الفصل الأول : (مملكة زيولدا )

474 63 71
                                    

سكنت أمواج البحر في هذا الصباح عم الهدوء هذا الساحل البحري الذي يكاد يكون خاليا من أنفاس البشر ، في عالم آخر مواز كان الظلام لا يزال يكتسح مملكة " زيولدا " التي تنافي كل إعتقادات البشر .

انتشرت أساطير قديمة عن هذه المملكة المخفية تكهنات وآراء مبهمة ، مشاعر خوف مختلطة بإحساس شك مريب حول الحقيقة المخفية التي لا تزال هاجسا للبعض وكوابيسا مظلمة للبعض الآخر....

يوم آخر يعتريه الكثير من المرح والصخب ، هكذا كانت عادات شياطين مملكة زيولدا الإحتفال بأي وقت وفي أي مكان دون وجود أيّ سبب معين .

توارثت هذه المملكة عاداتها عن أسلافها القدامى منذ مئات السنين كان الأمر يروق جميع الحكام والقرويين ولم تتلقى أي إعتراض بشأن طقوسها ومعتقداتها كان الحدث شبه مقدّس لبعضهم وعاديا في نظر البعض الآخر ، و... ومقيتا وتافها جدا لإحدى الشياطين الصغيرة القابعة هنا ..

- إنهض أيها الأحمق ، كيف لك أن لا تحضر الزينة والحفل القدسي على وشك البدء !
- هو كذلك بالنسبة لك ! وكيف لك أن تسميه قدسيا والحدث يتكرر يوميا دون أي سبب يذكر !
- أتعترض عن طقوس وعادات القبيلة؟ هل تدرك ما تقوله يا فتى ؟!
- أجل أدرك ذلك جيدا وإني لأعلم أن كثيرا من الشياطين لا يروقها الأمر ولكنها تساري الوضع بسبب طغيانكم

- لن أتحدث مع شيطان صغير مثلك لم تكفى زعانفه على النمو بعد ، إفعل ما أمرتك به فحسب ولا تحشر أنفك في شؤون الكبار أيها الصعلوك المتعجرف .

على مدى قريب من هنا كان يرائي نفسه في المرآة ويحجدها بنظرة تأسف شديد مخاطبا نفسه : أدرك جيدا أنني لم أنتمي إلى هذه القبيلة يوما وأعلم جيدا أنه لا زعانف لي مثل البقية !! لاحظ جميع من في الصف أنني الوحيد المختلف ، شكلي يتغير يوما بعد يوم وأكثر فأكثر .. كي يقارب معايير البشر فهل أنا ..؟

قاطعته والدته من حواره المأساوي إتجاه نفسه قائلة : جون ، ماهذا الذي سمعته عنك ؟ ألن تكف عن الكلام أيها الأحمق ، أتريد أن تقتلني قبل أن ألد أخاك الأصغر وتعيش وحدك رفقة والدك !

- أمي ، أنا لست ..

- اصمت لا أريد سماع حرف واحد آخر منك إن كانت لا تعجبك عادات القبيلة فلتصنع عالما لوحدك وعش فيه كما شئت فحسب ، بعيدا عن هنا .

انتفض جون من الكلمات التي سمعها للتو صحيح أنه يدرك حجم الفعل الذي قد قام به ولكنه لم يدرك كره أمّه الكبير له ، لم تبدي عاطفتها إتجاهه يوما ولكنه كان يقنع نفسه يوما بعد يوم أنها لا تستطيع التعبير عن مشاعرها اتجاهه فحسب ، هي أمه بعد كل شيء فكيف لها أن تقول له مثل هذا الكلام الجارح  وخصوصا في هذا اليوم بالتحديد .

اقتربت الساعة الثانية عشر ولم يخرج جون من غرفته بعد ، في الحقيقة لم يهتم أحد لأمره لطالما كان شفافا بعيدا عن الحشود وكل مافيه صخب وطرب يقلقانه ، بعد إعلان عقارب الساعة لبلوغ الساعة الثانية عشرة بالضبط نزلت دمعة مستكينة على خده  ، مكتومة بشعور كره وحقد كبيرين ( لم يتذكرني أحد حتى في يوم ميلادي ، على ماذا يجب أن أكون ممنونا ؟حتى أمي قد تخلت عني .. اللعنة أريد الموت فحسب !) في تلك اللحظة بالذات طرأت فكرة مجنونة على بال جون، نهض سريعا من على فراشه وفتح الباب متجّها نحو جسر الشياطين العظمى  ، الذي يؤدي إلى مغارة قديمة كانت متهالكة إثر الحروب الأولى .. الجميع يعلم أن هناك مكتبة في أحد زوايا هاته المغارة ، ولكنها أصبحت منسية مع مرور السنين لعدم اهتمام القبيلة لقراءة الكتب أو البحث عن الحقيقة .

*************

تكاد أنفاسه تنقطع ودقات قلبه تتسارع بشكل هائل . يركض وكأنه ملاحق من طرف وحش أو مفترس جائع ، كان يدرك في قرارة نفسه جيدا أنه يهرب من الواقع المرير الذي يحيط به، يهرب لعله ينجو من نفسه ،لعله يغير قدره أو حياته التي باتت تعيسة في عينيه رغم إقباله عليها حديثا ، زمّ شفتيه بحنق وغل كبيرين قائلا لنفسه : اليوم ميلادي الجديد اليوم سوف أبدأ بكتابة التاريخ العظيم .

غبار كثيف كان يحيط ببوابة المكتبة ، كانت مغلقة على أطرافها وموصدة بإحكام شديد . حاول جون بكل قواه أن يفتح الباب ولكن من دون جدوى ، حينها تناهى إلى مسامعه صوت طرقات على الأرض وكأنها عصا تشق الطريق نحوه .تراجع خطوات نحو الخلف وألقى نظرة على المكان لكي يجد مكانا ليختبئ به. كتم أنفسه ورعب شديد يتملكه ، حينها قال العجوز يوهان له : هاااه ظننت أن المكان قد نُسي بالفعل ولكن لدينا زوار اليوم ، كيف أستطيع مساعدتك أيها الفتى ؟
خرج جون من مخبإه وعلامات الشك والحيرة جلِيّة على وجهه ثم قال : لم أعلم أنني سوف أصادف أحدا هنا ، فالجميع في حفل التكريم القدسي .
- هههه أتتحدث بشأن الحفل إنسى الأمر ،وكأنهم يكرّمون أنفسهم على إرتفاع نسبة الغباء في القبيلة كل يوم .
- أرأيت ! لقد قلت لهم ذلك مرارا وتكرارا كنت أدرك جيدا أن الأمر لن يروق كل الشياطين مثلنا .
- على رسلك يا فتى ، أنا لست شيطانا !
- ما ، مااا مالذي تقوله ؟!
- أجل كما سمعت
- وإن لم تكن شيطانا فمن أنت ؟ وكيف لك أن تكون هنا في زيولدا ؟!
- حسنا إذا أنت أحد الشياطين التي قد غُسلت أدمغتها بسائل الكذب والخداع لطالما علمت أن الحقيقة مخفية عن الجميع .
- عن أي حقيقة تتحدث !
- أنا ملاك إسترنجيني يا بني أعيش في هاته المغارة منذ مئات السنين . ولي شعب وأسرة وحياة مثلكم ... لم تعترف الشياطين بوجودنا يوما ، ألم تسأل نفسك يوما عن سبب نفي هذه المغارة في أعماق الغابة بعيدا عن المملكة ؟
- بالتأكيد لقد طرأت في بالي أفكار من هذا القبيل ولطالما سعيت جاهدا للبحث عن الحقيقة ولكن كل ما سمعته هو أن نشأة هاته المغارة يعود لإندلاع حرب بين الشياطين وقوم آخرين لا يعلم أحد عنهم شيئا .

- ههه حقا ، إذا لم يحرفّوا كل الحقائق بعد .

تعال إلى هنا غدا في الساعة الثانية بعد الظهر ، إن كنت تريد بالطبع معرفة الحقيقة المخفية منذ مئات السنين .....

بيني وبينك عالمان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن