-- أجل، لقد أخبرني أن الأمر كان جادًا و أن المتحدث باسم الملك قد طلب ثمانية عشر سفينة، كي تُجهز بطاقم.
كما أمر بتجهيز صناديق الحاويات الكبرى لحمل بضائع سيسلمها إيانا القصر الملكي خلال الأيام القريبة.
لذا طلب مني"فوكس" مساعدته في تنظيم شئون الميناء، ومراجعة وتدقيق أعمال البحارة الآخرين، إن إنهاء العمل خلال هذا الأسبوع أمرٌ صعبٌ للغاية سيسحقنا من الإرهاق، لكن المتحدث قال أنه قد وصله إشارات بقرب وصول أولئك الرجال..
سخر "جونيور" منه :
- ثمانية عشر! بحقك أينوي تعبئة مياه المحيط في حاويات؟ ماذا نملك لجعل الأسطول بهذا الحجم. إنه ضعف أكبر صفقة تجارة مرت علينا..
ضحك "تايلور" ثم مد يده :
-هيا انهض أنتَ الآخر؛ لديك أعمال يجب إنجازها.
~~
شعر بصداعٍ شديد مع غروب شمس يومٍ شاق من الفحص الدقيق و الملاحظات و عرض المساعدة إذا تطلب الأمر، كما نقل الخبرة للبحارة الأشبال في سن السادسة عشر، قاطعه صوت خطوات تقترب للوقوف بجواره حتى نظر خلفه فوجده الربان "هيكتور":
- يبدو أن الصباح الأول قد انقضى بحال جيدة.
-- لقد سجلوا خطوات جيدة في العمل، هل هناك أخبار جيدة استوجبت قدومك هُنا؟
ضحك "هيكتور" بسخرية ثم أجاب :
- لا أظن أنني يجب أن أدخل الميناء بإذنٍ أو لسبب معلوم، أنا عامل مهم هُنا، أظنك لا تجهل ذلك.
هز "جونيور" رأسه دون إجابة ثم تحرك "هيكتور" مع ابتسامة جانبية على وجهه لإلقاء نظرة عن قرب على العمل، لم يكن مثل "لوكاس" تبدو على ملامحه الغلظة فحسب بل كانت غلظته متصنعة لإخفاء القلق و الارتباك المسيطرين على عقله، لقد لوحظ ذلك جيدًا في عينيه المشتتة، عقد "جونيور" ذراعيه معًا محادثًا نفسه :
- كما لو أن هذه البلاديوم تشتت أفكارهم.. هناك شيءٌ خلف المسرح لا أستطيع الوصول إليه!
~ بدأ معظم البحارة في الرحيل للحصول على قسط من الراحة في منازلهم، و البعض الآخر قضى ليله مع زملاء الحرف الأخرى في مقهى"دوليشيان" الشهير في المنطقة "ب" رفقة مشروبٍ يُبرد صعوبة العمل،
وقف "تايلور" أمام طاولة "جونيور" و معه كتاب :
- هذا ما سألت عنه، آمل أن ينال إعجابك!
بالإضافة يبدو شكلك أكثر إنسانية و رقيًا بعد تهذيب لحيتك.
أمسك "جونيور" الكتاب ضاحكًا :
- يبدو كبيرًا و غنيًا بالمعلومات، سأحاول الاستفادة
عبء الضجيج المكان هذه الليلة أكثر من المُعتاد، لم يرق المكان لمزاج "تايلور" لذلك غادره بعد الاستئذان من رفيقه، بينما يطلب "جونيور" قهوته سحب "دوليشيان" كرسيًا أمامه :
- لقد قمت بتبديل مجلسك المُعتاد.
ابتسم"جونيور" :
- إن أخذ طاولة في نهاية المقهى هو أفضل لتجنب آلام الرأس.
-- لا أظنك تتجنبها اليوم!
- أنت الوحيد الفائز من هذا الزحام.
ضحك "دوليشيان" :
- إنه "ليام" مرةً أُخرى، كعادته يشعل المقهى بمقالاته.. ألم تقرأه؟
أمسك الآخر بفنجان قهوته و ظل صامتًا برهةً ثم تحدث :
- لا تستهويني الصحائف، لكن.. عمَّ كتب هذه المرة ؟
-- إنه أمرٌ يخص البحارة لذلك ظننتك قرأته أو سمعت عنه في الميناء.
- رُبما أسمع غدًا.
طرق "دوليشيان" على الطاولة ثم نهض مغادرًا :
- إذًا، استمتع بقهوتك
وضع يده على جبينه محادثًا نفسه:" كما لو أن ثوراته الشفهية تصل إلى الملك أو تهز رمشه حتى. لا أمانع بمقالاته لإثارة الشعب، لكنها غير مٌجدية في النهاية."
أنهى فنجان قهوته و قد ترك على الطاولة حسابه الشهري، وعاد للاسترخاء في المنزل استعدادًا لأسبوع روتيني يخوض الأيام خلاله كالمُبرمج دون أية تغيير. مراقبة الرجال ذاتهم، التدقيق في السفن نفسها، شجارات العاملين المعتادة، المزاح المتبادل بينه و بين من يعد له أكواب القهوة، حديثه من وقتٍ لآخر مع "كارول" و "تايلور" و "فوكس" ، فكانوا رفقته الأقرب من الميناء، بالإضافة لمحادثاته مع بعض البحارة الصغار الذين حاولوا التعلم منه لِمَا رأوه في عمله من دقة وخبرة مبهرة.
~ ظهرَ ذاك اليوم في نهاية الأسبوع لامعًا براقًا، حينما شوهد رسو سفينة رجال "بلاديوم" في ميناء "ميج" و رُسمت الدهشة على وجوه العاملين جميعهم، بدت سفينتهم ضخمة ناصعة البياض، عديدة الطوابق و النوافذ، كانت بالنسبة لهم شيئًا نادرًا أن يرسو في مينائهم و قد يُكتب في سجل حياتهم انهم من أولئك التاريخين الذين عاصروا رؤيتها.
تواجد أفراد من الشرطة الملكية و الكثير من الناس لمراقبة هذا الحدث و استقبال القادمين، ورغم ذلك، هذا الزحام لم يمنع "وولف" من وضع عينه على كُلٍ من "لوكاس" و "هيكتور"، راوده الشعور بأنهما يخططان لشيء غريب، بل استحوذ عليه و ظل ينمو داخله أكثر فأكثر.
~
بعد أسبوعٍ، وجولة السفراء التي استمرت قُرابة خمسة أيام وإقامتهم في القصر الملكي، اقلع إسطول "إفروديت" بعد مغادرتها حيث أبحرت قبله السفينة الناصعة بثلاثة أيام.
وقف "جونيور" رفقة "تايلور" يستندان على سور حافة سفينة "هيلين" ليتحدث "جونيور" :
- لقد أنهيتُ الكتاب ليله أمس، لم أتمكن من النوم لذلك حاولتُ إنهاءه، كنتُ.. أفكر في مسئولية الربان و أردتُ التهرب منها.
نظر إليه "تايلور" في حماسة بعدما كانت ملامحه يسيطر عليها القلق :
- و هل أعجبك؟
-- في الواقع نعم!
أثار بداخلي الشوق لرؤية كل تلك المعادن على الطبيعة، كيف تُستخرج من المناجم، رغم مشقة الأمر لكنه يبدو ممتعًا.
آه.. الأهم من ذلك أود أن تمر هذه الرحلة بسلامٍ.
أجاب الآخر في نبرة مضطربة :
- أتمنى ذلك أيضًا، بالتوفيق للجميع.
نظر "جونيور" تجاه الجزيرة مرة أخرى :
- أتعلم؟ أشعر بالأسى على أولئك الذين يودعون أبناءهم أزواجهم أو أيًا تكن الصلة، أحيانًا أشعر بأنني سعيد الحظ لفقدان ذلك الشعور.
استند "تايلور" بذراعيه على السفينة :
- هل حقًا تشعر بذلك؟ لا تنظر إلى الجانب الأسود من الشعور فحسب، أعني.. أنظر إلى الأسبوعين الماضيين كيف بدت ملامح العائلات لامعة و هي تشاهد مراسم الاستقبالات لسفينة خارجية ضخمة مغايرة تمامًا عن أسطولنا الخاص، لاحظ ملامح الأطفال التي تفخر بأفراد عائلاتهم سواءً أشقاء أو آباء أو أعمام في أضخم أسطول عرفته جزيرة "إفروديت" .
نظرت عينا "جونيور" لأسفل بعد تذكر حادثة والده :
- لستُ متأكدًا.. إنه خليط من مشاعر هائلة، لا أدري كيف تُوصف.
ربت "تايلور" على كتف"جونيور"قائلًا :
- لا عليك ، سيمر كل شيء! بل وسيمر على ما يرام! أنا لن أبخل عليك بجهد للمساعدة! و جميع الطاقم كذلك!
بدل"جونيور"وضعية وقوفه فأسند ظهره و ذراعيه على سور السفينة مشاهدًا أشرعة "هيلين" ترفرف في الهواء و الحدة المعروفة في عيون "كارول" و هو يتحكم في دفة القيادة، تساءل كلاهما في وقت واحد :
- هل هناك ما يزعجُك؟
ضحك "تايلور" و ارتسمت ابتسامة صغيرة على وجه "جونيور" :
- من منا ينوي أن يتحدث أولًا؟
"كونك واحدًا من طاقم سفينة "هيلين" يجعل فرصتك في النجاة أكبر من أي بحار آخر، لكن لا أدري إن آمنت بتلك الواقعة هل سيصدقك أحد آخر أم لا، لا أحد على قيد الحياة يعرف بشأنها سِواي.. جميع الطاقم الذي نجى معي حينها ميتٌ الآن."
سمع برأسه تلك الجملة مرةً أُخرى و ظل صامتًا يتابع حركة المياه أسفل السفينة، أشعل "جونيور" سيجارةً ليجيب "تايلور" :
-من الأفضل أن تتحدث عوضًا عن التدخين.
ضحك "جونيور" ثم تساءل في نبرة يملؤها الشك :
- لا أستطيع تصديق أن سفينة رجال "بلاديوم" قد تحركت قبل أسطولنا لأنها قد أنهت رحلتها في الجزيرة و انقضى اجتماعهم مع الملك، وإن صدقته، يساورني الحيرة تجاه كونها ستسلك طريقًا مختلفًا لمتابعة (غاياتها) و رحلتها على دول أخرى، بحقك أي طريق مختلف قد عرفوها و لم يصل لجزيرتنا أحدٌ من قبل إلا مرات تكاد تكون معدومة؟
تحركت شفتا "تايلور" دون النطق بكلمة ليتابع "جونيور" في تذمر :
- ينتابني الشك حيال هذين الرجلين أيضًا، ألم ينقض الاجتماع مع الملك؟ لماذا قد يمثلون المملكة ويغادرون على متن السفينة (الناصعة) ويتناقشوم أثناء رحلتهم؟ أي شيء جديد قد يُتخذ دون إذن ذاك العجوز؟
نُطقت بعض كلمات "جونيور" بطريقة ساخرة ليجيبه "تايلور" حائرًا :
-- تقصد أنك لا تأتمن رحيل الرئيسين على متن السفينة الأخرى؟
أومأ "جونيور" برأسه، وقام "تايلور" بطرقعة أصابعه :
- هناك شيءٌ غير مفهوم حيالهم لا يُمكنني أن أكذب عليك، آمل ألا يسبب المتاعب فحسب.
نفث "جونيور" دخانه وعم الصمتَّ،
![](https://img.wattpad.com/cover/351897940-288-k973722.jpg)
أنت تقرأ
أمواج هيلين { مكتملة ♡ }
Fantasy" كيف تظنين العالم ينظر إلى هذه الجزيرة؟ "...تبدأ أحداث الرواية على واحد من شواطئ جزيرة إفروديت المنعزلة فلا يبلغها إلا القلائل حيث يتشارك البحار الشاب تايلور روفلر أفكاره - التي لطالما أعتبرها زملاؤه غريبة الأطوار - رفقة صديقة طفولته هيلين ديليس. ي...