إرتبك الإثنان في آن واحد بينما حاول جون تلطيف الجو قائلا : مالذي أيقظك في هذه الساعة ؟ أليس الوقت متأخرا !
- حسنا في الحقيقة لم أستطع النوم بعد علمي بذهابكم في الغد .
حينها لم يجد جون شيئا كي يقوله لها بل إكتفى بالتحديق في الأرض وكأنه يستحدث شيئا ما مخفيا في ذاكرته ، فهمّت غيث بالمغادرة نحو الخارج غير أن جون أمسك بيدها على مهل وقال : أمهليني بعض الوقت فحسب ، فلدي ما أقوله لك ..
- حسنا أنا أستمع إليك .
وعندما كان على وشك البوح بما يجول في خاطره لمح طيف يوهان عند الزاوية يراقبهما فإرتبك جون وإنتفض من مكانه بسرعة وقال بعد أن ولىّ ظهره إليها : رُبّما في الصباح يا غيث .لم تفهم الفتاة شيئا وبقيت محدّقة في البحر في سكون وقالت في نفسها : أيصعب عليه لهذه الدرجة الإعتراف بمشاعره ؟!
***********
حل الصّباح ونهض الجميع باكرا ماعدى جون الذي كان مستلقيا في فراشه محدقا في السقف، لم يكن يريد الذهاب ومقابلة أي واحد منهم وخصوصا غيث .. فدخل عليه أمجد كي يوقظه محذّرا له بأنه سوف يفيقه بلكمة قد تنسيه ذاكرته حتّى إن إستمر على عناده الغليظ هذا فرمق جون أمجد بنظرة حيرة و عدّل من جلسته وأردف قائلا : أمجد لا أريد من غيث أن تذهب معنا إلى المملكة لأنها سوف تتأذى ولكنني في نفس الوقت أريدها أن تكون بجانبي أشعر بأنني أناني وأفضل مصلحتي عليها و ...
حينها قاطع أمجد حديثه قائلا : وهل تعلم شيئا عن الموضوع؟
- لا إطلاقا
- إذا مالذي يؤخرك فلتنهض ولتخبرها بكل ما يجول في خاطرك .. أنت تضيع وقتك الثمين هكذا
- لا هذه المرّة لن أندفع نحو الأمام يا أمجد أخشى فقط أن يكون الأمر فوق طاقتي وأن تخرج الأمور عن السيطرة مجددا
- جون أنت تضع نفسك في دائرة مغلقة فحسب ولا تنظر للأمام هل فكرت بمصلحتكما أنتما الإثنان معا ؟غيث تعيش هنا لوحدها ولو كانت معنا فسوف تعيش حياة هنيئة تليق بها كما أنّنا قد كنا منسجمين طيلة الأشهر الفارطة ، فما الذي يربكك ؟
- أنا أنا يا أمجد الذي يربكني هل سوف تقبل بشخص مثلي ؟
- جون ..
حينها دخلت غيث إلى الغرفة ونادت بصوتها الطفولي المرح : ألن تنهضا أيّها الكسولان ؟ لا اصدق ان مصير مملكة بأسرها يعتمد على شخصين مثلكما !
قال على أمجد على مهل : وربما يعتمد مصيرها عليك ؟!
حينها أسرع جون وأغلق فم امجد وأثنى بذراعه حول عنقه وقال هامسا في أذنه : أتريد أن تموت ؟!
وخرج جون بسرعة وهو يصطحب أمجد على هيئته تلك فضحك سيلا ويوهان بعد رؤيتهما لهما و قال يوهان : ألن تتخلّيا عن تصرّفاتكما الطفولية أيها الأحمقان !؟
حدّق أمجد في يوهان متعجبا وأشار بإصبعه نحو صدره وقال : حتى أنا يا يوهان !
- هههه أجل حتى أنت ، هيا فلتسرع و أحضر لغيث بعض الصناديق الموضوعة في الحديقة الخلفية نحن على عجلة من أمرنا .
حينها ردّت غيث على كلام يوهان قائلة : أيّة صناديق تتحدث عنها ؟
- حسنا لقد خرجنا انا وسيلا هذا الصباح وإقتنينا من أجلك بعض المسلتزمات التي تستحقينها .
- اووه شكرا ما كان عليكما فعل ذلك حقا !
- بل شكرا لك يا صغيرتي لقد آويتنا طيلة الفترة الماضية وإعتنيت بنا كأننا أسرتك كما أنّك قد إحتملت حماقة جون المدهشة .
حينها ضحك الجميع فإلتفتت غيث نحو جون ولكنّها لم تجده من حولها فقالت ليوهان مستفسرة : أين جون أنا لا أراه ؟
ردّ سيلا قائلا : ربّما ذهب مع أمجد من أجل مساعدته في حمل الصناديق ، ولكن لماذا هل تحتاجين شيئا ؟
- لا كل ما في الأمر أنه قد أخبرني بأن هناك شيئا ما يريد إطلاعي به .
- ااه حسنا فهمت فهو لم يفعلها بعد إذا
- عذرا؟
- ههه لا عليك كنت أخاطب نفسي فحسب .
لمح يوهان أمجد قادما فقال لسيلا : حسنا لقد جاء امجد فلتأخذ تلك الصناديق نحو العمود هناك حتى ننزلها .
- ولكن ألم ترى جون بجانبه ؟
فقال يوهان : لا بُدّ أنه قادم من وراءه
حمل الثلاثة الصناديق وأسرعوا بنقلها حتى وصل جون إليهم فذهبت غيث ناحيته وقالت : مالذي تريد إخباري به ؟
رفع يوهان يديه نحو السماء مشجعا لجون رفقة أمجد وسيلا وهمهمات من الضحك كان قد حبسها أمجد في نفسه بعد أن أرى إحمرار وجه جون الذي لم يعهده عليه مطلقا فقال جون لها بعد أن أدرك أنه لم يتبقى وقت كاف من أجل المغادرة : غيث إعذريني ربما أستطيع مخاطبتك في وقت لاحق غير هذا
- ولكن إلى متى ؟
- في القريب العاجل !
- وهل سوف تعود إلى هنا حقا ؟
- حسنا أنا لا ...
- أرأيت أنت بنفسك لا تعلم ! كل ما أريده منك الآن فحسب أن تعتني بعمي يوهان وسيلا وأمجد واحرص على أن تقوم المملكة من جديد يا جون
- حسنا ألم تنسي شيئا ؟
- وما هو ؟
- لقد طلبتي مني الإعتناء بالجميع ماعداي !
- ههه وكأنّني إن لم أطلب منك ذلك فلن تفعله .
حينها قامت غيث بدفعه نحو الأمام وهي تضحك
فقال لها جون وهو مستدير ناحيتها ومكمل لمشيه نحو البحر : يا لك من لئيمة في ماذا كنت أفكّر بالتأكيد لن يقدر عليك أحد !
-ههه مالذي تقوله أنا لم أسمعك !
فصرخ جون بأعلى صوته وقال : إنسي الأمر إعتني بنفسك فحسب ! ومن ثم غطس في البحر .
فقالت غيث بصوت خافت والدموع تنزل من عينيها على مهل : وأنت أيضا إعتني بنفسك جيّدا أيها الأحمق !
____________________________حالة من الدمار الشامل كانت تعم المكان بأكمله رؤوس من الشياطين مرمية في كل مكان ، غُسلت الأرض بالدم والسيوف و هالة من الرعب قد احاطت المكان بأكمله ...
عندما هبط سيلا من البوابة طلب من يوهان أن يوقف أمجد وجون حتى يتحققا من الأمر ولكنهما رفضا وبعناد كبير أبعدا يوهان عن طريقهما وشقوا طريقهم نحو الجسر العظيم وهناك كانت الطامة الكبرى .. زيولدا وعلى غير عادتها كانت أشد ظلاما من ذي قبل ، لم يستطع جون أن يرى النور في أي مكان بل إضطر إلى إستعمال الكاشف من أجل إكمال طريقه وسط ساحة الحرب بينما تبعه أمجد ويوهان وسيلا من قريب .
قال أمجد بنبرة متردّدة : اااه ماهذا !؟
ذهب يوهان من أجل التفحص وتبعه سيلا و جون
قال يوهان : أظن أنه رأس أحد الشياطين فلتبتعد من هنا .
حينها أقبض جون على يده وزمّ شفتيه بذعر : إنّه إنّه والدي !
ردّ عليه أمجد : ماذا !؟
- أجل كما سمعت فلتبتعد من هنا !حمل جون جسد الشيطان الذي قد ربّاه والدموع تقطر من عينيه كالسيل الغزير ، صحيح أنّه قد عرف حقيقة نشأته وسبب كل شيء قد حصل معه ولكنه لن ينسى الفضل العظيم الذي قد قدّمه إليه .. كان الوحيد الذي لم يصرخ عليه أثناء طفولته بل إكتفى بالسكوت عن كل شيء يحصل حوله ..كان يرجو في قرارة نفسه لو أنه وصل باكرا فحسب لعلّه كان يستطيع ردّ الجميل الذي قد قدّمه إليه هو من بين الجميع ، ولكن هذا هو ثمن الحرب فإن لم تكن هناك تضحيات ولو على سبيل الأبرياء لن يتحقق السلم الذي نرجوه هذا ماقاله سيلا لجون آنذاك ...
أنت تقرأ
بيني وبينك عالمان
Fantasyخرافة قديمة تقول : عند بلوغ الساعة الثالثة تماما، عند سكون الأرض وإختلاط رائحة السحر مع دموع البشر هناك تماما قد تبدو كل الأحداث ملائمة لبدأ قصة ملحمية بين عالم الجن والبشر ... 26/3/2023