الفصل الخامس عشر : ( منقذي )

33 19 10
                                    

جمدت في مكانها وتخدرت حواسها ماعاد لسانها يقوى على النطق ، جون نعم جون إنّه أمامي الآن !
لوّح بيديه في الهواء ناحيتها كي يخرجها من شرود ذهنها ، فما تمالكت نفسها إلا وانفجرت بالبكاء في وجهه كالطفل الصغير ، لطالما كانت ردّة فعلها إتجاه كل شيء عند الفرح والحزن عند الحماس والدهشة وعند الإشتياق أيضا ...ربّت عليها في حنو وهمس بصوت خافت قائلا لها : لا تخافي ، أنا هنا بجانبك الآن . رفعت عينيها ناحيته و هي تحدّق فيه بتركيز شديد كي تتأكد أنها لا تحلم مرّة أخرى كعادتها ، ومالبثت أن تنطق حتى صرخت بشدّة في وجهه : منصف !! منصف هل أخرجته من زنزانته !؟
ردّ عليها بقلق كبير : من منصف ؟
نهضت من مكانها بسرعة وراحت تضرب الباب الحديدي للزنزانة المجاورة لها بكل ما أوتيت من قوة وهي تنادي بأعلى صوت لها : منصف ! منصف هل أنت هنا ؟ هل تسمعني !!؟
لم تسمع أي صوت سوى سكون مهيب قد بثّ رعشة في كامل أنحاء جسدها ، لحق بها جون بعد أن جلب مفاتيح الزنزانة معه وخاطبها قائلا : إبتعدي من هنا ، دعيني أفتح الباب
تنحت جانبا وهي ممسكة برأسها من شدة القلق والخوف الذي كاد ينهشه وهي تهمس بعبارات متقطعة : لا بأس ، إنّه ... إنه بخير ! لقد كان يتكلم معي الآن !
فتح جون الزنزانة وسبقته غيث في الولوج إليها كي تعتريها تلك الصدمة الكبرى التي قد أسقطتها جاثية على ركبتيها ، نادت بصوت خافت وكأنها تستدعي روحه الميتة التي تجول في المكان حولها : أرجوك يا منصف لا تقل لي أنّك قد متّ ! أعادت صرختها للمرة الثانية الآن غير مصدقة لما يحصل معها وهي تجهش بالبكاء في وجهه الشاحب الأبيض : أرجوك يا منصف ، إستيقظ لقد أتت المساعدة !!
كان جون يراقبها عند ركن الزنزانة في أسف شديد لم يستطع التدخل لإيقاف نوبتها الهستيرية من البكاء والغضب ، كانت الدماء تحوم حول قدميه مثل النهر الغزير فأدرك أنه قد أتى بعد فوات الأوان مرّة أخرى

**************

دوى صوت صافرات الإنذار في المكان بأكمله فنهضت غيث مفزوعة من مكانها وهي تصرخ على جون الذي خرج بدوره للإستفسار عن الأمر .
قالت والرعب يتملك أطراف جسدها : ماذا مالذي حصل أيضا !؟
ردّ عليها جون بإرتباك : لست أدري لكنّ أمرا ما قد حصل بالفعل ! فلنسرع بالخروج من هنا !
أمسك بيدها و ركض رفقتها نحو المخرج بسرعة ولكن سرعان ما توقفا خلف الباب وقاما بالإختباء بعد سماعهما لصوت خطوات الشياطين تركض بجانبهما ، نطقت أحد الشياطين الحارسة : هل كنت تعلم أن لوسيفر على قيد الحياة !؟ ألم يقم سيلا بقتله في الماضي !؟ كيف لهذا أن يحصل ؟
حدّقت غيث ناحية جون مستفسرة عما سمعته الآن من الشياطين فحرّك رأسه دلالة على عدم الفهم ، وعند ذهابهما خاطبته قائلة : مالذي يحصل ومن لوسيفر هذا ؟
- لست أعلم شيئا صدّقيني !
صمت لمهلة ومن ثم أكمل كلامه قائلا لها : ومن منصف الذي كان ميّتا في الزنزانة ؟
أطلقت تنهيدة طويلة وقالت بحسرة : لقد حدثت أمور كثيرة بعد ذهابك يا جون ، ولكن منصف لم ألتقه سوى اليوم في الصباح لقد قصدني من أجل إنقاذكم لأنكم في خطر محدق !
- في خطر محدق ؟ هل يقصد الحرب أم ماذا ؟ منذ يوم هبوطي إلى هنا والأمور تزداد من سيء إلى أسوء ! واليوم فلتنظري مالذي يحصل معنا هنا ! لماذا أتيت !!؟
-أتيت لإنقاذكم !
صرخ فيها جون بشدّة : ومالذي تستطيعين أنت فعله!
دهشت غيث من شدّة إنفعاله عليها وإحتقان وجهه باللون الأحمر من شدّة الغضب ، فأرادت أن تخفّف من حدة الموقف بنفسها ولكن ما لبثت حتى صرخت هي الأخرى في وجهه قائلة : مالذي أستطيع فعله ! هل تخبرني بهذا بعد أن شققت طريقي نحوكم هنا !؟ وكنت ألتمس الموت معي في كل دقيقة أعيشها !!خوفا عليكم ؟
صمت وحدّق في وجهها بسكون أرعبها وجعلها تفكّر في كل كلمة قد قالتها له ، ولكنها لم تدري أنه لم يكن إلا هدوء ما قبل العاصفة ! لطم الجدار القابع خلفها بشدّة وقال : أجل أيتها الحمقاء ولهذا أصرخ عليك الآن ! لأن الموت يتربص بك في كل خطوة تخطينها هنا في أرضنا ! لم تتمكني حتى من النظر إلى جثة ميتة أمامك ! فما الذي تريدين فعله ؟ لقد أتيت إلى أرض الظلام إلى أرض الدم والمعاناة ، البؤس هنا شبح يلتصق بنا أين ما حللنا ، المئات بل الآلاف من الجثث طريحة على أرضنا ! ألم تريها ؟ أم أنّك غبية لدرجة المشي نحو الموت بقدميك هنا !!
كادت العبرات أن تفيض من عينيها ولكنّها أمسكتها بصعوبة شديدة مخاطبة نفسها قائلة : أرجوك يا غيث ليس الآن ! ليس الآن تحديدا !
همّ جون بالمغادرة ولكنّها أمسكته من الخلف قائلة : ربّما لأنّك لم تجرّب دفئ العائلة الذي قد عشته رفقة سيلا ويوهان ، لما تجرأت على التفوه بأي من الكلمات الحمقاء التي قد قلتها لي للتو ! نعم فلتسمني حمقاء أو كما شئت ولكنّني لن أترك أحدا خلفي مهما حصل ! إن كان عليّ دين فسأوفيه ولو كانت حياتي ثمنا له ! لست مكلفا بحمايتي أو اللحاق بي أينما ذهبت ! وأقدّر لك كل ما فعلته معي إلى الآن .
حينها همّت غيث بالمغادرة وجون خلفها يلحقها في صمت نحو المخرج من الطابق السفلي للقصر .

*************

صرخ يوهان في أمجد وألسنة اللهب هائمة حوله في ساحة المعركة : ألم يصل جون بعد !
- لم أره في أي مكان بعد ، أظن أنّه لم يصل
- مالذي يفعله إلى الآن ! لقد أطلقت زيولدا صافرات الحرب بالفعل !
- هل أذهب وأبحث عنه ؟
- فلتسرع !
غادر أمجد من على فوره ساحة المعركة مسرعا وهو يشق أعناق الشياطين المجتمعة حوله بعدد كبير .

صرخ يوهان في أمجد وألسنة اللهب هائمة حوله في ساحة المعركة : ألم يصل جون بعد ! - لم أره في أي مكان بعد ، أظن أنّه لم يصل - مالذي يفعله إلى الآن ! لقد أطلقت زيولدا صافرات الحرب بالفعل ! - هل أذهب وأبحث عنه ؟ - فلتسرع !غادر أمجد من على فوره ساحة المع...

اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
بيني وبينك عالمان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن