part 5

219 4 0
                                    

في كل مرة كنت أبتعد فيها عنك شيء ما في أعماقي كان يصلي لله، كان

يدعوه بشدة، يرجوه بقوة أن يتدخل ويمنعني من الابتعاد عنك. في كل مرة أسعى فيها لأن ننفصل، كنت أنشد يد الله لتعترض طريقي

فلا أتمكن مما أسعى إليه. قلت لي مرة وأنت تضحكين: فداك عمري اللي قاعد يضيع وسمعتي

اللي تشوهت ترى رأس مالها عمر وسمعة! قلتها يومها بسخرية، لكنها أوجعتني كثيراً يا جمانة، لأنني أدركت حينئذ أن أشد آلامنا ألماً هي تلك التي نسخر منها، ولقد كانت سخريتك من نفسك مريرة يوم ذاك حتى شعرت بأنني أكاد أن أتسمم من تلك المرارة المضاعفة !

أتعلمين! أنا لا أزال غير مدرك كيف أحب فتاة تختلف عني في كل شيء، فتاة لا يجمعني بها سوى أننا قارتان، وأننا نستمتع بالكتابة اليوم أشعر بأن هر اقليطس يرقبنا في حياة أخرى شامتاً، ليؤكد لي بأنه لا يمكن تصور شيء من دون تصور نقيضه، أنا الذي لم أكن أؤمن يوماً بهذا،

والذي لم يتصور وجود فتاة مثلك في الحياة.

اليوم، أعترف بأنك نقيضي الأبيض، بأنك ناصعة إلى درجة وهاجة بأنك مضيئة، مشعة، متوهجة، مشتعلة البياض.

اليوم أعترف بأن بياضك حاد، وبأن نقاءك خام، وبأنني حالك جداً، بأن

أعماقي مظلمة وأن قلبي أدهم.

على الرغم من أن الليل والنهار يتداخلان ويتعاقبان، إلا أننا لا نعيشهما في الوقت ذاته، ولا أدري كيف أعيشك وتعيشينني رغم بياضك ورغم

سوادي، رغم ضوئك ورغم عتمتي. أنا ممتلئ اليوم بكل شيء، بالخوف بالغيرة، بالحب، بالشوق، بالضعف

الذي يجعلني عنيفاً وقاسياً وجافاً معك. لا أدري لم تبسطين كل شيء يا جمانة، لم تظنين أن الحب بهذه البساطة، ولم ترين أن علاقتنا لن يعكرها شيء!

أنت لا تعرفين كم حلم بك زيادا، هو أيضاً لا يعرف أنني أعرف! وجهه الذي امتقع في ثاني لقاء لنا في المقهى حيث التقينا للمرة الأولى، لقد أكد لي أن زميلتنا السعودية في الجامعة التي لطالما حدثني عنها ولأشهر

طويلة لم تكن إلا أنت !

عندما دلفت إلى المقهى بصحبة هيفاء، عرفت من ردة فعل زياد ومن

بعثرته المفاجأة ومغادرته المقهى بعد دقائق وتوقفه عن الحديث عن الفتاة،

أن فتاته التي كان يصبو إليها لم تكن إلا أنت، أنت التي وقعت بها منذ أن رأتها

عيناي أول مرة، لكنني لم أكن لأسمح بأن يأخذك مني زياد، لم أكن لأسمح له

حتى لو حلم بك قبلي !

كل شيء كان مربكاً في ذلك اللقاء، مجيء هيفاء برفقتك، خيبة زياد

موت أمله في الوصول إليك، بداية مشاعرك نهاية مشاعر هيفاء نحوي

وتذبذب مشاعري المتضاربة نحوكم، وعدم معرفتي كيف أن الأقدار جمعتني

معكم!

عندما رأيتك برفقة هيفاء ذلك اليوم، جل ما فكرت به في تلك اللحظة

هو أي قدر هذا الذي جعلك صديقة لهيفاء ؟!».

أخذت ألعن حظي في سري، لعنته كثيراً ! ، ذاك الذي جعلك تتركين آلاف الطالبات الخليجيات في كل المدينة لتصادقي هيفاء فقط، بل ولتحضريها

مصادفة في ثاني لقاء يجمعنا !

هيفاء التي تكاد عيناك أن تخرجا من محجريهما من شدة استنكارك وأنت تصيحين مدافعة عنها دائماً حينما أنتقد أي شيء فيها: «هيفاء، ياويلك

من الله ... حرام عليك. أخبرك أنك لا تعرفين شيئاً، فيأتي إصرارك محذرة: «والله ياويلك من

الله ! .

فأقف أمام تحذيرك الساذج وقسمك البريء مكتوف اليدين، غير قادر

على دعم قولي بما أملك من براهين، وغير راغب في استمرار علاقتك بها. أنا أعرف أن لدى هيفاء ما قد يجتئك مني هيفاء تملك البراهين ذاتها

التي تدعم قولي في أنها ليست كما تدعي البراهين التي تدينني كما تدينها،

والتي ستجعلك تخسرين كلينا مثلما ستجعلنا نخسرك، لكنني أعرف أيضاً

أن هيفاء لن تجرؤ يوماً على أن تقول الحقيقة، فإن كانت الحقيقة تشوهني

فالحقيقة تعريها، ولا شيء يفزع هيفاء كعري الحقيقة! سألتك مرة: لماذا تحلفين أنها طيبة ؟!

- لأنها طيبة!

- لا أسألك إن كانت طيبة، أسألك لم دائماً تحلفين ؟

لا-

قلت ببساطة من يحلف بالله لا بد من أنه يقول الحقيقة.

ولم أجادلك في هذا ابتسمت وأنا أفكر كم أنت بسيطة وصادقة

وحقيقية! نقاؤك هذا هو ما يجلدني في كل مرة تمسكين بها بطرف حقيقة، فأنهرك ناكراً، لتقتلني عيناك الدامعتان وأنت تتمسكين بأمل الصدق راجية إياي البوح

به قائلة: أحلف طيب أنك لا تكذب

لأنجو من عهري حالفاً: والله ! فتستجدينني لأكرر أحلف حلفاً كاملاً، قل والله العظيم إنك لا تكذب.

فأجيب كذباً: والله العظيم! فتهدأ نفسك، وتجن نفسي، فما أبشع أن تكذب على صادق

لم أكن أعلم أن الثقة هي أجمل ما في الحب. الثقة التي تجعلنا ننام كل ليلة ونحن ندرك أن الحب سيظل يجمعنا، أننا سنستيقظ في الغد لنجد الطرف الآخر عاشقاً لنا وغارقاً بنا، مثلما نام وهو

عاشق غارق. أجمل ما في الحب هي تلك الثقة في أننا سنكبر معاً، سنفرح معاً، نبكي معاً، نمرض معاً، ونظل أوفياء لبعضنا بعضاً حتى لو اختطف الموت أحدنا.

قلت لك يوماً: سأوصيك شيئاً.

- أخبرني.

لو مت قبلك، فرضاً مت، لا تتزوجي من بعدي.

قلت بسخرية مريرة: يعني لا أتزوجك ولا أتزوج من بعدك، لا ترحم ولا

تخلي رحمة ربنا تنزل ؟!

شعرت بالمرارة، فأشحت بوجهي بعيداً ولم أرد، أما أنت، فقد بدأ الندم

ظاهراً على ملامحك، فأخذت ترسمين بإصبعك على ظهر يدي مداعبة، قلت

بعد صمت: حسناً أنا موافقة، ماذا أيضاً ؟!
                                                                       ٢٨

فلتغفري...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن