ؟
_أبهرتني صراحةً.
أجابت مازحة فابتسم ملاحظًا قدرتها على مجاراته كلما انتقل بالحديث من دفة إلى أخرى.. فقال مخيرًا :
_إذًا تريدين استكمال وصلة الإبهار بشكل جاد أم مازح؟
ردت مقلدة إياه بتلاعب لطيف :
_لا فرق .. فكلاهما يليقان بك.
نحنحة قوية وصلت إلى آذانهما مجددًا .. إلا أن كلاهما لم يهتم .. فقد ذُهل خطاب من ردها فضحك بعينين متسعتين وهو يرد :
_هل أعتبر هذا غزلًا؟
ضحكته معدية .. هذا ما أقرت به في نفسها وهي تلملم بسمة ملحة قبل أن تجيب :
_كما تريد، هيا أبهرني.
عاد ليميل قليلًا بجذعه بادئًا بعملية ألقى بها بمنتصف الطريق :
_الاقتناع في أمور الزواج يتطلب تفكيرًا من حيث طبيعة الشخصية ومدى تناسبها .. بالنسبة إليكِ فأنتِ أخذتِ وقتًا يكفي للتفكير في المستقبل لسبع سنوات قادمين من قبل حتى أن توافقي على مقابلتي، ولكِ الوقت للمزيد من التفكير فهذا حقك.. وأما عني فأنا لا أتوقف عن التفكير بكِ ..
بدت وكأنها تكره أن يعتريها الخجل، فردت مناكفة :
_وهذا حقك أيضًا؟
وضع راحته فوق صدره قائلًا دون حاجة إلى تفكير بينما صحب جملته بغمزة :
_لا، هذا قلبي.
نحنحة أقوى صدرت من الخارج، في حين عبست إلهام قائلة بتحذير :
_خطاب!
رد بتذمر صبياني :
_ماذا؟؟ أنا أقنعك.. أخوكِ على وشك الإصابة بذبحة صدرية بالخارج وأنتِ ما زلتِ لم تقتنعي!
ردت بتذمر مقابل :
_أنت تبتزني عاطفيًا لا تقنعني!
رفع كتفيه مع كفيه ببساطة وهو يرد مدافعًا عن نفسه :
_الغاية تبرر الوسيلة.
في الخارج، تحرك هاشم ناهضًا عن مكانه بيأس قائلًا :
_من المفترض أن هاذان على وشك الزواج وتحمل المسؤولية! يتناقران كطفلين في الروضة.
رفعت جود حاجبيها باستنكار تطالعه بصمت للحظات .. قبل أن تقول وهي تلحق به :
_هاشم .. لقد كتفتني كلصٍ يحاول الهرب في رؤيتنا الشرعية!
حك عنقه بحرج، ثم رد محاولًا الحفاظ على ماء وجهه :
_كان ذلك لظروف مختلفة.. حتى أنني لم أحظَ بحقي في الرؤية وقتها.
ناظرته بطرف عينيها قائلة بتهكم :
_على أساس أنك كنت تغض البصر قبلها؟
كتم هاشم ضحكته قبل أن يصلا إلى المطبخ قائلًا بمزاح مصدقًا على حديثها :
_حقًا الزواج سُترة.
غطت فمها بكفها ضاحكة وهي تلقي نظرة إلى غرفة الضيوف معلقة بتعجب :
_على حركة الحاجبين هذه وراثة في عائلتكم؟
~~~
ترجلت من السيارة دون أن توجه له كلمة واحدة .. ودلفت إلى المنزل بصحبة صديقتها، بينما قرر أدهم انتظارهما بالخارج .. فنظرت هدى إلى صديقتها بعد أن شيعت أدهم الذي ذهب ليصف سيارته بنظرات متوجسة لتقول :
_يبدو الأمر بينكما أصعب مما تصورت .. ماذا كنتِ ترتدين؟
اتسعت عينا منة باندهاش، ثم تنهدت لترد :
_لم أتخيل أنكِ سمعتِ الحوار بوضوح .. كان ثوبًا عاديًا جدًا يا هدى.. اللهم إلا من كتفيه العاريين والقدمين من بعد الركبة!
ضبطت هدى من وضع حجابها قائلة بتهكم :
_ليس له حق.. كل هذا لأجل كتفين وسمانتين؟
قاطع سخريتها استقبال مي التي أقبلت تجاههما بابتسامة واسعة في ثوب زهري قصير يبرز رشاقة قوامها الأنثوي.. فمالت منة على صديقتها هامسة :
_حمدًا لله أنه بقي في السيارة.
لم تفهم هدى، فالتفتت لها سائلة بغباء :
_لماذا؟
نكزتها خلسة، فالتفتت منتبهة لتهنئ مي بعيد ميلادها قبل أن تعطيها كل منهما هديتها المغلفة بابتسامة ودودة ..
_تفضلا، الجميع بالداخل.
قالتها مي بعد التهنئات الرسمية ترافقهما معها إلى حيث تجمعن الفتيات من أصدقائها .. فسحبت الأولى منة إلى جانب قريب تحادثها، بينما اقتربت ماريا من هدى قائلة بفضول :
_هل أنتما صديقتين وحيدتين؟ أعني أنا لا أرى صديقة أخرى لأي منكما.
ترددت هدى قليلًا، قبل أن تجيب بصدق :
_في الواقع أنا ليس لديَّ أصدقاء مقربين سوى منة .. رغم أننا تعارفنا منذ وقت قريب بالجامعة..
عقدت ماريا حاجبيها تستدرك الأمر، فقالت مستفهمة :
_هل تعنين أنك ليس لديكِ أصدقاء، لكن منة لديها خارج الجامعة؟
نظرت هدى إلى صديقتها مستعيدة ذكرى يوم تعارفهما.. حين رأتها وحيدة ترتكن إلى إحدى الجدران البعيدة في الجامعة وتبكي.. فآلمها قلبها وهي ترد :
_لدى منة صديقة وحيدة، هي ابنة عمها.. لكنها مريضة ..غائبة عن الوعي منذ عام أو أكثر.
تذكرت ذلك اليوم حين وصلت لمنة رسالة نصية بعد إحدى المحاضرات تخبرها بما حدث لابنة عمها في إحدى البلدان البعيدة، فتكورت على نفسها بمنأى عن الجميع محاولة الاستيعاب .. قبل أن تنفجر باكية فتلاحظها هدى التي دنت منها بقلق سائلة عن حالها.. فتركتها الأخرى وركضت خارجة من المبنى بأكمله في حالٍ مزرٍ لم تعرف له سببًا سوى حين عادت منة إلى الحرم الجامعي بعد أيام من الانقطاع متشحة بالسواد.. يومها ظنت أن هناك شخص قريب لها قد مات، وبُهتت حين علمت بما ألم بعائلة عمها بأكملها في أيام معدودة .. فكانت تلك الذكرى السوداء هي غرة صداقة ولدت في أصعب الأوقات على كلتيهما .. لا سيما وقد كانت والدة هدى تمر بأزمة صحية شديدة في ذلك الوقت!
تمتمت ماريا بحاجبين متغضنين بعض الشيء بتعاطف :
_شفاها الله وعفاها.
أمنت هدى على دعائها وهي تلقي بنظراتها إلى منة التي يبدو على ملامحها الاستياء من الموقف برمته .. فهمت بالاقتراب منها حين رن هاتفها برقم غير مسجل لكنها تعرفه، فرفعت الهاتف على أذنها ترد باهتمام .. إلى أن جحظت عينيها بهلع هاتفة :
_ما بها أمي؟
بعد دقيقة، دنت هدى من صديقتها بخطوات متعجلة قائلة بارتباك واضح :
_سأغادر الآن.. أمي تعبت مجددًا ونُقلت إلى المشفى.
أمسكت منة بذراعها بقلق قائلة :
_يا الله! سآتي معك...
قاطعتها هدى وهي تهم بالتحرك مسرعة :
_لا، لا داعي، ابن عمي أخبرني أنه في الطريق إلى هنا حالًا.
توترت منة فقالت بتشتت وهي تتحرك خلفها :
_سألحق بكِ، فقط سأهاتف أدهم ونغادر..
أشارت لها نافية عن بعد وهي تهتف :
_لا داعي يا منة لقد أخبرني أنها بخير الآن وتم إسعافها، لا تغادري واعتذري لمي نيابةً عني، سأطمئنك على الهاتف.
كانت قد وصلت إلى أطراف الحديقة الخارجية للمنزل، فوقفت بقلق تخرج هاتفها محاولة الاتصال بأدهم الذي لا تعرف أين صف سيارته.. حين تقدم منها أحد زملائها في الجامعة مناديًا :
_منة؟
عقدت حاجبيها بتعجب، قبل أن يتجهم وجهها مخمنة ما أتى لأجله بعد ما ألقته مي على مسامعها بالداخل بشأنه .. فتظاهرت بالانشغال بهاتفها حينما اقترب منها قائلًا بثقة :
_منة؟ أنا هيثم زميلك في الكلية، تعرفينني بالطبع.
ردت بفظاظة وهي تضغط أمر الاتصال بهاتفها :
_لا أظن ذلك.. تشرفنا.
اعتراه بعض الحرج من ردها اللا مبالي، فتنحنح متحدثًا من جديد :
_هل يمكنني التحدث معكِ قليلًا؟
رفعت رأسها إليه مستلهمة الصبر وهي تنزل هاتفها عن أذنها حين لم يأتها الرد ..
_تفضل يا هيثم.
شعر بتعجلها، فآثر الحديث مباشرةً قائلًا :
_في الحقيقة أنا معجب بكِ، ولم أرد المراوغة أو استخدام أساليب مختلفة فجئت لأسألك بكل وضوح .. هل أنتِ مرتبطة يا منة؟
عقدت حاجبيها بانزعاج شديد من أحداث هذا اليوم من بدايته.. ولوهلة ندمت على حضورها من البداية، إلا أنها ردت بشيء من الحدة :
_لا، أنا لا أرتبط.
رفع حاجبًا متهكمًا من موقفها الدفاعي ليعلق بوقاحة مبطنة :
_لماذا؟ قديسة؟
ناظرته بوجه مغلق وهي تسأل بتشكك مما فهمته مستهجنة أسلوبه :
_ماذا تقصد؟ من أنت أصلًا لتحدثني بهذا الأسلوب؟ أنا قبل ربع ساعة من الآن لم أكن أعلم بوجودك في الحياة أصلًا!
اكفهر وجهه بشدة، فرد بانزعاج :
_ما أقصده أنه لا داعي لهذه الطريقة، جئت لأسألكِ سؤالًا وكان بإمكانك ردي بهدوء دون عجرفة لا معنى لها وشعارات التزام لا تليق بك .. فجميعنا في الفرقة نعرف أن لا صلة حقيقية لكِ بابن الرشيد.. وتسكنان تحت سقف واحد، فأي نوع من الارتباط هذا يا ترى؟
اتسعت عيناها بصدمة، وغلت الدماء في عروقها بغضب لا يُقاس .. فحاولت تجميع أفكارها لترده بقوة إلا أن الكلمات لم تسعفها، فنطقت بعصبية متلجلجة من بين أسنانها :
_أنت .. أنت ...
ثم صمتت فجأة، فقال باستهانة قبل أن يستدير موليًا إياها ظهره في استعداد للعودة إلى الداخل :
_بلا كلمات عديمة الفائدة، اعتبري أن هذا الحوار لم يحدث، يمكنكِ المغادرة إن شئتِ.
التفت ليصطدم بحائط بشري يفوقه في البنية الجسدية بمراحل .. في حين استمع إلى صوته يقول بقتامة وهو يستوقفه :
_إلى أين بهذه السرعة؟
كانت تلك الثانية حيث نطق جملته هي ما فصلت بين رؤيته لمعالم وجه من يقف أمامه وتلك اللكمة التي اصطدمت بوجهه ليترنح جسده ساقطًا .. فصرخت منة بهلع، في حين أمسك أدهم بتلابيبه مسددًا لكمة أخرى للجانب الثاني من وجهه وكأنه يتفنن برسم لوحة تأديبية فوق ملامحه..
خرج عدة أفراد من الداخل إثر الصرخات المرتعبة، فصرخت منة محاولة السيطرة على أعصابها :
_كفى يا أدهم أرجوك!
ركض أصدقاؤه مسرعين ليفصلوا بينهما، بينما صاحت مي بحنق :
_ هل هذا في سنك أو في حجمك لتعامله بهذا الشكل؟ أنت مجنون.
وقفت ماريا متابعة ما يحدث بذهول، قبل أن تسأل :
_ماذا حدث؟
ابتعد أدهم عنه بأعصاب نافرة ثم هتف به من علو :
_للأسف لن تحتمل مني أكثر ذلك، لتعتبره تنبيهًا يرن في رأسك كلما فكرت في الحديث عن أبناء الرشيد ..
ألقى بنظرة إلى مي التي تحدجه بغل، ثم عاد إليه بنظراته مكملًا بتهكم :
_لتتعلم فيما بعد أن تتحدث عمن في حجمك.
ختم جملته بإشارة مستهينة، في حين اكتفى الشباب القلة من بينهم بالفصل بينهما موقنين بخطأ صديقهم بلا شك ..
فيما تحرك أدهم جنبًا إلى جنب مع منة التي تقبضت بجل قوتها كي لا تبكي قبل أن تصل إلى السيارة ..
بعد قليل..
لم ترفع رأسها من بين راحتيها منذ تحركا بالسيارة .. شهقاتها مكتومة وكتفها يهتز بين الفينة والأخرى.. فوقف بالسيارة فجأة هاتفًا فيها بغضب غير مبرر :
_توقفـــي، كفى بكاءً كفى!
رفعت رأسها إليه تصيح بتعب من بين بكائها :
_توقف أنت عن الصراخ بي.. ما شأني؟ ماذا فعلت أنا؟
زفر بقوة ضاربًا على المقود، فازداد نشيجها كمن تفرغ كل ما بجعبتها .. كأن ما حدث كان بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير .. فرفعت رأسها إليه مجددًا لتقول بلوم :
_أنت فظ.
تنهد ليطالعها بتعاطف وقد رق قلبه لها .. يعرف تلك الحالة من الانهيار التي تداهمها بشكل مفاجئ ملقية بتماسكها أدراج الرياح .. دومًا ما تنهار حين تُشحن بطاقة سلبية لا تحتمل فوق ما تحمله من هموم.. وما أكثر الطاقة السلبية اليوم!
أعاد تدوير السيارة مكملًا طريقهما إلى المنزل .. فترجلت بمجرد وصولهما تمحي عبراتها بكفها، إلا أنه لحق بها مستوقفًا إياها عند باحة المنزل .. فوقف أمامها لا يعرف ماذا يقول .. سوى أن خرجت منه الكلمات بغير ترتيب :
_أنا.. أنا أخبرتك.. أنا لا أعرف كيف أكون لطيفًا ولا أجيد التفكير بذلك الهدوء الذي تريدينه.. أنا.. أنا فظ نعم .. لكني لم أقصد .. لم أقصد أن أجعلكِ تبكين.
طالعته بعينين اغرورقتا بالدموع مجددًا وهي تقول بعتاب :
_لقد كسرت خاطري.
اتسعت عيناه مبهوتًا من تعبيرها .. فرد بذهول :
_كسرت خاطرك لأنني منعت تلك الأشكال من رؤيتك بصورةٍ ...
قاطعته بيأس متحركة تجاه الدرج :
_أنت لا تفهم .. ولن تفهم أبدًا.
أمسك بذراعها بتلهف استشعرته، وكذبت نفسها بينما تسمعه يقول بتيه :
_أفهميني إذًا.. وما الجديد؟ أنا دومًا أخفق في فهم الشعور وأنتِ لا تقنطين .. ما الجديد؟
وقفت على الدرجة الثانية .. ورنت إليه بإنهاك بيِّن وهي ترد :
_أنني تعبت.. وأنا من أريدك أن تُفهمني هذه المرة.. بأي صفة كنت لتمنعني من الخروج؟ وبأي دافع ضربت ذلك الشاب؟ وبأي شعور تقف أمامي الآن!
داهمه سؤالها على حين غرة.. فتسمر مأخوذًا في حديثٍ صامتٍ سلكته المقل .. وشهدا عليه قلبان .. في سكنة عقلين أحمقين ..
لم يسلبهما من تلك الحالة سوى دخول أمها وأبيه عائدين من الخارج.. لا سيما حين هتف مختار :
_ماذا يحدث هنا؟
كسرت منة نظراتها منتفضة في وقفتها، فالتفتت مسرعة تصعد الدرج بينما ترد بصوت حاولت إخراجه ثابتًا :
_لا شيء، شعرت ببعض التعب فعدنا مبكرًا، وسأذهب للنوم.
اندمج أبويها في الاستفسار من أدهم، حين أخرجت هاتفها تنوي الاتصال بصديقتها للاطمئنان على حال والدتها ..
كان ما حدث بمثابة صفعة استفاقة ..
لقد كانا قاب قوسين أو أدنى من ...
من شيء لا يعرفانه ..
من خطوة مبهمة لا دليل لها ولا عنوان..
وكأن الأقدار تتفنن في إبراز لوحة ناصعة قبالتها ..
لم يُنقش فوقها سوى عبارة واحدة تقطع كافة الآمال والرجا
"لا سبيل."
~~~
وبين المضي والإدبار وقفتُ عاجزًا
وجلَت خُطاي فتقهقرتُ مقهورًا ..
"كنت أفكر في شراء هدية زواج مميزة إلى نادية، لكني مازلت لا أعرف ما تحب بشكل كافٍ .. هل يمكنك مساعدتي؟"
كانت تلك الرسالة هي ما وردت إلى إلهام على الهاتف عقب انتهاء جلستها مع خطاب .. لم تكن تلك أولى رسائلها مع يسرا .. فقد تبادلا أرقام الهاتف خلال فترة التجهيز لزواج شقيقتها.. فلم تتردد إلهام في الرد آنذاك ..
"أنا أيضًا لم أجلب هدية بعد .. يمكنني المرور عليكِ والذهاب للاختيار سويًا إن لم يكن لديكِ مشكلة؟"
مرت دقائق قبل أن تجيب الأخيرة بالموافقة وهي ترسل إليها عنوان منزلها لتقلها في طريقهما إلى السوق التجاري .. وها هما تسيران بين أروقة المحلات بينما تتبادلان الأحاديث الخفيفة التي احتلت نادية معظمها كعامل مشترك بينهما .. إلى أن سلك حديثهما مجرى آخر حين تحدثت إلهام ببعض الأريحية :
_أرى أن زواج نادية سيساعدها في تخطي بعض الحواجز الداخلية.. بعض العلاقات تساعدنا أن نكون في أفضل حالاتنا.. وبعض آخر يقتات علينا.. يسحب من أرواحنا أجملها ثم يلفظنا في حاجة للمساعدة.
نظرت إليها يسرا متفهمة كلماتها.. إلا أنها سألت بعينين ضيقتين :
_هل تتحدثين عن زواج نادية أم عن تجربة شخصية؟
ندت عنها ضحكة خفيفة تشربت بعضًا من الحزن في إجابة غير مباشرة قبل أن ترد :
_أعرف أنكِ مررتِ بتجربة مثلي، لكني آثرت الابتعاد مبكرًا .. لكني مازلت حائرة .. هل خروجي من علاقة غير صحية كتلك جعلني في حاجة لمساعدة تعيد ثقتي ونظرتي للأمر بهدوء وسلاسة؟ أم أنني سأصبح الطرف السام إذا ما شرعت في علاقة جدية أخرى؟ هل يمكن أن نؤذي من نحب دون قصد؟
صمتت يسرا قليلًا مفكرة .. ثم ردت بهدوء ظاهر :
_لم يوجه لي سؤال كهذا من قبل ولم تكن تجربتي بمؤذية بهذا الشكل، لكن أعتقد أنني أفضل من يمكن أن يجيبك .. نعم، يمكن أن نؤذيهم دون قصد .. ونأذي أنفسنا معهم ..
ثم تمتمت بتهكم كمن تستاء من ذكر الأمر :
_دومًا ما كنتُ في الطرف المؤذي.. اختيار رائع للسؤال.
اتسعت عينا إلهام باندهاش .. ثم ردت بأسف حقيقي قبل أن تنتبه :
_أنا آسفة لم أقصد حقـ ... ماذا؟؟ هل تقصدين أن إلغائك لحفل زفافك لم يكن هروبًا من أذى أدركتِه متأخرًا؟
أومأت برأسها مجيبة :
_كان هروبًا من أذى أنا مصدره.. كان إدراكي متأخرًا بشدة لكني أنقذت نفسي وهو معي.
ناظرتها إلهام بعدم فهم، فأردفت يسرا محاولة التوضيح :
_الأمر أشبه بأن تكونين على حافة منحدر على وشك السقوط في الهاوية.. فآثرت أنا العودة إلى الخلف والهروب في الاتجاه المعاكس.
لم تستوعب بشكلٍ كامل .. فتابعت مستفسرة :
_وماذا كان في الاتجاه المعاكس؟
طالعتها يسرا لثوانٍ بصمت، ثم ردت ساخرة :
_منحدر آخر.
ثم انفجرت ضاحكة كمن ألقت بنكتة للتو.. فراقبتها إلهام للحظات، ثم قالت بابتسامة بسيطة :
_أظنني بدأت أفهمك.
هدأت ضحكات يسرا، لتنظر إلى الأخرى قائلة بجدية هذه المرة :
_انظري، لستُ الشخصية المثالية للنصح في هذا الأمر تحديدًا، لكن استمعي إلى قلبك يا إلهام .. صدقيني لن تشقين.
صمتت إلهام مفكرة .. إلا أن الصمت لم يدم طويلًا.. حيث قطعته يسرا سائلة باهتمام :
_سمعتك تتحدثين عن حواجز داخلية.. ممَ تعاني نادية تحديدًا؟ وما سبب تلك النوبات التي تنتابها فجأة؟
تنهدت إلهام مستعيدة تلك الذكريات البغيضة ..
قبل أن تبدأ بالسرد :
_نادية خرجت من تجربة زواجها السابقة مدمرة تمامًا .. في البداية احتجنا مجهودًا كبيرًا لنعيد لها صوتها الذي فقدته إثر صدمتها يوم وفاة زوجها السابق.. بالطبع عُرضت على طبيب نفسي وتابعنا معها العلاج حتى تجاوزت جزءً لا بأس به من مرضها.. كانت نوباتها شديدة القوة حتى أنها فقدت وعيها لأكثر من مرة.. ولا تقبل أي اقتراب من الجنس الآخر.. أخذت وقتًا ليس بقليل حتى عادت لتعتاد التعامل مع العائلة بشكل طبيعي.
عقدت يسرا حاجبيها بتعاطف وهي تعود لتسأل بصدمة :
_لمَ كل هذا؟ بمَ مرت نادية؟
وصلتا إلى مطعم قريب، فجلستا على إحدى الطاولات، لتجيب إلهام :
_نادية ترى أنها مذنبة ولا تحب الحديث عن الأمر، إلا أنني أراها بطلة.. سأحكي لكِ من البداية.
لاحظت يسرا الأسلوب التشويقي الذي تتبعه إلهام، لكنها لم تعلق وهي تسلط انتباهها بصبر على ما ستقول .. فشرعت إلهام تحكي :
_منذ أربعة سنوات، كانت نادية تعمل في إحدى الشركات، وكانت تتعامل مع الكثير من العملاء .. وكان أحد هؤلاء العملاء هو إبراهيم الفقي .. رجل محترم، ذو مكانة ليست بقليلة في مجاله، كما كان مرحًا إلى حد مبالغ به في بعض الأوقات .. حين تقدم لخطبتها لم تتردد نادية كثيرًا قبل أن توافق، وسار الأمر بطبيعية شديدة حتى بداية فترة الزواج.. بعدها بدأت تلاحظ أعراضًا غريبة تطرأ عليه، ونوبات اكتئاب شديدة يمر بها منعزلًا .. حتى أنه حاول الانتحار ذات مرة!
شهقت يسرا بصدمة، فيما أكملت إلهام :
_حين تحدثت نادية مع والدته في الأمر فوجئت بأنها تعرف كل شيء عن حالته منذ البداية، وأنها لم تكن المرة الأولى التي يحاول الانتحار بها .. بل أن أكثر من فرد من العائلة أصيب باضطراب ثنائي القطب، أي أن هذا المرض وراثي لديهم.
عقدت يسرا حاجبيها بعنف معلقة :
_ولمَ لم يخبرها أي منهما قبل الزواج؟
رفعت إلهام كتفيها أي أن الأمر لا يحتاج إلى سؤال، ثم تنهدت ببعض الانفعال، قبل أن تستكمل بوجه انكمش إثر تلك الذكرى :
_بدأت تطالها نوبات هوسه .. فشرع يأخذها قسرًا .. ومن ثم بدأ يتطاول عليها لفظيًا وجسديًا حتى أنها لأكثر من مرة ركضت لتحتمي بمنزل عمه عاصم، وكانت ابنته وابنة أخيه الآخر يستقبلانها وتبقى كل منهما معها حتى يأتي عمه ويفصل بينهما .. لم تفكر في إخبار أي منا بما يحدث معها حتى المرة الأولى التي تناوب عليها بالضرب فيها، وقتها واجهته برغبتها في الطلاق قبل حتى أن تصارحنا بالأمر .. لكن رده جاءها كالصاعقة حين رفض الطلاق وهددها ما أن تنطق بأي شيء لعائلتها فسينشر مقاطعًا مصورة لها معه... وكأنه كان يحاول حماية نفسه متوقعًا الوصول إلى هذه النقطة.
عجزت يسرا عن الرد أو التعليق مبهوتة .. فيما تعالت أنفاس إلهام بغضب مكتوم وهي تستطرد :
_حاولت نادية إخباري لأكثر من مرة لكنها لم تفلح .. حين كنت أذهب إليها كانت تبدو وكأن أنفاسها معدودة .. وحين تأتي إلى منزلنا تحاول الحديث معي على انفراد لأتصرف معه قانونيًا قبل أن يفكر بنشر أي مما لديه .. وبالفعل استطعت بمساعدة أحد زملائي آنذاك أن نمارس عليه أقسى أساليب الضغط ليتخلص من كل ما لديه .. لكنه رغم كل شيء رفض الطلاق، فشرعنا نسير في إجراءات الخلع .. لكن يبدو أنها لم تحتمل أكثر من ذلك .. ففي يومٍ قررتُ المبيت معها، ونزلت بشكلٍ طارئ لمعاينة جريمة حدثت وقتها أسفل المنزل .. لكني عدت بعدما لا يزيد عن الساعة .. لأجدها جالسة أرضًا بجزع .. وأمامها زوجها غارق في دمائه!
~~~
هافيوفوبيا
أو رهاب اللمس .. وهو الخوف الشديد من التعرض للمس، تتفاوت درجاته بتباين أسبابه ومراحله ..وهو أيضًا ما أيقن حمزة تمامًا _بعد البحث والإطلاع_ أن زوجته تعانيه في إحدى مراحله المتقدمة نوعًا ما، فشرع معها فيما اتفقا عليه من علاج معتمد..
لم يكن ما يبذله من مجهود شاقًا بقدر احتماله لطاقاتٍ مكبوتة تتوق للتحرر ..
كان يتعامل بحكمة تارة.. ويشاكس بمرح ليفض من توتر الأجواء تارة أخرى.. فقد كان اضطرابها ملحوظًا بشدة كلما هم بالاقتراب منها بشكلٍ أو بآخر..
أيام مرت على بداية العلاج .. استغلهم حمزة على أكمل وجه، وقد ساعدته استجابتها التدريجية في التقدم شيئًا فشيئًا ..
حتى أنه في خلال يومين لا أكثر كان قد أقنعها بثقة خبير أن تشاركه الغرفة، ومن ثم الفراش.. إلا أنها بدورها أبت إلا أن تطأ الفراش في أضيق الحدود، أي وقت النوم.. فما كان منه إلا أن استعان بالصبر على طول الطريق ..
_نادية.
قالها حمزة مناديًا زوجته بهدوء من جلسته فوق الفراش، بعد أن نحى حاسوبه جانبًا .. فردت الأخيرة ببعض التوجس من قوقعتها فوق الأريكة المقابلة :
_نعم؟
رغم أن رده كان متوقعًا بالنسبة إليها .. لكن وقعه على أذنيها كان موترًا حين قال بنفس هدوئه المربك :
_تعالي.
صحب كلمته بإيماءة من عينيه، فدارت بمقلتيها في الغرفة بتهرب قائلة بعدم استيعاب مصطنع :
_إلى أين؟
ربت بكفه فوق المساحة الفارغة عن جانبه وهو يجيب ضاغطًا على كلماته :
_إلى جانبي، هنا .. على الفراش.
صمتت لثانيتين .. ثم تنحنحت قائلة وهي تزداد انكماشًا في جلستها :
_لا أظن هذه الخطوة مهمة في مرحلة العلاج .. يمكننا إلغائها.
ارتفع حاجبه باستنكار معلقًا بتهكم :
_نلغي مرحلة الفراش! وأين نستكمل العلاج؟ في المطبخ؟
رفعت كتفيها ببساطة ظاهرة، لتجيب موارية توترها :
_لا مشكلة، ما به المطبخ؟
تنهد بصبر، قبل أن يرد بسؤال مقابل :
_بمَ يسمى الفحص الطبي للمريض يا نادية؟
فكرت للحظات، ثم رفعت كتفيها بعدم معرفة عاقدة حاجبيها باهتمام .. فاستكمل مجيبًا نفسه بتريث كمن يلقي بمعلومات موثوقة :
_فحص سريري .. أي أن المكان الطبيعي والمفضل للعلاج هو الفراش.
اتسعت عيناها باندهاش .. إنه يفسر الكلمات حسب أهوائه!
استندت بصدغها إلى كفها معقبة بسخرية :
_وماذا أيضًا يا دكتور حمزة؟
لذيذة .. لذيذة ومشجعة للالتهام بتأنٍ وعلى مهل ... لذا نهض عن الفراش ماشيًا على هوادة بينما يجيبها :
_أنكِ إن لم تأتي سيرًا على القدمين .. ستأتين محمولة على الكتفين.
تخشبت قابضة كفيها بقوة مراقبة إياه يتقدم منها بعينين لاح بهما الهلع جليًا .. فتوقف أمامها سائلًا بهدوء محسوب :
_بمَ تشعرين؟
ازدردت غصة كادت تشج حلقها الجاف.. تحارب فزعًا يتسلح بما توارى بخبث خلف طيات ذاكرتها، بشعورٍ أعزل تمثل في حبها له .. رغبتها المؤلمة في إسعاده .. فامتزج الخوف اللا إرادي بعينيها بأسفٍ موجع، فيما تجيب بصدق ذبحها :
_بالرعب.
لا يعرف من أين أتى بهذا التماسك أمام عسليتيها الناعستين .. ربما من رغبته في انتزاعها من تلك البوتقة مهما تكلف الأمر .. حمزة الذي حمل من المسؤوليات أفقهما منذ نعومة أظافره ليصل بعائلته الصغيرة إلى بر أمانٍ وطأه في رداء أب لم يشأ القدر أن يستكمل معهم الرحلة .. يقف أمامها رافضًا الشعور بالعجز أو التسليم لأي إحساس محبط يتسلل بينهما بخبث .. فقال آمرًا بطمأنينة :
_استرخي.
أغمضت نادية عينيها تسحب شهيقًا عميقًا لتخرجه ببطء .. وارتعدت أطرافها حين شعرت بذراعيه تضمانها إلى صدره بحنان بالغ زاد من سخطها على نفسها ..
_هل حدث شيء؟
صدرها يعلو ويهبط في محاولة للتماسك .. لأجله .. لأجله فقط فتحت عينيها تومئ برأسها نفيًا دون كلام .. نطقها المرتعش كان ليزيد الأمر سوءً .. لذا اكتفت بتلك الإيماءة بنظرات هاربة .. إلا أنه باغتها بطلبه فيما يسير بها الهوينا :
_انظري إليَّ.. ولا تستجيبي لصوت عقلك.
بتردد رفعت عينيها إليه بانكماش دعمه حياءها الفطري .. فحررها فوق الفراش وجلس قبالتها، لا يفصل بينهما سوى إنشين على الأكثر .. ليكرر سائلًا بخفوت :
_والآن؟
بدت تبذل مجهودًا لانتظام أنفاسها، وهي ترد بهمس مضطرب :
_قلبي يكاد يغادر صدري.
رد مشتتًا إياها عن التركيز مع اقترابه :
_لماذا؟
انساقت لما يفعل راغبة .. بينما تُحرر مشاعرها بارتجاف كمن تحاول تهوين مهمة شاقة عنه :
_لا أعرف إن كان هلعًا مقيتًا لا دخل لي فيه.. أم أن قلبي ينوي الارتحال إليك.. يرى بك السكن والشفاء.
صوته الرخيم زاد من أسره المحبب لروحها حين جاء رده :
_اتركيه ليغادر إذًا .. ليكون في أماني.
ازدردت ريقها لتقول بعينين لمعتا بغشاء رقيق من الدموع :
_كلي في أمانك يا حمزة.
تألم قلبه لعبراتها .. فرد برفق كارهًا كل ما أودى بها إلى هذه الحالة كما لم يكره شيئًا من قبل :
_وأنا كلي لكِ يا قلب حمزة.
نأت المسافات بينهما .. واختلطت أنفاسهما بخطورة .. فالتقت شفتيهما بنعومة في لقاء منتظر .. مشتاق من جانبه .. مرتجف من جانبها .. لا سيما حين شعرت بكفه يتسلل بدايةً من خصرها حتى ارتكن عند ظهرها .. بينما تخللت أصابع كفه الآخر خصلاتها العسلية مدعمًا رأسها..
جسدها يرتعد بين يديه .. بينما يتسرب الخدر إلى أوصالها رويدًا رويدًا ..
لا تستجيبي لصوت عقلك ..
لا تستجيبي لصوت عقلك ..
لا تستجيبي لصوت عقلك ..
ترددت كلماته بعقلها مرارًا محاولة التحكم ..
مرت بضعة دقائق قبل أن تلامس رأسها الوسادة من خلفها، فدب الذعر في جسدها فجأة لتهمس برهبة :
_حمزة؟
تناطحت أفكاره المتشابكة في تلك اللحظة .. فجزء واعٍ يستجيب لندائها المرتعب .. وجزء مغيب .. وقد كانت له السيادة.
_حمزة أرجوك..
عادت لتهمس باختناق بينما شُل جسدها بين كفيه ..
هل تثق بأنه سيجيب ندائها ويرفق بها؟ أم أن الوثوق برجل في هذه النقطة صعب؟ بل يكاد يكون مستحيلًا .. لا سيما وهي لا تستطيع لومه أو عتابه .. علامَ ستعاتبه؟ لم يؤذِها .. ولم يجبرها .. الأمر برمته محصور بداخلها هي .. كل شيء يبدأ عندها .. وينتهي عندها.
كادت تستسلم محتملة كافة عذاباتها الخاصة بمفردها .. حين انتفض عنها فجأة بإدراك ليس متأخرًا .. لكنه كان صافعًا له، وهو ينهض تاركًا الغرفة بأكملها .. متحاشيًا النظر إليها تمامًا .. بينما شيعته نظراتها بأسى مثقل بالعبرات الآسفة.
~~~
سارا جنبًا إلى جنب .. يتشبث كل منهما بمعطفه بينما تلفحهما نسمات الهواء الباردة برقة ..
طالعها خلسة بطرف عينيه مراقبًا مداعبة خصلاتها الشقراء لبشرتها البضة .. تبدو كأيقونة في الجمال .. مُنحت من وافر الحُسن بسخاء شديد حتى كاد منها البهاء يغير ..
_أخبرني إن كنت قد انتهيت.
انتبه فريد من شروده فيها على تلك الجملة التي ألقتها دون الالتفات إليه، فرد سائلًا :
_انتهيت من ماذا؟
ردت نبراس بتهكم ليس بجديدٍ عليها :
_ظننتك تعد مسامات وجهي.
انكمش وجهه بامتعاض متمتمًا لنفسه بيأس مسموع الصوت :
_السخافة تجري في دمها.
كتمت ضحكتها متمسكة بقناع البرود .. مناكفاتهما لم تنتهِ، وما حدث لم يؤثر على صداقتهما بشكل أو بآخر .. بل اتفق كلاهما على تناسي ذلك اليوم برمته ..
كل شيء كما هو .. جل ما اختلف لم ينبع من ذلك اللقاء بينهما، بل كان قد نشأ من شعورٍ ما انبثق داخله منذ عودته من سفرته الأخيرة لبلده .. لا تفهم ماذا حدث، إلا أن الأمر بات مريحًا وإن كان به بعض الغرابة .. ففريد أضحى يتمسك ببعضٍ من التقوى التي لا تسمح له بالبقاء معها وحيدًا كالسابق .. أو الاقتراب منها مهما حدث .. ذلك التعفف المستحدث أضاء بداخلها شعلة هادئة تنير الطريق إليه .. وكأنه كان ينقصها!
اليوم هو قد ألح للخروج بدلًا من البقاء بمنزلها لأسباب واهية .. يظن أنها لم تلحظ، ولا يعرف كيف يناقشها في الأمر .. وما يثير رغبة كلاهما في الضحك أنه يتقي الله فلا يبقى معها وحيدًا في منزلها، لكنه يتأملها في سيرهما خلسة!
رمقته بنظرة مبتسمة مقدرة ما يفعله .. أو للدقة ما يحاول فعله ..
فطري الحس .. أفلاطوني التصرف!
_كيف نكون في باريس ولم نخرج للتسوق من قبل؟
هو من أخرجها من شرودها هذه المرة .. فرفعت حاجبًا مستنكرًا وكأنها تسأل "حقًا؟" ثم ردت ساخرة :
_معك حق .. لحظة واحدة لأخرج كارت ائتماني من الحقيبة وآتي معك.
ضحك فريد مستدركًا الأمر، ثم علق بمناكفة :
_متسولة لكن جميلة.
توردت وجنتيها، فردت مازحة تواري خجلها :
_اتقِ الله يا أخ فريد.
خفتت ضحكاته إلا من بسمة بقت فوق شفتيه وهو يقول متعجبًا :
_بالله كيف كنت أظنك أجنبية؟
ضحكت قائلة بتلاعب :
_كنت مقنعة، صحيح؟
رد بامتعاض ساخطًا من نفسه :
_خطاب عرف حقيقتك من مكالمة واحدة، وأنا لم أعرف طوال تلك الشهور.
عقدت حاجبيها بعدم فهم سائلة :
_كيف عرف حقيقتي من المكالمة؟
هم بالرد بصراحة، إلا أنه تراجع ليقرر استفزازها قائلًا :
_يقول أن زيف لكنتك واضح جدًا لأي شخص يجيد اللهجة.
_أنا؟؟؟
منع ابتسامة ملحة وهو يستطرد أمام صدمتها المسلية :
_ويقول أيضًا أن طفلًا فرنسيًا صغيرًا بإمكانه كشفك بسهولة.
اتسعت عيناها بحمائية هاتفة باستهجان :
_أنا لكنتي مزيفة؟؟ أنا أجيد اللهجة منذ كنت في بطن أمي .. اسمع بنفسك المكالمة وسترى كم كنت طليقة في التحدث معه.. ماذا يعرف صديقك هذا عن الفرنسية؟
توقف فريد عن السير باندهاش معلقًا بصدمة أكبر :
_هل تسجلين مكالماتك معي يا نبراس؟
تلفتت حولها قبل أن تعود إليه بعينين متسعتين منبهة :
_لا تقل هذا الاسم بصوتٍ عالٍ .. أنا لا أتقصد تسجيل مكالماتك، إنه تطبيق حملته على هاتفي لأنني أنسى فحوى المكالمات كثيرًا، فبات يسجل كافة المكالمات دون تفرقة.
ضاقت عيناه قائلًا بشك :
_تنسين كثيرًا أم أنكِ تعيشين في نظرية المؤامرة طوال الوقت وتجمعين الأدلة؟
ضحكت مؤكدة صدق كلماته، لكنها عادت لتبرر :
_لا، صدقًا كان هذا في البداية لكن الأمر أصبح مفيدًا لي فيما بعد ..
ضرب كفًا بكف، فيما تبعته ضحكاتها وهي تقول مغيرة الموضوع :
_لنسير قليلًا ونشاهد الملابس العصرية حتى وإن لم نشترِ .. ماذا سنخسر؟
أومأ برأسه موافقًا .. ليستكملا طريقهما معًا وكأنهما يتعهدان أن يتشاركا كل شيء .. وإن كان غير مفيد .. فماذا سيخسران؟
وللدقة .. حتى ما يمكن أن يخسراه لن يكون بفداحة ما مضى ..
~~~
الفراغ يحيطها.. ذلك المكان ليس غريبًا عنها .. لقد شاهدته مِرارًا .. وشهدت فيه من المَرار أنهارًا ..
لكن المكان خالٍ .. والسكون طاغٍ حد الاختناق .. سارت جود بريبة متلفتة حولها .. تتلمس الطريق للخروج لكن خطواتها ثقيلة .. لم تلبث أن تبحث عن مفر حتى وجدت ظل يلوح من بعيد .. فتاة تقترب منها بابتسامة عذبة افتقدتها ..
هرولت جود تجاهها تهتف بلهفة :
_ضحى؟ اشتقت إليكِ.
مدت ضحى كفها أمامها لتلاحظ جود لأول مرة ما تحمله .. فقد ضمت يدها فوق مقص صغير ..
رفعت عينيها إليها فوجدت ابتسامتها تتلاشى تدريجيًا، حتى تبقت ملامح معتذرة فوق وجهها .. دنت أكثر لتضع المقص بين راحتيها .. ثم نطقت بخفوت شجِن :
_أنا آسفة.
تعالت أنفاس جود بتوتر مستاءة وكأن موضع المقص فوق يديها يكويها .. بينما ابتعدت ضحى تتنفس الصعداء كمن تخلصت من عبء ثقيل للتو .. ثم توقفت على بعد قريب .. لتقول بالتماس حزين آلم الأخرى :
_لا تنسيني يا جود.
لم تعد جود كفيها الممدودين .. بل هتفت بتوجع :
_لا تتركيني .. لن أستطيع..
لم تستمع إليها وهي تعود لترتدي ابتسامتها الصافية مغادرة بهدوء زاد من جزع جود وهي تصرخ خلفها :
_ضحى، لا ترحلي .. ضحى!
شهقت جود منتفضة عن نومتها بفزع .. فيما ردد لسانها بهلع :
_لا لا .. ليس مجددًا، لا ..
نهض هاشم مسرعًا إثر صرخاتها المرتعبة .. فالتفت ذراعيه حولها يطمئنها بتشتت :
_اهدئي يا جود إنه مجرد كابوس ..
انكمشت في أحضانه متمتمة بارتجاف :
_ليس كابوسًا .. هذه المرة ليس كابوسًا ..
فرك جفنيه ليستفيق بشكل أكبر، ثم تنهد مربتًا فوق ظهرها ..
_اللهم اجعله خيرًا.
شددت من إحاطتها له بخوف .. تتمسك به بينما جسدها يختض .. عيناها زائغتان في الفراغ ..
لا تعرف كيف تخبره بأن ما رأته لم يكن خيرًا أبدًا !
أنت تقرأ
هان الود
Romanceهل تُخلق الطهارة من روح الدنس؟ أم يُولد السوء من رحم البراءة! ما ذنب النقي في معركة النجس؟ خاضها بغلٍ قضى على كل القلوب المعطاءة!