5

803 36 3
                                    

هرب الأشقر مبتعداً عن غرابه لغرفته ،  ليست لديه الجرءة لينظر بعيني محبوبه مرةً أخرى ، ضرب نفسه عدة مرات و بدأ يبكي ندماً على ما فعل هو لا يحب أن يرى الغرابي بهذه الحالة أبداً ، هو فعلاً لم يقصد أذيته أو إجباره ،  هو فقط أراد الشعور به و جعله يشعر به ، هدأ قليلاً و أراح ظهره على جانب السرير الخاص به و بدأ يتأمل ذلك القمر الذي تخترق خيوطه تلك النافذة الصغير أمامه ...
على الجانب الآخر إستسلم جان لأفكاره و ضغوطاته ، هو حقاً لم يرد إفتعال أي سوء فهم هو من أراد إعطائه هذه الفرصة بنفسه و هو من سلبها منه بنفس الوقت ، لعن نفسه تحت أنفه لتعذيب طفله بهذه الطريقة ، لكن ما بإستاطاعته فعل شيء فهو لم يستطع التحكم بمشاعره و لم يستطع السيطرة على نفسه ، على الرغم من حبه للأشقر و عدم تضايقه منه لكنه لم يستطع كبح دموعه و ذعره ، لم يرد جرح الأشقر أبداً ، غفى على السرير الذي لم يتحرك عنه بتاتاً ، لم تعد لديه القوة ولا القدرة لفعل الشي ، فقد تعبت روحه من كل شي ....

................

إستيقظ بياض الثلج بسبب ذلك الضجيج ، رفع رأسه ليرى أشقر قد حضّر الفطور و جهز كل شيء و لم يبقى سوى سكب العصير و ما أن إنتهى حتى إنتبه أن الآخر  قد إستيقظ و ينظر له بنعس
   
هان : هيا أيها الكسول فلتستيقظ ... لقد أعددت الطعام ... إنهض ... أليس لديك عملٌ اليوم
   
إعتدل جان بجلسته و فرك عينيه بعد أن تثائب عدة مرات فهو حقاً نعس جداً ولا يريد الإستيقاظ ، إقترب أشقر منه و طبع قبلةً طفيفةً و نظر بحنانٍ للذي إرتبك قليلاً  ، فهو يتذكر جيداً حديثهما البارحة و أنهما سينفصلان
   
هان : هيا ... سيبرد البيض ... لقد أعددت بعض اللحم المقدد أيضاً
   
جان : .... هان ... البارحة .... أنا .....
   
هان : هششش جانيي .... ماحدث البارحة دعه للماضي ... كما أنه لابد لنا أن نتشاجر ... أعني الشجار على الرغم أنه موجع لكنه يُضيف نكهةً جميلة للحياة لذا لنعتبرها إحدى شجاراتنا التي ربما ستكون أخريات غيرها بالمستقبل .....
   
جان : لكن ... اعني ...
   
قاطعه هان بعناقٍ لطيف ، لانت ملامحه  لهذا ، أحس ببعض الطمأنينة و الأمان ، سحب أشقر ذراعه للطاولة و بدئا يتناولان طعامهما  بهدوء ، بعد ذلك ذهب المومياء المرقع للاستحمام و اخذ أشقر ينظف المكان و يرتب الأغراض فهو حقاً لا يعلم كيف لغرابه أن يعيش بكل هذه الفوضى ......
خرج جان مرتدياً قميصاً أسود واسعٌ جداً تبان إحدى أكتافة لشدة وسعه و بنطالاً قماشياً مريحاً و إرتمى على السرير بعد أن أحس بالإنتعاش من إزالة تلك الفوضى من غرفته  
   
جان : اااححح تماماً بالوقت المناسب ... شكراً أشقر
   
هان : على الرحب أيها الفوضوي ... أتعلم تذكرني بسمكة الزبال هي أيضاً تشبهك كلاكما تحبان و تعيشان بالنفايات و لونكما أسود
   
ضحك جان على تذمر الأشقر من فوضويته ، هو لا ينكر أنه شخصٌ فوضوي جداً و مهمل حتى أنه بنفسه ينزعج أحياناً من تلك الفوضى لكن حقاً لا يجيد التنظيف أبداً ، تأمل هان ذلك المرتمي على السرير ، نظر لتلك العلامات التي وضعها عليه ، هي حقاً لائمته و قد إزداد شكله إثارة و جاذبية أكثر من قبل ...
   
هان :لن تذهب للعمل هكذا ... أليس كذلك ؟!! ....
   
جان : بلا ... و أيضاً سأقوم بفتح ازرار القميص و ربما أخلع البنطال أيضاً
   
هان بصدمة :مـ مـ مـ مااااا ذااااااااا ؟؟؟!
   
جان بقهقهة  : هل أنت أبله ... بالطبع لن أذهب هكذا ... لن أذهب اليوم
   
هان بذهول :  حـ ... حقاً ؟!؟...... لما ؟!
   
جان : هممم لا أشعر أنني أريد الذهاب و الإلتقاء بكل أولائك المزعجين ... كما أنه يحق لي أخذ يوم إجازة ... فأنا أعمل هناك حتى بالإجازات 
   
هان : معك حق .... يجب أن يراعوا أن الإنسان يتعب و يمل ... أنت لست آلة ليجعلوك تعمل كل يوم
   
إعتدل الغرابي بجلسته ، راكياً رأسه على حافة السرير  ، ناظرا للأشقر
   
جان :ما رأيك أن نتنزه قليلاً  ؟!؟
   
إستغرب الأشقر من طلبه فهو يكاد يُقبل قدميه ليخرج معه بينما الآن هو من يطلب الخروج ، أماء له بحماسة و ذهب ليجهز نفسه كما فعل أيضاً بدوره ، حيث إرتدى بلوزةً قطنية عالية الياقة أسفل قميصه  لتخفي تلك العلامات  و وضع ذلك القناع يخفي به وجهه فهو لا يخرج لأي مكانٍ إن لم يخفي نفسه تماماً عدى المقهى فهو المكان الوحيد الذي يظهر به ، وضع نظاراته السوداء و ذهب لأشقره ليتأكد  إذ ما إن إنتهى أم لا ... دخل الغرابي ليحمر بعد أن رآى  ذو البشرة القمحية عاري الصدر و يبرز نحت جسده بشكل مُنسقٍ و جميل ، بشرته الداكنة قليلاً و كأن الشمس قامت بتقبيله و خصلاته الذهبية المموجة  ، إلتف بنظره لمكان آخر يُلهي عينيه ، إبتسم أشقر إبتسامةً جانبية لإدراكه خجل الآخر ، إرتدى سترته الفيروزية الواسعة و بنطال جينزٍ فاتح ممزق من الأفخاذ و الرُكب ثم حذاءً أبيضاً و بدا شكله كعقد الياقوط الذهبي ، إنتهى و إقترب من غرابه الذي كان ينتظره على السرير واضعاً كلتا يديه بجيبه و ينظر لأي مكانٍ غير الأشقر ، نهض كلا الأنيقين و خرجا للتنزه سوياً  ......
مشيا بالأسواق القريبة من مسكنهما ليس بهدف شراء شيء ولكن الغرابي يحب دوماً أن يدخل لأي مكانٍ مزدحم و كأنه يحاول إيضاع أحدٍ ما ...
بعدها وصل كلاهما لتلك الحديقة الجميلة المليئة بالزهور الملونة و التماثيل الرائعة ، هي حديقةٌ مخصصةٌ لكبار السن و ذوي الإحتياجات الخاصة حيث تتميز بهدوءها  و شاعرية تصميمها ، يحب جان قضاء الوقت بها كثيراً فهي مريحةٌ جداً للأعصاب و فعالةٌ للإسترخاء جلس الشابان على إحدى حواف البركة واضعين أقدامهم على كلا الجانبين للحافة و متقابلين لبعضهما ، بدا الأمر بالنسبة لهان و كأنه موعدٌ غرامي ، لكن لم يكن نفس الشي بالنسبة لجان ...
   
هان :  إذن  أيها الغراب ... هل هذا موعدنا الأول ... هل حقاً تريد إصطحابي بموعد ... لقد أحببت جداً المكان إنه حقاً شاعري ... لم أعلم أنك رومنسي لهذه الدرجة عزيزي ...
   
نظر الغرابي لزمرديتي أشقر التي تلمع مع إنعكاس الماء بها الذي أضاف لها لونا أجمل بكثير ، كما أن سترته قد زادت من جماله أكثر ... أمسك يده و أردف
   
جان : ليس فقط موعدنا الأول ... بالاخير أيضاً ....
  
   
تلاش بريق السعادة الذي كان ظاهراً بقوة بزمرديتي ذلك اللطيف و إختفت معها إبتسامته المشرقة التي تُبرز تلك الغمازتين اللطيفتين و أستبدلت ملامحه بأخرى باردة و حزينة ...
   
جان : ألن تكف عن الأمر جان ... لما و اللعنة أنت مُصرٌّ جدا لننفصل ... هل لهذه الدرجة تكرهني ولا تطيق البقاء معي ...
   
جان بهدوء  : الأمر ليس هكذا أشقر ... أنا لا أكرهك أبداً ...و أحب حقاً البقاء معك و تمضية الوقت سوياً .... لكن ... لا أستطيع الإستمرار بهذه العلاقة أكثر من ذلك ... أرجوك ... لا أريدك ان تتاذى و أن تتقيد بسببي ... كُنت مخطئاً عندما إقترحت أن ندخل بعلاقة ... و انا نادم ... لقد كنتُ مغفلاً و أردت الإستمتاع قليلاً بحياتي ... لكن هذا خطأ .... انا لا يمكنني ذلك ....
   
هان : أتعني أن علاقتنا خاطئة ... و أن كل ما نعيشه خطأ
   
جان : لا أعلم هان ... إنني مشوش ... لما تصرُّ على البقاء ... ليس وكأن هناك أي شيءٍ سيحدث بيننا ...ليس و كأن علاقتنا ستطور أو اننا سنتقرب أكثر ... ليس و كأننا سنبقى سوياً للأبد ...
   
هان : ما الذي تعنيه ... لما لن نبقى و لما تظن أن علاقتنا ركيكة لهذه الدرجة .... لما كل هذا التشاؤم ...
   
جان : لانها بالفعل كذلك هان ... أنت بالكاد تعرف عني شيئاً ... و على الرغم من ذلك تقول أنك تحبني و تريدني ... ماذا إن تغير هذا الحب و أصبح كراهية إن علمت حقيقتي ... ماذا إن بدأت تنفر مني ... لما لا ننهي الأمر الآن قبل أن يصبح أعمق و يسبب ألماً أكبر ... أنا لا أكرهك ... أريد الإبتعاد عنك لأنني لا أريد إيذائك ... لا أريد أن تتعثر حياتك بسببي .... وجودي لعنة ...
   
هان: قل لي ... لما تلك الفتاة مقعدة .... هل تعرضت لحادث سيارة ؟!.... أم ربما وقعت من الشرفة .... أو أصيبت بمرض ، أليس كذلك ؟! 
   
 نظر الغرابي لتلك الفتاة الجميلة التي تتحدث مع تلك العجوز اللطيفة و تحيطهم حالة الشغف و اللطف ، أعاد النظر لأشقره ...
   
هان : هل علمتْ أنها ستتعرض لحادثة تسبب لها الشلل ؟!؟ ... ماذا لو لم تخرج من المنزل ذلك اليوم هل ستكون تمشي على قدميها الآن ... ؟!؟   ماذا إن أدركت أنها ستتعرض للشلل لكنها لا تعرف متى بالظبط ؟!؟ هل ستبقى حاجزةً نفسها بالمنزل خيفة أن تتعرض للحادث ؟!؟ أم هل ستذهب و لكن ستتجنب تماماً أي طريقٍ يملئه السيارات ؟!؟
أخبرني ... هل سيمنع ذلك شللها ؟!؟
   
نظر الغرابي بغير إستيعاب للأشقر ...
   
  هان : لما أنت صامت أخبرني ... هل ستبقى الفتاة على قدميها إن اخذت حذرها من كل شيء و حبست نفسها بالمنزل  و لم تتخرك بتاتاً ؟؟!؟ أم أنها لن تتحمل كل هذا الضغط و التوتر و ستقول أنها تفضل العيش مقعدة و حرة على أن تكون أسيرة عقلها و مخاوفها ؟!؟ ........ هل تريد أن تبقى أسيراً لمخاوفك  ... هل حقاً تظن أنك إن إبتعد عني فستبعد كلل الأذى الذي تظن أنني سأتعرض له  بسببك ... لو أن هذا صحيح لما إلتقينا منذ البداية ... لن يكون هناك أي رابطٍ بيننا بل سنكون مجرد عابري سبيل ليس إلا .... لما جمعنا القدر منذ البداية إن كان سيفرقنا هكذا ... إن كان الفراق مقدراً لنا إذاً لما لازلتُ مصراً على البقاء ، لن يكون هناك سبب للبقاء ،لما أشعر بالرغبة الشديدة بالتمسك بهذه العلاقة ........
لما لا ننسى الماضي و نتجاهل المستقبل و نركز فقط على حاضرنا جان ؟! ...
على اليوم الذي بين أيدينا .... ؟!
   
   
بقي غرابنا ناظراً للأسفل ، فقد تلاشت كل أفكاره بعد سماعه لكل هذا الكلام ، و كأن كل الكلمات و الأشياء التي أراد قولها قد تبخرت ،لم يعد لديه شيءٌ ليقوله ، احس بالحرج من نفسه كون هذا الطفل الذي لا يجيد شيئاً سوى البكاء ، ناضجاً أكثر منه ، تفاجئ بنظرته العميقة للأمور ، هو لا يدرك ما الذي عليه قوله فكل كلمة نطق بها ذلك القمحي صحيحةٌ تماماً  هو خائف دون سبب ، يفكر فقط بما قد يحدث و ما مقدار الأذى الذي سيتعرض له عزيزه إن بقي معه ، هو فقط يريد حمايته و ان يبقيه بأمان ،حتى وإن عنى ذلك أن يكون بعيداً ،  أمسك الأشقر وجه الغرابي جاعلاً منه ينظر في زمرديتيه الحنونة
   
هان : أعلم أنك تخفي الكثير من الأشياء عني ... و أنك خائفٌ من أمرٍ ما ... أعلم أيضاً أنك قد مررت بأمورٍ سيئة جداً جعلتك تفقد الثقة بكل شيء حولك و تشعر بعدم الأمان ، أعلم أنك مشوشٌ جداً و لا تعرف ما ينبغي عليك فعله  ،و لا تشعر بالراحة ،  إنني أشعر بكل هذه الطاقة السلبية و الحزينة التي تحيط بك  غرابي ، ولهذا لا أريد تركك بمفردك لا أريدك أن تغرق بهذا السواد القابع داخلك أكثرر   و لا أريد أن اخسرك فقد أحببتك رغم كلل هذه الجوانب الغامضة بك أحببت هذا الدفئ و هذه المودة ، هذه الحياة اللطيفة ، لا يهمني ماضيك أو حقيقتك ، ما يهمني حقاً هو ما أنت عليه الآن ، المشاعر اللتي تخالجني عندما أكون بجوارك الشعور بالتميز و الإستنثاء ....
   
هربت دمعةً  من تلك الكريستاليتين السوداء ، فهو لم يسبق له أن كلمه أحدٌ بهذه الطريقة أو أشعره أنه يملك مشاعر و أحاسيس ، هو لم يحدث قط أن شعر بحنية شخص آخر ، لم يستطع كبح دموعه و قد تساقطت تلك الماسات معلنةً تحرر بعض العواصف المكبوتة داخل قلبه الرقيق ، إحتواه ذلك الأشقر  و ربت على شعره و هو بالكاد يكبح دموعه لأنه يريد أن يمد غرابه بالقوة و كيف سيفعل ذلك إن بكى هو أيضاً ....
مضى الوقت و قد شارفت الشمس على الغروب و ذلك الثنائي اللطيف محتضنين بعضهما و ينظران للغروب ، بتلك العيون التي تبرق و تلمع بشدة و كل من يمر بجانبهما ينظر لهما بلطفٍ و حب إلا بعضهم الذي تقزز قليلاً ،  حمل طفلنا الضخم كمرته و أشهرها نحوهما ليلتقط بعض الصور له و لحبيبه بهذا الجو الرائع ، فتلك الخيوط الذهبية المحمرة قد أضافت جمالية لكلاً منهما ، قبّلا بعضهم قُبلةً عميقة و لطيفة وإلتقطا صورةً لطيفة و فاتنة لقبلتهما  لتبقى ذكرى لهما مدى الحياة ...............
.
.
.
.
.
.
تنسوش التصوييت باليز  ⁦ ⁦(⁠っ⁠˘̩⁠╭⁠╮⁠˘̩⁠)⁠っ
.
.
.

أخرجني حيث تعيش القصص. اكتشف الآن