الفصل الثاني

487 42 4
                                    

أومأ "تايلور" و قال في مزاح :
- الرئيس ؟ صرتَ مهمًا إذًا
ضحك"جونيور"ثم عاد"تايلور"للعمل بعد موافقته على مقابلة"وولف"، اعتذر لزملائه :
- آمل ألا أكون قد تأخرت.
أجابه أحدهم ساخرًا :
- لا بأس عليك سيد غريب الأطوار، ما بك تلتقي بـ"جونيور"كثيرًا هذه الأيام ؟ و كأنك تود نقل أفكارك الغريبة لأحدهم!

عقد حاجبيه كاتمًا غضبه ثم أمسك فرشاة الدهان مرةً أخرى دون ترك إجابة ليتابع زميله :
- يبدو توقعي صحيحًا! يا للعار أن يكون ربان السفينة الجديد صديقًا لمن تستحوذ عليه تلك الأفكار مثيرة الريبة!
أجابه"تايلور"في نبرة غاضبة :
- لا يجاورنا سِوى ظلام البحر، بإمكاني رميك فيه بكل سهولة.
ضحك ساخرًا منه ثم تدخل أحدهم :
- توقفا عن الشجار كالأغبياء و تابعا العمل.

نفث"تايلور"و لم يجب ، بينما تحدث"فوكس"و الذي كان بمثابة قائدًا بأفعاله مع البحارة بصوت مضطرب :
- لربما هو محقٌ، نحن لن نقبل بـ"جونيور"يوثق تلك الأفكار غير المؤكدة و الخطرة أيضًا إلا بدليل قوي، لكن هذا ليس سبب وجودنا هنا الآن ولا سبب عملنا.. ولن تغير الأفكار الغريبة من صداقتنا معًا، علينا الانتهاء من هذه السفينة كي تنضم لإسطولنا الجميل.

~

طرق"جونيور"باب مكتب الرئيس"لوكاس"الذي تواجد في مبنى بجوار الميناء، فتح له نائبه باب الغرفة التي لم تكن متسعة للغاية، بسيطة في حجمها و مكوناتها، على الرغم من ذلك كانت بساطتها أكثر رقيًا عن المنازل الشعبية، تقدم"جونيور"لسحب كرسي من الطاولة :
- وصلني أنك تريدني سيد"لوكاس"، لا أدري ما السبب.. اليوم فقط بدأت عملي كربان.
عقد"لوكاس"ذراعيه معًا، وهو رجلٌ ضخمٌ بعض الشيء و يهتم بمظهره الجسدي :
- أردت أن أسمع انطباعك الأول عن العمل، فإن لم تكن قادرًا عليه لذا لا يوجد سببًا للإبقاء عليك و لديّ بدائل أُخرى تعوضك.

ضغط"جونيور"على قبضة يديه المختبئتين اسفل الطاولة لم يلحظهما"لوكاس"ثم تساءل في نبرة هادئة :
- إن كان الأمرُ مقتصرًا على متابعة أعمال البحارة فإنني كفيلٌ بها، و لكنني لا أعرف سِوى القليل عن تلك الاتفاقية الحديثة فكيف لي أن أحدد إن كنتُ كفيلًا بذلك

قاطعه"لوكاس"قبل بدء جملة جديدة في نبرة ساخرة :
- و هل تظنُ أنك ستعرف شيئًا عنها ؟ من تكون"جونيور وولف"
صمت"جونيور"ثم شاهد نهوض"لوكاس"متجهًا ناحية خزانته :
- تعامل مع تلك الاتفاقية كما لو أنك لم تسمع عنها، في النهاية لولا الطوارئ لبقيت في منصبك تقوم بصيانة السفينة معهم.

حادث"جونيور"نفسه دون تحريك شفتيه:"آه.. هكذا إذن، رجل ذو منصب رسمي يفتقر للأخلاقيات، كما توقعته."

نهض"جونيور"متسائلًا :
- لا أظن أنني أملكُ إجابة أخرى لسؤالك ذلك، لقد قلتُ كل ما أملك.. آمل أن تسمح بانصرافي.

كان"لوكاس"منشغلًا بالنظر في بعض الأوراق ثم رفع نظره إلى"جونيور" :
- آه، بإمكانك ذلك فأنا سأزور الميناء خلال الساعات القادمة.

فور غلق"جونيور"الباب خلفه، أغلق"لوكاس"تلك الأوراق ثم أشعل سيجارته :
- أن تملك نخبة من البحارة ذي العقول الذكية البارعة و تخطط لأعمالٍ سرية خطرة كتلك التي نقوم بها الآن هو أبشع من المقامرة بآخر ما تملك من النقود أمام المحترفين! و الأسوء أن تضع رُبانهم واحدًا من أفضلهم ، لا بل و أقلهم أثرًا، فالرمال نفسها غير قادرة على تتبعه.. لنرَ ما سيُخبيء من ألاعيبه.

~ جلس يراقب النجوم تارةً و العمل تارةً أُخرى لا تهدئ سجائره عن الاشتعال و كذلك أفكاره، ارتفعت صيحة الأشقر "فوكس" بعد ساعتين :
- إنها ليلة عظيمة! استغرقت هذه الضخمة حوالي عامٍ و نصف أو أكثر كي تبدو هكذا! يجب أن تحتفلوا الليلة بذلك، لا يوجد سِوى القليل للتأكد من سلامتها و أن يجربها "كارول" في المحيط.

ارتفع صوت العاملين احتفالًا كمن هجر السجن بعد أعوامٍ من الجحيم، في النهاية لم يكن يومًا عمل البحارة سهلًا و لم يتخلله ذرة سعادة لكنها كانت المهنة التي رقت لها قلوبهم تمامًا كغيرهم من الوظائف في الجزيرة، قاطعهم رئيس الملاحة "لوكاس ميج" و يجاوره "هيكتور" :
- عملٌ عظيم لا شك في ذلك، لكن هذا العمل الذي سأعرضه الآن قد يكون استثنائيًا.

التفت طاقم العاملين له في ملامحٍ حائرة تحمل في ثناياها الرغبة في الاستقالة قبل سماع العرض الجديد  ليتابع"لوكاس" بنبرة مازحة :
- ما تلك الملامح ؟
عقب"لوكاس" :
- لن تحظوا بعطلة أسبوع كما تجري العادة، أريد منكم إعادة تأهيل سفن الميناء من صيانة و دهان.
صاح"فوكس"في غضب :
- و ماذا جدَّ لنفعل ذلك؟ لطالما كانت السفن كما هي و لم يغير ذلك من شيء في مسارِها! ولم تغرق و تسبب الكوارث!

ضحك"هيكتور"متحدثًا :
- لا أظن أنني قد تحدثتُ في دروس البحارة عن أن أداب التحدث لرئيس الملاحة تكون هكذا، "فوكس"تأدب.

أشار له"لوكاس"بالتوقف ثم تابع بنفسه الحديث :
- جاءنا أمرٌ من ملك الجزيرة بذلك.
قاطعه ازدياد الحيرة على وجوههم، ضحك ثم تابع :
- و من حديثه فإن ذلك قد يزيد من العائد التجاري أو حتى يجذب أنظار الصحافة العالمية تجاه الجزيرة المهجورة المغمورة! سأشرح الأمر بتوسعٍ في اجتماع غدًا

أشار ناحية"فوكس" :
- و أودك أن تحضر رفقة"جونيور"لتبلغ جميع البحارة العاملين على ذلك بأوامري، طابت ليلتُكم.

أطفأ"جونيور"سيجارته بدهسها تحت قدمه، كان يقف بعيدًا في ذلك الوقت و حادث نفسه:" يظن أنني أنوي الحضور، لاشك أنه لن يزيد حديثه عن شيءٍ سِوى كيف نجعل الجزيرة جنة لأولئك القادمين بينما هي جحيم على ساكنيها، لن يتضمن الاجتماع ما يعني عمل البحارة لذلك لا يهمني."

غادر"لوكاس"و كذلك"هيكتور"بينما اقترب"جونيور" من طاقم العاملين الذين ثرثرت ألسنتهم ساخرة من محاولة"لوكاس"بجذبهم للعمل بذكر زيادة العائد التجاري، فإن زاد حقًا فهذا لن يظهر سِوى في قصر الملك الذي لا يعرف أحد كيف يبدو داخله، أما أجورهم فتبقى عليها الحال لا تكفي حتى ممارسة حياتهم مطمئنين، تحدث بصوت مرتفع :
- سيكون عملًا شاقًا لكن ستتمكون من فعل ذلك، أنا أثق بكم و سأكون رحيمًا في مراقبتي للأخطاء عن الربان"هيكتور".
قالها مازحًا ثم عاد للجدية :
- يمكنكم الانصراف الآن.

مازحه "فوكس" قائلًا :
- لا تحسب نفسك ربانًا قويًا!

أتجه طاقم العاملين للحصول على قسط من الراحة في منازلهم، بينما وقف "تايلور" أمام "جونيور" في دهشة :
- لماذا كنتَ تقفُ بعيدًا وقت خطابه ؟
وضع"جونيور"يده على كتف"تايلور" :
- دعنا نتحدث في"دوليشيان"كما وعدتُك، سأفصح لفضولك عن كل شيء.
~
أثناء هذه الليلة، تسللت "هيلين" لإحدى كهوف جبل "آريز" بين سلاسل الجبال المتواجدة في جنوب الجزيرة بالقرب من شاطئها، اشتعلت بعض الأخشاب بالكهف لإضائته وأخذت تثرثر للشقراء :
- كم أشعرُ بالغباء والذكاء بآنٍ واحد، إنني كثيرة التصنع أمامه حينما يتعلق الأمر بما يعرفه من معلومات غريبة تهمه، رغم أنني.. أعرفها.. واليوم، حادثني عن أمرٍ ما، أعرفه حق المعرفة، بل أكثر منه.
لم تلتفت لها الشقراء، واهتمت باللعب ببعض الحصيات على الأرض، لكنها تساءلت بنبرة خافتة للغاية :
- ما هي؟
-- أنتِ.

رفعت الشقراء رأسها تجاه "هيلين"، و ناظرتهابعينين زرقاوتين تملؤهما الدهشة والذهول، لكن سرعان ما وجهت نظرها نحو الأرض :
- هذا لا يقلل من غبائك.. رغم أنه بالنظر لخدم "فلاديميريا"...
اعتبرت "هيلين" تكملة هذه الجملة مديحًا لذا ابتسمت وملأت الحيوية وجهها لتقول الشقراء :
- لا.. لازلتِ غبية مثلهم، فإن ما يساعدك على التخفي هو غياب هذا الشاب عن الجزيرة لأشهر وعمله الطويل.. ولولا ذلك لما أخفيتي أصولك السحرية هكذا..

نظرت لها "هيلين" بغرابةٍ وخيبة أمل بآنٍ واحد، ثم عقبت :
- لكنني لست غبية لدرجة إظهار أصولي السحرية لعامة الشعب العاديين! هذه نقطة جيدة، أليس كذلك سيدة "افروديت" ؟
ضحكت "افروديت" ضحكة خافتة، ثم تساءلت و هي تتابع لعبها بالحصيات :
- أنتِ لم تكتشفي شيئًا مختلفًا حوله، لم تكتشفي أنه بالقائمة الحمراء.. إنك ساذجة..

اتسعت حدقتا عيني "هيلين" فزعًا فور سماع لفظ "القائمة الحمراء" ثم غيَّرت "افروديت" الموضوع :
- إن "فلاديميريا" لا آثار لها حول جزيرتها، لديها بعض النوايا الجديدة، يجب أن نستعد لمواجهتها وصدها.
صاحت "هيلين" :
- لا! أنا لا أكترث لفلاديميريا هذه! أسطورة بشعة غبية اخترعها الأغبياء! دائمًا ما تقولين أنه فور تطوير مستوايا سأتمكن من الشعور بتواجدها ولكن مهما قدمتُ فهذا لا يحدث! أسطورة لا وجود لها إلا في خيالك، إنك أنانية تتخذين قراراتك لصالح هذا الخيال فحسب، لا تحاولين حماية شعبك، ولا أفكر بأنني سأكون مثلك، لن أتخلى عنه وسأحاول حمايته!

صمتت "افروديت" قليلًا ثم ردت بنبرة باردة :
- محاولة حمايته تعني تسليمك بأن "فلاديميريا" موجودة حقًا وليست مجرد أسطورة.
صمتت "هيلين" برهةً مدركةً حقيقة وصواب ما قالته "افروديت" لكنها لم تكترث لاستكمال الحديث وقررت مغادرة الكهف.
~
في مقهى "دوليشيان" ابتسم"تايلور" قائلًا بحماسة :
- آمل أن تفي بوعدك و ألا تتوقف عند جزء مهم، كما تفعل عند كل شيء ترويه.

أجابه "جونيور" وعيناها الخضراء تزينهما لمعة صغيرة :
- هذه المرة لدي مفاجأة
لا ! بل مفاجأتان!

نظر إليه "تايلور" بملامح حائرة وتساءل :
- كم سيستغرق الحديث ؟
عقد "جونيور" حاجبيه و استفهم :
- الوقت تقصد ؟
ضحك"تايلور"مجيبًا :
- لا، عدد أكواب القهوة
يتبع...~

~
متنسوش تشاركوني تخميناتكم عن القائمة الحمراء، و كمان قولولي رأيكم عن الفصلين والبدايات وهل فيهم حماسة تخليكم تكملوا الرواية ولا لا؟ ❤️

دمتم بخير، قراءة ممتعة. 💕


أمواج هيلين { مكتملة ♡ }حيث تعيش القصص. اكتشف الآن