عيبنا الكبير أننا نترك حقائب سفرنا فارغة.
نغتر بدنيا "فانية" ولا ندخر للأخرة "الباقية"
شيئًا تتقوت به أرواحنا تحت الثرى
نمرح في الأرض ونخوض صراعات كأننا بها مخلدون
وننسى أننا جميعا نرتاد نفس الحافلة.
لكن لن يهبط كلانا بذات المحطة.
يد الفراق تحصد روحًا بعد أخرى
ولا أحد يدري متى يحين موعده.
_________"ايه السبب اللي دفعك لارتكاب جريمتك؟"
"الجيران شهدوا انك كنت بتتخانق مع اختك وتاخد فلوسها بالعافية وتشرب بيها..ده دافعك الوحيد لقتلها؟"الصمت الشارد كان جوابه الوحيد، ماذا يقول؟
هل يخبرهم انه مجرد رجل ثار لشرفه؟
ضحكة ساخرة دوت بضميره تذبحه بسيف تهكمها
أي شرف هذا لرجل مثله؟
رجل ذاكرته لن تسعفه لإحصاء من زنا معهن؟
رجل اندثرت بقعته البيضاء خلف سواد خطاياه.
فما عاد له بصيص نور يمحي ظلام آثامه."هسألك تاني، ليه قتلت أختك المدعوة قمر عبد السلام؟"
"لازم تتكلم السكوت مش في صالحك!"لا يزال المحقق يحاول انتزاع اعتراف كامل منه ربما لديه مبررات لا أحد يدري عنها، ليكون صمت "عزت" هو جوابه الصامد، رمقه المحقق بنظرة فاحصة قبل أن يُملي كلماته للرجل الذي يكتب خلفه: قررنا نحن "… ." بحبس المتهم عزت عبد السلام أربعة أيام علي ذمة التحقيق لحين… .
نقرات الباب قاطعت ديباجة المحقق، ليندفع إحدي العساكر وهو يقدم. له تقريرا جعل عيناه تتسع قبل ان يكسوها الغموض وهو يعود يطالع عزت الناكس رأسه بصمت شارد،
مفجرًا قنبلته: أظاهر ربنا بيحبك.. أختك لسه عايشة.جحظ أعين عزت بذهول شديد وهو يردد بصوته الذي يهمس به للمرة الأولى منذ ما حدث: عايشة؟!
لا يدري هل يفرح لمثل هذا الخبر بنجاتها، أم يغضب من خذلان يده التي أخفقت بطعنتها ولم تحصد روحها للأبد؟
شطر من روحه ينتصر لفرحته بنجاة تلك الصغيرة التي كان يشتري لها الحلوى ذات اليوم ويختار أطواق جدائلها.
وشطر أخر يغلب عليه القسوة ثائرًا لإنفلاتها من قبضته حية.
من جديد يشرد والحيرة تتصارع داخله وعين المحقق الخبيرة تسبر أغواره بنظرات ثاقبة عله يستشف شيئا من تلك الانفعالات الجلية لعينه، لتتسع هالة الغموض حول ذاك الرجل.
__________"تقرير الطب الشرعي وضح إن الطعنة اللي في منطقة البطن كانت خطيرة وكفيلة تنهي حياة المجني عليها بالفعل، لولا التدخل الطبي والجراحي السريع انقذ حياتها"
مط المحقق شفتيه دون تأثر لزميله:
عادي يا غيث، لسه ليها عمر.
أومأ الأخير له موافقا قبل ان تلمع عينه بومضة غامضة:
بس عارف، مش مقتنع إن سبب محاولة اخوها لقتلها فقط انه كان عايز منها فلوس، أشمعني الليلة دي اللي حاول يقتلها؟!
حسب كلام الشهود ده حالهم كل يوم، ايه اللي خلي الأمر تطور للقتل الليلة دي بالذات؟
ليصنع غيث بسبابته دائرة وهمية في الهواء قائلا:
في هنا علامة استفهام كبيرة!
زميله مفسرًا الأمر ببساطة: متنساش إن المدمن بيفقد السيطرة تمامًا علي عقله وبيكون فعلا غير مدرك للي بيعمله.