حينما قرأت رسائلك هزني الشوق، اشتقت عفويتها وعشوائيتها، اشتقت الفواصل الكثيرة التي تفصل بين كلماتك، والنقطتين اللتين تنهين بهما الرسائل، وكأنكِ توقعين بها باسمك في نهاية كل رسالة. اشتقت هذه التفاصيل التافهة والصغيرة، لكنني لا أقدر أن أعتذر كما يعتذر الناس ولا أعرف كيف أنهم يجرؤون على ذلك. أرسلت إليك رسالة كتبت قلت بأنك ثرثارة، لكني لم أخبرك كم
تجيدين الثرثرة!).
أجبتني - وهل من المفترض أن أفرح؟
ولا تطولينها وهي قصيرة! - هل أفهم أنك تعتذر بهذا الأسلوب؟
لا، أردت أن أوضح الأمور لك فقط.
سنتفاهم حينما أعود إلى البيت، أنا مع البنات، سأكون في البيت بعد
حوالي الساعة.
أرسلت لي بعد عشر دقائق :
لم يعجبني عصير البرتقال، كان حامضاً للغاية، سيتعب قولوني
الليلة
فعرفت بأنك عدت لممارسة عاداتك، ولم يكن هناك داع لأن تتفاهم!
قد لا تدركين يا جمان كم من الصعب مجاراة امرأة فاحشة الأنوثة مثلك امرأة متطرفة الأنوثة مثلك ترهق رجولتي، تنهكها، تشعرني بالعجز. لا أدري كيف تشعرينني بالعجز، لكني أعرف أن بعثرتك لي تتعبني أحياناً مثلما تسعدني أحياناً كثيرة.
دلفت مرة إلى باحة الجامعة كنت ترتدين سروالاً من الجينز، وقميصاً أسود اللون وفي قدمك خلخال ناعم. أخذت أتأملك من بعيد، أتأمل امرأة لا يسعني القول أمام أنوثتها الجارفة إلا أنها امرأة جميلة، فاتنة وخصبة! امرأة تضاهي إيزيس وأفروديت وفينوس وعشتار في كل ما كن يعبدن
لأجله. أنت لا تعلمين كم أعشق مراقبتك من بعيد، أراك تبتسمين في وجه كل من يقابلك، فأغبطك على لطفك في صباحات لا يقدر الكثيرون على الابتسامة فيها. فأحد الجميع على ابتسامة تمنحيتهم إياها، ابتسامة أدرك جيداً بأنها أثمن من أن يستحقها العابرون تبتسمين
دلفي ذلك اليوم ككل يوم منحب كل الموجودين ابتسامة تلون النهار، وتلقح الأزهار، كنت تومئين برأسك برقة أمام كل من يقابلك فينهار كل صلب في داخلي، وتحل مكانه مشاعر من حرير. كنت أجلس في ركن قصي لم تلحظي وجودي فيه، جلست مع هيفاء ومجموعة من صديقاتك، وفي يدك علية عصير صغيرة. تهزين رجلك دوماً حينما تكونين جالسة تهزينها بهدوء فيهتز قلبي معها و أتأرجح وأنا أشعر بروحي ترقص مع صوت خلخالك البعيد الذي لم أكن أسمعه فعلاً.
كنت أتأمل عظمتى نحرك البارزتين، فيتهيا إلي بأن كل رجال الدنيا
يراقبونهما فيشتعل في داخلي فتيل الغيرة ويلتهب.
أخذت هاتفي وأرسلت إليك رسالة، كتبت لك (قبليني يا حلوة!) شاهدتك وأنتِ تقرأين ،رسالتي ابتسمت نصف ابتسامة وقد أحمر
وجهك، رفعت أحد حاجبيك بتحد وكتبت :
- قليل أدب!
فلتعتبريني أخاً لك.
أذكر كيف ضحكت، وضعت يدكِ على فمك وضحكت، لا أعرف لماذا
تخفين البلور، ولماذا تبخلين على الدنيا بضحكتك. أمسكت بخصلة من شعرك البني الطويل، تعبثين دوماً بخصلات شعركِ حينما تتحدثين، تلفينها بإصبعك من دون أن تشعري، فيدور رأسي مع كل خصلة تلقينها، وكأنك تلفين بي الكون فأنهار في زخم اللفائف. أتدرين ،جمان عرفت كثيرات خلال حياتي، لكن كل امرأة منهن لم تشكل لي في نهاية المطاف سوى نصف امرأة، بينما تظلين أنتِ في كل حالاتك امرأة وصلت إلى آخر مراحل الاستواء، ولم تبارح حدود النضج قط، امرأة تظل شهية في كل حالاتها.
اتصلت بك قلت: ألم أمنعك من الخلاخل ؟
- سألتني باستغراب: وكيف عرفت بأنني أرتدي خلخالاً؟
- أخبرتني العصفورة، ألم أقل لك يوماً بأنني أشعر بك حينما تعصينني؟ ضحكت وأنت تجوبين بعينيك في الأرجاء - ذكرتني بأمي ! - ماذا عنها؟ قمت من مكانك وأنت تبحثين عني، قلت: خدعتني في طفولتي، أقنعتني بأن الأم تشعر بابنتها حينما تعصيها.
- وصدقتها؟
طبعاً
- لم تصدقين أمك دوماً ولا تصدقينني؟!
دافع أمي الأمومة، ماذا عن دافعك أنت ؟! قلت لك بسخرية: الأبوبة! - الأبوة يا شاعر.
- بل الأبوبة!
أعطيتك ظهري وخرجت مسرعاً خوفاً من أن ترينني، وأدرك أنك لا تعرفين حتى الآن كيف عرفت أنك كنتِ ترتدين خلخالاً بدوياً لا ترتديه فتاة
سواك
لو تدرين لكم أحب مزيجك هذا ياجمان، لكم أحب مزيج البداوة والحضارة الذي لا تمثله امرأة غيرك. أنت التي تجمع كل المتضادات رغم ثباتها، الثابتة رغم اختلافها، أنت الجميلة الثبات والمتناقضة بأناقة، أنت المرأة التي تحرقني بأشعتها نهاراً كشمس ماجنة، وتضيء أمسياتي كقمر ناسك زاهد. أنت التي لا تشبهها امرأة، رغم أنها تمثل كل النساء، أنت السهلة الصعبة، القريبة البعيدة، ما أخاف منها وما أبتغيها. أنت التي اقتحمت حياتي عنوة، فقلبت حياتي وغيرت أولوياتي وعلقتني في خيط رفيع متأرجح قد يهوي بي في أي وقت وفي أية لحظة. أنت أقوى مما تدعين أكثر صلابة مما تظهرين، فبرغم نعومتك ورقتك وسهولة خدشك إلا أنك فتاة شامخة، قوية، ذات جذور عميقة وعتيقة، فتاة
١٦
أنت تقرأ
فلتغفري...
Romanceالكاتبة :أثير عبدالله النشمي الجزء الثاني من رواية احببتك اكثر مما ينبغي ٠