إبتسم لوسيفر بخبث و بقي جالسا يشاهد في منصف وكأنّه يستحدث طيف ذكريات منسيا ، ثم تحدث قائلا : لست أريد منك شيئا يا منصف سوى أن تحقق لي مطلبا واحدا !
ردّ عليه منصف والخوف يعقد في لسانه : عن أي مطلب تتحدث ؟
- أنت تعرف جيدا سيلا ويوهان .
صمت منصف لبرهة وهو يفكر في كيفية الإجابة عن سؤاله ومن ثم قال : وماذا في ذلك ؟
ضحك لوسيفر بتكتم وهو مدرك لنيته فقال : أريد أن أرد الدَّين الذي علي يا منصف
- عن أي دَين تتحدث ؟!
- لي حساب قديم مع سيلا خصوصا وأريد منك أن تمهّد لي الطريق من أجل لقائه فحسب !
- وبعد ذلك مالذي سوف يحدث ؟
- لا شأن لك فيما سيحصل بعد ذلك ، ولكنني أعدك بأن تكون تحت حمايتي ومن الجنود التابعين لعصمتي وبهذا لن يستطيع أحد الإقتراب منك .
- إنتظر كي أوضّح لك الأمر قليلا أنا لم ألتقي بسيلا ويوهان منذ زمن بعيد جدا ولهذا لست أدري موقفهما إتجاهي إن رأوني مجدّدا !
- لا تقلق بشأن هذا أنا أدرك جيدا أن سيلا لن ينسى أبدا شخصا قد قابله يوما .
- ولكن ..
- أتريد الإعتراض عن الأمر ؟
- في الحقيقة ..
ردّ لوسيفر عليه ونبرة صوته قد إرتفعت مما كانت عليه سابقا : أنت تعلم بأننا نحن الشياطين لا نقبل الإعتراض أو الرفض ، وبما أنّك قد وافقت على طلبي من الأوّل فلن يحق لك الآن التردّد !
ثم أضاف قائلا : وليس الأمر كما لو أنني لن أستطيع الوصول إليهما من دونك ! لقد كنت مجرّد عثرة وجدتها في طريقي نحوهما ولا ضرر في الإستفادة منك أليس كذلك !؟
أزاح منصف بوجهه بعيدا عنه وكأنه يجمع بقايا خيبة أمله على مهل ومن ثم ردّ قائلا : أجل ، أجل لاضرر !
حينها خرج لوسيفر من المنزل حاملا لحقيبته ومرتديا رداءه الأسود الذي يغطي جسمه بالكامل قاصدا جسر الغابة لكي يكمل كتابة بعض التعويذات في دفتره الأسود ، بينما بقي منصف مستلقيا على السرير وهو يشعر بتعب شديد قد خدّر أجزاء جسده وهو يفكّر دون إنقطاع إلى ما آلات إليه الأمور منذ إلتقائه بسيلفر ، ومالذي سوف يحصل بعد هذا كلّه ، إلا أن طرأت فكرة جنونية على عقله قامت بقطع حبل أفكاره البائس ، فنهض بسرعة و كأنّه ليس نفس الفتى الذي قد كان مريضا مستلقيا على السرير للتّو بل قصد المكتبة التي قد كانت قابعة في ركن الغرفة أمامه وبدأ يتصفح كل كتاب أمامه بنهم شديد ، حاله كحال الغريق الذي يبحث عن قشة تسعفه***********
أرخى الليل سدوله ولم يصل لوسيفر للمنزل بعد ، لكن منصف قد وصل إلى وجهته بالفعل ! فعند قرائته للعديد من الكتب وصل أخيرا عند الفصل المطلوب والكتاب المنشود ، علق عنوان الصفحة في رأسه وجلس يستطرد قرائته بتأن كي يفهم كل حرف مما يرويه الكتاب ، خاطب نفسه قائلا : وأخيرا هذا هو الحل بلا شك عليّ ...
حينها دخل لوسيفر المنزل فجأة دون إحداث صوت أو همس حتّى ، فتفاجأ منصف وأسقط الكتاب من يده من شدّة الفزع ، فتوجه سيلفر ناحيته بسرعة وأخذ الكتاب الملقى على الأرض ، بينما كان منصف في حالة يرثى لها من الخوف وأصابع يديه ترتعش دون إرادة منه .
قال لوسيفر صارخا ولون عينيه قد تحوّل إلى الأحمر الآجوري : مالذي يفعله هذا عندك !!!
ردّ منصف عليه وأصابع يديه تشتبك ببعضها البعض من شدّة التوتر : لقد سقط الكتاب من المكتبة فنهضت لكي أحمله ، فدخلت عليّ أنت على حين بغتة فتفاجأت ، هذا كل ما في الأمر !
- هل أنت متأكد حقا بأنه هذا هو ماحصل !؟
- أجل ولماذا قد أكذب عليك !
- إذا لماذا أراك متوتّرا وخائفا !؟
- لاشيء ، أنا فقط لم أعتد على وجهك ليس إلاّ
إبتعد سيلفر عنه وذهب ناحية الطاوّلة كي يضع أغراضه ، بينما كان منصف يمسك أعصابه بصعوبة فائقة وهو مدرك جيّدا أن أي خطأ صغير منه قد يودي بحياته إلى الموت بدون شك .
لكن حينها شعر منصف بهالة الغضب التي كانت تنبعث من لوسيفر حينها وقد كانت عالية جدا فأدرك أن أمره قد كُشف بالفعل فتكلّم دون إرادة منه : سيلفر أريد أن أشرب بعضا من ماء البئر التي بالخارج !
فردّ عليه لوسيفر بنبرة خافتة وهدوء على غير العادة : اذهب
ففرح منصف حينها وشق طريقه نحو الباب بسرعة فأوقفه صوت لوسيفر قائلا : ما بي أراك فرحا هكذا !؟
إبتلع منصف ريقه بتوجس وقال : هه لا شيء أنا فقط عطش كثيرا ، ولهذا فرحت لسماحك لي بالذهاب لشرب بعض الماء ليس إلاّ .
- حسنا ولكن تذكر فحسب أني كنت كريما جدا معك وتغاضيت عن طبيعتي وأنت مدرك جدا لما قد تفعله الشياطين !
ردّ منصف والخوف يعتري نبرة صوته : أجل أنا أعرف .
حينها فتح الباب وذهب إلى الخارج ببطء شديد وبعد تأكده لعدم وجود أي عيون قد تترقبه هبّ مسرعا على غير عادته وكأن روحا شريرة تلحقه.هرب من قدر موته المحتوم ومن الشيطان الذي يتربص به ، أنفاسه تنقطع ولكنه يأبى أن يستريح أو يأخذ نفسا قصيرا ... إلى أن وصل أخيرا إلى وجهته وكانت الساعة حينذاك تشير إلى الثالثة إلا عشرين دقيقة :
- غيث ، أرجوك افتحي الباب !
كانت غيث مستلقية في غرفة المعيشة ولم تكن نائمة تحديدا وذلك بسبب دوامة الأفكار التي كانت تعيشها كل ليلة ... وعندها تناهى إلى مسامعها ذلك الصوت ، فخفق قلبها بقوة كبيرة ، وحملتها رجلاها إلى الباب من دون شعور منها ! كمن فرّج عليه من الإعدام في الدقيقة الأخيرة !جو.. ولكن سرعان ما أنقطع صوتها وتوقفت همسات قلبها الرنانة عن النبض عند رؤية القادم إليها.
تكلّم منصف على عجل قائلا : أرجوك ساعديني !
ردّت عليه غيث بنبرة صوت متردّدة تصحبها خيبة أمل كبيرة : من أنت ؟ وكيف لي أن أساعدك!
- ليس لدّي الكثير من الوقت كي أعرّفك بنفسي ولكنني صديق لسيلا ويوهان اللذان كانا عندك من قبل ، إنّهما في خطر محدق الآن ويجب عليّ مساعدتهما حالا ، ومن أجل فعل هذا عليك أن تمدي لي يد المساعدة
- خيرا ! مالذي حصل وعن أي خطر تتحدث ؟ كيف لي أن أساعدك !
- لم يتبقى الكثير من الوقت ، أوشكت الساعة على الإنتهاء عليك الهبوط معي إلى مملكة زيولدا حالا !
- ماذا ؟! وكيف لي أن أنزل معك ! أنا إنسية ألا تعلم !!
- نعم أنا أدرك ذلك جيدا ولي طريقة لجعلك تتجاوزين هذا دون أي ضرر !
- ولم علي أن أثق بك !؟
- صدّقيني ليس لدّي وقت للتفسير أكثر ، ما قرارك الآن هل سوف تدعين سيلا ويوهان والجميع يموتون بهذه السهولة !!؟
لم تطل غيث في التفكير فلقد كانت قوة مشاعرها أكبر من أن تتحكم بقوة عقلها حينذاك وردّت قائلة : فلنسرع !
ركض منصف رفقة غيث نحو الشاطئ بسرعة فائقة وقبل أن تصل الساعة إلى الثالثة صباحا تحديدا كان منصف قد ألقى بتعويذته على غيث حينها ، فانبعث ضوء أبيض ساطع من جسدها يتخلله بعض الإحمرار ،فما إستطاعت غيث أن تمسك نفسها عن الصراخ لحظة دخلوها إلى أعماق البحار !!
وبهذا كانت غيث أوّل إنسي قد شق طريقه نحو عمق البحر دون حاجة إلى الهواء أو السباحة ، مواجهة قدرها الذي لم تدرك منه شيئا ، كمن كان في حدب الصراع دون سلاح ! سائرا فقط ... كمن يقود مصيره نحو الهاوية ..
أنت تقرأ
بيني وبينك عالمان
Fantasiخرافة قديمة تقول : عند بلوغ الساعة الثالثة تماما، عند سكون الأرض وإختلاط رائحة السحر مع دموع البشر هناك تماما قد تبدو كل الأحداث ملائمة لبدأ قصة ملحمية بين عالم الجن والبشر ... 26/3/2023