#10تفاصيل لا أحبها...

26 3 34
                                    


...

"لا لست بهذا الغباء، فأنا أعرف مثلا ما قامت به اختي الحبيبة في غيابي، ولماذا هي ليست على طبيعتها في الٱونة الأخيرة". قالت سيلفيا بابتسامة ماكرة.

نظرت بدهشة اليها، ماالذي تعنيه بالضبط؟، كلامها لا يأتي من فراغ. هل يعقل أنها تعرف شيئا حقا؟.. هل يعقل أنها رأت ما حدث؟...هل يا ترى قامت بلمحي أتسلل ليلا؟، أم أنها رأتني مع ذو العيون الزرقاء؟، أو سمعت بشكل ما عن صفقتي مع مارثا؟!. اه، لدي الكثير من الأسرار ونقاط الضعف في هذه اللحظة. خطأ واحد مني وسينتهي أمري... ولكن، مستحيل.. لا يمكن أن تكتشف سيلفيا سرا عني وتبقى هكذا مكتوفة الأيدي دون أن تستغل الفرصة وتستغل الوضع بشكل ما... أنا اعرفها جيدا، فلو كانت اكتشفت أمرا، لما كنا نقف هنا في هذه اللحظة نتحدث... إن المسكينة لا تعرف شيئا، هي فقط تريد أن تعبث بعقلي، ولن أدعها تنجح بهذا..

ما إن أدركتُ هذا حتى أخفيتُ فورا معالم الدهشة عن وجهي ووقفت بثقة أرد على أقوالها المزعومة:"جيد، لا بد أنك ذكية لتكتشفي مثل هذه الأشياء، أحسنتي، فتاة جيدة". قلت بتكبر واضح، أمشي نحو طاولة الكتب، وألتقط بعضا منها، ثم قلت أكلم مارثا:"هيا لنباشر عملنا"، متجاهلة سيلفيا ومتعمدة أن أريها أن لا وقت لي لها.

"لا أصدق، تتحدثين معي وكأني طفلة" قالت بضحك.

"أولست كذلك؟، انت طفلة فعلا، ولكن لا أقصد في العمر، بل في التفكير.. تفكير كالأطفال".

"أنت حقا صليطة اللسان، أهذا ما كنت تتدربين عليه؟!، تفتحين فمك فتخرج أقبح الكلمات".

"هذا صحيح، أفتح فمي فتخرج أقبح الكلمات، ولكن لمن؟، فقط لمن يستحق سماع هذه الكلمات، فأنا لطيفة جدا مع الكل، إلا مع بعض الناس الذين يستحقون هذه المعاملة".

"أنا لا أستحق معاملة كهذه-".

"اه، انا مشغولة الٱن وليس لدي وقت، لذا يمكنك العودة للعب مع أصدقائك خارجا، ولنحدث لاحقا"

نجحت عباراتي في اغضاب سيلفيا وارباكها أيضا، نظرت إلي بحقد ثم ردت:"أنت حقا لئيمة!".

"صحيح، صحيح، والٱن يمكنك المغادرة".

" اه!!" صرخت سيلفيا لتمشي بعيدا بغضب، قبل أن يوقفها صوتي.

"لحظة عزيزتي... أغلقي الباب خلفك رجاءا".
عبارتي الأخيرة لم تزد إلا من غضبها، قبل أن تغادر الغرفة صافعة الباب خلفها.



أنا لا أحب أن أكون لئيمة معها، أو مع أي أحد، ولكن إن أرادتني أن أحترمها فعليها أن تحترمني أيضا.
سيلفيا هي أختي غير الشقيقة. كان والداي ليس زوجين فقط بل شريكا عمل أيضا، بنيا سويا شركة ضخمة استطاعت أن تتحكم تماما في سوق الأقمشة وتجني ثروة طائلة، ولكن ككل شركاء العمل حدثت خلافات بينهم، استطاعت هذه الخلافات أن تدمر زواجهم، وقرروا في النهاية الطلاق... القرار الذي صدمني وحطم قلبي وأنا مازلت طفلة صغيرة، لكني أُجبِرت على قبوله...

بعد طلاق والدي، تزوج أبي من امرأة أخرى بعد ثلاثة سنوات فقط وأنجبا سيلفيا، وكانا يعيشان معا في مدينة بعيدة تماما عنا. لم تكن هناك أية مشاكل في تلك الفترة، كنت أزوره من فترة لأخرى، فهو لم يغير معاملته معي البتة، بل ظل أبي الذي يحبني ويرعاني دائما، يزورني كل فترة وأخرى، نقضي وقتا معا كاي أب وابنته...

ولكن شاءت الأقدار وبعد أن لم أكن أرى أبي لأيام، أصبحت لا أستطيع رؤيته أبدا، ففي أحد الأيام، بشكل مفاجئ تماما، توفي هو وزوجته في حادث، تاركا شرخا عميقا في قلبي، بعد أن كنت لا زلت أتعافى من طلاقهما، أصبحت فجأة يتيمة الأب في ذاك العمر الصغير... بعد أن كان أقرب الناس لقلبي وأكثر شخص أحببته... الأمر الذي ادخلني في اكتئاب وأخذ سنوات طويلة حتى أتعافى منه...
سيلفيا من جهة أخرى، صارت يتيمة دون أبوين أو أي شخص يرعاها وهي طفلة في عمر الخمس سنوات فقط، فقد تزوجت والدتها دون موافقة عائلتها، مما جعل عائلتها تتخلى عنها تماما... فقررت والدتي دون تردد أن تتبناها وتعتني بها كأنها طفلتها أو أحسن في بعض الأحيان. فرغم أنها لا تقربها حتى، إلا أنها اختارت أن تساعدها وتضمها لعائلتنا، وتعتني بها لسنوات...

فارق السن بيني وبين سيلفيا هو أربعة سنوات، وهي جزء من عائلتنا منذ سنين، ولكن رغم هذا، إلا أنها لا تقدر أن تحبني وتتقبلني لسبب ما... كانت دائما تتعامل معي بلؤم، وتخطط بكل الأشكال لإيقاعي في المشاكل... حاولت لوقت طويل أن أفهمها وأفهم لما هي تعاملني هكذا، لما هي تمقتني، ولكن دون جدوى، كل محاولاتي للتفاهم معها باءت بالفشل، وقوبلت برفض ولئم شديدين، فقررت في الأخير أن أتوقف عن لعب دور حمامة السلام، وأن أتعامل معها بما تستحق، فهي لم تعد طفلة بعد الٱن وحان الوقت لتتحمل نتائج تصرفاتها، وتشرب من نفس الكأس الذي جعلتني أشرب منه لوقت طويل.




"ما كان هذا بحق السماء؟" قالت مارثا قاطعة حبل أفكاري.

"ألم تعتادي علينا بعد؟"، قلت بضحك.

"لا يبدو أني أستطيع الاعتياد أبدا". قالت هي ليضحك كلانا.

بدأت بعدها تدريباتي المعتادة... أمشي بمجموعة من الكتب على رأسي، أحاول الحفاظ على توازني وعدم السقوط..
كالعادة لا يمكنني أن أتعود على هذه التدريبات.. انها تافهة فعلا.. لا يمكنني الانتظار لأخرج ليلا واستمتع ببعض الحرية..

استطعت وبنجاح اسقاط الكتب مرارا وتكرار، فان أقاموا مسابقة لمن هو الأسوء في هذا، سأحوز على المركز الأول دون شك وبفخر شديد.
مارثا من جهة أخرى نفذ صبرها، ولم تستطع ايجاد طريقة مناسبة لتعليمي، فكيف يمكنك تعليم شخص لا يريد أن يتعلم؟.
هي تعمل في هذه الوظيفة منذ سنوات، وقد دربت عشرات الفتيات، لأغنى وأرمق العائلات، ولهذا اختارتها والدتي... لكنها في النهاية، وفي منتصف ثلاثينياتها وصلت إلي لتعاني في تعليمي كما لم تفعل من قبل.

"استسلمي فقط يا مارثا، أنا لن أنجح في هذا أبدا، فأنا ببساطة لا أريد فعله".

"ببساطة؟!، ببساطة؟!.. الأمر ليس بهذه البساطة أيتها الجميلة، فلا يمكنك أن تختاري فقط حسب أهوائك ما تريدين ولا تريدين. أنا لست هنا لأحقق أحلامك بل لأجعلك تتعلمين وفقط!!!"، قالت بغضب.

أوكيانوس: لنحبس أنفاسنا معا ||• 💙 Љ ..حيث تعيش القصص. اكتشف الآن