أصيلة، تزار حينما تهان، وتكبر حينما يحاول كائن من كان تحجيمها أو
تهميشها. أنت تدركين جيداً مثلما أدرك تماماً بأنني لست برجل مثالي، أنا أبعد الرجال عن المثالية، لكني لست بأسوئهم حتى وإن أصررت على أني كذلك. أدرك بأنك ترين بي وحشاً مسعوراً يفترس النساء ليرميهن بعد افتراسهن من دون أي إحساس بالذنب، لكنني لست كذلك يا جمان، لست إلا رجلاً، رجلاً بكل ما في الرجال من مساوئ ومن مزايا، رجلاً تملأه العيوب مثلما يتحلى بالكثير من المحاسن التي لا أعرف لماذا لا تبصرينها، لا ببصرك ولا
حتى ببصيرتك. ما لا تفهمينه يا جمانة هو أنني رجل غارق في البحث، تظنين أنت بأنها
ذريعة اللعوب، لكنها الحقيقة التي لم تدركيها يوماً. لطالما كانت لدي أسئلة، لطالما عشت في تردد وتوجس وحيرة، فلم تلومينني على بحثي ! ، لم تقحمين نفسك في هذه الحالة بلا جدوى ولا فائدة ؟!
قلت لك ذات مرة بأنك الحقيقة الوحيدة التي أدركها وأحبها فلا تشتتي تلك الحقيقة من خلال تشككي بها، لكنك أصررت على ذلك! أنت من
أبعدني عن الحقيقة بإصرارك على أن أتشكك بما وصلت إليه وما أرغب به.
كنت أحتاج لأن تزيدي إيماني فيها، لأن تجعلي يقيني أكثر ثباتاً، لكنك لم تفعلي، فلا تلوميني على بحثي في ماهيتها، وأنت من جعلني أتشكك في تلك الماهية.
لا أفهم كيف أن النساء يفعلن هذا! ولماذا يبعدننا عن الحقيقة ويلومننا بعد ذلك على شكنا فيها!
لم يكن من المفروض أن تفعلي هذا، أنت بالذات لا يليق بك أن تفعلي بي هذا، أنت الاستثنائية المختلفة، النادرة والفريدة، فلم تشككين في روعتك وتأثيرك علي قبل أن تشككي بي ؟ حينما عرفتك يا جمانة كنت الفتاة الأكثر ثقة، كنت امرأة لا تضاهيها
بإيمانها بنفسها امرأة، فلم تزعزع إيمانك بنفسك ؟! لم فقدت ذاك اليقين ؟! أرجوك، لا تدعي بأني من فعل بك كل هذا، أنت فتاة لا يقدر عليها رجل، فتاة لا يقدر إنسان على سلبها شيئاً لا تمنحه طواعية، فلا تدعي بأني من سلبك الثقة بذاتك، أنتِ من فعلت هذا يا جمانة، صدقيني أنت من فعلت.
كانت ليلة قاسية جداً! كنت أقضي إحدى سهرات السكر في بيت صديقي محمد، وقد كان بمعيتنا زياد الذي لا يشرب الخمر لاعتبارات فلسفية ودينية، ليلتها كان كل واحد منا مثخناً بجراح الحياة والغربة الجراح التي تتشابه وتختلف في حالات كثيرة وصور كثيرة، لم نتحدث تلك الليلة كثيراً، توسط كل منا إحدى الأرائك، وغرق في خيبته الخاصة بصمت لا يليق بسكارى وفيلسوف يصلي الصمت كزياد
لم يكن هناك سوى صوت طلال مداح، وتنهدات الخيبة التي جمعتنا
كان طلال مداح يبكي غناء حينئذ وكأنه يشاركنا العزاء.
ما أوعدك من يضمن ظروف الزمان
لا تصدقي من قال لك الدنيا أمان
ميعادنا خليه بكف الظروف لا تحرجيني بالزمان وبالمكان
ما أوعدك !
كثر الليالي أشتاق لك كثر السنين أنت حنان العمر ما غيرك حنان
فلتغفري ....
لم أشعر إلا بكفي زياد تهزانني بقوة، ومحمد ينظر إلي بقلق! كنت أشهق بقوة، لم أكن أبكي، ما جرى في تلك الليلة لم يكن بكاء، كنت أشهق، كنت أشعر بروحي تتفاقم وكأنها تناضل لتفارق جسدي المتعب. لا أعرف ما الذي أصابني تلك الليلة، لكنني أعرف بأنني قد أفرغت بعضاً من أكوام الحزن المتراكمة في أعماقي، كنت أشعر بأن طلال مداح يعاتبني !
يعاتبني على وعود قد قطعتها ولا أعرف إن كنت سأفي بها يوماً. لم أتمكن وقتذاك من أن أرد عليك أنت التي كدت أن تهشمي هاتفي بمكالماتك المتواصلة طوال الليل، لم أكن قادراً على التحدث، فظللت أبكي في بيت محمد حتى بزغ الفجر.
أوصلني زياد إلى البيت بعد أن غادرت بیت محمد منهكاً، شبه ميت. كنت جثة ثقيلة ومتثاقلة، لم أكن قادراً على المشي، كانت هذه آثار
الخيبة، صدقيني لم أكن ثملاً إلى ذلك الحد، كنت متعباً يا جمان، لم أكن
غارقاً في السكر مثلما ظننت! حينما دخلت البيت وقعت عيناي عليك كنت تجلسين مع باتي
وروبرت بوجه ممتقع. أذكر بأن بوب قد قال لي شيئاً، لكنني فعلاً لم أفهم شيئاً مما قاله، مشيت
حتى وصلت إليك، وسقطت عند قدميك، وضعت رأسي على ركبتيك وقلتلك بأني أريد أن أنام
أذكر أنك سألتني بصوت مخمر بالشك: أين كنت ؟!
صحت فيك وأنا أبكي : أحبك، أرجوك !
أسندتني بجسدك وأخذتني إلى الفراش، بقيت بجواري حتى نمت وأنتِ
تمسكين بيدي بحنان لا أفهم كيف تغدقين علي فيه! لم يكن ينقصني يا جمانة سوى أن تحشري جسدك الصغير بجواري صدقيني لم أكن لأمسك، أقسم بأني لم أكن لأفعل، كنت أحتاج لأن تضميني
فقط، لأن تحميني من حزني، من خوفي ومن نفسي. لكنك لم تفعلي، ولم أجرؤ على أن أطلب شيئاً كهذا، ظللت ممسكة
بيدي حتى غرقت في النوم، فنمت ليلتها كما لم أنم في أية ليلة !
قلت لي يوماً بأن الأحلام تبتدئ فجأة تخلق في لمحة عين، تولد في
لحظة لا نتوقع أن يولد فيها شيء.
قلت إنك مليئة بالأحلام وبأني أجمل أحلامك، لكنني أبحث عني في
أركانك في كل مرة أجلس أمامك فيها، فتبهرني هذه الطاقة النابضة المنبعثة
منك والتي تمدين بها الحياة.
أنت التي تجعلين للحياة رونقاً يا جمانة، تتفتح من أجلك الأزهار،
وتشرق لأجلك الشمس في مدينة شمسها لا تشرق إلا لأجل امرأة حالمة مثلك.
٢٠
أنت تقرأ
فلتغفري...
Romanceالكاتبة :أثير عبدالله النشمي الجزء الثاني من رواية احببتك اكثر مما ينبغي ٠