part 4

250 9 0
                                    

أندهش كثيراً من أحلامك التي تلامس النجوم يا جمان، أحلامك التي

تجعلني أقف أمامها بخوف من أن لا يكون لي مكان بينها. تظنين أنت بأني أحاول قمع أحلامك، ولا تفهمين لما أفعل هذا ! تعتقدين أني أحاول تقنينها لمجرد السيطرة، ولا تفهمين أني أفعل هذا لأكون الحلم الواحد، لأصبح المبتغى الأوحد حتى لا يكون لك مراد غيري

ومبتغى سواي. أخاف عليك يا جمان، أخاف أن أفقد جاذبية الأحلام، أن تنصر في عني إلى حلم جذاب آخر، وما أكثر الأحلام

النساء لا يفهمن بأن المرأة الباذخة الأنوثة ليست سوى عبء ثقيل على

الرجل. هذه النوعية من النساء تشعر الرجل بالخطر طوال الوقت، تقلقه دوماً، تبقيه في حالة ترقب دائمة وتجعله في حالة توجس مستمرة. كم تمنيت لو كانت أنوثتك أخف حدة يا جمان، كم تمنيت لو كنت أقل

تأثيراً علي وفي.

لا تلوميني على مقاومتي إياك، لا تعتبي على ثوراتي صدقيني ما

مقاومتي لك إلا محاولة يائسة للنجاة منك، كنت أحاول أن أوقف توغلك

في، أن أحد من سبرك لأغواري.

أثور عليك لأنني أكره إذعاني لهذا الحب أنتفض على حبك لأني

أخشى التورط بك أكثر مما أنا متورط به.

لكن النضال والمقاومة والثورة لم تتمكن جميعها من أن تحد من تورطي فيك، ولم تمنعني من أن أغرق بك أكثر، أنا الذي ازداد سقوطاً فيك يوماً بعد

يوم، لحظة تلو أخرى.

مذ عرفتك وأنا أفكر كثيراً، يعمل عقلي بكد منذ أن أحببتك ! تتزاحم الأفكار في رأسي وتتداخل إلى درجة تنهكني، تجعلني ألهث،

لتطر حني بعيداً من دون إجابة أو نتيجة. أذكر بأنك قد قلت لي يوماً بأني رجل تحليلي، أحلل المواقف والمشاعر

والرغبات لدرجة تجعل من الصعب علي أن أستمتع بشيء. قلت بأن تحليلي المبالغ فيه يفقد الأشياء قيمتها، ولا أدري لم ظننت هذا! أنت التي وقعت في غرامي من أجل كتاب تاريخي كنت أحمله في يدي

يوم التقينا مصادفة في مقهى صغير ! أنت التي لولا البحث، والكتابة والتحليل والقراءة لما أغرمت بي يوماً. قد لا تدركين يا جمانة كم بت أعول على هذه الأمور منذ أن عرفتك، كم

أصبحت أكثر تعطشاً لها، كم ازددت نهماً لكل ما قد يثيرك.

أتعرفين ! سألتني مرة: لم أكتب ؟

أظن بأني كذبت عليك تلك الليلة، قلت لك بأني أكتب لأتوازن، لأفرغ بعضاً مما أشعر به، ولم أخبرك وقتذاك بأني أكتب لأبقى جذاباً ساحراً في

نظرك أنت، لم أقل لك بأنني أفعل هذا حتى الآن لأبهرك، أنت الفتاة التي لا يبهرها رجل لا يكتب!

لست أفهم، لم أنت متطلبة بهذا الشكل، لم لا تحلمين كما تحلم الفتيات بشاب وسيم، غني، متعلم وينحدر من عائلة عريقة ونسب يعتد به، لم

تطلبين ما يستصعب على أحد توفيره لك ؟!

أنت لا تفهمين، صدقيني لا تفهمين لا تفهمين كم من الصعب أن يحافظ

عليك رجل، لا تفهمين كم من المتعب أن يحاول أحد إبهارك طوال الوقت. تعبت كثيراً يا جمانة، أنهكتني المحاولات المستمرة لأكثر من أربعة أعوام، لا قدرة لي على أن أبقيك مشدوهة، فأنا في آخر الأمر لست سوى

رجل عادي ذي قدرات طبيعية. رجل يحاول جاهداً لأن يكون أسطورياً من أجل أن يرضيك أنت، لكنه

لن يقدر على هذا لأنه لم يولد خارقاً بكل أسف. لو تدرين لكم تحزنني محاولات إثبات تفردي أمامك، لكم يحزنني خوفي من خسارتك وتعبي من محاولات السعي إليك.

أتعرفين ما الفرق بين حزني وحزنك يا جمان؟ حزنك مترف ومدلل تنهارين أمام أول بوادر الرفض، فيثور كبرياؤك

على جسدك وتقعين في غيبوبة حزن من الصعب أن ينتشلك أحد منها. أما أنا فحزني حكاية طويلة، حكاية لا يعرفها غيري ولن يفهمها يوماً

أحد، أنا رجل لا ينهار حينما يحزن، رجل يزداد صلابة، يزداد قسوة مع كل وعكة حزن، يزداد خشونة وجفافاً وأنت تعرفين بأن مصير كل عود يابس هو الكسر.

ليتك تعلمينني كيف أحافظ على ليونتي ومرونتي يا جمانة، أحتاج لأن أكون مثلك، أنت الشديدة الاخضرار كغصن طري نابض وحي.

ليتك تعلمينني كيف أضحك مثلك من الأعماق، كيف أنهار حينما أحزن، كيف أبكي عندما أحتاج، وكيف أعبر حينما أفتقد ولحظة أخاف وأشتاق.
أتدرين يا جمانة، أحتاج كثيراً لأن أبكي أكبر حاجاتي في الحياة هي حاجتي إلى البكاء الآن.

قد لا تدركين كم من المؤلم أن تستجدي البكاء فلا تقدرين على ذلك، تخيلي بأني بت لا أقدر على البكاء أعرف أيضاً بأنك لن تصدقيني إن قلت لك بأني على استعداد لأن

أقايض أي شيء في سبيل أن أسترد قدرتي على أن أبكي.

أتعبني الجفاف يا جمانة، أنهكني الجفاف، وامرأة ناضجة مثلك لن تفهم يوماً معنى أن يعيش الرجل طوال حياته في حالة جفاف

أنا يائس اليوم، يائس جداً!

ترمقني تلك العلبة القابعة بجواري على المنضدة، التفت إليها بين الحين

والآخر ورغبة عارمة تدعوني لأن أنهي حياتي بشريط من الدواء.

قلت لي يوماً بأنني لن أخسرك إن تمسكت بك، لكني أدرك جيداً بأنني

لن أكسبك إذا ما تخلى الله عني صدقيني يا جمان، مهما تمسكت بك لن أقدر يوماً على أن أحصل عليك إن تخلى الله عنا، فلم لا تقتنعين بهذا ؟!

ألست المؤمنة، الواثقة بالله والقانعة بأقداره ؟!

لم تصرين إذن على أن تقاومي الأقدار ؟! لم تصرين على أن تدخلي نفسك في هذه المعمعة الألوهية الجبارة ؟!

صدقيني ستطحنك الأقدار، ستعجنك الحياة عجناً، وستدركين يوماً

بأنني لطالما كنت على حق.

أعرف بأنني لست في نظرك، أحياناً سوى رجل جبار، تظنين بأنني أستمتع بإيذائك ولا تدركين كم أخاف عليك وكم أخشى أن يمسك أي سوء بسببي ومن دوني.
                                                                     ٢٤

فلتغفري...حيث تعيش القصص. اكتشف الآن