في ظلام الليل وهدوءه شق سيلا طريقه رفقة شيزو حاملا جثة يوهان بين يديه وهو يتمايل في مشيته بسبب التعب الذي قد سيطر على جسده ، والحزن الذي قد ارتسمت علاماته على ملامح وجهه وعينيه الذابلتين اللتان قد لقيتا نصيبهما من التعب ، لاحظ شيزو الأمر فبادر بالسؤال قائلا :
- أتريدني أن أحمل تلك الجثة من أجلك ؟
- لا ، شكرا .
- حسنا ولكن ...
أبطأ سيلا من مشيته شيئا فشيئا حتى توقف عن السير وبقي واقفا يشاهد شيزو وهو سائر أمامه ، إستدار ناحيته وعلامات القلق بادية على وجهه : أتعبت ؟
صرخ سيلا في وجهه قائلا : ولم يهمّك الأمر ؟
إرتعب شيزو من ردّة فعله وسأله بلطف :هل فعلت شيئا خاطئا !؟
صرخ فيه هذه المرّة وبشدّة أكثر : نعم ، أنت تمنحني الأمل تقتلني شيئا فشيئا ، أتستمتعون وأنتم تسلبوننا أعز ما نملك ؟ أتفرحون وأنتم تشاهدوننا نقاتل بيأس ثم نقتل !؟ ، لم عساك الآن تنقذني وقد سلبت الحياة مني أمام عيناني بعد وفاته !؟ إن كنت تريد قتلي فافعل ذلك الآن ، ولكن أرجوك لا تمنحني الأمل .
تلفظ بآخر كلماته تلك ثم إنهار باكيا قرب جثة صديقه وهو ممسك له يحاول إسترجاعه ، لعل كلماته تلك كانت عزاءا لحرب مصيرية تحدث بداخله .
- سيلا أتعرف ما الأسوأ من هذا ؟
رفع رأسه ناحيته بإعياء شديد وهو ينتظره أن يكمل حديثه .
أطلق تنهيدة طويلة ثم استطرد كلامه قائلا :
الأسوأ هو أن تعيش من أجل تكفير خطيئة لم يكن لك يد فيها ، أن تعيش وحاضرك هو أمسك ومستقبلك ، مقيّدا بأغلال قد صنعها شعب مثلك تحُث الخطى نحو الأفضل فتجد نفسك تحفر قبرا لمنيتك ليس إلاّ .
نهض سيلا من على الأرض وهو يمسح دموعه بكميّه : مالذي تقصده ؟
- لا عليك ، أخبرتك بما يجول في خاطري فحسب ، فلترفع جثة صديقك من أجل أن نضعها في صندوق العربة ، الوقت ليس بصالحنا .
- ولكن إلى أين سنذهب الآن ؟
- سنذهب إلى مملكة غيوري حالا ، عليك أن تلتقي بجون وتوصل له رسالتي كما أخبرتك سابقا لا تنسى !
- ولكن لماذا تقوم بمساعدتي ؟ وتضع نفسك في خطر محدق مرة أخرى ؟
- حسنا ربّما لأنك والده !
أكمل شيزو الحديث ولوح بيديه لسيلا من أجل اللحاق به والصعود على متن العربة الخشبية ، بينما قد قام هو بالركوب فوق حصانه وتخزين عدّته من السيوف والأدوات الحربية .*************
الساعة الثالثة صباحا .
استفاق من حلمه وهو يشد على رأسه من هول الصدمة التي قد أصابته ومن ثم ردّدّ في نفسه قائلا : أيعقل ؟!
طرقت غيث الباب بقلق وهي تصرخ : جون هل أنت بخير ؟؟
- نعم أنا بخير يا غيث .
- هل أستطيع أن أدخل ؟
- أجل فلتأتي .
جلبت الكرسي الموضوع عند الزاوية و وضعته قبالته ومن ثم جلست
- مابك ؟ مالذي حصل معك ، أنت تتصبب عرقا .- أظن أنني قد وجدت قوتي أخيرا يا غيث !
- عن أي قوة تتحدث ؟
- إن أبي في طريقه الآن إلينا رفقة الشيطان الذي قد ساعدني ذلك اليوم لدخول سجن زيولدا !
- هل حقا ما تقوله !؟ إن سيلا حي إذا
- أجل هو حي ، ولكنني لست مرتاحا لهذا الأمر بعد ، لأنني قد رأيته يبكي بشدة وهو يعانق جثة مركونة أمامه في العربة .
- جثة من ؟
- لم يتبين لي وجهه ولكن ..- أرجوك لا تقلها ، ربّما لم يظهر يوهان في حلمك لأنه في الخلف يتبعهم فوق حصانه .
- أرجو ذلك من أعماق قلبي يا غيث .
- إهدأ الآن ولا تقلق سأجلب لك كأسا من الماء .
أمسك بيدها وهي مستعدة للرحيل : انتظري
استدارت نحوه و علامات الحيرة بادية على وجهها : ماذا ؟
- اجلسي هنا فحسب إنني أخشى أن يتكرر الحلم ثانية .
- جون هل رويت لي كل مارأيته في حلمك أم أنّك لم تفعل ؟
- لم أفعل ذلك لأنني لست متأكدا من صحة حلمي ولكنه بدا واقعيا جدا .
صمت لهنيهة ومن ثم استطرد كلامه قائلا : ولكن إن حدث وحصل مارأيته اليوم فستكون كارثة عظمى لم يشهدها العالم من قبل .زمّت شفتيها بقلق وقالت : ليس هناك ما هو أسوأ من الذي قد حصل معنا .
- تظنين ذلك فحسب .
رفع رأسه ناحية المزهية الرمادية الموضوعة أمامه وجلس يحدق فيها بصمت مسترجعا ذكرايته وأيامه ، حاضره وماضيه ، ومن ثم استدار ناحية غيث والقلق يعتريه .
- غيث
أطلق تنهيدة قصيرة ومن ثم أكمل كلامه قائلا :
إن تركني الجميع فهل ستبقين ؟
أنت تقرأ
بيني وبينك عالمان
Fantasyخرافة قديمة تقول : عند بلوغ الساعة الثالثة تماما، عند سكون الأرض وإختلاط رائحة السحر مع دموع البشر هناك تماما قد تبدو كل الأحداث ملائمة لبدأ قصة ملحمية بين عالم الجن والبشر ... 26/3/2023