الفصل التاسع

102 17 0
                                    

صمت "جونيور" وأخذ يضغط على أسنانه وبدأ حديثه مرة أخرى بصوت متقطع :
- من أرسلني لهُنا لم يعرف غرضي تحديدًا.. طلبتُ منه أن يعد موعدًا لي معك، لكن لم أرد ازعاجه بالمجيء رفقتي لذلك جئت بنفسي.

بقى "جوناثان" صامتًا ثم تابع "جونيور" :
- رجاءً، لا يمكن أن يُعينني شخصٌ سِواك.
ضغط "جوناثان" على يديه ثم نظر إلى "جونيور" :
- لم تُعرِف عن نفسك.
ابتسم "جونيور" قائلًا :
- "جونيور وولف"، رئيس الملاحة الحالي.
هز "جوناثان" رأسه :
- هكذا الأمر إذًا..

أشار إلى مكتبه :
- تفضل بالجلوس هناك.
جلس "جونيور" و قد تبعه"جوناثان" متساءلًا :
- ماذا تُريد؟
عقد "جونيور" يديه معًا :
- لديّ الكثير من الأسئلة.. لا أحد يملك الأجوبة سِواك
رمش "جوناثان" بعينيه :
- اسرد ما لديك، ساستمع للنهاية.
-- كنت أخططُ مع زميلٍ آخر -أحد تلاميذك-، ماذا إن عرضنا على الملك تجميع الماهرين في الصناعة كما جمع الماهرين لاتفاقية "بلاديوم" ؟ إن كم البضاعة الهائل هذا لا ينم سِوى عن ماهرين صناعيًا!
لماذا لا يصنع ما يحصن الجزيرة، أليس من الممكن أن تحاصرنا "بلاديوم" تعويضًا عن خسائرها؟ إن الحمولة كانت باهظة للغاية.. لا أظن الملك سيكترث لتعويضها لكن يجب حماية الشعب الذي لم يقترف خطأً في هذه الرحلة.. انظر للميناء، لقد تحطم كليًا.. ماذا إن أُلحق الضرر بهم بذاتهم؟ لم يقترفوا خطأً، لا يجب أن يحملوا مسئولية أخطائنا..

ابتسم "جوناثان" :
- هذا كل شيء؟
-- هذا مُلخصٌ ما..
اعتدل "جوناثان" في جلسته قبل أن يجيبه في تلك الاستشارة الهامة وقد لاحظ ملامح القلق و الجدية داخل عيني "جونيور" مما جعله يثق باختلافه، متذكرًا خلافاته السيئة رفقة رجال البحر من جيله، اشمئز لوهلة ثم ابتسم مجيبًا :
- إذًا سأجيبك بملخص مفيد أيضًا.

أنصت إليه "جونيور" بجدية تامة :
- اسمع سيد"وولف"، تبدو قلقًا على أمر الجزيرة و هذا نابعٌ من ضميرك الذي فكر كثيرًا في دمار الأسطول، وعاصر دمار الميناء أمس، لقد عاصرتُ هذا الحدث من قبل و كُتِب لي النجاة، لم أكن واعيًا عن أخلاقيات آل "باتريك" مثلك الآن، لأكون صريحًا، فأنا لم أكن جريئًا لمطالبة الجنرال أو الملك بتعويض الخسائر و لم تُسعفني صدمتي من الحادثة.

توقف "جوناثان" برهةً ثم تابع :
- "إن "بلاديوم" لديهم سياسة غير مفهومة، تارةً يتدمر أسطولنا لهم فيأتوا ويحاربونا، وتارة يتدمر فلا يعطوا ردة فعل، وللآن فهم لم يعطوا.. لكن ماذا لحق بنا؟ المزيد من الدمار.. إنهم يلعنونا بطريقة ما. بالإضافة لفظاظة الملك معهم، أنا متأكدٌ أنه لا يعبء بتعويضهم، وسيستمر بعقد الاتفاقيات التجارية مع الدول الأخرى، وسيجني المال منهم ويستمتع به بلا شفقة.

عقد "جونيور" حاجبيه متساءلًا :
- و كيف عرفتَ؟
-- هذه العائلة لا تخرج المال إلا بألف حسابٍ، ولا تكترث للجزيرة، إنه ميزانٌ بعيدٌ كل البعد عن العدل.. إذا خُيِر آل"باتريك" في التضحية بشيء سيختارون الجزيرة دائمًا و أبدًا.
ضغط على شفتيه بقوة ثم تابع :
- إذا كنت تفكر في الجزيرة بالفعل تابع المسار الذي تنوي أن تسلكه، إن شعبها لا يحتاج فقط من يوقظه، الوعي دون تحرك هو رصاصة عالقة في فخذ صاحبها، تعيقه عن الحركة، وتؤلمه، وهو يعلم بوجودها، لكن ليس بيده حيلة، إنهم يحتاجون من يسحبها.

نهض "جونيور" بعدما صمت "جوناثان" لينهض الآخر :
- اسمع "وولف" كن مسالمًا مع الجنرال الحالي، أنا لا أعرفه.. لقد مات الجنرال الذي عاصرتُه، و ربما تبدل الملك - لكنهم عائلة واحدة تحكم ببرودة دماء فلا تهم هذه التفصيلة-، إذا رُفِضت أنت و مطالبك.. إلجأ لنيران الثورة! لكن قبل بدء أية خطوة، قم بزيارة هذا المكان.

أعطاه ورقة تحمل عنوانًا ما ثم تحدث :
- هذا كل ما يمكنني إفادتك به في هذه اللحظة، حظًا موفقًا في هذه الرحلة الخطيرة.

ابتسم "جونيور" قائلًا :
- أشكرُك على كُل ذلك، سأزور ذلك العنوان لكن لدي سؤال ما..
-- ما هو؟
- هذا المكان، أيجوز إخبار محل ثقة عنه؟
أومأ "جوناثان" برأسه بالإيجاب :
- نعم..فهذا ليس بأمر تنفذه بمفردك!
ابتسم "جونيور" ثم أتجه للمغادره ليقاطعه "جوناثان" :
- حظًا موفقًا، يا رئيس الحطام.
نظر تجاهه "جونيور" في غرابة ثم أومأ برأسه :
- سأفعل ما بوسعي.
ابتسم "جوناثان" متابعًا :
- لا تنسَ اهم شيء، آمن بهدفك.
ابتسم "جونيور" و ألقى التحية على"جوناثان" ، ثم غادر عائدًا للمنزل، قام بشراء بعض احتياجاته عند مروره بالسوق و لم تكن ملامح البغضاء في أعين الشعب قد اختفت بعد، ولم تهدأ أحاديثهم، والكثيرون صاحوا بأحقية مطالبهم القديمة ورغبتهم بإيقاف عمل البحرية المدمر، وصل إلى المبنى وأخذ يمسح جبينه من الحرارة المرتفعة لتقاطعه "أوليفيا" :
- سيد"جونيور"، أحدهم ترك بريدًا لك هنا.

أمسك "جونيور" الظرف في غرابة ثم شكر "أوليفيا" و صعد لغرفته، قام بوضع الأكياس على الطاولة و فتح الظرف :
-"لم يُراسِلك أحدٌ من قبل صحيح؟ بحكم مهنتي، فلقد قمت بإجراء تحقيق شامل عنك، لدينا مقابلةٌ صباح الغد، أنت تتردد على"دوليشيان" كثيرًا، دعنا نلتقي هُناك إذًا.. اريد استعادة بعض الأماكن."
انتهى الظرف بتوقيع : فيليب سايمون.

ألقى الرسالة أرضًا :
- ما الذي يريده هذا الرجل؟
استوقف غضبه لحظةً و تحدث في دهشة :
- إنه من الأيدي الواصلة للملك، هذا ما أريده، المعلومات منهم!
قام بإعادة خصلات شعره المتساقطة على جبهته للخلف :
- اللعنة، لماذا يبدو الأمر أصعب مما تصورت؟

تناول وجبة صغيرة من الخبز المحشو بالجبن ثم فتح باب الغرفة ليباشر عمله، قاطعته الجارة في عقدها الرابع وهي تغلق بابها وسألته في غرابة :
- سيد"جونيور"! هل كنتَ من الناجين من تلك الحادثة ؟!
نظر "جونيور" إليها مبتسمًا محادثًا نفسه:" لا أظن يبدو لها عكس ذلك."
-- و هل كان ذلك حقيقًا؟ تعرض الأسطول لتدمير شامل من كائنات غريبة؟
بدت عليه ملامح الأسى ثم أومأ بالإيجاب لتتابع هي في ابتسامة مرتبكة :
- نحن نعرفُك صادقًا لا أظن القوة الحاكمة أجبرتك على شيء تقوله... لكنه يظل شيئًا مستحيل التصديق.. كم هو أمر فظيع
هز رأسه و تابعت حديثها :
- أمل الا تنشب حركات ضدكم مرة أخرى، لقد كانت مهيبة حقًا! حظًا موفقًا..لربما ستبحث عن عمل آخر بعد إيقاف الملاحة؟

ضحك "جونيور" قائلًا :
- ربما ذلك..
ابتسمت ثم نزلت السُلم و قد نزله بعدها.

سار "جونيور" بعد ذلك في المنطقة قليلًا يحاول تهدئة نفسه في الشوارع الهادئة متأملًا  بعض حيواناتها و طيورها. وجلس على الشاطئ رغمًا عن تلك الذكريات التي حملها له البحر ألا إنه لم يضعف من كون نسيمه كفيلًا لمحو كل ما يؤذي قلبه.
~~

كانت تقوم "هيلين" بنفض الغبار البسيط عن أرفف المكتبة التي ورثتها من جدها بكل أناقةٍ، انسدلت خصلات شعرها البنية الطويلة على جانبي عنقها، سمعت طرقًا بسيطًا على باب المنزل لذا توجهت لفتحه :
- "تايلور" ؟
ابتسم "تايلور" و قد كان يحمل أشياءً بكلا يديه :
- الأمر مزدحمٌ بعض الشيء! لكن أرادت أمي منحك هذا الطعام، و هذا ظرفٌ وجدتُه أمام باب منزلك يبدو أنك لم تلاحظيه.

قامت بأخذ الطعام منه ووضعه على الطاولة ثم أمسكت الظرف و فتحته :
" هذا تنويه بسيط في حال حاولتي مساعدته، إنه تعيس الحظ، تمامًا كجدك."
~ فلاديميريا

تبدلت ملامح وجهها وهي تضغط على الظرف ثم قامت بتقطيعه :
- آه ذلك لا شيء لا تكترث له!! آمل أن تشكر والدتك جزيلًا على ما تقدمه لي من خدمات لا تُرد، و أعتذرُ على إجهادك، لا شك أنك تتحمل عبء كوارث البحرية على عاتقك أيضًا..

لم يكن "تايلور" غبيًا بشأن المظروف لكنه لم يرد إزعاجها بفضوله تجاهه، لذا خبرها عن أنه يحسن التصرف مع عبء وظيفته الآن، ثم ابتسم مودعًا إياها، تلاقط أنفاسه بعدما أغلقت الباب وتساءل :
- ما الذي كُتب في الظرف لذاك الوجه؟ على كُلٍ. لا يخصني الأمر!

~~

أمواج هيلين { مكتملة ♡ }حيث تعيش القصص. اكتشف الآن