قلت: هناك أمر آخر ، لو مت هنا، لا تسمحي بأن أدفن وحيداً، أعيديني
إلى الوطن، ادفنيني حيث أكون قريباً من والدي لمع الدمع في عينيك تأثراً: أعدك بذلك، هل لي أن أوصيك أيضاً بأمر تفعله إذا مت ؟
قلت بسخرية: أنت موتي بس وفكيني وأبشري بالخير
ضربت يدي بيدك بسم الله علي، المهم بوصيك !
أشرت بإصبعي الصغير في وجهك: أشيري بإصبعك فقط. لدي طلب واحد، لو مت أنا، أريدك أن تكون سعيداً، لا تحزن أرجوك ! شعرت حينئذ بالغصة تتكور في حلقي، غضبت جداً، غضبت لأن الله جعل في حياتي فتاة تعذبني طيبتها، فتاة مفرطة الرقة لدرجة تصهر المشاعر
وتخنقها، فتاة أدرك تماماً أنها تحبني لدرجة لا أستحقها. شعرت حينئذ بالرغبة في أن أدخلك داخل قميصي، أخبتك تحته، أن أحتضنك حتى تلامسين عظامي، وتمتزجين مع أوردتي، شعرت أنني أريدك
كثيراً، لا رغبة بك، بل حاجة إليك.
شعرت بالحب والخوف والحزن والعجز أمامك، قلت لك بصوت مختنق لا قدرة لي على أن أعدك بهذا!
ابتسمت بدلال من يعرف الإجابة: لماذا ؟
لأنني لن أسعد بدونك يوماً.
هل ستتزوج غيري؟
- أظن بأنني سأفعل !
عقدت حاجبيك مستنكرة: أتمزح ؟ لا ، ألن تتزوجي غيري لو مت ؟
لا طبعاً لن أتزوج، أرأيت الفرق بيننا؟، أنت من اعترف تواً بأنه
سيتزوج لو فارقت الحياة
قلت مازحاً: إذا مت إن شاء الله، يحلها الحلال ضربت يدي مرة أخرى، وقضينا يومنا بأكمله وأنت تدعين الله بلسان لاهج أن لا تموتي حتى لا أتزوج من أخرى!
كنت أرقب غضبك مبتسماً وأنا أفكر، ألم يخطر ببالك أنني من دونك قد أموت فعلاً!
علاقتي بهيفاء لم تكن علاقة حب ولا حتى تشبه علاقات الحب. عرفت هيفاء قبل مجيئك بسنة، كانت قد جاءت تواً من الكويت، لكنها لم تكن كأي طالبة خليجية مستجدة، لم تكن خجولة ولا ضعيفة ولا حتى متوجسة من زملائها الذكور من الخليجيين، رغم أن العادة جرت على أن الزميلات يجئن بعقليات متشربة بالحذر من زملائهن الذكور، وبنصائح وتوصيات تلح على ضرورة الابتعاد عنهم قدر الإمكان، وبعد فترة بسيطة وبعد أن يندمجن بالمجتمع الجديد، نجد أنهن قد أصبحن أقل حذراً، فيخرجن من حالة التوجس تلك، لكن هيفاء لم تعش تلك الحالة قطعاً.
عندما دلفت هيفاء إلى مجتمع الطلبة الخليجيين، دلفت بضجيج صاحب
وبعنفوان وقوة لا قدرة لأحد على إنكارهما؛ كانت صارمة، تأخذ كل ما تريده من دون مراعاة لأي أحد، لم تكن تخنع لأحد، ولم تكن تضعف أمام شيء،
كانت ملحة عنيفة الأفعال، حادة المزاج وسليطة اللسان. لذا كان يخشاها الجميع، ويتنازلون عن كل ما ترغب به لها طواعية خوفاً من أن يدخلوا معها في جدال، لكنني لم أكن مثلهم، كنت أعاندها في كل شيء، أجادلها في كل قرار، وأتحداها في كل ما ترغب الحصول عليه، ربما لأن قوتها وعنادها كانا يستفزانني أو ربما لأن سلاطة لسانها كانت تروق لي ! لا أعرف حقيقة بماذا شعرت وقتذاك، وكيف شعرت به، لكنني أعرف أنني أردت أن أخضعها لي وقتذاك، أن أجذب انتباهها إلي، أن أوقعها بي لأن
شيئاً ما لم أفهمه كان يشدني إليها. شيئاً فشيئاً وجدتها تتخذ السياسة ذاتها تجاهي، كانت تفعل معي الأمر
عينه، وقد كان من حولنا يسخرون من كراهيتنا العلانية لبعضنا بعضاً. لم يفهم أحد سواي وإياها أنها كانت طريقتنا الخاصة لتأجيج رغبات بعضنا تجاه بعض، كنت أعرف أن هيفاء قد وقعت بي، وكنت أدرك تمام الإدراك أنها باتت تعرف أنني أريدها، ولم يكن يقف بيننا سوى عنادي وكبريائها، وخطوة أولى تنتظر أن يقدم أحد منا عليها.
اتصلت بها في إحدى نهايات الأسبوع لأبلغها بعقد نشاط اجتماعي خليجي في الغد، كان الاجتماع ملحاً ومبكراً للتنسيق لإحدى الفعاليات فعرضت عليها مجازفاً أن أعرج عليها لأقلها في الصباح، فوافقت على مضض، وأملتني العنوان متفقين على الساعة التاسعة والنصف، لكنني وقفت أمام عمارتها في التاسعة صباحاً، فأجابتني على الهاتف بأنها انتهت تواً من الاستحمام، وبحاجتها لبعض الوقت لتنتهي من استعداداتها، قلت لها: لا
بأس، خذي وقتك !
طلبت مني أن أصعد لتناول القهوة بينما تنتهي من الاستعداد، عجبت لجرأتها وصعدت بقلب يرتعش وأنا أعرف أن خروجي من هناك لن يكون
كخروجي منه لاحقاً.
عندما فتحت لي الباب باب الشقة عينها التي تسكنينها الآن، كانت
ترتدي منامة طويلة، ولم تكن تضع أية زينة، كان شعرها مبللاً فقط، وملامحها في غاية البساطة، كنت أنظر إليها لأول مرة بلا مساحيق تجميل، لكنها رغم ذلك كانت في أجمل حالاتها، ولا أدري حتى الآن إن كانت فعلاً جميلة أم أن
الشيطان قد زينها لي وقتذاك !
قلت لها : ليه تحطين مكياج ؟! كذا أحلى. أغلقت الباب خلفي مرتبكة تدري شكثر أحب كذا» مالت السعوديين؟
مع أني كلش ما أحب حجيهم.
أجبتها وأنا أجلس يعني ما يعجبك بالسعوديين إلا كذا»؟
قالت وهي تضع القهوة أمامي : هم أحب مرة» و«كمان».
قلت لها مبتسماً: طيب أنت مرة حلوة بدون مكياج.
ابتسمت مشكور
وشكلك مثير كمان
أحمر وجهها قائلة لتداري ارتباكها يعني عشان قلت لك أحب مرة
وكمان قاعد تقولهم ؟!
مددت يدي واحتضنت يدها سحبتها كالمقروصة، وقفزت واقفة وهي
تصرخ: جنيت أنت؟
قلت لها : شفيك هيفاء؟ وش صار؟ أشارت بإصبعها إلى الباب وهي تصرخ: قدامي، أطلع برا.
قلت لها واقفاً: أهدي شوي، ما صار شيء.
صاحت كل هذا وما صار ؟! أطلع قدامي قبل أن أطلب لك الشرطة الحين.
٣٢
أنت تقرأ
فلتغفري...
Romanceالكاتبة :أثير عبدالله النشمي الجزء الثاني من رواية احببتك اكثر مما ينبغي ٠