3- لماذا نفكر بطرق مختلفة.

347 14 0
                                    

البرمجة التي نتلقاها منذ الصغر لها الدور الأكبر في هذا التباين في التفكير، فكلنا يحمل داخل رأسه نفس الجهاز بنفس التكوين، والعجيب أن العلماء يؤكدون على أن المخ هو نفسه في جميع المخلوقات التي لها مخ، يتكون من نفس المكونات، ويذكر جون تاونسند وهو باحث أسترالي في السلوك الإنساني وعلاقته بكيماويات المخ أننا لو أخذنا جزءا صغيرا جدا من مخ إنسان و جزءا من مخ مخلوق آخر من ذوات الأدمغة سنحتار في تحديد مخ الإنسان من مخ الأرنب مثلا، لأن المخ هو نفسه تماما، وما يميز الإنسان عن غيره هو تعقيد مخه وتشابك عصبوناته بطريقة كبيرة ومركبة، وكثرة الشبكات العصبية فيه، وكثافته العالية جدا نسبة للأدمغة الأخرى، وحجمه الذي يعتبر الأكبر في الأدمغة، وكما ذكرنا سلفا فإن الناس يمرون بظروف مختلفة ويعيشون تحت تأثيرات اجتماعية و ثقافية مختلفة.

والإنسان كائن متعلم، به خاصية الاكتساب، فيكتسب هذه المهارات والقناعات والاعتقادات من المحيط الذي يعيش فيه من أهل وأصدقاء ومدرسة وإعلام وتستمر هذه الأفكار في التعمق حتى تصبح قناعات من الصعب جدا تغييرها، فيكون على خلفيتها رأينا وسلوكياتنا ومواقفنا تجاه الاشياء، وعندما تتعمق هذه القناعات نبدأ بالتصرف تبعا لها بغض النظر عن صحتها، لذا فإن ما نظنه واقعا لا يعكس الواقع دائما، إذ أن ما نظنه من آراء واتجاهات وقناعات هو عبارة عن برمجية أتتنا من خلال واقع حياتنا ولا يمكننا تغييرها بسهولة، وهي تعكس فهمنا نحن للأمور ولا تعكس بالضرورة حقيقة واقع الأمور.

البرمجيات التي في عقولنا تكوّن شبكات عصبيّة معقّدة حسب البرمجيّة الخاصّة بها، وكلّ قناعة لها شبكة عصبية مكونة من مجموعة عصبونات، تعمل كل مجموعة منها حسب وظيفتها، فمثلا لو فرضنا أن شخصا قد اعتاد منذ الصغر على ضرب كل من ينعته بصفة قبيحة فإن هذا السلوك يكون شبكة عصبية تعمل بهذه الطريقة :

1- تقوم عصبونات معينة بتمييز الكلمات ومعرفة ما إذا كانت صفة غير جيدة.

2- ترسل هذه العصبونات إشارات إلى العصبونات التي من شأنها أن تهتم بعمل ردّة الفعل حسب قناعة هذا الشخص.

3- ترسل هذه العصبونات ردة الفعل على هيئة أمر للعصبونات المحركة للأعضاء التي تؤدّي الوظيفة المطلوبة.

وهذه العمليّة تحدث في وقت قصير جدًّا، ولا يمكن ملاحظتها، ولكن الاتصالات التي تحدث حتى يرفع الشخص يده ويضرب كثيرة جدا، فعصبون الكلمات يميز، ثم عصبون المشاعر يشعر بالضيق، ثم عصبون الحركة يحرك اليد، وهي عملية معقدة جدا جدا، و تحدث تلقائيا، لأن هناك شبكة عصبية جاهزة لهذا التصرف في المخ، وكل ما نحتاجه لإطلاق هذا التصرّف هو المحفّز الذي يدفع المخّ إلى تحريك عصبوناته ليعطينا السلوك تلقائيا.

وهناك في أدمغتنا شبكات عصبيّة خاصّة لكلّ سلوك وكلّ عمل نقوم به، حيث تترجم الشّبكة ما نعتقده إلى سلوكيات، وتفعل مهاراتنا في الحياة اليومية، فكل المهارات التي نتعلمها تتكون لها شبكات عصبية في المخ، وهذه الشبكات تتغير عندما نتعلم مهارات ومعلومات جديدة، وقد قام بعض العلماء بتجربة على الفئران، حيث تم تصوير شبكة عصبية لفأر كان يعيش في قفص ليس به شيء سوى الطعام والشراب ثم أدخل الفأر في قفص يحتوي بعض الألعاب كالأرجوحة والعجلة وغيرها، فلاحظ العلماء بعد تصوير شبكاته العصبية للمرة الثانية أن هذه التجربة الجديدة والمهارات الجديدة التي اكتسبها في القفص الجديد أدت إلى زيادة شبكاته العصبية وتغير شكلها، والسبب طبعا يكمن في التعلم، أي لأنه تعلم أشياء جديدة، وهذا يحدث كذلك مع الإنسان.

و شكل الشبكة العصبية يتغير بعد تعلم مهارة جديدة أو اكتساب عادة جديدة، ما يعني أن عملية البرمجة تحدث معنويا وعضويا (فسيولوجيا) في المخ البشري.

درب عقلكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن