part 7

279 6 0
                                    

قلت لها: وليش تطلبين لي الشرطة ؟ أنت اللي مناديتني بيتك.

صرت الحين اللي مناديتك بيتي ؟

- تبين تنكرين بعد؟ وإلا بتسوين فيها محترمة ؟

محترمة غصباً عنك.

- لو محترمة ما قلت لي أطلع شقتي وأنت بنية لحالك. مسكت هيفاء كوب القهوة وصاحت بتطلع قدامي وإلا أحرقك بالقهوة ؟ وضعت إصبعي على فمي وقلت لها: خلاص أسكني، ولا كلمة أنا طالع
خرجت من عندها ولم أبادلها بعد ذلك كلمة واحدة، ظننت أنني سأموت قبل أن أحدثها .. حتى جئت !

سافرت إلى كندا قبل إقرار برامج الابتعاث، والدي هو من تكفل

بمصاريف دراستي لعدة سنوات قبل أن تبتعث الدولة طلابها إلى أنحاء

العالم، وتضمني إلى كنفها بعد ذلك. أن تبتعث على حساب والدك يختلف تماماً عن أن تبتعث على حساب

الدولة؛ فالفشل على حساب الدولة لن يكلفك غضب العائلة ولا لومها، بينما

فشلك الذي يكلف والدك مئات الآلاف سيبقى كوشم في جبينك لا يمحى،

ولن يغفره لك أحد من العائلة.

لذا، وعلى الرغم من أن راتب الابتعاث لم يكن يعادل نصف المصروف

الذي كان يرسله إلى والدي شهرياً، إلا أن الضائقة المادية التي كنت أعانيها في  نهاية كل شهر كانت أرق وأحب إلي بكثير من منة» الرغد الذي كنت أعيشه

أثناء تكفل والدي بمصاريفي. شعرت أن إلحاقي ببعثة الدولة قد هطل علي من السماء وأحياني،

فتغيرت ملامح الغربة في عيني، وتلونت بعد فترة رمادية شاحبة وطويلة. الغربة لا تفسير لها ولا هي حالة محددة، في الغربة نرتفع كثيراً بفعل الحرية والانعتاق من كل القيود التي تربطنا بالمجتمع والعائلة والوطن، وفي الغربة نسقط كثيراً بفعل الشوق والحنين والحاجة للذين يحبوننا ويخافون

علينا.

عندما جئت إلى هنا، قررت أن لا أعود إلى الرياض إلا زائراً، لذا كان الزواج من فتاة كندية أمراً لا بد منه بعد تخرجي، وهذا ما قررته حينما تعرفت على ياسمين التي كانت تكبرني بست سنوات كاملة

كانت ياسمين خطتي المثالية للحصول على الجنسية والبقاء في الغربة اختياراً، لكن خطتي تبعثرت، وتشتتت رغباتي حينما التقيتك أنت يا جمانة.

اختلت موازين المصالح ومكاييل الحب حينما التقيتك، لكنني، وعلى الرغم من شغفي بك لم أقطع علاقتي بياسمين، كانت علاقتنا متقطعة، أغيب عنها في أيام رضاك وأهرع إليها عندما تغضبين مني أو تغضبينني منك، وهي لم تكن تمانع في ذلك، على العكس تماماً، ناسبت علاقتنا المزاجية ياسمين

وتعايشت معها.

كانت تسألني أحياناً بسخرية إن كانت هناك من تشغلني عنها، كنت أجيبها بأن الكثيرات يشغلنني عنها، وعلى الرغم من أن ظاهر كلامي كان مداعباً لها، إلا أنها كانت تدرك في قرارة نفسها بأن في حياتي امرأة أخرى، لكنها لم تكن

تكترث لأمر كهذا، ربما لأن في حياتها غيري أيضاً، وربما لأنها لم تحبني
أساساً، لذا اتفقنا من دون أن نصرح على أن لا نزعج بعضنا بالخوض في تفاصيل سخيفة كهذه، وهكذا عشت معك ومعها لأربع سنوات متتالية من دون أن تعرفي وبدون أن تعارض !

حسناً..

أعترف بأنني لست بقادر على أن أحب ذلك الوطن، الوطن الذي بات

بعيداً جداً، ليس بعيداً بالمسافة فقط بل عن قلبي أيضاً. كانت فرصة إكمال تعليمي بعيداً عنه، ليست مجرد فرصة للحصول على

تعليم أفضل، بل كانت تعني أن أتحرر من كل قيوده التي لطالما كبلت عنقي

قبل معصمي وقدمي. أفكر أحياناً، لم أكره ذلك الوطن، بل أفكر لم تحبينه أنت ؟! ومن أين لك

كل هذه القدرة على أن تحبيه بكل هذا الصدق ؟!

غالباً الفتيات من أكثر من يكره بلادنا، ففيه يحرم عليهن كل شيء، ويمنع

عنهن فيه أي شيء، لكنك تحبينه ببساطة وسذاجة وتسامح لا يفهم !

قلت لك مرة: أشعر أحياناً، وكأنك كنت تعيشين في وطن غير الذي كنا

نعيش فيه !

قلت: بل هو الوطن ذاته، لكنني أراه من الزاوية الأخرى.

سألتك: كيف تحبينه ؟!

- ولم لا أفعل ؟!

- لأنه قاس!

- ألا يقسو عليك أبوك أحياناً؟

ابتسمت بسخرية أحياناً ؟!

ضحكت وعلى الرغم من ذلك تحبه كثيراً. ابتسمت فاسترسلت إن كنت لا تعترف ببنوتك له، لم تقبل أن يتكفل بمصاريف تعليمك ومعيشتك هنا آلاف الدولارات سنوياً؟!

- هو حقي! - لا حق لك على أب الآخرين، قبولك لأمواله تعني قبولك لأبوته

عليك، فلا تكن عاقاً ولا جاحداً. قلت: أتدرين !.. لدي إحساس قوي جداً. عقدت حاجبيك باهتمام تحس بأيش؟ أحس أنك دبوسة وجاسوسة! ضحكت فضحكت روحي معك !

كنت في طريقي إلى مونتريال، إلحاح ياسمين ومشاكلي معك في الفترة

الأخيرة أغرتني بالذهاب إليها. كنت بحاجة لأن أستريح من ضوضاء غيرتك وضجيج شكوك، لذا حجزت إلى مونتريال في إجازة عيد الفصح، كنت غاضبة جداً، تراقبينني وأنا أعد حقيبة سفري الصغيرة بوجه محتقن استطعت أن أتجاهله عمداً.

مددت لي بظرف مغلق بعدما انتهيت من إعداد الحقيبة، قلت: ضعها في

حقيبتك، أقرأها في الطائرة!

أمسكت بالظرف : ما هذا؟!، منشور توعوي عن الأيدز؟

ماذا؟
                                                                       ٣٦

فلتغفري...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن