الفصل التاسع : ( لحظة ضياع )

68 26 11
                                    

رمقهما سيلا بنظرة شفقة وحزن ثم إستدار ناحية جون وقال على مهل وهو ممسك بيده : لم تتغير كثيرا يا بني .
لحظة من الصمت عمّت المكان بأكمله ، وتبادلت غيث هي ويوهان نظرات من الحزن والمواساة لجون أمّا أمجد فكان مصدوما أكثر من كونه مشفقا عليه ، في حينها بدأ جون بالضحك والنظر إلى أمجد وهو يقول : إنه يمزح صحيح ... أنت تعلم أنني قد تركت والديّ في زيولدا !!
قال سيلا : تلك الحقيقة التي أردنا منك تصديقها يابني
- إنتظر قليلا هل ماتقوله صحيح !؟
- أعلم أن الأمر صعب عليك ولكن...
قاطعه جون حينها وقال : أين كنت !؟ ولماذا أنت هنا ؟ وهل تعلم مالذي يحصل هناك في أرضنا !
تدخّل يوهان وأمجد من أجل التخفيف من شدّة الموقف ، بينما هرب جون من قبضتهم وخرج مسرعا نحو الشاطئ ، وضع جون رأسه على الرمل وراح يتأمل في ظلمة السماء ودمعة دخيلة قد تسلست لعينه فترك لها عناء السقوط على خدّه ..
لم يشأ أحد التدخل في جون أو ملاحقته كان يدرك الجميع أن الأمر صعب عليه هو بالذات ، والملايين من الأسئلة التي تطرح على عقله الآن : من أنا ؟ أين أمي ؟ وهل أنا شيطان حقا؟ ... الكثير من الأسئلة التي كادت تنهش رأسه لولا تدخّل غيث في تلك اللحظة .
-أهلا
نهض جون وعدّل من قعدته وردّ قائلا وهو يمسح عينيه : ها أهلا ياغيث
- لم أكن أعلم بخصوص هذا الأمر شيئا ولكني أدرك مدى صعوبة الأمر عليك إن...
- لا عليك يا غيث لست مطالبة بالتخفيف عنّي ، كنت أعلم تقريبا بوصول هذه اللحظة يوما ما ..
- هل تعني بهذا أنّك كنت تعلم بأن سيلا هو أباك الحقيقي ؟!
- لا ، ليس ذلك تحديدا ولكنني أدركت منذ صغري أنني لست في مكاني المناسب لم أشعر بدفئ العائلة لمرّة واحدة ، كانت أمي تعاملني بجحود دوما ودائما ماترى الأخطاء في أفعالي أو تختلقها إن أمكن لها ذلك ، كما أن طباعي لم تكن لتعجب أحدا منهم في حين أنني كنت أرى أن العائلة هي الملجأ الوحيد من كل شيء تتقبل أفكارك شخصيتك أسئلتك ... تحتويك عندما تحس أن العالم ضدّك ، ولكنني علمت حينها أن عائلتي والعالم كانا هما الإثنان على عكسي تماما ، كما أن شكلي كان محطّ سخرية الجميع حتى إلى أقرب الناس منّي لم يكن كشكل شيطان أو إسترنجيني ناداني أحد زملائي في الصف بالمنبوذ مرّة ولا تزال راسخة هنا في ذاكرتي .. بعض التفاصيل الصغيرة لا تمحى أبدا مهما مرّت الأيام بل تتثبت مثل القاعدة فينا وكل يوم نتذكرها كي تحيا المأساة من جديد كما لو أنّها قد حصلت للتّو .. ، نزلت بعض الدموع من عينيه على مهل ولم يأبه جون بوجودها ومن ثم نظر إلى غيث وقال : هههه حتى الشياطين تبكي يا غيث .
كما أنني لا أخجل من حقيقة مشاعري إتجاه أي شيء ليس هناك متسع آخر في داخلي من أجل تحمّل المزيد .
ردّت غيث بصوت خافت يصحبه القلق والحسرة في آن واحد : جون أنت قد تحمّلت الكثير فوق طاقتك ، صدّقني عندما رأيتك لأوّل مرّة قلت أنك أسعد شخص قد قابلته في حياتي بسمتك لم تفارق وجهك يوما أين كنت تخبئ كل هذا ؟ لماذا لم تحرّك ساكنا !
- مالذي بوسعي فعله !؟ هناك بعض الأشياء يا غيث لا يسعك فعل شيء حيالها سوى المشاهدة والتأمل في صمت لأنك مكتوف الأيدي وغير قادر على الحراك .
- هذا ليس صحيحا عليك أن تحاول من جديد ، وهذا ينطبق منذ هذه اللحظة ، سوف تبدأ حياة جديدة من الآن فصاعدا رفقة أبيك سيلا إنه شخص طيب ورائع حقا كما أنه..
- غيث ليس الأمر بهذه السهولة التي تعتقدينها ، هل تدركين أنه تحت البحر الذي تجلسين أمامه الآن حرب مصيرية قد إندلعت بسببي !؟
- ولكن ليس الأمر كما لو أنك أردت حصول ذلك إنّك ..
- ولكن الجميع لا يفهم هكذا يا غيث لكل واحد فينا فكرة أخرى ومعنى آخر نتيجة تجاربه وفهمه للحياة ، وما أدركه جيدا أنني سوف أسوق بنفسي نحو الموت إن خطوت هناك تحت البحر مرّ أخرى .
- إذا فلتبقى هنا .... وبجانبي ياجون .
- غيث أنت هكذا ....
- أجل أعلم مالذي أقوله لك تحديدا فلتبقى فحسب وهكذا لن يحصل أي شيء معك ، فكّر في الأمر فحسب .
- حسنا لا عليك ، لا داعي للإلحاح سوف أفكّر في الأمر وذلك بعد أن يصفو ذهني قليلا .. والآن إعذريني أريد أن أتمشى قليلا على الشاطئ قبل أن تشرق الشمس
حرّكت غيث رأسها له علامة الموافقة ودعت في سرّها أن تخفف الوطأة التي كان يعيشها ...

**********

حل الصباح وتوجه جون نحو الخارج من أجل إلتقاء أمجد ويوهان كما قد وجد سيلا أباه بجانبهم .. كان الثلاثة جالسين حول مخطط كبير رُسمت عليه معالم شهيرة في كلتا المملكتين ، قال أمجد : وأخيرا قد أتيت هيا تعال فلتسرع علينا البدأ بأسرع وقت ممكن .
- مالذي يحصل ؟
ردّ عليه سيلا : حان الوقت المناسب من أجل إعادة كل شيء إلى نصابه
- هل تقصد بهذا أننا سوف نقوم بالهبوط إلى هناك مرّة أخرى ؟
- أجل سوف نفعلها هذه المرّة معا يا بني .
قاطع يوهان حديثهما قائلا : جون يجب عليك الآن التركيز في الذي علينا فعله وأرجو أن لاتدع أي مشاعر جانبية تسيطر عليك أو على أفكارك ومن أجل تفادي هذا الأمر أقترح أن أقص عليك حقيقة كل شيء يخطر على بالك فهل أنت موافق ؟
- فلتتفضل كُلّي آذان صاغية
حينها ردّ سيلا على يوهان قائلا : فلتدع الأمر لي يا يوهان إنها مشكلتي أنا وابني وحان وقت الحديث عنها .
قال سيلا بعد أن قام بإخماد النار التي أمامه : بعد إنتقالي إلى هذا العالم ياجون إلتقيت بأمّك ذات مرّة في إحدى الطرق المؤدية نحو هذا الشاطئ... في حين تعرّفها علي لم تبد مصدومة أو أي شيء من هذا القبيل رغم أنني كنت أول شيطان قد شاهدته في حياتها ضحكت كثيرا وقالت لي أنها لم تحلم حتى في منامها بأن يتحقق أمامها شيء مثل هذا .. بدأنا نلتقي كل يوم ونتابدل أطراف الحديث وكأن كل واحد فينا يعرف صاحبه منذ زمن طويل .. أطلق تنهيدة حسرة وأكمل حديثه قائلا : كانت امرأة مميزة ، ولسوء الحظ قد توفت الشهر الماضي قبل أن تستطيع رؤيتك ، كنت التذكار الوحيد المتبقي لي منها ، كنت أنزل إلى المغارة المنسية كل أسبوع كي ألتقي بيوهان وأطمئن على أحوالك كلما سمحت لي الفرصة ، كنت أدرك جيدا أنه مازال علي الكثير لإكتشافه هنا حتى جاء شيء لم أتصوره يوما وهو المعجزة التي قد حملتها معك يا جون علمت جيدا أن عيشك هنا قد يعكّر صفو ذهنك ويؤثر عليك كثيرا كما قد حصل لي فقد أعتقلت مرات كثيرة لاتحصى وتعرضت للإهانة ومحاولة قتل ذات مرّة .. حينها قررّت أن أنقلك كي تعيش في زيولدا ومنحتك ليوهان حينها وذلك بعد إطمئناني وتأكدي من عيشك السليم ولكنك لم تعش وفق أي ضوابط قد تخيلناها فقد كنت متمردا حول كل شيء من حولك وأردت البخث عن الحقيقة بنفسك كما أنّك قد إلتقيت بيوهان قبل الموعد المحدّد ، حدث تغيير كبير في كل ما خططنا له ولربما كان ذلك أفضل تغيير قد أحدثته بفضلك ياجون ، كنت المكافأة على صبري طيلة تلك الأيام العديدة رفقة والدتك كنت المعجزة التي لاطالما حلمت بها .
ومن ثم تنهدّ قليلا وقال : أحييّك أيها الملك المستقبلي لأرضنا ، جون سوف تحمل العرش يا بني !!

بيني وبينك عالمان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن