الفصل العشرون

2.6K 106 19
                                    


وقفت أمام الموقد تعصج اللحم المفروم، وعلي عين الأخري تسلق حبات المكرونة لتنتهي منها وسريعا ما صنعت صلصلة البشاميل البيضاء، أحضرت قالب البايركس وراحت ترص الطبقات حتي انتهت ووضعتها بالفرن..عادت غرفتها لتستريح قليلا ولا تدري سببا لهذا الإعياء الغريب والدوار الذي صار يكتنفها من وقت لأخر مع شهيتها الضعيفة.

تمددت تستريح واستندت برأسها علي ظهر فراشها شاردة بالصدفة التي جعلتها تسمع حديث الصغار دون قصد، ومازن يخبر شقيقته أنه يشتهي البشاميل التي كانت تحضره لهم الجارة العجوز كلما طهته لأن رضا لا يعرف كيفية صنعه، أهتز قلبها ورحمة تعد أخيها أنها حين تكبر ستتعلمها وتطهوها لأجله..لتجد نفسها اليوم تقرر أن تُعد قالب البشاميل لهما.. لا تدري لما فعلت وهي التي لا تكترث لهم منذ أتت..لكن أمومتها التي تدفنها داخلها تحركت رغما عنها..تتوقع ألا يتذوقها الصغار من يديها.. ومع هذا لقد فعلتها لأجلهما.
تذوقوها أم لا هذا شأنهما.

حادت عيناها وتنهدت وهي تنظر لجانب الفراش الخالي الذي ينام عليه رضا في العادة.. عادته التي أخلفها وهو يعاقبها بعدم الحديث والنوم جوارها متخذا من الأرض نومته، حديثه معها صار مقتضب.. المفترض ألا يضايقها هذا.. لكنه للعجب يضايقها كثيرا.. هناك فراغ ما تشعر به..تعلم أنها اغضبته بخروجها دون علمه، وزادت الطين بلة حين تفوهت باسم طليقها أمامه.. لقد خافت لحظتها.. ظتته سوف يخرج عن شعوره ويضربها لكنه لن يفعل.
خالف ظنها كما يفعل دائما.

وصلتها رائحة البشاميل فنهضت لتطفيء الفرن قبل أن يحترق ليداهما الدوار ثانيا فتفقد توازنها وتعود جالسة لطرف فراشها وقتا، نهضت بتثاقل لتطفيء الفرن وبينما هي عائدة لغرفتها أكتنفها الدوار الشديد من جديد، طاقتها تكاد تكون معدومة ورأسها يميل علي كتفيها وعيناها ترتخي أهدابها قبل ان يجفلها قرع جرس الباب، انتبهت سريعا وهي تتوقع ان يكون رضا، حتما عاد مبكرا ليلطف الأجواء معها، هرولت بقدر استطاعتها ليوقفها الدوار ثانيا وتشعر أنها سوف تسقط، قاومت حتى وصلت للباب تُشرعه لتصدم بأخر من توقعت مجيئه إلى هنا.

عزت!

حملقت به ذاهلة لعلها تري خيالا
لتجده يتقدم نحوها متجاوزا الباب المشرع وعيناه الخبيثة
تدور عليها وصوته الكريه يهمش أمامها: 
اتجوزتي يا أشرقت؟ بالسرعة دي بقيتي لراجل تاني غيري؟
الدوار اللعين يزداد ضرواة برأسها فتقاوم وصوتها من الخوف علق بحلقها عاجزة عن الصراخ.
تحاول الاستغاثة بأحدهم فلا تجد صوت.
يقترب إليها فتبتعد ورجفة الخوف تجعل جسدها الهزيل ينتفض وريقها بالكاد تبتلعه.
ما زال عزت يقترب ونظرته الوقحة تمر علي تفاصيلها فتضم ذراعيها حولها بتلقائية تحتمي من نظرات.
الدوار اللعين لا يزال يُثقل رأسها.
الأشياء تتحرك حولها كأنها تنقلب رأسا علي عقب
ذراعيها يسقطان جانبها بغتة كما سقط جسدها دفعة واحدة
وأخر ما رأته وجه عزت يميل عليها.
_____________
كأنه ترك عقله عندها عاجز عن التركيز بشيء، لم يراها تأكل منذ أمس، هل يترك جسدها فريسة لهذا الضعف، هو حقا غاضب منها كثيرا، لكن قلبه اللعين يرق لها، سيذهب بأي حجة ويتفقدها، والأفضل ان يحضر معه شطائر الطعمية التي تحبها ولا تقاوم رائحتها.
………
بدأت تستعيد وعيها ببطء وجسدها يؤلمها
تشعر بالأرض الصلبة تحتها، فتحت عيناها ليقابلها ضوء مصباح السقف الساطع يجبرها لتغلق عيناها من جديد، نهضت بنصف جلسه تتطلع حولها وضميرها يهمس بتساؤل
ماذا حدث؟ أخر ما تذكره أنها رأته
عزت كان هنا؟
عزت كان… ..
شهقت وهي تكمم فمها بذعر حقيقي!
هل فعل بها شيئا؟
هل دنسها هذا الوغد؟
هل كان هنا حقا أم هو هذيان ينتابها؟
ماذا حدث؟ كيف تتأكد؟
راحت تفحص جسدها بعناية علها تجد دليلا لدنسه
لم تجد، هل تركها دون أن يؤذيها؟
أم لم يأتيها من الأساس وتتوهم؟

رواية أشرقت بقلبهحيث تعيش القصص. اكتشف الآن