31_المواجهة لم تنتهي بعد!

442 76 43
                                    

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا















ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


في المطعم الذي اعتادا التردد عليه الفترة الأخيرة،  كانت تجلس "علا" في مواجهة "عز" كلًا منهما يمسك بين كفيه قائمة الطعام مصوبين نظرهما ناحيتها للاستقرار على خيار، وكأنهما سيغيران ما يريدان مثلًا!!.

أغلق "عز" خاصته، وسأل بعدم فهم:

_هو احنا ليه كل مرة بنضيع وقت ونقرأ كل اللي في المنيو في حين ان احنا هنختار نفس الشيء؟!.

ضحكت "علا" على غبائهما، وهي تغطي فمها الضاحك بالورقة الكارتونية المدون بها أسماء المأكولات الخاصة بالمكان، وأثناء ذلك أُغلقت عيناها لتكون ألطف شخص قد رأه "عز" على الإطلاق!.
ولا إراديًا ابتسم، وجاءه ردها بمرح:

_مش فاهمة ايه الغباء ده بجد؟!

بعد ذلك أتى النادل بــالــ Welcome drink ومن ثم طلب "عز" ما يريدان من طعام، بدأ كلاهما يرتشفان من مشروبهما في صمت وكلاهما بالطبع يختلس النظرات نحو الآخر، تنهدت "علا" وسألت بحدية، وفضول:

_تعرف يا "عز" ايه اكتر حاجة بتخوفني؟!

هز الآخر رأسه بالنفي، وقد صوب نظراته ناحيتها منتظرًا تفسيرًا منها، ولم تتأخر هي حيث أجابت:

_لما ترتبط بواحدة، اكيد صداقتنا بعدها هتنتهي، وهرجع تاني لوحدي من غير أي حد!.

قالت بحزن حقيقي، تأثر هو بحديثها، وقال بثقة مطمئنًا إياها :

_بس ده مش هيحصل ابدًا!.

ابتسمت بوهن، وأضافت بنفس النبرة الجدية الحزينة، وحلقها المر:

_مفيش واحدة هتحب خطيبها يكون مع واحدة تاني غيرها تحت مسمى الصداقة، ومعاها حق لو انا مكانها مش هقبل بكده.

زفر "عز"، ومن ثم ابتسم، ورفع كفه يضعه فوق كفها أعلى المنضدة، وهو يردد بصدق، وعيناه تخترق خاصتها:

_بس ده مش هيحصل ابدًا؛ لأني بحبك يا "علا" وعمري ما هرتبط بحد غيرك ولو مش انتِ يبقى مش حد!

اضطربت حواسها، بتر ابتسامتها، واهتز كيانها كليًا، جذبت كفها الذي أصابه رعشة طفيفة من أسفل خاصته، شبكته بكفها الآخر بحرج، وقالت بعدم فهم، وهناك بسمة رقيقة مرتسمة على محياها، وعيناها تدور في كل الاتجاهات إلاه بالطبع:

_بطل هزار انا بتكلم جد!.

تنحنح "عز" وأسند بذراعيه فوق المنضدة، وردد بنفس النبرة، والجدية:

_انا بالفعل مش بهزر.

نظرت نحوه بصمت، فأكمل هو:

_انتِ عارفة انا مليش في اللف والدوران.

هزت رأسها تؤكد حديثه، وتنتظر الباقي بلهفة، ولم تطول لهفتها حيث أردف:

_انا اول مرة شوفتك، وشوفت الحزن في عنيكِ كان عندي فضول اعرف السبب واساعدك لأن ده طبعي!.

تنهد وقال مبتسمًا:

_ومع صدك ليَّ مرات كنت بتمسك بيكِ اكتر وهنا اكتشفت اني فعلًا حبيتك.

وبجدية العالم قال:

_اصل انا مش ملاك بــ جناحات، ولا انسان مثالي علشان استحمل عصبيتك وجنانك كل ده عليَّ من غير سبب!.

نظر نحوها، وقال بصدق:

_انا متأكد ان لو حد غيرك كنت انسحبت من زمان، بس انتِ غير الكل!.

نظر نحوها؛ ليبصر بسمتها التي زينت محياها، وقال بحب صادق نابع من بين هذا الذي ينبض بجنون بين جنبات صدره:

_كنت حابب اكون جانبك مهما صدتيني، وحابب اقرب مهما حاولتي تبعدي، نظرات غضبك ليَّ كنت بتجاهل انها نظرات غضب، واقول كفايا انها ليَّ!.

ابتلع حلقه ثم بلل شفتيه، وأضاف:

_حاولت وحاولت، من غير ذرة ملل او شفقة، علشان اكسب قربك حتى لو كان مجرد صداقة انا بجد مكتفي وراضي جدًا كفايا قاعد قدامك، بتشاركيني كل اسرارك حلوها ومرها!.

نظر نحوها مرة أخرى بحب، وألقى سؤاله:

_ان ما كنش كل ده حب يبقى ايه يا "علا"؟!.

الصمت حليفها، نظراتها عليه، اسئلة عدة كثيرة تتردد على عقلها، مواقفهما الكثيرة معًا، دعمه في العديد من المواقف.
عند كل موضع تتعرقل فيه تجده وتد ثابت صلب يأخذ بيدها يقوي موقفها ويجعلها تعود وتقوى لسبب واحد فقط _هو_!.
سببًا تجهل تفسيره، وكل ما تدركه أن وجوده إلى جوارها كان فارق والآن لا حياة لها دون وجوده إلى جوارها!.
وإن حاوطتها أفكارها السلبية من كل جانب، يكون هو بأفكاره الإيجابية أقوى ويتغلب بشجاعة!.

قطع سيل أفكارها التي عصفت بعقلها طلبه الذي يشوبه الرجاء، إلا لم يكن يرجوها بالفعل:

_تقبلي تتجوزيني يا "علا"؟!
تقبلي تكون انتِ الست اللي مش هتسمح تشوفني مع واحدة تاني تحت مسمى الصداقة؟!

صدمة احتلت جميع أجزائها، صمت حَط عليها من حيث لا تدري ألجم لسانها، ولا يتردد على عقلها إجابة سوى الرفض!.
ابتسمت بسخرية واضحة للعيان، وهي تسأل نفسها ممَن سيطلب يدها؟!
لا أب، لا أم، لا إخوة، لا عائلة، ولا أحد ابدًا !.
هي عاشت وحيدة وستموت وحيدة كما اعتادت، هي لا شيء، ولا تستحق أي شيء _منبوذة من الجميع_!.

أفكار سوداوية كثيرة تمر على عقلها واحدة تلو الأخرى، وكأن طلب زواجه منها كان بمثابة دس الملح على جروحها، بدأت وتيرة تنفسها تعلو شيئًا فشيء، وضغطت بيدها على ملابسها حتى كادت أصابعها تخترق لحم فخذها، لا يهم الألم فقط ما يهم الآن السيطرة على أعصابها التي أوشكت على التلف إلا لم تكن قد تُلفت بالفعل!.

ثواني، اثنان، ثلاث وها هي شلالات عبراتها تهطل بقوة وسرعة مخيفة، مخيفة إلى تلك الدرجة التي جعلت "عز" يهب واقفًا من محله مقتربًا منها، ثم ينكب جالسًا على ركبتيه جوار مقعدها، ويهتف بزعر، وخوف تملكا منه:

_"علا" اسمعيني مش عايزك تنجرفي ورىٰ افكارك السلبية، بصي للإيجابي وبس!!.

نظرت نحوه بتشوش، وألم نغز قلبها بقسوة وكل ما تشعر به الآن _آلم_ ولأول مرة يكون "عز" مسبب الآلام، بل وهو بنفسه من طعنها بعد مداوتها، أردفت من بين شهقاتها:

_عايزة امشي!.

هز الآخر رأسه بنعم عدة مرات متتالية، لملم حاجياتهم عن المنضدة، ومن ثم أمسك بحقيبتها ثم أخذ بيدها نحو الخارج، نحو سيارته يوصلها، ركبت إلى جواره، وتحلى كلاهما بالصمت طوال الطريق، تحت اختلاس "عز" النظرات السريعة الخائفة نحوها، أما هي فقط شاردة تفكر وتعيد حسابتها ولكن سلبياتها لم تسمح لها بذلك مسببة حالة من التشتت لا يمكن وصفها سوى بــــ _الإزعاج_!.

توقفت السيارة أسفل بنايتها، فأخذت هي حاجياتها بنفس الصمت، ورفضها النظر تجاهه، ترجلت ثم اتجهت نحو بنايتها، تبعها هو، وقبل أن تدلف مدخل المبنى نادى اسمها بأسف:

_"عـــــلا! ". 

التفتت نحوه، نظرها أرضًا وكل ما يزين ملامحها _حزن_،  اقترب " عز"، نظف حلقه، وبنبرة مكتومة نادمة إلى أبعد حد قال:

_انا قولتلك وهقولك تاني، انا مكتفي بصداقتنا ومش عايز اكتر من كده صدقيني.

أضاف بصدق:

_مش عايز كلامي يأثر على صداقتنا، انا بجد اسف اني تسببت في جرحك بس  والله من غير قصد!.

ارتجفت شفتيها، رفعت عيناها الدامعتين نحوه، ولم تعلم كم مر من الوقت حتى وجدت نفسها تهرول نحوه محتضنة إياه بقوة، تستكمل وصلة بكائها، ولكن الفرق أنها هنا تقبع في آمن مكان حيث أحضانه، وكأنه الملجأ، ومكان راحتها، تستمع نبضاته التي تضرب بعنف في حضرتها، وللحقيقة أول مرة تلحظها!
لم يكن العناق الذي تقصده عناق عشاق بقدر ما كان احتياج لبعض من الحنان الذي حُرمت منه ولم ولن تجد مَن يسكب كامل عطفه وحنانه دون الشفقة عليها غيره _عز_!.

أما هو أمال برأسه على كتفها، تزامنًا مع إحاطة خصرها بكفية، ثم أردف بنفس الأسف:

_اسف ليكِ اوي!.

خرجت من أحضانه تدلف بصمت وبخطوات بطيئة بعض الشيء وعقلها يخبرها ساخرًا منها:

ها أنتِ يا "علا" مصيركِ محتوم، مصير واحد يرافقكِ مهما حاولت الهرب والفكاك منه ألا وهو الحزن والتعاسة!.
ومهما حاولت السعادة دق أبوابكِ واختراق حصونكِ المغلقة، سترحل من كثرة الملل ومن تعدد محاولات المواجهة التي ستبوء بالفشل لا محال!.
وحتى أنت يا "عز" ستمل يومًا وترحل تاركًا فجوة كبيرة لن يرممها سوى الموت!.

رغم اختلاف الطريقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن