الفصل الثامن عشر : ( فراق الأحبّة )

36 16 11
                                    

صرخة مكتومة قد شقت صدرها من الداخل ولكنها لم تقوى على الحراك ، تشبثت بطوف النجاة وهي الغريق الذي لم يرى سبيلا للخلاص ، حملته على أكتافها وهي مشدوهة لا ترى إلا الضباب . ترى أنفاسه المتقطعة التي تثور في المكان وكلتا يديها مغطتان بالدماء ... استشعرت قلبه بسكون مهيب يصحبه أمل راج بعد فقدها لآخر طوق من الأمل . انفصلت عن العالم الذي يحيط بها حينها و رفعت رأسها للسماء كي تداري خيبتها بصمت : لقد مات !

هرول نحوهما بسرعة وهو يدعو في قرارة نفسه أن لا تتحق مخاوفه المرعبة ، خاطبها متلعثما في كلامه باحثا عن الأمل : غيث لاتقولي لي أنّ أمجد قد ...
رفعت رأسها نحوه وقالت بكل برود بعد أن تخدرت مشاعرها والحياة من حولها مرّة واحد : نعم هو كذلك ، جثة هامدة !
جثا جون على ركبتيه حينها و صرخ صرخة مدويّة دعت الجميع للإتفات نحوه من شدة الصوت ، قبض على طرف سترة صديقه وهو يشهق بالبكاء : ااااااااه ، سحقا ، سحقا لكم جميعا لقد سلبتموني أعزّ ما أملك !

وقف سيلا يداري خيبة ابنه في صمت غير قادر على الإنفعال وهو كاتم لحزنة في أعماق صادره كي لايزيد الموقف حدّة ممّا هو عليه . جال ببصره في المكان فلم يجد يوهان واقفا حوله فأسرع بالبحث عنه وهو يرجو في صدره أن لا يكون قد حل به شيء !
ركب حصانه وأكمل طريقه نحو الأمام كالتائه الذي يبحث عن سبيل للنجاة ، بعد انسحاب جيوش زيولدا فور مقتل أمجد أصبحت ساحة الحرب عبارة عن بركة كبيرة من الدماء تفترش فيها الجثث فصعب عليه البحث بسبب صعوبة السير إلاّ أن سمع صوتا قادما من إحدى الممرات .

**

ضربة واحدة ، إثنتان ، الثالثة قد اخترقت جسده حتى أحدثت سيلا غزيرا من الدماء ....

صرخ في وجهه مرعوبا : انتظر فلتتوقف ! أرجوك أزح السكين عن عنقه بالله عليك مالذي تريده الآن منا !!
ضحك قلنسم بصوت عال وهو ممسك بيوهان الذي تكاد روحه تفارق جسده وهو يقول : لم نصفّي الدين بعد فلماذا تبكي أيّها الجبان ؟ ألم تكن تدّعي القوة الآن في ساحة الحرب ؟ فما بالك كالقطة الخائفة ترتجف ؟ صمت قليلا وهو يغمم بالضحكات ثم أردف قائلا : يا ليت سيلفر الآن بجانبي كي يراك راكعا على ركبتيك في تذلل .

إحتقن وجه سيلا من شدّة الغضب وكتم غيظه بصعوبة وهو مدرك أنّه مامن سبيل لإنقاذ يوهان الآن وهو ضحية بين يدي هذا الوحش ، وبمجرد خدش بسيط منه فحسب فسوف يقتله لا محالة .

- ناد سيلفر الآن ، ودعنا نصفّي الحسابات ولكن دع يوهان يذهب من هنا أوّلا وحالا!

- ومن قال أنّني أتفاوض معك الآن يا سيلا!؟ أنا أصدر الأحكام فحسب وما عليك إلا الخضوع فحسب أفهمت !؟

في جزء من الثانية قام بقطع عنقه بمصل حاد قد أودى بحياته فورا بعدما تدفقت الدماء منه كالسيل الغزير ... أزهق روحه وعيناه مشعتان تلمعان في وسط عتمة الممّر .

فتك به سيلا حينها و دون أي تردّد وهو كالوحش الكاسر الذي ينقض على فريسته ولكنّه لم يجد سوى السرّاب ، خيال يحيط به ! يداري خيبته بفاجعة قد إقترفتها يداه يعيد ذاكرته إلى الزمن البعيد كي يهرب من هلاوس الأسى والحزن التي قد أحاطت به . يحركه يمينا وشمالا لكي يستسيقظ ويصرخ في وجهه كعادته ، يوهان ! هيا إلى متى ستظل نائما أرجوك يا صديقي قم فحسب لن أزعجك صدّقني إنه وعد منّي ، بكى حتى جفت عيناه من الدّمع أحتجز في هذا الممر المظلم رفقة جثة هامدة هرب قاتلها فور الفتك بها ، وهو يصارع نفسه كل ثانية ويلومها على ماحدث ، يعلم جيدا أن النفس الذي يتنفسه يحرقه بشدّة وأن شرارة الشوق الذي قد إشتعلت في أعماق قلبه لن تنطفئ مهما حصل ، غابت الشمس عن سماءه الآن وهو جالس في ظالم دامس مع دوامة أفكار مشوشة مابين الحياة والموت تماما
، الآن يعيش ...










بيني وبينك عالمان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن