جمدت في مكانها وتخدرت حواسها ماعاد لسانها يقوى على النطق ، جون نعم جون إنّه أمامي الآن !
لوّح بيديه في الهواء ناحيتها كي يخرجها من شرود ذهنها ، فما تمالكت نفسها إلا وانفجرت بالبكاء في وجهه كالطفل الصغير ، لطالما كانت ردّة فعلها إتجاه كل شيء عند الفرح والحزن عند الحماس والدهشة وعند الإشتياق أيضا ...ربّت عليها في حنو وهمس بصوت خافت قائلا لها : لا تخافي ، أنا هنا بجانبك الآن . رفعت عينيها ناحيته و هي تحدّق فيه بتركيز شديد كي تتأكد أنها لا تحلم مرّة أخرى كعادتها ، ومالبثت أن تنطق حتى صرخت بشدّة في وجهه : منصف !! منصف هل أخرجته من زنزانته !؟
ردّ عليها بقلق كبير : من منصف ؟
نهضت من مكانها بسرعة وراحت تضرب الباب الحديدي للزنزانة المجاورة لها بكل ما أوتيت من قوة وهي تنادي بأعلى صوت لها : منصف ! منصف هل أنت هنا ؟ هل تسمعني !!؟
لم تسمع أي صوت سوى سكون مهيب قد بثّ رعشة في كامل أنحاء جسدها ، لحق بها جون بعد أن جلب مفاتيح الزنزانة معه وخاطبها قائلا : إبتعدي من هنا ، دعيني أفتح الباب
تنحت جانبا وهي ممسكة برأسها من شدة القلق والخوف الذي كاد ينهشه وهي تهمس بعبارات متقطعة : لا بأس ، إنّه ... إنه بخير ! لقد كان يتكلم معي الآن !
فتح جون الزنزانة وسبقته غيث في الولوج إليها كي تعتريها تلك الصدمة الكبرى التي قد أسقطتها جاثية على ركبتيها ، نادت بصوت خافت وكأنها تستدعي روحه الميتة التي تجول في المكان حولها : أرجوك يا منصف لا تقل لي أنّك قد متّ ! أعادت صرختها للمرة الثانية الآن غير مصدقة لما يحصل معها وهي تجهش بالبكاء في وجهه الشاحب الأبيض : أرجوك يا منصف ، إستيقظ لقد أتت المساعدة !!
كان جون يراقبها عند ركن الزنزانة في أسف شديد لم يستطع التدخل لإيقاف نوبتها الهستيرية من البكاء والغضب ، كانت الدماء تحوم حول قدميه مثل النهر الغزير فأدرك أنه قد أتى بعد فوات الأوان مرّة أخرى**************
دوى صوت صافرات الإنذار في المكان بأكمله فنهضت غيث مفزوعة من مكانها وهي تصرخ على جون الذي خرج بدوره للإستفسار عن الأمر .
قالت والرعب يتملك أطراف جسدها : ماذا مالذي حصل أيضا !؟
ردّ عليها جون بإرتباك : لست أدري لكنّ أمرا ما قد حصل بالفعل ! فلنسرع بالخروج من هنا !
أمسك بيدها و ركض رفقتها نحو المخرج بسرعة ولكن سرعان ما توقفا خلف الباب وقاما بالإختباء بعد سماعهما لصوت خطوات الشياطين تركض بجانبهما ، نطقت أحد الشياطين الحارسة : هل كنت تعلم أن لوسيفر على قيد الحياة !؟ ألم يقم سيلا بقتله في الماضي !؟ كيف لهذا أن يحصل ؟
حدّقت غيث ناحية جون مستفسرة عما سمعته الآن من الشياطين فحرّك رأسه دلالة على عدم الفهم ، وعند ذهابهما خاطبته قائلة : مالذي يحصل ومن لوسيفر هذا ؟
- لست أعلم شيئا صدّقيني !
صمت لمهلة ومن ثم أكمل كلامه قائلا لها : ومن منصف الذي كان ميّتا في الزنزانة ؟
أطلقت تنهيدة طويلة وقالت بحسرة : لقد حدثت أمور كثيرة بعد ذهابك يا جون ، ولكن منصف لم ألتقه سوى اليوم في الصباح لقد قصدني من أجل إنقاذكم لأنكم في خطر محدق !
- في خطر محدق ؟ هل يقصد الحرب أم ماذا ؟ منذ يوم هبوطي إلى هنا والأمور تزداد من سيء إلى أسوء ! واليوم فلتنظري مالذي يحصل معنا هنا ! لماذا أتيت !!؟
-أتيت لإنقاذكم !
صرخ فيها جون بشدّة : ومالذي تستطيعين أنت فعله!
دهشت غيث من شدّة إنفعاله عليها وإحتقان وجهه باللون الأحمر من شدّة الغضب ، فأرادت أن تخفّف من حدة الموقف بنفسها ولكن ما لبثت حتى صرخت هي الأخرى في وجهه قائلة : مالذي أستطيع فعله ! هل تخبرني بهذا بعد أن شققت طريقي نحوكم هنا !؟ وكنت ألتمس الموت معي في كل دقيقة أعيشها !!خوفا عليكم ؟
صمت وحدّق في وجهها بسكون أرعبها وجعلها تفكّر في كل كلمة قد قالتها له ، ولكنها لم تدري أنه لم يكن إلا هدوء ما قبل العاصفة ! لطم الجدار القابع خلفها بشدّة وقال : أجل أيتها الحمقاء ولهذا أصرخ عليك الآن ! لأن الموت يتربص بك في كل خطوة تخطينها هنا في أرضنا ! لم تتمكني حتى من النظر إلى جثة ميتة أمامك ! فما الذي تريدين فعله ؟ لقد أتيت إلى أرض الظلام إلى أرض الدم والمعاناة ، البؤس هنا شبح يلتصق بنا أين ما حللنا ، المئات بل الآلاف من الجثث طريحة على أرضنا ! ألم تريها ؟ أم أنّك غبية لدرجة المشي نحو الموت بقدميك هنا !!
كادت العبرات أن تفيض من عينيها ولكنّها أمسكتها بصعوبة شديدة مخاطبة نفسها قائلة : أرجوك يا غيث ليس الآن ! ليس الآن تحديدا !
همّ جون بالمغادرة ولكنّها أمسكته من الخلف قائلة : ربّما لأنّك لم تجرّب دفئ العائلة الذي قد عشته رفقة سيلا ويوهان ، لما تجرأت على التفوه بأي من الكلمات الحمقاء التي قد قلتها لي للتو ! نعم فلتسمني حمقاء أو كما شئت ولكنّني لن أترك أحدا خلفي مهما حصل ! إن كان عليّ دين فسأوفيه ولو كانت حياتي ثمنا له ! لست مكلفا بحمايتي أو اللحاق بي أينما ذهبت ! وأقدّر لك كل ما فعلته معي إلى الآن .
حينها همّت غيث بالمغادرة وجون خلفها يلحقها في صمت نحو المخرج من الطابق السفلي للقصر .*************
صرخ يوهان في أمجد وألسنة اللهب هائمة حوله في ساحة المعركة : ألم يصل جون بعد !
- لم أره في أي مكان بعد ، أظن أنّه لم يصل
- مالذي يفعله إلى الآن ! لقد أطلقت زيولدا صافرات الحرب بالفعل !
- هل أذهب وأبحث عنه ؟
- فلتسرع !
غادر أمجد من على فوره ساحة المعركة مسرعا وهو يشق أعناق الشياطين المجتمعة حوله بعدد كبير .
أنت تقرأ
بيني وبينك عالمان
Fantasyخرافة قديمة تقول : عند بلوغ الساعة الثالثة تماما، عند سكون الأرض وإختلاط رائحة السحر مع دموع البشر هناك تماما قد تبدو كل الأحداث ملائمة لبدأ قصة ملحمية بين عالم الجن والبشر ... 26/3/2023