في غرفة "تيم"، والذي قد عاد يمارس استذكاره دروسه، ويضغط على نفسه لسببين أحدهما والأهم اشغال نفسه عن التطرف لأي تفكير قد يجعله يتراجع للخلف، والثاني حتى يواكب حركة المحاضِرين، ويعوض إهماله الأيام السابقة!.
كانت لديه محاضرة متأخرة هذا اليوم، ورغم ذلك فاق باكرًا يؤدي فرض الفجر، ويستمع إلى حديث جده، وقد قام بالاشتراك في نادي رياضي، بالإضافة إلى ممارسة اليوجا حتى تسترخ أعصابه، ويصفو ذهنه، أي أنه باختصار قام بشغل كامل وقته اليومي، ما بين الجامعة، النادي، اصدقائه ومذاكرته، وأصبح شبه مقيم مع نفسه، حتى يُرهَق بدنيًا وعقليًا، وعندما يقوم بكل ذلك يكن بالطبع قد حان وقت النوم!.
فينام سريعًا، وبعمق نظرًا لتعب جسده، وقد وجد في ذلك راحته، وبالفعل بدأت "زينة" لا تخطر على عقله بتاتًا، وقرر هو أيضًا عدم الاقتراب منها على الأقل؛ لمدة قادمة!.
وهي أيضًا لم تُظهِر من بعد مواجهتهما الأخيرة أي اهتمام يذكر جهته، وقد باتت المسافة بينهما كبيرة إلى تلك الدرجة التي لاحظها، وتعجبها الجميع، ولكن إن فعل، وسأل أحدهم عن السبب ينفي كلاهما أي افتراضات مرت على عقولهم بطريقة تجعلهم يصدقونهم فعليًا!.
وها هو قد ارتدى كامل ثيابه، ولملم حاجياته في حقيبته، ثم خرج من غرفته، هبط درجات السلم سريعًا، ولكن وقفت في مواجهته "نسرين" الغاضبة، معترضة طريقه، ربعت ذراعيها أمام صدرها، وقالت باستفزاز:
_يأسفني اقول ان الراجل اللي مش قد كلمته، بيبقى لمؤاخذة!!.
وسريعًا جاء رده برفق عكس كل المرات التي تحدث فيها معها من قبل، مردفًا بما كان على وشك أن يُوحل به لولا لطف الله:
_انا كنت هبقى لمؤاخذة فعلًا بس لو نفذت اللي قولتيلي عليه، وقتلت الشخص اللي بتحبه اختي.
قهقهت هي ساخرة، ضربته على كتفه بخفة، وهي تردف من بين ضحكاتها الغير مصدقة:
_اختي!.
"زينة" بقت اختك دلوقتي؟!.
ابتسم "تيم" بوهن، وقال بصوت حزين نادم:
_ايوة اختي، وانا كنت غلط في تفكيري ناحيتها وفعلًا زي ما هي قالت الغيرة من "حيدر" مش حبًا عاطفيًا، هو ناتج تعلقي بيها مش اكتر!.
صمت قليلًا، ثم أضاف بجدية:
_واكبر دليل ان لم حاولت اصلح غلطي وابعد تفكيري عنها، وارسخ في عقلي تفكيرات صحيحة، بقيت اهو قدامك مِيت فُل وعَشرة!.
نظرت هي نحوه بوجه مقتضب، فتجاهل هو ذلك وقال محاولًا نصحها:
_على فكرة "زينة" بتحبك اوي، وبتتمنى لو انك تبادليها حبك ولو لمرة واحدة بصدق.
وبنفس الجدية، أضاف:
_رغم تحكماتك فيها، وجفائك معاها، وكل حاجة زي الزفت عملتيها معاها، بتتمنى لو انك تفتحي صفحة جديدة مفيهاش عداء، صفحة بيضة بين ام وبنتها بجد!.
لم تلين ملامحها قدر أنملة، بل تجهم اكثر من ذي قبل وأتت لردعه، فقاطع هو ذلك حينما أكمل:
_رغم ان معرفش سبب لكرهك لواحدة في طيبة قلبها، وحنيتها، وحبها للكل، بس انا قولت أحاول يمكن تحني عليها، وقلبك المتحجر يتفتت شوية!.
نظر نحوها، وقال بصدق، وجدية:
_يمكن ده يا "نسرين" يشفع لك عندي، ويخليني اخرج انتقامي منك على خرابك حياة اختي "بسنت"، يمكن!.
ضحكت ساخرة على قوله انتقامه منها، هذا الولد حقًا مشاغب، وكلماته تكبر حجمه وسنه بمراحل، ولكن بترت بسمتها، وهي يدور بخلدها شيء واحد، ماذا لو علم انها هي سبب مقتل والدته؟!
هل سيظل هذا رده!.
أخرجها من شرودها قول "تيم" الأخير:
_هي مش بنتك زي "راحي"، اشمعنا هي نقطة سودة في حياتك!.
ظلت النظرات بينهما تتبادل بأمل منه، وغضب منها، ذلك حتى هز "تيم" رأسه بمعنى لا فائدة "نسرين" ستظل كما هي _حالة ميؤوس منها_ وسريعًا أكمل طريقه للخارج بصمت تام!.
أما هي نظرت في اثره بابتسامة خبيثة تخرج كلما كان هناك أمر ما يسعدها، تنهدت بقوة قبل أن تتجه نحو غرفتها تضبط أفكارها!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تتأبط ذراع "سليم"، بابتسامة عريضة تزين ثغرها، وعلى وشك الخروج من الجامعة معًا إلى حيث مكان للتنزه قليلًا، ولكن فوجئت "ريم" بمَن يسد طريقهما، ولم يكن سوى "علي فاروق" الذي هتف بضيق من أفعالها، وتماديها وتخطيها كل الحدود:
_على فين ان شاء بمنظرك ده؟!
لا شك أنه بث الرعب داخلها، والخوف الأكبر أن علم أحدًا من عائلتها، فهتف "سليم" بتقطع:
_احنا زملاء يا دكتور و..
بتر "علي" حديثه بيده التي وضعت أمام وجهه، في إشارة منه ليصمت، صوب نظراته النارية الحادة ناحيته، وهو يسأله دون أي ملامح توحي بشيء:
_بتحبها؟؟!
ابتلع "سليم" غصت حلقه وسريعًا هز رأسه بنعم، فجذب "علي"،" ريم" من بين يده بقوه تأوهت إثرها، مثبتها جواره، ثم أخرج كارت مدون به عنوان ڤيلا جده، ومد يده به نحو الآخر الذي يتابع بصمت:
_أمسك الكارت أهو، واللي بيحب يدخل البيت من بابه، مش يلف عليها، ومقضيها تسكع ومش واخد خطوة جد!!.
لم يمد "سليم" يده، فــ انتشل "علي" كفه، ووضع به الكارت هاتفًا بحدة، وهو يضغط على كفه بقوة:
_الكارت اهو، ولحد ما تاخد خطوة جَد لو شوفتك مقرب منها هيكون آخر يوم في عمرك.
قال بملامح بثت الرعب في الآخر، أومأ "سليم"، فجذب "علي"، "ريم" خلفه عنوة من رسغها، متجهًا بها نحو الخارج حيث سيارته، فتح الباب وألقاها بعنف، ثم استلقى إلى جوارها، وبدأ في القيادة بصمت متجهًا نحو القصر، تنهدت هي، وخرجت عن صمتها تصيح بغضب:
_هو انت ازاي تعمل كده، بابا ولا اخويا ولا مين انت علشان تجرجرني زي الحيوانات بالطريقة دي!.
لم يجيب، كان يتمالك أعصابه حتى لا تنفلت ويقطعها إربا؛ لتكمل هي حديثها الحاد وتنهي على ما تبقى من صبر لديه:
_انا حرة احب، امشي،اقعد مع مين دي حريتي وهعمل اللي انا عايزاه، وانت تشوفني ومش ليك دعوة بيَّ خال..
قطع كلامها ضربه على إطار القيادة، وهو يصيح بها بما جعلها تفزع من صوته، وتتراجع للخلف، وهي تزدرد ريقها بخوف:
_اخرسي بقى، اخرسي خالص!!.
ابتلعت "ريم" غُصت حلقها، وفضلت الصمت بعد رؤيته بهذه الهيئة، وبالفعل تمكن من إخراسها، ودس لسانها داخل حلقها، وإلا فهو غير ضامن تهوره، وبتر لسانها السليط!.
هو غاضب وبشدة من رؤيته لها مع رجل غيره، رجل لا يعرف عنه شيئًا البتة، وهذا هو بالتأكيد مَن رفضته لأجله!.
ولكن ورغم غضبه، لا يمكنه أن يكون عائق في طريق حبهما، سيبتعد طالما لزم الأمر ذلك، متنحيًا لهما جانبًا عن الطريق!.
حقًا لا يتمنى سوى سعادتها حتى إن كان ذلك سيوجع قلبه ويفتته، إلى أشلاء!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أثناء ركضهم خلف بعضهم، في أرجاء الڤيلا
توقفت هي أمام مجموعة الصور المعلقة على الجدار، صور كثيرة تجمع خالتها "سماح" مع "لايا".
وما جذب انتباهها تلك الصورة الكبيرة التي توضع في منتصف الجدار، ذهول جعلها تتصنم محلها بشكل أدهش "لايا"، أبصر "سامح" ثبات عيناها ناحية تلك الصورة تحديدًا؛ ليتفهم ردة فعلها حيث أن الصورة الكبيرة تلك لم تكن سوى والدتها، ولكن بملامح أصغر قليلًا، وهي تحتضن امرأة أخرى أصغر، وسريعًا خمن كون أنهما "سعاد"(خُضرة) و "سماح!"!.
بما إن هذه المرأة هي نفسها مَن تجتمع بالصور الأخرى مع "لايا" وزوجها!.
كانت مجرد صورة، ولكن بالنسبة لها كان بمثابة لمحة أمل، طالما "سماح" مازالت تعلق صورتها مع اختها، أي أنها تكن لها الحب، وهناك حلقة مفقودة !!.
حول "سامح" نظره تجاه "لايا" وسأل باهتمام، وهو يشير نحو "سعاد" تحديدًا:
_انتِ تعرفي الست دي؟!!
لم تخفي "لايا" تعجبها بردة فعل "آلاء" وسؤال سامح؛ فـأجابت على كل حال، وهي تبتسم بحب:
_دي طنطي "سعاد"!.
ارتعشت شفتي "آلاء" وهي تنظر نحو "سامح" بأعين على وشك أن تسمح لأمطارها بالهطول، اقترب هو منها، خلل أصابعه بين خاصتها محاولًا بث الأمان لها، ولم تمانع هذه المرة، ابتسمت له بامتنان صادق، هز رأسه للأسفل علامة على وجوده إلى جانبها دائمًا، وسرعان ما أبعد كفه متذكرًا تحذيرها له بعدم لمسها!.
ورغم احتياجها له الآن، إلا أن فعلته راقت لها وقد كبر في نظرها، كانت "لايا" تراقبهم بتأمل، وابتسامة صغيرة، وسرعان ما علقت بمرح:
_شكل في قصة حب عريقة في الطريق!.
ابتسما بصمت، مما جعلها تتيقن من قولها، استعاد الآخر جديته وادع جهله، وسأل مرة أخرى:
_تعرفي عنها ايه؟!
قطبت جبينها بعدم فهم، وفضولها لم يمنعها هذه المرة أن تسأل:
_انتم ايه علاقتكم بيها بس الأول؟!
وبمراوغة أجاب "سامح":
_صديقة لماما وفجأة اتقطع تواصلهم وماما متعرفش ليه؟!
علشان كده بسأل يمكن اقدر اوصلها، وافرح ماما؟!
زفرت" آلاء" براحة؛ لتداركه الموقف، حيث أنها لا تود إخبارهم بكونها، والدتها إلا بعد التأكد من علاقتهم مع "نسرين"!
وما السبب وراء عودة علاقتهما، بعد كل ما حدث بينهما، والأهم كونها لم تسأل عن والدتها والتي ساعدتها على تحقيق أهدافها على سبيل دمار أهدافها هي!.
أيعقل أن تكون نست كل ذلك، وتضحياتها لها إلى تلك الدرجة التي جعلتها لا تبحث عن شقيقتها؟!
ولكن بالعودة الى تعليقها صورة والدتها على عكس "نسرين" التي لم تتواجد لها أي صورة على الجدار؛ فالأمر منبأ بالخير!.
وقد تكون بحثت عنها، ولكن كان قد فات الأوان وأصبحت "خُضرة"!!.
خرجت من دوامة أفكارها على صوت "لايا" تُجيب عن سؤال "سامح" بنبرة حزينة:
_يمكن اتقطعت سبل تواصلهم، علشان اتوفت مثلًا!.
هنا وشهقت "آلاء" بفزع، مجرد سماعها للجملة أفقدتها صوابها، شعرت بترنح قدميها، ودوار يداهم رأسها، حقًا والدتها في كفة، والعالم أجمع وما به في كفة أخرى، تعلم أن الموت حق، ولكنها لا تقدر لا هي ولا عقلها على تخيل حياتها دونها حتى ولو وهلة، تحبها إلى تلك الدرجة التي تجعلها تود لو تعود بالزمن للوراء وتأخذ بثأر والدتها، تساعدها على تحقيق أهدافها وكُل ما تتمنى، أو أن تنقض على هذه "النسرين" تبرحها ضربًا تشفي به غليلها، وتعتقد أنها إن فعلت لن تبتعد إلا وهي تتركها جثة هامدة وتريح البشرية منها!. وسريعًا كانت تصيح بعنفوان في وجه "لايا" بأعين بالفعل باكية:
_انتِ مين قالك كده، بعد الشر طبعًا!!!!.
تعجبت "لايا"، وهي تنظر نحو مَن يقف خلفها باستفهام، وفي تلك الأثناء قطع تلك المناقشة صوت سيدة تقف من خلفهم:
_في ايه؟!
وايه اللي بيحصل هنا؟!
التفت الجميع على ذلك الصوت، والذي لم يكن صاحبه سوى "سماح"!.
نظرت "آلاء" نحوها وهي تبتلع ريقها، وسرعان ما ركضت تجاهها، وهي تسأل تتأكد فوق تأكيدها:
_دكتور "سماح"؟!!
هزت "سماح" رأسها بتأكيد، لتتسع ابتسامة "آلاء" وهي تردد بسعادة، وعدم تصديق بعدما وثقت بها:
_انا "آلاء" بنت "سعاد" اخت حضرتك.
زادت على صدمة "لايا" واحدة أخرى، للتو قد علمت أن خالتها مازالت على قيد الحياة، بل وانجبت تلك الفتاة الغبية التي تقف أمامها، ولكن ماذا عما قصته والدتها عليها؟!!
ولم تكن "سماح" أقل صدمة منها، بل وزعت نظراتها المشوشة بين "آلاء"،" سامح"، وحتى "لايا" بصمت، وذلك الصمت أخاف "آلاء" وبشدة!.
ارتجف شفتي "سماح"، وهي تحاول فتح فمها لتنطق وتستفسر، ولكن، وكأن لسانها قد شُل!.
وفي هذه الأثناء اقترب "سامح" يفض حالة الصدمة التي سيطرت على الجميع، وقال بجدية:
_فعلًا الست "سعاد" اخت حضرتك عايشة وبخير.
أشار نحو "آلاء"، وأضاف مبتسمًا:
_ودي بنتها!.
هزت "سماح" رأسها بالنفي، ترفض ما تسمعه، كيف لذلك أن يحدث؟!، ماذا لو كانا يتلاعبان بها؟!
بدأت عبراتها بالهطول ببطيء، ومن دون إذن وبوقاحة من "سامح" جذب حقيبة "آلاء" من يدها فتحها، ومن ثم أخرج الهاتف، وضغط على الزر الجانبي؛ لتظهر خلفية شاشته، وقد كانت صورة "آلاء" وهي تتوسط أحضان والدتها مبتسمة !!.
رفع الهاتف في وجه السيدة "سماح" لتراها عن قُرب، ويكن دليلًا على صدق حديثه.
بدأت تستوعب الأمر شيئًا فشيء، هبطت عبراتها أكثر، واتسعت ابتسامة شفتيها المرتجفتين، جذبت الهاتف منه، ثم حركت أناملها فوق وجه اختها بتمعن واشتياق، مازالت ملامحها الملائكية كما هي، فقط بعض التجاعيد التي زادتها جمالًا ووقارًا، ومن ثم قربت شاشته من ثغرها تقبل وجهها باشتياق كبير لم يبدده الوقت، والبعاد !..
ابتسم "سامح"، و "لايا" بتأثر من الموقف في حين اقتربت "سماح" من "آلاء" نظرت لها مطولاً، ومن ثم يدها تتحرك على وجهها بعدم تصديق، وأعين باكية فرحًا، لا تعلم كم مر من الوقت، وهي تنظر لها تتأملها، حتى انتهى بها المطاف تجذبها نحو أحضانها بقوة، ولم تكف عن سؤالها بعدم تصديق، حتى تتأكد:
_اختي لسه عايشة!.
وكانت "آلاء" لا تبخل عليها بالإماء، وهي تؤكد لها ما لا تصدقه، تعالت شهقاتهما في مشهد مؤثر للغاية جعل "لايا" تشد كم ثيابها، وتبكي بصمت ذلك حتى اقتربت تقف جوار "سامح"، وتهمس بصوت مجهش مكتوم بلغتها الفرنسية التي أخذتها عن والدها:
_أيمكنك احتضاني أنا الأخرى،حتى أكف عن البكاء؟!.
نظر لها "سامح" بقرف مصطنع، وترجمت "سماح" ما تفوهت به ابنتها، لتلك التي تتوسط أحضانها، وقبل أن يبدي "سامح" أي ردة فعل إضافية كانت "آلاء" تسحبها نحوهم تضمها لهم، وهي تهتف بتحذير:
_كده عيب يا ماما، ملكيش دعوة بده بذات!!.
ابتسم "سامح" الذي وصل همسها له؛ لينبض قلبه المتيم بحبها رغمًا عنه، على كلماتها البسيطة، والتي لا تزده في كل مرة سوى حبًا، في حين ردت "لايا" على قول "آلاء"، توضح الأمر ببساطة، وتنفي سوء التفاهم:
_ده كان هيبقى حضن اخوي والله.
تشارك الجميع الضحك، والبكاء في آنٍ واحد، وكان هو يمتع عيناه برؤيتها، إن كان قد وصل إلى ذلك الحد الذي يجعله يضحك لسعادتها، ويبكي لحزنها، فبكل تأكيد قد وقع بها حبًا!.
قطع تلك اللحظة سؤال" سماح" وهي تزيل عبرات "آلاء" بأناملها:
_انا عايزة اعرف كل حاجة، وازاي قالولي انها بعد الشر اتوفت، وعرفتي مكاني ازاي وكل حاجه!.
وليه هي مش معاكم هنا؟!
اكيد زعلانة وتفتكرني مدورتش عليها، ونستها؟!
وكان رد "آلاء" طلبها:
_مش قبل ما اعرف انا كل حاجة!..
وبعد ذلك بعدة دقائق كان الجميع يجلس في البهو، يستمع بتركيز لما تقصه "سماح":
_بعد ما اختي اديتني الفلوس علشان اهرب، كان صعب عليا اوي فراقها، وايامي كانت اصعب.
بس تماسكت وحاولت احسن من حالتي المادية كنت بشتغل صبح وليل، وعدد ساعات نومي كانت محدودة جدًا، الصبح بمارس عملي الطبيعي في شركة، وبالليل كنت بشتغل في مطعم، واهو كانت ماشية!.
زفرت، وهي تضيف:
_كنت عايزة في اسرع وقت احقق حاجة ومن بعدها هبعت لــ "سعاد" ونعيش مع بعض!.
أكملت بحزن، وهي توزع نظراتها بينهم:
_وطبعًا ان احقق حاجة مكنش بين يوم وليلة، انا فضلت فوق العشر سنين لحد ما قدرت افتح صيدلية واحدة، واشتري شقة صغيرة!.
تنهدت، وكانت على وشك أن تكمل، ذلك حتى قطع حديثها صوت" لايا"، وهي تحتضنها بقوة، وتهتف بتأثر على معاناة والدتها:
_مامي انتِ تعبتي اوي، وانا مش موجودة.
تأففت "آلاء" من تكرار الموقف كلما أخذت خالتها "سماح" نفسها ليس إلا ..وتلك "لايا" تكرر نفس الموقف والكلام؛ لذا رددت بتشنج، ونفاذ صبر:
_بقولك ايه يا ست المتأثرة انتِ، عايزين ننجز!
نظرت "لايا" نحوها بحنق، ضحكت "سماح" عليهما، ومن ثم أكملت بجدية:
_بدأت اسأل عن "سعاد" من بعيد لبعيد علشان "نسرين" متلمحنيش، وتعرف مكاني وتهد كل اللي بنيته علشان هي انسانة مريضة بجد!.
والراجل اللي كلفته بالسؤال عنها، اداني رد واحد وهو اختك اتوفت!.
هبطت منها دمعة حارقة متحسرة:
_اتصدمت اكبر صدمة في حياتي ومريت بأسوء فترة جد، انهارت، وتعبت وكل ده وانا لوحدي مش معايا حد.
كانت "لايا" على وشك تكرار المشهد الدرامي خاصتها، ولكن، وقبل أن تفعل ذلك كانت "آلاء" تخلع نعلها، وهي تتحدث بتهديد:
_هتعيشي في الدور هكون مثقبة نفوخك بكعب الجزمة، علشان أنا طهقت، ومش كده بقى؟!
هنا وتعالى ضحكات كلًا من "سامح" و "سماح" تحت حنق "لايا"، التي تأففت بضيق، وهي تربع ذراعيها بصمت، وتهديد" آلاء" الجدي لا محال!.
_دمك خفيف اوي يا "آلاء".
قالت" سماح" وهي تداري فمها الضاحك بكفها، وتكفكف عبراتها بكفها الآخر، ابتسمت لها الأخرى، ومن ثم أكملت مرة أخرى:
_فضلت اخبط في الدنيا لحد ما قابلت حبيبي "فاون"، قابلته في الشركة، وبقينا صحاب، وعلى تواصل دائم رغم البعد، وفي مرة سافرت انا فرنسا، وقعدت فترة هناك علاقتنا اتوطد اكثر لحد ما جه اليوم، وطلب فيه ايدي، واتأكدت طبعًا انه مسلم، واتجوزنا.
صمتت، وهي تمسد على كف "لايا"، ثم قالت بحب:
_ودي ثمرة حبنا، عوضوني بوجودهم عن حاجات كتير اوي!.
ابتلعت غصة حلقها، شبكت ذراعيها معًا، وأردفت بوجع متربع أعلى صدرها، وكأنه سيد المشاعر، وهو كذلك بالفعل:
_بس كنت بشتاق لكلام بابا، وحضن اختي، حتى "نسرين" مقدرش أقول بكرهها؛ لأنها اختي من لحمي ودمي، بس ارجع وافتكر كل اللي حصلي بسببها، واقول مينفعش اثق فيها وافتح معاها صفحة جديدة!.
نظرت نحوهم بتشوش، بسبب تلك الطبقة المائية التي تكونت، وقالت بخفوت:
_لحد ما تقابلنا صدفة!.
اعتذرت مني كتير وفتحت معايا صفحة بيضة جديدة، وانا قبلت!.
قالت آخر كلمة بحزن، وصوت متقطع ترتجف شفتاها لنطقها، ثم أضافت:
_بس حتى المرة اللي حسيت فيها انها اتغيرت وبقى معايا حد من عيلتي، طلع كله فيك!.
قطبت "آلاء" جبينها بتعجب، وعدم فهم لم يدم مع قول "سماح":
_اصرت بعدها علطول تعزمني في بيتها؛ ولبيت الدعوة بس لما روحت عرفتهم عليَّ، وقالت اعرفكم "سماح" صحبتي!.
نظرت ناحيتهم، وهي تبتسم ساخرة تزامنًا مع هطول عبراتها بأسف:
_مقدرتش احرجها قدام ولادها وولاد عمهم وسكت!
اصل مكنش فيه غيرهم اليوم ده!.
متخيلين مقدرتش احضن ولادها واعرفهم بنفسي صح.!
نكست رأسها أرضًا، وأردفت بخفوت::
_ومن غير ما اقصد خلتني ساعدتها في جريمة، بس والله مكنتش اقصد، ومعرفتش غير بعدها.
_جريمة ايه؟!
سألت "آلاء" وهي تشك بأن القادم تعرفه جيدًا، لذا ودون مقدمات كانت تجيب بنفسها على السؤال:
_تشويه "بسنت"!.
تعجبت "سماح" معرفتها بالأمر ولكن كان احساسها بالذنب أكبر من ذلك، حيث بدأت تقص تلك الذكرى اللعينة، التي شاركت فيها دون قصد ويشهد الله على ذلك.
Flashback#
_بصي انتِ اقفي جنب عداد النور ده، واول ما يوصلك رنة مني افصليه، وتفضلي مكانك، ومع الرنة التانية افتحيه.
قالت "نسرين" تملي مخططها اللعين على تلك التي تستمع، وينبض قلبها خوفًا، تشعر وكأن القادم ليس بالهين؛ لذا أردفت بتقطع:
_طيب ما نتصل بكهربائي، يظبط كهربة السخان افضل، انا قلبي مش مطمن!.
رسمت "نسرين" ابتسامة مشرقة، هي بحاجة لمجاراة طيب قلب من أمامها؛ لتتم مخططها وتحدث الفجوة التي لا طالما تمنتها، به بعض الخطورة، والتجاوزات تعلم ذلك، ولكن يكمن فيه الحل!!.
رددت بجدية:
_يا حبيبتي هو ييعلق كده علطول وانا بعمله وام حسني" كانت بتساعدني بس هي دلوقتي بتشتري شوية طلبات للبيت.
صمتت قليلًا ثم أضافت، بحزن مصطنع:
_على العموم خلاص اطلعي انتِ اوضتك، وانا هتصرف طالما مش مطمنة.
وبعد ذلك، ولأجل عدم ردها حزينة، أومأت موافقة لتفصل الضوء أول مرة مع أول رنة، وتمر دقائق في صمت تام، وهي تنير بفلاش هاتفها المكان الذي تقف عنده، والذي يقبع أسفل مكان المعيشة (بادروم)، لتسمع بعدها صوت ارتطام في الأعلى، ولكنها خمنت أن يكون أحدهم اصطدم بشيء وقع؛ فأصدر ذلك الصوت نظرًا للظلام الذي يُحيط المكان، ومع الرنة الثانية أنارت الضوء، وانتظرت قدوم "نسرين" نحوها كثيرًا، ولكن ذلك لم يحدث، فقررت أن تخرج هي.
كانت على وشك أن تدلف؛ فرن هاتفها، وكانت مكالمة فيديو من زوجها "فاون"؛ فردت عليه وانشغلت بالحديث معه، ومع طفلتهما "لايا".
وفي اليوم الثاني، خرجت من غرفتها لتخبر" نسرين" عن عودتها، فوجدت تجمع كبير بالأعلى صعدت نحوهم ، وجدت الجميع وأشخاص أُخر لم تراهم ليلة البارحة ملتفين حول فتاة تندس في حضن رجل خمنت أنه أباها، وملامح الجميع يعلوها الحزن!.
Back#
نظرت نحوهم بأعين باكية، تستشف فيها ردة فعلهم، وقد كان الغضب ليس منها بل من رأس الأفعى "نسرين"!.
رددت بخفوت:
_بعدها عرفت ان البنت دي حد دخل من البلكونة، وهجم عليها حرق ايدها!!.
وسريعًا وجه "سامح" سؤلًا منطقيًا قد يكون تردد على جميع الحاضرين:
_طيب وعرفتي ازاي انها المسؤلة؟!
أزالت عبراتها بكفيها، وأكملت بوهن:
_بعد ما جهزت علشان امشي وركبت اوبر يوصلني، جذبني بنت عنيها خضرة كده، واقفة تبكي في حديقة القصر، نزلت بعد تفكير ودخلت عندها وسألتها امتى حصل الحادث ده؟!
كانت اجابتها في الوقت اللي فصل فيه النور، اتصدمت واخدت بعضي وطيرت بس مترددتش ارن على "نسرين" بعدها، وسألتها ان كانت هي المسؤلة ولا حد غيرها؟!
وبكل بجاحة اعترفت، بعدها اتصلت تاني اشوف ليكون في حد شاكك فيَّ أو متهمني ما هو مفيش غيري بينهم غريب.
بس طلعت لبستها لــ "راحي" ابنها، علشان يبعد عن "بسنت"، والبنت اعترفت بكده!!.
وبكل خيبات العالم أضافت:
_كانت واخداني سد خانة علشان لو معرفتش تلم الموضوع تلبسها فيَّ، علشان مفيش حد غريب غيري!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتى الليل، وكانت تجلس في غرفة "لايا" في ڤيلا خالتها "سماح"؛ ققد قرروا الذهاب الغد بعدما تأخر الوقت، حتى تخبر خالتها زوجها وتذهب معها لمفاجئة والدتها، ابتسمت، وهي تخمن سعادة والدتها، وكيف ستكون ردة فعلها!!!!.
خرجت من شرودها على رسالة وصلت على هاتفها ، وقد كانت "بسنت" ومحتواها كالتالي:
[ يعني محدش سامع صوتك النهارده كده؟! ]
ابتسمت بامتنان لوجودها الدائم إلى جوارها بالتأكيد الحب الذي تكنه تجاه "بسنت" ليس صداقة هي تعدت عن هذا الحد منذ مدة ليست بالهينة، تود أحيانًا لو تأخذ بيدها نحو أقرب معمل تحاليل وتتأكد ان DNA كلاهما ليس متطابقًا، وأنهما ليس أختان فعليًا.
نقرت بأصابعها فوق أزرار لوحة المفاتيح المرسومة في هاتفها تكتب لها:
[ بشوفك هتفتكريني، ولا اتنسيت كأني ما جيت!. ]
بدأت المحادثات بينهما تأخذ مجراها، وصوت رنين الرسالة يصدح كل ثانية؛ فتأففت تلك التي تتمدد جوارها، وقالت بحنق:
_في حاجة اسمها نلغي صوت الزفت مراعاة للناس اللي معانا.!
نظرت نحوها "آلاء" بنفس ذات الحنق، وقالت بصدق، وجدية:
_مش بحس اني على تواصل الا لما اسمع صوت الـــ تيك تيك بتاع الرسالة.
_خلاص حطي الهاند فري علشان بجد بتوتر من صوته وبيركبني العصب!.
قالت "لايا" الفكرة باستحسان، باعتبارها حقلة وصل بينهما، فأومأت "آلاء"، وجذب حقيبتها، وقالت بنبرة آمرة:
_قومي على حيلك، وخلي عندك زوق، هاتي بيجامة اغير هدومي، شايفاني هبات، ومش معايا هدوم اغير فيها، خلي في نظر كده!.
قالت "لايا" بمرح، وجدية:
_لاء وانتِ الشهادة لله مكسوفة اوي!.
أجابت "آلاء" بتكبر مصطنع:
_مشغولة وانتِ الصادقة!.
قامت "لايا" على مضض، وقد تحلت بالذوق من أجل أ...أنها بالفعل أحبتها.
في حين مدت "آلاء" يدها تبحث عن سماعة أذنيها فضُربت يدها بأوراق مطوية تذكرت أمرها للتو، أوراق تبني "زينة"!
قد انشغلت، ولم تخبر "بسنت" عن هذه الحقيقة الكبيرة، وسريعًا أخرجتهم، وقامت بالتقاط صور واضحة للأوراق، وبعد توصيل السماعة بالهاتف كتبت بأناملها سريعًا:
[ عايزة اقولك حقيقة ولا اروع!.]
وعلى الصعيد الآخر كانت تجلس "بسنت" برفقة "زينة" على عشب الحديقة، تبتسم على كلمات صديقتها التي لا تكف عن إضحاكها، ولكن قطع ذلك نداء" تيم":
_"بسنت" ممكن تيجي ثواني.
أومأت له، وضعت الهاتف بين كفي "زينة"، وهي تُردف بمرح:
_خدي كلمي "آلاء" على اساس ان انا، نعمل فيها حوار!.
وافقت "زينة" بحماس، وكتبت بعد ذهاب "بسنت":
[قولي]
[انا دخلت اوضة "نسرين" العقربة علشان ادور على حاجة تدينها بخصوص موضوع ماما اللي حكيتلك عليه، بس لقيت بقى ورق صدمني حرفيًا!.]
ولم تعطي للأخرى فرصة الكتابة حتى بعثت صور أوراق تبنيها، لتتصنم الأخرى محلها ويتوقف الزمن من بعد ذلك، فقط سكون!.
هزت رأسها نافية، بالتأكيد قد أخطأت عيناها القراءة، وانمحى التخمين سريعًا حينما وصلت رسالة أخرى من "آلاء" تؤكد خطاؤها
[يعني "زينة" مش بنت العيلة اصلًا!.
دي بنتهم بالتبني..!]
أن تعيش مخذولًا مدة عمرك، من أقربهم إليك، ثم تكتشف خذلهم لك؛ فتموت مصدومـًا !!.
هكذا نستطيع تفسير حالة "زينة"!.
يُتبع .....🥀
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
#رُغم_اختلاف_الطريق
#رحمة_أحمد_شُلقامي
رأيكم في كومنت.
ڤوتك يا رايق!.
دمتم بخير💜.
أنت تقرأ
رغم اختلاف الطريق
Ficción Generalــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الحب ليس مجرد كلمة من حرفين تُنطق، والمعنى الخفي له يكمن في شخص حنون، إن حَطت الدنيا بكامل ضعوطها فوق رأسك؛ يكن الونيس لك تحت كل ضغوطها، يساندك ويُمدك بالدعم حتى يعود الأمر إلى سابق عهده...