_34_خائن

475 41 9
                                    

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا


















ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كُن طيب الأثر، خفيفًا، هينًا، لينًا علىٰ غيرك، املأ قلبك خيرًا، وسلامًا، كُن صاحب جمال داخلي خلاب، وإياك والتأثر بمَن يسيء لك فعلًا أو قولًا؛ وانتظر جبر الله لقلبك ممَن ظلمك، فقط شاهد كيف لدعوتك قهرًا أن تخترق حصون أغلىٰ ما يملك الظالم؛ فكل ساقٍ سَيُسقىٰ بما سقىٰ، ولا يظلم ربك أحدًا؛ فما الدنيا إلا دائرة تدور، وحتمًا سيأتي يوم وتقف على أعتاب بابك، تعطيك من صنيع يديك؛ ولك ما صنعت!.

بدأ النور في التغلب على عتمة الليل، أصوات العصافير ترتفع في السماء أثناء تحليقها، والرطوبة تعبق في الأجواء، كانت تراقب كل ذلك بتعجب، وهي تردد في نفسها "سبحان من خلق فــ أبدع"!.

نظرت إلىٰ جوارها؛ لتجد ذلك الذي أخبرها  ليلة أمس  بعدم قدرته علىٰ النوم خارج غرفته، وبعيدًا عن فراشه يغوص في ثبات عميق!

مررت" آلاء" بصرها على ملامحه الهادئة بتمعن، وقد يكون حُب بدأ ينبش موضعًا ما باسمه داخل قلبها!.

وسريعًا أشاحت ببصرها بعيدًا عنه، وهي تستغفر وقبل أن تزيد الأمور سوءًا كانت تهب واقفة تاركة إياه متسطحًا علىٰ العشب، ودلفت هي نحو الداخل توقظ خالتها و "لايا".

وبعد مرور ساعة علىٰ الأكثر كان ثلاثتهم ملتفين حول النائم أو دعوني أقول تلك الجثة محاولين إيقاظها؛ للذهاب باكرًا.
لم تتحمل "آلاء" أن تجلس أكثر من ذلك، وهي تعلم أن سعادة والدتها هنا معها.

زفرت بحنق بعدما سئمت من محاولات إيقاظه التي بائت بالفشل، لذا سألت بضيق:

_اصحيه ازاي ده؟!

ابتسمت "لايا" بتسلية، وقالت بغنج واضح، ونبرة مائعة، حتى تثير استفزاز الأخرى:

_سيبي الطلعة دي عليَّ.

رفعت "آلاء"  إحدى حاجبيها بتشكك من نبرة صوتها، في حين مالت "لايا" قليلًا تبدأ هي في محاولة إيقاظه، ولكن وقبل أن تلمس يدها الآخر كانت "آلاء" قد أعماها غضبها، وأجبرت نفسها علىٰ التفكير في حل سريع وقد كان حيث ركلته بقدمها بقوة في شِقِه المقابل لجهتها، فهب "سامح" جالسًا بأعين جاحظة، وهو يمسك معدته متألمًا بحق، وصاح بقوة وصوت جهوري:

_هقول كل حاجة، بس بلاش ضرب!.

قال بجدية جعلت "لايا" و"سماح" تضحكان عاليًا، في حين كانت "آلاء"  واقفة تنظر نحوه بغضب، وتهز إحدى قدميها بسرعة، وقبل أن يستفسر "سامح" علقت هي ساخرة:

_اومال لو مش بتعرف تنام إلا على سريرك كنت عملت فينا إيه، فِز قوم عايزين نشوف "سعاد" وحشتني.

وأد التثاؤب، ونظر نحوها وهو يعلق بحب:

_أوعدنا يارب زي" سعاد".

انكمشت ملامحها بقرف؛ فنظر هو نحوها بحنق بادي على وجهه، وظلت النظرات الحانقة تتبادل بينهما و"لايا" تنظر نحوهما بفرح، في حين "سماح" سألت بفضول:

_هو  مين ده يا "آلاء"؟!

أتت" آلاء" توضح الأمر؛ فنطق هو مستفزًا إياها:

_جوزها...

نظرت نحوه بعدم فهم، وبغضب جحيمي ردت عليه:

_جوز مرض يرقدوك يا بعيد!.

أغلق الأخر عيناه، وقال باستمتاع:

_بتحبني حب!.

ردعته بقولها:

_ ما تتلم بقى شوية، هو علشان ساكتة، واقول عبيط يا عيني هتسوء فيها الهبل.

أضافت بحنق، وتهكم:

_اظبط معايا كده انا
"Single indpendent women"
يا حبيبي!.

هب واقفًا وهو يشير نحوها بعدم تصديق, وقال يُشهد عليها الواقفين:

_وقعت بلسانها قدامكم اهي، وقالت يا حبيبي.

زفرت بقوة، واتجهت نحو السيارة بغضب تضرب الأرض بقدميها، تبعتها "سماح" في حين اقتربت "لايا" تتأبط ذراع "سامح" وتنظر نحوه وهي تغمز له، فسأل هو بضيق:

_ايوة نعم حضرتك؟!

غمزت ثانية، وقالت بمرح:

_تعالى معايا هساعدك نغيظها.


تشنج فكه، ونفض ذراعها عنه، وقال باقتضاب تعجبت له الأخرى قبل أن يرحل:

_تبقي بتحلمي، انا ومراتي مش بندخل حد بينا.

رحل من أمامها، فحركت يدها جوار أذنها علامة على جنونه، ومن ثم تبعتهم نحو السيارة للذهاب نحو وجهتهم نحو "سعاد".

جلست" آلاء" في الخلف، جوارها "لايا" في حين قاد "سامح" السيارة، وإلى جواره "سماح"، والتي كانت تشعر بالرهبة، الفرحة، عدم تصديق، ومشاعر كثيرة متداخلة في بعضها يغلبهم جميعًا السعادة؛ لكونها سترى شقيقتها، صديقتها الأولى، داعمها القوي، وحبيبة روحها، كانت تنظر من النافذة تتذكر مواقف من الماضي مواقف جمعت بينهما بكل حب، وترسخت في عقلهما بحب، واحتفظت الذاكرة بهم أيضًا بكامل الرضا، والحب !.

في حين كانت" آلاء" و"لايا" منشغلتان معًا في أمر ما في الهاتف، تضحكان عليه وهو فقط يتابعها بكل الحب، يوزع نظراته بين الطريق وتأملها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بدأت "زينة" تستفيق، وهي تضغط بأصابعها في حركة دائرية على جانبي رأسها؛ عل ذلك يخفف من حدة الصداع الذي يخترق رأسها بألم حقيقي.

فتحت جفنيها قليلًا تنظر على جانبيها وحولها بتيه، وثانية، اثنان، وكان كل ما شاهدته، وسمعته الغد يُعرض أمام عيناها ويتردد على أذنيها؛ لتسري رعشة طفيفة في جسدها، وذلك لم يمنعها من ركضها نحو باب غرفتها تشدد غلقها بالمفتاح الخاص، والأقفال الخلفية، وكأنها بذلك تؤمن نفسها من كل المخاطر، أخذ صدرها يعلو ويهبط وأنفاسها تعلو، ودمعها يتدفق من عيناها بانهمار، جلست خلف الباب تضم قدميها نحو صدرها تتحرك بسرعة مريبة للأمام، والخلف، تتذكر ليلة أمس، ومع كل موقف مرير، يعلو صوتها الباكي ونحيبها، ولكن وكأنها تشعر؛ فهي الآن متقوقعة في ليلة البارحة، وحسب!.

وفي الخارج سمعت "هاجر" صوتها،  والتي كانت تمر من جانب الغرفة صدفة، تراجعت ودقت الباب تصيح من الخارج بخوف على ابنة شقيقها:

_"زينة"،  افتحيلي يا حبيبتي
افتحي علشان خاطري، متعمليش في نفسك كده وتوجعي قلوبنا.

أنهت حديثها بصوت باكي على بكاء "زينة" وانهيارها، استمرت تتحدث معها من الخارج تحاول إرضائها بشتىٰ الطرق، ولكن لا حياة لمن تنادي؛ لذا جلست هي أمام الباب بتعب، وانهاك واضح، فقط تبكي.
انضمت "بسنت" نحو عمتها، والتي كانت تجلس في الأسفل تقرأ من كتاب ما، تحاول لهو نفسها. ولكن كل محاولتهما معها بائت بالفشل، بل وعلى العكس قد زاد نحيبها أكثر مما جعلها تجلس جوار عمتها الباكية تحضنها وتواسيها.

وبعد مرور القليل تحرك "فؤاد" من غرفته بثقل يجر قدميه جرًا، وأعينه دامية، لم ينظر إلى ولا شيء فقط  بصره مصوب نحو باب حبيبته التي جنى في حقها الكثير، تحرك نحو غرفة ابنته وطرقها وقال بصوت واهن ضعيف نادم:

_"زينة".

نطق اسمها وصمت بعدها الكثير، يحاول ترتيب كلماته ومشاعره هو يعلم أن جميع الكلمات لن توفي حقها ولكن ما بيده سوى الحديث؛ يقدمه فأكمل :

_حبيبتي انا عارف انك استحملتي وشوفتي كتير، عارف اني جيت عليكِ واني غلطان في حقك أكتر واحد في الدنيا.

هبطت عبراته، وأكمل بتحشرج، وصوت متقطع:

_انا اسف ليكِ من الدنيا كلها يا "زينة"، حقك على عيني! .

بعد ذلك وقفت هي تستمع لحديثه، وصوته النادم، وتزداد في البكاء؛ فأكمل هو من الخارج:

_علشان خاطري افتحيلي، اطلعي صرخي وخرجي كل اللي جواكي في وشي، خرجي كل الألم والوجع اللي سببنهولك، بس متجيش على نفسك تاني يا" زينة".

وعلى علو صوته،  والطرق، والبكاء اجتمع الباقون وبالطبع تحت غياب "سامح"، ومعه "راحي".

ربت" اسماعيل" على كتف "فؤاد" برفق يشجعه على استكمال حديثه، فأضاف "فؤاد" بحزن زين كله دون أن يلتفت بعد إلى أي ممَن خلفه:

_انا مستعد لأي رد فعل منك بس اخرجي.

أغلقت هي جفينها بقوة تبكي بقهر، تبكي لتركه لها سنوات مع امرأة ادعت الأمومة لها
تركه لها تُهان مما هو على علم بكرهها لها
تُهان أمام مرأهُ وهو فقط يشاهد!.

إن كانت "نسرين" أخطأت فمعرفتها كونها ليست أمها بررت خطأها؛  أما هو فماذا عنه؟!
هو أباها، وهي قطعة من روحه، ولكنه يومًا لم يشعرها بذلك!.

تركته يتحدث، وتحركت نحو الفراش تجلس فوقه تستمع له؛ عل كلماته ترمم جروحها، وظل هو يتحدث دون توقف بكلمات تعبر عن مدى تقصيره في حقها، واسفه لها بنحيب وبكاء جعل كل مَن خلفه يبكون تأثرًا.
التفت نحو أباه يخبره باكيًا:

_طيب كلمها انت يا بابا هي بتحبك وبتسمعلك.

ثم نظر نحو الجميع:

_كلموها انتم طيب!.

احتضنه اسماعيل بقوة فخر هو باكيًا بقوة أكبر، وهو يردف بصوت يقطع نياط القلوب:

_والله انا عرفت غلطي وندمت، قولها اني هعوضها يا بابا عن كل اللي فات.

وفي مكان آخر كان "حيدر" يمسك بالهاتف بين كفيه، يدور في غرفته بقلق واضح وخوف تمكنا منه يحاول  الاتصال بها للمرة التي لا يعلم عددها وفقط كل ما يحصل عليه عدم الرد منها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت تقف أمام ذلك المطعم الذي اتفقا يتقابلان فيه سويًا، تزفر أنفاسها بتقطع، وصعوبة عليها ذلك اثناء إغلاقها جفنيها في محاولة منها كتم تلك الدمعات التي تتمرد، وتخرج عنوة.

بعد مرور القليل استعادت ثباتها، أو دعني أقول أدعت الثبات، ومن ثم دفعت الباب الزجاجي براحة يدها لفتحه، دارت ببصرها في أنحاء المكان تبحث بعينيها عنه ذلك حتى...التقطه بصرها فتوجهت نحوه ألقت السلام بصوت هادئ  رقيق، وجلست في مواجهة "راحي"  الذي رد السلام عليها دون أن يوجه بصره نحوها، ودون أي ردة فعل على وجهه، ولأول مرة دون أي مشاعر تُذكر  ناحيتها.

صمت من الجهتين قطعه صوت النادل سائلًا إياهم بطريقة عملية:

_تحت أمركم يا فندم؟!

وجه "راحي"  بصره نحوه، وأملى عليه ما يريدان دون سؤالها، ولم تهتم هي أيضًا فقط كل ما فعلته أنها حركت كفيها نحو حقيبتها وأخرجت علبة المجوهرات التي تحوي مهرها المُعجل!.

وضعتها على الطاولة مما أثار انتباه "راحي" الذي نظر نحوها بأعين ضيقة منتظرًا تفسيرًا منها وقد كان حيث وضعت مفتاح سيارة، علبة الخاتم الماسي، وأخيرًا علبة الهاتفIphone ومن ثم أردفت بهدوء بعدما زينت ثغرها ببسمة عذبة رقيقة:

_أنا عايزة اقولك اني سعيدة اني اتعرفت على واحد زيك!.

ازدردت ريقها، وأضافت:

_انا مش هقدر اكمل معاك يا "راحي".

رفعت عيناها نحوه، واعترفت:

_أنا عمري ما حبيتك، حكايتك معايا ابتدت بطمع مني فيك،  أملاك الكتير نستني "كاميليا" اللي كانت عنيها تملاها بس الحاجة اللي بتيجي بالحب!.

صمت "راحي"  يستمع لها، في حين هي قالت بصدق:

_ارتبط بيك طمع!.
اتمسكت بيك طمع!.
ألحيت أكتب كتابي منك طمع!.
والطمع خلاني غلطت كتير في حق ناس كتير على راسهم في حق نفسي!.

ابتسمت بوهن، وهي تقول:

_بس خلاص انا رجعت لعقلي بفضل كلام شخص أثر فيَّ وعرفت إني ماشية في طريق مش بتاعي، وسكة أخرتها قهرة قلبي!.

رفعت رأسها نحو سقف المكان، تزفر أنفاسها، ورددت بفرحة حقيقة:

_بس الحمدلله ربنا عالم أن من جوايا أبيض وصافي، علشان كده فوقني في الوقت الصح بعد ما اخدت درس بكنوز الدنيا.

نظرت نحوه، وقالت:

_أنا اسفة ليك يا "راحي"، واتمنى تسامحني بجد، وتقبل اعتذاري وأن موضوع انفصالنا ميأثرش على كونك مديري، ولا أخ كبير لأيامي اللي جاية!.

كم كان" راحي" يجلس، ويشعر بالحقارة تحوم من حوله، أي أسف هذا الذي تقدمه "كاميليا" له، اي أسف وهو المخطئ الوحيد هنا!.

صمت قليلًا، نظف حلقه، ثم قال بصوت نادم:

_انا كمان كنت جاي علشان افسخ خطوبتنا لسبب كنت هقوله بس، طالما انتِ كمان رغبتك زي رغبتي يبقى ملوش داعي نفضح ستر ربنا لينا.

تنهد وقال:

_بس انا اللي المفروض اتأسفلك عن حاجات كتير غلط حصلت بسببي، انا الوحيد سبب كل العك اللي في حياتك وحياتي، وحياة ناس تانية.

هزت "كاميليا"  رأسها يمينًا، ويسارًا بمعنى لا داعي لذلك، ثم قالت:

_مش مهم دلوقتي مين غلط في حق مين؟!
المهم فوق يا "راحي" وصلح أخطائك على قدر استطاعتك زي ما أنا كمان هعمل، لازم ناخد واقفة بحق، استغفر، وتوب، وارجع لربنا؛ بيبقبل، وبيعفو، ويغفر، ويجبر القلوب.


أوماء براسه، ثم أردف بصدق:

_أوعدك إن "راحي" القديم مش راجع تاني.

أضاف بفرحة غمرته:

_وأوعدك إني هكون لك الأخ في كل وقت تحتاجيني فيه، وفي كل وقت أنا موجود!.

ابتسمت من بين دموعها؛ فأكمل هو:

_مكانك في الشركة محفوظ، وتقدري تاخدي وقت كفاية تريحي أعصابك وترجعي لما تحبي!.

أومأت له بنعم، ثم قالت:

_"بسنت" بتحبك أوي يا "راحي".
حلي نفسك في عنيها وبينلها قد أي أنت هتتغير علشانها وخلي بالك منها، إلا هي رقيقة خالص، وعلى نياتها .

أنهت قولها، وضحكت مازحة مما جعله يضحك معها، ومن ثم قال بشرود، ونسى وجود تلك التي تستمع له:

_انا كمان بحبها اوي، لما بكون قريب منها مش بكون عايز حاجه غير اني أملي عيني منها، بفضل مبتسم لما بشوفها وبحس قلبي بيرقص من الفرحة.

ابتسمت على حديثه وعلقت:

_ربنا يجمعكم مع بعض قريب، ويجعل لكم مع بعض حياة هنية في الحلال.

رد عليها بالمثل:

_ويرزقك بشخص في حنية وطيبة قلبك، انتِ فعلًا تستحقي حد شبه روحك الحلوة.

وجه بصره نحو كل ما أخرجته من حقيبتها، وقال بعدما مد يده والتقط علبة المجوهرات:

_انا هاخد دي بس انما الباقي انا فعلاً حابب اسيبهم ذكرى مني ليكِ واتمنى مترفضيش.

هزت رأسها نافية، وقالت برفض تام:

_لاء انا مش ممكن اقبل هدية بالسعر المهول ده!
اتمنى تفهمني بس انا مش ممكن اقبلها ولو على الذكرى ف متقلقش مش هنساك لأنك صاحب فضل في الدرس اللي فوقني!.

وتحت رفضها وإصرار "راحي" ، مناقشة صعبة بين إقناعها، ورفضها انتهت بالفوز 1/0 لـــصالح "راحي"  بعدما ألح عليها قبول الهدية فقبلت الهاتف فقط على مضض، وانتهت الجلسة بينهما على ذلك! 

خرجت هي، وتركته محله، استلقت سيارة أجرة تنهدت براحة، وهي تخرج الهاتف، ومن ثم فتحت تطبيق whatsapp ونقرت بمقدمة اصبعها فوق علامة إضافة حالة جديدة كتبت فيها باختصار شديد "Back to single" بالأضافة إلى إيموجي ينم عن الراحة.

وعلى الصعيد الآخر أنهى "عماد" مكالمته مع أحدهم؛ ليجد تطبيق واتساب مفتوحًا ضغط على الجزء المخصص بحالات الأصدقاء؛ ليجد اسمها أول الأسماء حيث بعد تلك المرة التي أخبرها فيها بأنه قام بتسجيل رقمه في حال احتاجت استرداد أي مما أوصله لها  وقد كان وحادثته  لـثغرة معينة وقام هو بتسجيل رقمها حتى إن حادثته مجددًا يعرف هويتها !.
قرب الهاتف من عينيه وقرأ ما كتبته دون فتح الحالة بعدم تصديق،  ازدرد ريقه، ولم يستطع منع نفسه من فتح الحالة؛ ليتأكد من أحرف الكلمات التي جعلت قلبه يطرق بسعادة.

ابتسم ابتسامة جانبية فرحة، وأغلق الهاتف ثانية، وضعه في جيب سرواله، ولم يتأخر حتى وجد نفسه يركض قاصدًا مكتب "راحي"؛ ليتأكد منه ثالثة، وعندها ستكون الثابتة، والناهية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت تقود السيارة بسرعة قصوى، وتكاد لا ترى الطريق أمام عيناها، احتكاك عجلات السيارة بالطريق يثير انتباه المارة، واللذين يصيحون على سائقها كي يهدأ السرعة فهذا طريق عام!.
ولكن وكأنها تهتم، تحركت قاصدة مكان تواجد ذلك الخائن الذي يدعي حبها، وها هي في طريقها نحوه، بعدما أخبرها فاعل خير عن المكان.

تنظر على حسب تلك الخطوط التي يرسمها ذلك الـــ GPS  حتى ضغطت على مكابح سيارتها بقوة، توقفت السيارة، فتحت الباب، وهبطت منها تخطو خطوات واسعة نحو باب ذلك الملهى الليلي، دلفت توزع بصرها بين المتواجدين وقد لاح التقزز على وجهها مما تراه ولكنها توقفت تنظر لذلك الذي يضع لفافة تبغ بين شفتيه، ويدور حول الراقصة يلقى بتلك الاموال فوق رأسها وهي تزداد في اقترابها منه حتى يعطيها المزيد، هبطت عبراتها بقوة لا تصدق ما تراه أمام عيناها، وفي تلك الأثناء التفت "راحي" يهبط عن المسرح لتتصل نظراتهما معًا هو مصدوم، وهي تبكي، ظل صامتًا حتى وجد من يقترب من موضعها محاولًا لمس كتفها،  فهرول نحوه ورغم صغر سنه إلا انه هبط على راسه بكأس مملوء خمر، نزفت رأسه، وسحبها من كفها نحو الخارج بسرعة قبل أن يلحق به أحد، ثم تحدث يبرر موقفه:

_"بسنت"، اللي انتِ شوفتيه ده مش زي ما انتِ فاهمة!.

فكت قبضته عنها، وتحركت بسرعة تستلقي سيارتها دون أن تعطي لمن يحاول الركض خلفها والتبرير فرصة للحديث معها! 

تنهدت، وهي تبتسم ساخرة بعدما أنهت ذلك المقطع الذي كتبته في دفترها تحت عنوان "النهاية"، لتقرر هي قطع علاقتهما معًا منذ تلك اللحظة، ولم تعطيه يومها أدنى فرصة للحديث معها، ونامت تلك الليلة باكية، وانتهت ليلتها بحرق ذراعها_ نعم فقد كانت نفس الليلة.

أغلقت "بسنت" دفترها وتحركت نحو ركن القهوة "coffee corner" المتواجد في غرفتها، تعد كوبًا من القهوة، ومن ثم توجهت نحو الشرفة تجلس بها.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت قد استعادت هيبتها، ولكنها اليوم تختلف فقد استغنت عن قلنسوة رأسها التي تغطي وجهها بعدما تم كشف هويتها الحقيقة، تجلس على ذلك المقعد الكبير في بهو البيت المهجور أشارت بيدها نحو من خلفها، فتقدم واضعًا حقيية جلدية سوداء على المنضدة، فتحها لتتيح لصاحب نصيبها رؤية الأموال، ازدرد صاحبها ريقة بفرحة وعدم تصديق أيعقل أن ثمن أنقاذه لها يكن مكافئته كبيرة هكذا؟!

ابتسم بوسع فتحدثت "نسرين" تقول:

_انت النهاردة سبب انقاذي وصاحب الفكرة اللي هفضل ممتنة ليك عليها.

تحدث الآخر، يقول بلهفة:

_والله ده كتير عليَّ يا "نسرين" هانم، خيرك سابق، وبعدين أنا تحت أمرك من غير حاجة!.

صححت له قوله:

_"مبروكة "!.

أومأ لها؛ فــــأضافت هي:

_تستاهلهم.
ولسه هتاخد أكتر بس زي ما اتفقنا عايزاك عيني اللي بشوف بيها في بيت" الأباصيري".

أومأ بالموافقة، فقالت ثانية:

_تقدر تمشي يا "حسني"!.

اقترب يغلق الحقيبة، ويحتضنها بقوة، وكأنها ستطير من بين كفيه، وتحرك نحو الخارج راكضًا.

_ حسنى ده سواق عيلة الأباصيري (عم حسني) وابن (ام حسني) اللي كانت بتشتغل عندهم _

FLASHBACK#

كان "حسني" يقف يشاهد كل ما أحطَّ على "نسرين" من حيث لا تدري، افتُضح أمرها وهي  الآن تقف بين النيرات تلتهمها، وهو بالتأكيد يمكنه صب الماء وإطفاء الحريق الناشب وإخراجها من بينه سالمة، فهو في نهاية الأمر يعمل معها جاسوس وما يأخذه منها أضعاف ما يعطيه له الجد!.؛ لذا حينما صاح "راحي" يطلب من جده مهاتفة الشرطة تقدم هو من الجد يهمس له بأنه سيتولى الأمر، أومأ الجد  موافقًا، وحادث بعض من رجال "نسرين" واللذين تولوا الأمر وأتموه بمهارة بعد تنكرهم، وبالطبع من بينهم "سليم" والذي كان لأول مرة يرى شخصية "مبروكة" الحقيقة على عكس البقية، حيث أنها لا تكشف أمرها أمام الجُدد إلا بعد تأكدها من مصدقيتهم تجاهه على عكس اليوم أجبرت فيه على كشف هويتها ولكنها في نهاية الأمر لا تهتم سوى أنها بخير!.

وجهة "نسرين" بصرها نحو آخر، تنادي عليه:

_"سليم".

تحرك ذلك الذي رمى بنصيحة زوجته عرض الحائط، وعزم على الخطو نحو ما قرر عليه، حتى يحصل على مقابل مهمته، ويأخذ المال ومن ثم يعالج به ابنته الصغيرة، توقف أمامها وهز رأسه للأسفل بمعنى أخبريني، فتنهدت، وهي تقف تقترب منه، وتقول بخفوت:

_مهمتك مع "ريم" هتتغير، أنا مبقاش يهمني الفلوس قد ما يهمني أرد كرامتي منهم، وأندمهم وأجبهم راكعين تحت رجلي يتمنوا رضايا.

أنهت حديثها ضاحكة، ومن ثم رددت بغرور:

_وساعتها بقى مش هرضى!.

تحدث "سليم":

_وايه المطلوب؟! 

عادت تجلس محلها، ثم أردفت بفحيح وانتقام تمكن منها تجاههم:

_هقولك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رأيكم؟!

متنسوش التصويت.
#رحمة_أحمد_شلقامي
#رغم_اختلاف_الطريق

دمتم بخير💜✨.













رغم اختلاف الطريقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن