الفصل الرابع عشر

2.3K 98 11
                                    

لملمت أشيائها البسيطة عازمة على تنفيذ قرارها مع أول خيوط الصباح، خافت أن ترحل في عتمة الليل وحدها، تنهدت وهي تجول بنظرها في كل بقعة في بيت خالتها حملت معها ذكرى طيبة، هنا وجدت أمانها وراحتها، لكن لم يعد لها مكان بينهما بعد ما طالهم مكر عزت، لن تنتظر حتى ينالهم أكثر، سوف ترحل لكنها تدري أين سوف تكون وجهتها، وتدعو الله أن يوفقها.
________

مكث رضا ينتظر صديقه رفعت حيث تواعدا والدهشة تملأه من طلبه الغريب لمقابلته العاجلة بذاك الوقت المتأخر، لا يدري ماذا لديه، لازال قلبه مقبوض بخوف مبهم، خوف صار يلازمه ليس لأجله بل لأجلها هي، كأنه يصارع سيوف خفية لا يدري من أين ستأتيه طعنتها، فإن طالها أذي سينال منه قبلها، كل كيانه رغما عنه صار جزءً منها، ما يصيبها يصيبه، وكم يتمني أن يدحض أي خطر يقترب منها.
انفطر قلبه حين لمحها بشرفتها جالسة وأخاديد الحزن منحوتة بسائر ملامحها، تراها علمت بما فعله لأجلها وكيف أثبت براءتها؟ يعلم الله انه لا يترجى علمها ليتباهي أمامها ببطولة، بل فقط كي تطمئن انه بظهرها يتصدى لكل سهام الأذي التي أطلقتها ألسنة الناس عليها.
تنهد بلوعة، كم أشتاق عيناها أوحشته كثيرا.
بتنهيدة أخرى رافع رأسه للسماء يناجي ربه صامتا عله يستجيب لما في خاطره.

لاحت سيارة من بعيد فانتبه لعلها تخص صديقه، الحقيقة لا يتذكر لونها حين أتاه المرة السابقة، توقف صاحبها ملقيا تحيته الودودة: السلام عليكم يا رضا.
رد التحية بالأفضل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
خير يا رفعت طلبك تقابلني متأخر كده قلقني جدا، في جديد حصل؟
حدجه بنظرة ثاقبة قبل أن يلقي بدلوه دون تردد:
أشرقت هتسيب بيت خالتها الصبح يا رضا.

تبدلت ملامحه لصدمة حقيقية وهو يردد بذهول:  هتسيب البيت؟ هتسيبه ازاي وهتروح فين؟ عند أخوها؟
هز رأسه نافيا: لأ، اللي اعرفه أنها مش بترتاح مع مرات اخوها ومش ناوية تلجأ لبيته.
_ أمال حضرتها هتروح فين يعني؟ هتعيش في الشارع؟
هتف كلماته قاطبا جبينه بعصبية تفهمها رفعت مشفقا عليه قبل ان يتمتم بهدوء:
بالراحة يا رضا من غير نرفزة، هي معذورة برضو بعد الموقف الزبالة اللي حطها فيه عزت، أكيد حسيت انها عبء علي خالتها وجوزها وخافت سمعة بنت خالتها تتأثر بسببها، ماهو طليقها مش هيبطل ندالة وممكن يخترع مصيبة تانية ألعن من اللي قبلها.
_ بس أنا ماسكتش واخدت حقها وأظهرت دليل براءتها لكل الناس، والموضوع شوية وهيموت ويتنسي، وأكيد مش هسيبها لو عمل اي حاجة تاني، يبقا ليه خايفة؟ 

ابتسم رفعت ابتسامته الهادئة گعهده هاتفا: ده علي أساس انها معترفة بمشاعرك دي وحاسة بيها؟ منين هتعرف انك هتفضل في ضهرها كل مرة؟ بأي حق عايزها تعتمد عليك وانت مالكش صفة.
_ ما هي اللي غبية ورفضتني.
صاح بها غاضبا بحنق، ليربت رفعت على كتفه داعما:
ده مش غباء يا رضا ده خوف، الست زي الوردة لو دبلت بتفقد الروح والحياة، أشرقت قلبها مات واتعقدت من اللي شافته، طبيعي ترفضك خصوصا ان حبك ليها للأسف من طرف واحد.

رواية أشرقت بقلبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن